بين بذور المجتمع المدني وطوفان الدولة
عبد العزيز الخاطر
2007 / 2 / 9
الخيار الوحيد والأمن أمام دولنا الخليجية في عصر اصطدام دور الدولة بنمو مؤسسات المجتمع المدني على مستوى العالم ووقوفها ؛ أي تلك المؤسسات أمام تأثيرات دور الدولة السلبي سواء على المستويات البيئية أو الاقتصادية أو حتى الإنسانية هو أن تترك لقوى مجتمعاتها الخليجية المدنية والأهلية فرصة النمو بأقل نسبه من التدخل من جانبها ؛ " أي الدولة " أو حيادها تجاه هذه القوى بمعنى آخر . لعل الفترة السابقة كانت استثنائية حيث تم المزج بين الدولة والمجتمع في المنطقة لظروف خاصة باختزال عملية التطور التي عايشتها هذه المجتمعات الى درجة أصبحت الدولة هي المجتمع ولم تصبح أدوات ومؤسسات المجتمع هي ما يحرك الدولة وبالتالي طمست جوانب عديدة من شخصية هذه المجتمعات ولم يظهر إلا الجانب الاستهلاكي الهش الذى أصبحت الشخصية الخليجية مثلاً بارزاً له بإمتياز ومع ذلك فأن إمكانية النمو الذاتي موجودة كما إن القاعدة الأساسية لمثل ذلك النمو متوفرة أيضاً . في الوضع الطبيعي يكون التأثير متبادلاً بين الدولة والمجتمع لا أن يحل أحدهما مكان الآخر أو أن يلتهم أحدهما الآخر كما أن امتدادات الدولة لا يمكن أن تكون بديلاً عن مؤسسات المجتمع الأهلية حيث أن تلك الامتدادات سواء أكانت جمعيات أم نقابات لا تتمتع ولا تتحرك في فضاء حر – لكونها امتدادات لسلطة الدولة – وهو ما يشترط أو ما تتميز به الجمعيات والنقابات الأهلية . أن بذور التحول الديمقراطي الآمن الذى ننشده جميعاً بعيداً عن بتر الماضي أو الخصام اللدود مع مراحله التي تعاقبت على هذه المنطقة يتمثل في إفساح المجال أمام أمكانية نمو المجتمع الأهلي الخليجي نمواً ذاتياً . بالطبع ليست جميع دول الخليج العربية متساوية فيما يتعلق بدرجة اكتمال مؤسسات المجتمع المدني ولا بدرجة نشاطها ولا بقوة تأثيرها في الرأي العام ولكنها ربما تشترك في تدني سقف مشاركتها الفعلية وموازاتها لدور الدولة ويتضح ذلك في عدم بروز خطابها السياسي والاجتماعي الساعي الى تطوير هذه المجتمعات واقتصار ذلك الخطاب على الطابع الخيري. من أجل حل الإشكالية الواضحة اليوم بين تراجع دور الدولة عالمياً واقتصاره على الخدمات الأساسية التي تضمن أمن وسلامة المجتمع وبين ما نشهده من انقضاض من جانب الدولة على دور المجتمع يكمن في ترك إمكانية النمو متاحة لهذا المجتمع والسماح لعناصره الحية بالتشكل والتفاعل .
أن البعد التاريخي لظهور الدولة في الخليج وارتباط ذلك بظهور النفط أعطى الدولة خصوصية تاريخية جعل منها راعية وحاضنة للمجتمع بدلاً من وجود مساحة بين الجانبين وهو الأمر الطبيعي لحصول التفاعل البناء على عكس ما تم في مناطق أخرى من العالم حيث كان التعاقد والتفاوض تأسيساً للدولة وبمشاركة المجتمع . لقد استطاعت الحقبة النفطية من بين أسباب أخرى أن تؤجل نمو المجتمع المدني في حين كانت النخب العسكرية وشبة العسكرية تلعب نفس الدور في مناطق أخرى من عالمنا العربي ولكن بذور مثل هذا المجتمع في منطقة الخليج ترجع الى الثلاثينيات أو حتى العشرينيات من القرن المنصرم لذلك فإن قيام الدولة بدور المجتمع حتي اليوم أمر لا يمكن تبريره ولا يعمل استمراره على تطوير المجتمع ولا على تقوية الدولة فأهمية مؤسسات المجتمع المدني تتمثل في كونها أداة خلق الطلب الفعال وهذا في حد ذاته البوصلة التي تهتدي بها الدولة وتسترشد بها طريقها في المستقبل وبدون هذه المجتمعات والمؤسسات الأهلية لا يمكن قيام " الديمقراطية التداولية " حيث يتداول المجتمع قضاياه ومشاكله ؛ حيث لا يمكن للدولة أن تقيم ديمقراطية حقيقية دون طلب فعال من المجتمع ولا يرجى من أي أصلاح الاستمرار اذا لم يشارك المجتمع في صياغته وبلورته . ثمة شراكة حقيقية بين المجتمع والدولة هو ما أوصل تلك الدول المتقدمة الى ما هي عليه اليوم. لقد آن الأوان لإقامة الشراكة الحقيقية اللازمة لثقافة العصر ولقد آن الأوان لترك بذور المجتمع المدني الأهلي في الخليج وفي غيره من محيطنا العربي تنمو داخل فضاءاتها المتعددة .
لقد كان للدولة الدور الكبير والأساسي في منطقتنا منذ قيام دولنا الخليجية ولكن تيار العصر فرض آليات ومنطقاً آخر يلقى بأشكال الصراع القديم بعيداً ليقيم مجتمع الشراكة بين المجتمع الفاعل والدولة الحديثة المتطورة . فالدولة الأبوية التي تحتضن المجتمع وتلتهمه متى شاءت وتفكر عنه وتزيله من الوجود اذا لزم الأمر ، أصبحت عبئاً ثقيلاً حتى على نفسها ويظهر ذلك من خلال تلمس خريطة العالم السياسية والاقتصادية فالفرق بين المجتمعات المدنية وغيرها أنه في الأولى لا يشعر الفرد بثقل وقع الدولة على حياته في حين أنه في الأخرى يتساءل (وربما يكون زائراً وليس مقيماً ) عما إذا كان هناك مجتمع أصلا ! وذلك بسبب تمظهر الدولة وتجليها بشكل يخطف بصره ولا يستطيع معه انفكاكاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق