الأربعاء، 18 يونيو 2025

مالعمل؟

 نعيش أجواء حرب أسأل الله جلت قدرته أن يخرجنا منها سالمين وأن يحفظ خليجنا ووطننا العربي من كل مكروه, في الازمات  تصيب الفكر حالة من الشلل  ويصبح البحث عن الخلاص هو ما يسيطر على الانسان  بما يعني أنه يفكر بمجاسته الاولية للبقاء على الحياة, ولكن في أزمة خانقة تحيط بخليجنا ودولنا  ولانملك لها صداً ولا ورجعاً  علينا أن نسترجع ما يجب أن نتحاشاه  مستقبلاً  وما قد ارتكبنا من أخطاء سابقاً جعل منا غير ذي تأثير حتى في مصيرنا والى أين نتجه  لدي بعض الملاحظات أود لو أسردها  أسفاً على بعض الماض واستبشاراً بمستقبل يحمله لنا الله  نتمنى أن يكون مشرقاً

أولاً:هل  لا تزال فكرة"الخلاص الفردي " تعشش في رؤوسنا بعد كل الذي حصل والذي يحصل  من الامور التي جعلتنا كلنا في سلة واحدة أمام أعداءنا شرقاً وغرباً؟

ثانياً: هل لاتزل فكرة إقتسام الاوطان راسخة في مجتمعاتنا نخباً وطوائفاً بعد كل هذه النيران التي تحيط بنا من كل حدب وصوب؟

ثالثاً: هل هناك من لايزال يؤمن بعدم شرعية أنظمتنا   في دول خليجنا العربي حتى الآن رغم انهيار معظم الانظمة التي إدعت التقدمية والديمقراطية من حولنا؟

رابعاً: هل هناك من لايزال يزايد على دور الدولة  من مرجعيات صغرى كالقبيلة والطائفه ويضعها فوق مستوى الدولة واجهزتها والياتها ؟

خامساً هل هناك من لايزال يتعلق بالنقاء العرقي داخل منظومة الوطن الواحد والجسد الواحد الذي يواجه مصيراً  واحداً بكل مكوناته ؟

سادسا ً:هل  لاتزال فكرة الخليج الواحد أو أهمية الاتحاد الخليجي فكرة طوبائية  من نسج الخيال المطمئن بعد كل حالة اللاطمأنينة التي نعيشها  ونعايشها في ظل هذة الظروف ؟

سابعاً: هلا لايزال منحنى الانقسام الطائفي الديني او العرقي يتزايد  في اوطاننا  ونحن أمام العالم  مجرد عالم اسلامي متخلف   يضربون بعضنا ببعض ؟

ثامناً: هل لاتزال العروبة حكراً على عرق دون آخر والاسلام حكراً على طائفة دون غيرها , وتاريخنا  الذي نتغنى به ويعرفه العالم يشهد على أن الاسلام قام على العرب وعلى غيرهم والعروبة إحتضنت جميع الاديان والطوائف داخلها.

تاسعاً: هل هناك من لايزال أن المستقبل  له ودون غيره بعد كل هذا الزلزال المدمر منذ الربيع العربي حتى الآن؟

عاشراً: هل لازلنا نعتبر التنافس بيننا كدول خليجية له الاولوية على التكامل؟ الأمر الذي أضاع جهودنا وعطل تنميتنا الحقيقية.

أسئلة كثيرة لاتنتهي  تجعلنا نفكر اليوم مالعمل ؟غداً بعد انتهاء الغمة بإذن الله هل سنعود كما كنا  الامر الذي إستوجب كل هذه الاسئلة أم سنعتبر من النذر التي تلوح في الافق بأننا أما  قرارت جلل لابد من إتخاذها من أجل مستقبل اجيالنا الحالية والقادمةبإذن الله .

أن الله قد أعد هذه الامة لأمر لو فطنت له  لربأت بنفسها أن ترعى مع الهمل

الجمعة، 13 يونيو 2025

الارض العربية بلا مشروع

 الارض عربية والخصمان   ليسا  من العرب  ولاينتميان  الى أرض عربية , الحرب القائمة التي يعايشها المواطن العربي وتعيش أجواؤها الارض العربية بين مشروعين  أحدهما إيراني  والآخر إسرائيلي, مجال الحرب الصوتي  أرض عربية  بإمتياز , تجتاز الطائرات والصواريخ الاسرائيلية الاجواء والاراض العربية لتصل الى أهدافها  داخل العمق الايراني , كما تجتاز الصواريخ الايرانية الاجواء والاراض العربية لكي تصل الى إسرائيل. وجود عربي باهت وسط أجواء  تهدد  وجود العرب  واستقرارهم , أيران لديها مشروع وتسعى لتحقيقه بغض النظر عن  مصالح الاخرين , إسرائيل أيضا  لديها مشروع  تريد تنفيذه في المنطقة  لتمتلك الزعامة والريادة  ,كلا المشروعين المتحاربين  قائمين على حساب المشروع العربي الغائب او المغيب , حيث الارض التي   تستثمرها هذه الحرب,. غياب كامل  لأي مشروع عربي واضح لأمة تمتد من المحيط الى الخليج .نفتقد ثقافة المشروع كأمة , المشاريع  القُطرية ليست كافية  لتفعيل الدور العربي  اقليمياً وعالمياً, الصدمة من فشل المشاريع القومية العربية السابقة يجب أن لاتثنينا عن إعادة التفكير في بناء مشروع عربي  قائم على مستلزمات العصر الحالي وشروطة, تلك كانت محاولات فردية  سلبياتها اكثر من ايجابياتها لكن لايمنع من الاستفادة منها وتجاوزها , أمة بلامشروع تصبح موضوعاً للإستباحة , إذا كانت إيران مشروع قومي فإن اسرائيل مشروع غربي , الغد لايرحم من لايملك إرادته  وليس هناك إرادة فاعلة دون مشروع واضح وقابل للتنفيذ  من أجل الانسان , فأنقذوا الانسان العربي من الاستباحة

الخميس، 12 يونيو 2025

البنية الثقافية ودورها في التحول الديمقراطي

 


قوة الدولة تختلف من منطقة الى أخرى داخل عالمنا العربي الكبير وهذا الاختلاف له مدلولاته السياسية والاجتماعية وتأثيراته على تطور المجتمع وسهولة ولوجه الى المرحلة التحول الديمقراطي المنشود ففي البلدان التي لا تزال البنى الثقافية والاجتماعية فيها فاعله نرى دوراً للدولة يختلف عن تلك البلدان التي لم يعد يوجد فيها بنى تقليدية فاعله أو استطاعت الدولة أن تقضي عليها أو إذا افترضنا وجودها فأنها على الأغلب شكلية .
أستطيع أن أسوق أمثله لتوضيح ما أقصده فالمثال على وجود قوى أو بنى ثقافية فاعلية يمكن رؤيته في كل من لبنان حيث الطوائف أو اليمن حيث القبيله تلعب دوراً حاسماً في إدارة المجتمع وتحولاته في هذه البلدان نجد الدولة تتعامل بشكل سياسي يميل الى توزيع المقدرات بين هذه البنى أو القوى على نحو توافقي لتتمكن من السيطرة على زمام الأمور وهي هنا أقل بطشاً وعنفاً . في حين أن المثال على قيام الدولة بإزالة البنى الثقافية داخل المجتمع يتمثل في تونس أيام بن علي( راشد الغنوشي في إحدى حواراته ) والنتيجة لذلك امتلاك الدولة للمجتمع بشكل كلي وقضاءها على أي إمكانية للتطور في اتجاه المنحنى الديمقراطي الذى يفترض إيجاد بدائل لهذا البنى التقليدية بشكل تدريجي يمكن المجتمع من التقليل من سيطرة الدولة وبطشها .
أما المثال على شكلية هذه البنى التقليدية وعدم فاعليتها بشكل يجبر الدولة على توزيع الأنصبة فهي بلدان الخليج العربي فالقبيلة فيها رغم وجودها إلا أنه وجود شكلي لا يستطيع الوقوف أمام الدولة وجبروتها أو إجبارها على التعامل معها أو مع مؤسسات المجتمع الأخرى بشكل أكثر حيادية لأسباب كثيرة منها الندرة السكانية واعتماد الاقتصاد على الريع المستخرج بواسطة فعاليات أجنبية لا تشارك فيها القوى الوطنية إلا بالنذر اليسير والجميع يعلم لما لهذه البنى الثقافية والاجتماعية بجميع أشكالها ، القبلية والطائفية من دور كبير أثناء مرحلة مقاومة الاستعمار ومعارك التحرير الوطني في جميع بقاع أمتنا العربية ، ولكن التحول السلبي حصل بعد الاستقلال حيث امتلكت الدولة سواءً كانت على شكل الحزب الواحد أو القبيلة أو الطائفة زمام الأمور وتنكرت لتلك القوى التقليدية وماضيها وتاريخها وعملت بالتالي على تهشيمها أو أزالتها أو إبقاءها كديكور لا أكثر ولا أقل فأصبح الأمر وكأننا في حاجة الى استقلال ثان ، ليس من المستعمر هذه المرة ولكنه من الدولة بشكلها الشمولي الذى يدوس على بنى المجتمع التي يمكن تطويرها بحيث تصبح نواه للتحول الديمقراطي المنشود . أن الديمقراطية في نهاية المطاف صيغه توافقية بين العديد من الأطراف ذات المصلحة المشتركة من هذا التعايش . لذلك يتطلب الأمر تحويل هذه البنى وتطويرها الى صيغ أكثر ملائمة للعصر . 

الحاجة الى " أنسنة" العلاقات

 التطورات السريعة التي تمر بها البلاد خاصة على الصعيد المادي ودخول المادة كعامل أساسي في رسم العلاقات وأهميتها تنقل هذا المجتمع الصغير من مرحلة نفسية متميزه كانت صفه من صفاته وعنواناً لتفرده وتميزه عن غيره من المجتمعات التي رسمت فيها المادة قيماً جديدة وبدلت الحال الى أحوال جديدة بحيث لم تعد مركزية العامل الإنساني هي المحرك للعلاقات وبالتالي شكت ولا تزال تشكو تلك المجتمعات من ذلك وتتحسر على ما مضى عندما كانت المادة تشكل هامشاً حياتياً فقط للإنسان ولم تنهش بعد من ذاته لتستقر بديلاً عنها . مجتمعنا الصغير يدخل الى مرحلة جديدة بؤرتها المادة ونقطة الامتصاص فيها المال فبالتالي يجب التنبه الى أن قوة مجتمعنا القطري هي في تلاحمه مع بعضه البعض بعيداً عن أي عوامل أخرى غير إنسانية . كانت ثمه مادة لدى الكثير في الماضي ولكنها لم تستقر لتشكل العلاقات والدرجات والتراتيب الاجتماعية لوعي أصحابها ( أي المادة ) في ذلك الوقت بأن البعد الإنساني هو الأغلى وهي ما يعول عليه ، لقد تنبه علماء مدرسة فرانكفورت النقدية لهذه المخاطر في مجتمعاتهم الأوروبية ودافعو كثيراً عن مركزية الإنسان في الكون بعيدا عن حمى الرأسماليـة الزاحفة وخشى " ماركوزه " من تحول الإنسان الى إنسان ذو بعد واحد تحركه المادة وينجذب إليها ، على كل حال لا يزال هناك كثير من الخير والأمل في مجتمعاتنا الخليجية ولا يزال هناك من يعىّ بأهمية الإنسان ومركزيته كإنسان بعيداً عن شوائب المادة ولكنه لا يجب إغفال حقيقة هامة وهي أننا ندخل عملية تطور سريعة لم يسبق أن خبرناها في سرعتها وفي حجمها ولابد أن تحدث تغيرات في شكل العلاقات وبناءها مما قد يكون له تداعيات سلبية على لحمة التكاتف والارتباط التي حرص المجتمع وحرصت القيادة على بقاءها ، نحن بحاجة الى التمسك بأنسنة العلاقات الاجتماعية ولا نجعل شيئاً آخر يطغي على هذه الأنسنه لتبقى قطر وهي في طريقها النهضوي ورغم اتجاهها السريع في طريق التحديث " قطر الرجال الأولين بحق " .

أذا كانت عملية " الانسنه " للعلاقات تتم في السابق بشكل عفوي فأنها اليوم على ما أعتقد في حاجه الى عملية استحضاردائم لكي لا تغشى غمامه المادة على إنسانية الروح ومحوريتهافى هذه الدنيا الذاهبه

المثقف بين الثبات والطمع والزئبقية

 من الصعب على العربى ان يثبت ان موقفه تجاه اى قضيه فى بلده موقف "مبدئى" اى يقوم على الايمان بالمبدأ وليس على اى شىء اخر, ومن السهل جدا ان يقال له انه لو اصاب شيئا من الغنيمه لتغير موقفه ولربما انقلب رأسا على عقب , وحده الموقف من العقيده لدى البعض وليس الكل يمكن ان يكون استثناء . تاريخنا العربى هو تاريخ" الغنيمه بأمتياز, وتاريخ الولاءات بدرجه مماثله. لذلك يضرب المثل بالمعارضه العربيه عندما يأتى الحديث عن الظرف والانتهازيه لا عن الاجنده والمبدأ. المولاه والمعارضه فى عالمنا العربى لعبة كراسى موسيقيه كل فقره تنتهى يتغير فيها الكرسى وصاحبه من موقع الى اخر. لذلك كثير مما يثار فى الصحف والمجلات وكثير مما يكتب لايخرج تقييمه عن ذلك , لو اصابه شى من الغنيمه لانتقل الى الضفه الاخرى لايستطيع حتى الصادق اثبات غير ذلك لانه لم يتعرض للاختبار بعد. قل لى كم وزير رفض الوزاره والمنصب رغم انتقاده للسياسات وتوجهها . الموقف المبدئى يحتاج الى بنيه تحتيه مختلفه تماما غير متوفره فى عالمنا العربى, ما يفعله العربى هو اداءه للدور لااكثر ومهما كانت درجة تقمصه لهذا الدور يظل الخروج منه سهلا وميسرا. العربى صاحب مبدأ من السلطه حتى تلوح له او تغريه الغنيمه التى يقوم عليها عقله السياسى كما ذكر الجابرى رحمه الله . المبدأ من السلطه ليس هو بالضروره المبدأ من الحياه. تاريخنا شاهد على اعتذاريات مثقفينا وتراجعهم وانخراطهم وعودتهم وتنكرهم لما قاموا به والعود احمد وحتى لولم يتغير السبب او يزول ولكن ظروفهم تغيرت اما سلبا واحيانا كثيرا ايجابا.

لذلك لاتعبأ العقليه العربيه وحتى ونحن فى عصر ثورة الاتصالات وسرعة وسائل النقل بما يكتب وتعبأ به الصحف والمنتديات , لانها تدرك حسب تجربتها الطويله التاريخيه التى عاشتها او قرأتها تاريخا ان القضيه قضيه نصيب من الغنيمه لم يتحصل بعد, ولا تكترث السلطه كذلك به لانها تملك الجزره وتستعملها حين ومتى تشاء . ربما هناك استثناءات عبر التاريخ بسيطه جدا لاتكاد تذكر فى ثنائيه الفرد والسلطه بالذات. لست ممن يؤمن بالحتميات ولكن الخروج منها يتطلب حفرا تاريخيا وخروجا عن المرجعيه التاريخيه التى تؤبدها. هل يعذر العربى عندما يكون موقفه زئبقى حسب ترائى الغنيمه له ؟ الم يكن متماشيا مع تاريخه الذى يقرأه ماضيا ويعيشه ويصنعه معهم حاضرا؟ وهل يلام من ينتقد مثقفى هذا العصر بأنهم وقتيون و حسب مصالحهم ؟ جميعنا ينتقد من اجل الصالح العام الكل يقول ذلك ولكن ماذا اذا انتفى تقابل الصالح العام مع الصالح الخاص, او ماذا لو ضحكت لك السلطه يوما هل تقوى على مقاومة اسنانها الذهبيه ام انك خارج التاريخ العربى هذا هو السؤال؟

الثلاثاء، 10 يونيو 2025

فكرة" المسلم الأعلى"

 عندما تشعر بأنك لست مسلما بالقدر الكافي، عندما تشعر دائما بذنب التقصير، عندما يحتويك الندم المستمر بأنك لايمكن أن تكون مثل أولئك الاوائل في الإسلام، وإن عليك دائما أن تكون أكثر إسلاما، صورة المسلم الأعلى من جانب العبادات فقط، وليس من جانب المعاملات الدنيوية، أو من منطلق البعد الإنساني الذي يأخذ بظروف الوقت ومتغيراته، هي حالة من الحزن الدائم الذي يرتبط لدى البعض ذهنيا بفكرة المسلم الأعلى،وهي لست صورة صحية للإسلام ولا للمسلمين، الإنسان كائن مادي، توحشك على ماديتك باستمرار لايحولك إلى كائن نوراني، يعيش المسلم اليوم ضمن نطاق دولة وسط إقليم عالمي، مالم ينتم إليه إنسانيا خاصة وأن الإسلام دين إنساني، لكن التركيز على فكرة المسلم الأعلى تضع النشء في حيرة من أمره ومن مستقبله، شهد التاريخ امبراطوريات عظيمة قامت على فكرة الإنسان الأعلى ولكنها إنتهت، لكن الاديان استمرت، المهم أن لاتنتج وحوشا جريا وراء فكرة الإنسان الأعلى هذه، المسلم المتواضع الذي يهدي البشرية إلى خير السبيل، الذي أوصل الإسلام إلى أرخبيل الفلبين وجزر اندونيسيا، هذا المسلم المتعامل مع ظروفه وبيئته بشيء من تواضع الإنسان وعظمة الإسلام، هو من أنتج اليوم توافقا بين الإسلام والعصر في تلك الدول كماليزيا واندونيسيا وغيرهما، المسلم ليس كائنا خارقا، حتى يعيش تبدل العصر دون أن يندمج فيه اندماجا ايجابيا، يجعل منه في حالة طلب مستمر لبناء ذات إسلامية إنسانية، تعلو بحقيقة الإسلام السرمدية وفي نفس الوقت تؤكد حقيقة الإنسان المرحلية ووظيفة المسلم في السعي وراء الكمال ليس انطلاقا من الحتمية الالهية ولكن انطلاقا من ثنائية الذنب والاستغفار البشرية

الجمعة، 6 يونيو 2025

دع الخلق للخالق

 تتردد هذة الجملة كثيراً  ونسمعها دائماً  في مواقف كثيرة, هل هي  مقولة سلبية  تنم  عن انانية    الأمر الذي يجعل  من نارها تحرق قدميك مستقبلاً  إذا وقفت منها موقفاً سلبياً أم  هي إيجابية  كما يقال لاتتدخل فيما لايعنيك, أو من تدخل فيما لا يعنيه لقي مالا يرضيه. هناك من يرى انها مقولة دينية مسيحية.لعل هذه العبارة تعبر عن نزعة صوفية  زهدية  اي ترك الانشغال بأحوال الناس  والاهتمام بأصلاح نفسك  ولقد وردت معان مشابهة لها  مثل  رحم الله 

 إمرأً  شغلته عيوبه عن عيوب الناس .  "ومن حسن اسلام المرء تركه مالايعنيه"  حديث  نبوي صحيح وقد شاعت هذه الجملة في الادب الشعبي والوعظي  هناك من ينظر أنها مقولة سلبية ضارة بالمجتمع المسلم  الذي فيه  تغيير المنكر واجب الجميع كل حسب إستطاعته ولايجب  ترك الامور   والانزواء بعيداً عن الشأن العام , لايصح ذلك لمسلم يدرك معنى الاسلام في حماية المجتمع المسلم,   الخطورة في "تثوير"  هذه الفكرة التي هدف الدين من خلالها التدرج في إزالة المنكر إن وجد , الى الدرجة التي تجعل من المقولة أو العبارة  إستفزازاً  للمسلم  وبالتالي يكون رد فعله مبالغ فيه, فهي  قد لاتعني بالضرورة شأن المجتمع وانما شأن الافراد  أو فرد, في تدبيره أو رؤيته للحياة  وللوجود عامة  دون المساس  بالآخرين أو  بحقوق المجتمع والافراد فيه , علينا ان لاننطلق من  ضيق المعنى بل من سعة العبارة , من سعة الامكان لا من حيز الضرورة الضيق ,   وفي تراثنا هناك الكثير من الكتب  تدعو الى ترك الناس وعدم الانشغال بأحوالهم  منها كتاب إحياء علوم الدين للغزالي, فمثل هذه الاقوال  لاتستجلب الوصاية  على الناس او المجتمع  أو هكذا يفترض  فالادب الشعبي عموماً مجال خصب لاقاويل الناس وخبراتهم في الحياة  ومجموع افكارهم واعتقاداتهم التي  هي  في المجموع إفرازاً لتجربة حياتيه معاشة 

المسافة الاجتماعية

 مجتمعنا يحتاج إلى إعادة الاعتبار لما يسمى بالمسافة الاجتماعية، وهي في أبسط تعريفاتها الحيز الخاص للإنسان الذي يتحرك فيه بما يحفظ له قيمته وكرامته ووضعه الاجتماعي، ما ألاحظه أن هناك التباسا كبيرا في فهم العلاقات وخلطا كبيرا بين مستوياتها نتيجة لعدم اعتبار هذه المسافة الاجتماعية وتقدير أهميتها، وهناك أسباب راجعة في ذلك للفرد وأسباب أخرى ترجع إلى المجتمع في ذلك. نوازع النفس البشرية تجعل منها أحيانا تلغي المسافات وتبرر الغايات، لكن المهم أن ينتبه المجتمع والسلطة إلى خطورة ذلك على الطمأنينة الاجتماعية التي تفترض وجودها مؤسسات المجتمع ومؤسسات الدولة بحيث تكون هناك منطقة وسطى من شبكة الخدمات التي تحافظ قدر الامكان على بقاء العلاقات أفقية بين أفراد المجتمع ولا تتحول إلى سباق إلى نسج العلاقة العمودية دائما وباستمرار مع السلطة على حساب المسافة المجتمع، وعلى السلطة كذلك أن لا تستغرق في الدخول في المجتمع بشكل يلغي العلاقة الافقية أو يجعلها غير ذات نفع بين أفراد المجتمع، لابد من إيجاد منطقة وسطى من شبكة الخدمات ذات الكفاءة مجتمعيا وحكوميا، بحيث يحافظ الفرد على مسافته الاجتماعية بشكل يحفظ كرامته وحقوقه. أرى أن مجتمعنا ينساق سريعا إلى عدم اعتبار المسافة الاجتماعية بهذا المفهوم والتي كانت واضحة ورصينة فيما مضى، أرى اليوم غيابا واضحا لها يؤثر على نمط العلاقات الصحية بين أفراد المجتمع، تدخل الدولة للحفاظ على هذه المسافة مهم جدا باعتماد المؤسسة لا الأفراد بحيث تكون المسافة الاجتماعية ترتبط بالمؤسسة دون الافراد وبالتالي بالثبات وليس التغير وبالطمأنينة ليس بالتهور، المجتمع بحاجة إلى من يطمئنه نتيجة التغيرات السريعة التي يمر بها وتأثير الريع الذي يحيل المعدم ثريا في يوم وليلة، أعيدوا الاعتبار للمسافة الاجتماعية والمجال الحيوي للأفراد الذي يحفظ قيمتهم ومكانتهم ويهدئ من روعهم لكي يطمئن المجتمع ولا يدخل في سباق مستمر مع ذاته دون منافس فيصبح الفوز فيه والهزيمة سيان.

الثلاثاء، 3 يونيو 2025

الى عرفات الله

 · حينما يقف  ضيوف الرحمن في عرفات يكونون قد اطمأنوا على أن حجهم قد وصل إلى مراحله الأخيرة، والاطمئنان هنا اطمئنان في الروح واطمئنان في النفس واطمئنان في الأبدان، وتلكم رغبات قلَّ أن تتوفر عند كثير من الأمم التي لاتدرك معنى التوحيد , أيام مباركة نعيشها اليوم , أحبة لنا  في اغلى بقاع الارض يلبون دعوة الله الى نبيه ابراهيم أن أذن في الناس للحج الى بيت الله في ارض  هي من اصعب بقاع الارض جغرافياً , لقد شرفني الله بأن قمت بهذه الفريضة العظيمة منذ خمسة عشر عاماً مضت إلا أنها لاتزال في سمعي تترد لحظاتها كل عام في مثل هذة الايام العظيمة, شعور روحاني لم أختبره من قبل ونحن نتجه  صباحاً الى عرفات في يوم الوقوف الاكبر , الناس من حولنا كأنهم جراد منتشر , تركوا الدنيا وراء ظهورهم , متجردين منها ألا من مخيط أبيض , حتى المغيب  , لايعود المسلم من الحج  كما كان قبله , كل من لايتغير لم يحج أو لم يتفاعل مع الحج كحركة تجدد الحياة   وتبدأ معها مشوراً جديداً , في هذة الرحلة الدينية يقترب الانسان من الله  لأنه يرى نموذجاً مصغراً ليوم الحشر الاكبر يوم يقوم الناس لرب العالمين  وأستجابة   لنداء عظيم  خرج الناس   لتلبيته من كل فج عميق , الوان من البشر , وجوه  يعلوها الامل , بكاء رجاءً للمغفرة والتوبة, دعوات تصعد الى عنان السماء  تهنز من هديرها الجبال , يوم عظيم , تتكلم الطبيعة فيه قبل الانسان شمسه مختلفة حين تشرق وحين تغرب  وكأنه اليوم الاول والاخير   في هذه الدنيا الفانية,  اللهم  بلغنا عرفة مرة أخرى, اللهم انصر أخواننا في غزةالباسلة, اللهم  آمنا في أوطاننا , اللهم أرحم تقصيرنا في حقك وفي حق أخوة لنا  يبادون ونحن  عاجزين كأفراد وشعوب عن نصرتهم.  اللهم ارحم ضعفنا وقلة حيلتنا, اللهم  عوداً أحمداً لكل حاج هذا العام وكل الاعوام اللاحقة ,  اللهم بلغنا عرفة والعيد ونحن بخير وعلى أمل بتلبية ندائك الخالد طالما كانت هناك انفاسُ تترد في اصدورنا

الى عرفات الله ياخير زائر

عليك سلام الله في عرفات

على كل افق بالحجاز ملائك 

تزف تحايا  الله والبركات  

 

 

ارى الناس اشتاتاً  ومن كل بقعة

اليك  انتهوا من غربة وشتات

تساوؤا فلا الانساب فيها تفاوت

لديك ولا الاقدار مختلفات

السبت، 31 مايو 2025

مجتمع الدهشة

 كون الدهشة فاعلة وايجابية حين يعقبها سؤال حيث انها في الأساس تمظهر لجهل وتعبير عن عدم معرفة، والتطور الانساني عموما جاء لازالة الدهشة عن حياة الانسان، الاديان ذاتها أزالت دهشة الانسان وكشفت له عن أجوبة لأسئلة الوجود. الدولة المدنية والتطور السياسي قلّص من أسئلة الدهشة عند الشعوب بتحويلها إلى أسئلة تجد لها اجابات عند مؤسساتها وأفرادها. عندما يشعر المجتمع بأن الدهشة سمة يومية فثمة خطأ في حياته وثمة توعك في مسيرته وخطاه.

البرلمانات وجدت للإجابة عن أسئلة الدهشة لدى المجتمعات، ووجدت لاظهار وابراز من يستطيع الاجابة عن أسئلة الدهشة المتكررة. المعضلة كما أراها ليست في الدهشة الايجابية ذاتها أي تلك القادرة على طرح الاسئلة للتخلص من دهشتها ذاتياً، المعضلة في الدهشة السلبية التي لا تقوى على طرح الأسئلة لسبب ما. عندما تعجز المجتمات عن معالجة دهشتها لا تتطور بل تتكور وتستلب.  مجتمعات الدهشة مجتمعات معوقة لاتستطيع فرض رؤيتها ولاتحقيق مطالبا، مجتمعات الدهشة  دائما تنام على شكل وتصبح على شكل آخر، مجتمعات الدهشة  تبصم حتى على شهادة وفاتها د  كحاطب ليل لايعرف مكانه وماذا يلامس أحطب كان أم أفاعٍ، امجتمعات الدهشة كمن يحمل داءه في ردائه،   مريضة نفسياً لأن عدوى الدهشة السلبية تجعلها تشك حتى في نفسها،   تقول نعم في النهار وتعقبها بلا خفيفة في الليل بين الجدران، أفرادها لا يمكن أن يتغلبوا على فرديتهم لصالح مجموعهم، نزواتهم أولوية وشعارهم الفردية، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. لا يعرف التاريخ شعباً كالشعب العربي عانى ولم يزل يعاني من الدهشة تمر العقود عقداً وراء آخر، ودهشتهم تزداد مع سرمدية القائد الملهم، وأيامهم تفنى مع الوعود البراقة بالديمقراطية والانتخابات النزيهة، أجيال ترحل على أمل لا يستطيع الأبناء تحقيقه فتصبح الدهشة مركبة لدى الأحفاد بعد ذلك. أين أسئلة الهزيمة؟ أين ملفات المسؤولية؟ ومن يتحملها؟ عجزت الشعوب عن طرح أسئلة الدهشة التي انتابتها، فاستمر الاندهاش واستمرأته الشعوب حتى صار ديدنها فاستحقت بحق شعار مجتمعات الدهشة بجدارة.  

مركزية القرآن ... كنص أم كواقع؟

 كيف  نفهم القرآن؟ هذا السؤال يراودني بإستمرار, هل نفهمه إنطلاقاً من النص  الثابت أم إنطلاقاً من الواقع المتغير؟  وهل يمكن فهمه  بتفكيك النص  الى أقصى إحتمالاته  ليتوافق مع الواقع لضبطه  في حياة متغيرة بإستمرار؟ وهل يمكن الاكتفاء بالنص كحروف وكلمات أم الحاجة الى فهم روح النص  هي مايمكن الركون اليه  ليتماشي مع المسلم في كل زمان ومكان ؟ هل يمكن القفز الى حدود ومرامي القرآن القصوى  مباشرة حيث أنه كتاب كثيف المعاني  وعميق المرام أم يمكن استشفاف ما يجعل منه  مشروع سلام لا موضوع صدام ؟كثيرة هي الاسئلة التي يعيشها المسلم  نظراً لعظمة كتابه الذي أنزل عليه عن طريق رسول الاسلام الكريم, هناك من المفسرين  ما يعتمد على اللغة في شرح القران وما يكتنفها من إعجاز وبلاغة. وهناك البعض الآخر من يأخذ بروح النص القراني  واخرين  يرون فيه كتاب إعجاز علمي  وهناك من يربط  الواقع به ربطاَ مباشراً, فالتغيير يبدأ   من  الواقع  مهما كانت تعقيداته الذي يجب أن يتغير ليتماشي مع  النص, وآخر ينطلق من الواقع لفهم النص  وتفكيك كثافته ليحصل منه على حلول  لهذا الواقع المتغير الذي يعيشه المسلمون اليوم, ما أود الاشارة اليه هو أنه رفقاً بشباب المسلمين , فهم يعيشون اليوم عصراً لايملكون من أدواته العلمية الا الشىء اليسير بل  ويعيشون إحباطاً  مركباً ليسوا في حاجة الى "تثوير" القرآن بقدر حاجتهم الى فهمه والتوافق مع  غاياته  وما يهدف اليه , جاء الدين لخدمة الانسان والبشرية جمعاء , واقعنا معقد الى درجة كبيرة , يعيش العرب والمسلمون على هامش الحضارة الانسانية اليوم انتاجاً  وعلماً, فلنأخذ من القران ما يساعدنا على النهوض  والوسطية  ولا نلج العالم  بسلاح أوحد وهو الدين  فقط , فعندما ساد المتطهريين اوروبا  وبفهمهم الحدي للعقيدة هرب أهلها الى العالم الجديد أمريكا وأقاموا  حضارة  تعايش لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل . فالذي يفصل بين الاستشهاد في سبيل الله  وإلقاء الانسان بنفسه الى التهلكة خيط رفيع لايرى بالعين المجردة, فلنحافظ على دولنا وقياداتنا  ما أمكن  ولنعمل على الاصلاح من الداخل  من خلال ثورة ادارية  وعلمية  ولننظر  الى  النيران  التي تلتهم العالم على حدودنا ونحن لانزال في مأمن منها بفضل الله أولاً ثم بفضل الخيرية التي تمثلها هذة المنطقة وأهلها .

الجمعة، 30 مايو 2025

المستقبل ... و الفكر أم الواقع؟

 في اعتقادي ان هناك لحظتين  تاريخيتين حاسمتين  كان لهما الاثر الفعلي قي تشكيل ذهنية المجتمع  وطريقة تفكيره , حيث قبلهما لم يكن مجتمعاً بقدر ما كان تجمعاً حيث المجتمع لابد وان يملك وعيه بذاته وارادته  ليصبح مجتمعاً بالمعنى المتعارف عليه  .

 اللحظة الاولى  هي اللحظة الاقتصادية  : تفجر النفط 

واللحظة الثانية : هي لحظة الاستقلال والشروع في بناء الدولة

كلا اللحظتان  لم  تكتملا بعد , وتعمل الدولة جاهدة لاستكمالهما ,  لحظة الانتقال من اقتصاد الريع الى الاقتصاد الانتاجي , ولحظة قيام الدولة الى استكمال مؤسساتها الدستورية.  هنا بالامكان ان أطرح سؤالاً  هنا وهو  من الذي يسبق الآخر  الواقع  أم الفكر هنا ؟ بالنسبة لتحقيق هذين الهدفيين الساميين , وهما الانتقال من الريع الى الانتاج , والاسراع في بناء دولة المؤسسات الدستورية بعد قيام الدولة بما يقارب الخمسة عقود.أستطيع ان أشير الى أن إقامة أو دعم جذور المجتمع المدني الموجودة  خطوة حاسمة وضرورية  لتحقيق  اهداف الخطوتين التي ذكرتهما آنفاً, تنفق الدولة إنفاقاً عظيماً على القطاع الصحي والقطاع التعليمي وجميع القطاعات الاجتماعية الاخرى  في المجتمع , كما يتطلب القطاع الخاص كذلك دعماً  لاتألوا الدولة جهداً في تحصيله   وتوافره , يبقى تفعيل  قوى المجتمع المدني من نواد ونقابات وجمعيات  لترفد الدولة والقطاع العام  بكوادر  شبابيه مؤهله  ذات تفكير خصب ومستقل , مكونات المجتمع المدني  رديف قوي للقطاع العام  ولايمكن لاي مجتمع  يطمح الى التقدم نوعاً وكيفاً  من عدم الاهتمام به بحيث يبدو مستقلاً ما أمكن  لتحقيق التكامل  وسد الفجوات داخل المجتمع وتأهيل كوادر ذات فكر  نوعي  وغير شمولي لتحقيق  النمو الكيفي , كلما كان هناك تعاون وتنسيق بين القطاع العام والقطاع الخاص المستقل  أمكن للواقع أن يتغير نحو آفاق جديدة و ,أمكن للفكر ان ينطلق نحو ابعاداً  مستقبلية.


الجمعة، 23 مايو 2025

عن مجتمعنا المطمئن

 كان ما يربطنا بالدوحة هو الذهاب إلى المدرسه صباحا أو الذهاب إلى مستشفى الرميلة عند الحاجة وأيام الأعياد حيث نستأجر تاكسيا وأذهب وبعض الإخوان إلى منطقة «البدع» حيث  بعض الاقارب، وكان البدع عبارة عن فريج ضيق الأزقة والممرات  ، وأذكر أننا كنا نمر على جميع البيوت ما أمكن للحصول على العيدية ولا نرجع إلى الريان إلا وقد كنا استنفدناها، حيث البحر قبل الكورنيش الحالي مجاور للبيوت وبعضنا يتعلم «الحداق» والبعض الآخر يقضي وقته على البحر أو أمام أحد االدكاكين في البدع مع الأصحاب والأهل أو الأقارب من الشبان في ذلك الوقت. في غير هذه المناسبات المحددة كنا محكومين بجغرافية الريان صيفا وشتاء ما عدا الخروج للبر أو للبحر. كان للريان طبيعة خاصة وهي على ما أعتقد التي أعطته هذا المسمى الجميل فهو محاط تقريبا بالمزارع وحتى كنا نستيقظ باكرا على أصوات ماكينات جلب المياه في هذه المزارع وبه العديد من برك السباحة ففي بعض المزارع هناك أكثر من بركة، نقضي أوقاتنا صيفا في السباحة فيها وفي صيد الطيور، وكنا نواجه ممانعة ورفضا أحيانا من المشتغلين فيها  و كان والدي يمتلك مزرعة في غرافة الريان داخل سور المدينة التعليمية حالياً بها بركتان للسباحة، في الليل ليس هناك سوى جلعة «قلعة» عبدالله بن جاسم التي سكنها حفيده الشيخ جاسم  بن علي بعد ذلك حيث يلتقي أهل الفريج جميعاً عصراً واحياناً ليلاً على العشاء  من الجانب الآخر فكان في بيتنا «دجة» أو دكة خارجية للجلوس عليها في الليل حيث الهدوء التام والسكون الجميل، ومعظم بيوت أهل قطر كانت تحتوي على «دكيك» حيث لم يكن الضيق معقولا والمساحات خالية والفضاء واسعا. بالإضافة إلى المجلس بالطبع، تليفزيون أرامكو أدخل وعيا جديدا، فلم يكن في المنطقة سوى تليفزيون الكويت وكان إرساله ضعيفا ونادرا ما يكون واضحا ومستمرا، حين كنا نتشوق لمسلسل «أبو جسوم» الشهير في تلك الأيام، أما تليفزيون أرامكو من الظهران فكان من الممكن مشاهدته بشكل شبه منتظم، وكان حقيقة على قدر من التخطيط الواعي لثقافة المنطقة كانت كانت جميع أفلامه مدبلجة تماما باللغة العربية، كما أنه ذو أجندة ثقافية فهناك برنامج ثقافية وتسلية كما أن  هناك أيضا المصارعة الحرة التي امتلكت قلوب الكبار «الشيبان» في ذلك الوقت وكأنهم ملوا من دعة الحياة وسكونها ويريدون استرجاع أيامهم الأولى في مصارعة البحر بحثا عن اللؤلؤ، من كثر ما كانوا حريصين على متابعتها بإنتظام،  وكان أحدنا يخبر الأخير إذا ما استعلم عن موعد لعرض فيلم لفريد شوقي، لما لأفلامه من شعبية نظراً لمشاهد المغامرات والعنف وانتصار الخير في النهاية  ليقوم بإصلاح الإريـال «الهوائي» وتوجيهه الوجه السليمة ليتمتع بمشاهدة مثيرة وممتعة تمتص انفعالاته الداخلية ليستلقي في فراشه ساكنا مستسلما للحظات من النوم الهانئ. كان مجتمعاً ينعم بالطمأنينة ولم يكن هناك مايعكر صفو يومه , كان فكره ملاصقاً  لواقعه, وهو ما يبعث عن السكينة والطمأنينة , التي عكر صفوها اليوم , دخول العالم الى وعي الانسان دون استئذان  فتجده يعيش  معاناة الواقع الافتراضي المفروض على وعيه تاركاً واقعه الملموس فريسةً  للهموم والتفكير  المفرط  الخارج عن ارادته  فيشقى بها فكره ويضيق بها عقله. يالهفاً أين غابت تلك الطمأنينة؟

الأحد، 18 مايو 2025

زلزال " المنصب"

 هناك من يقضي سنين في المنصب دون أن يصدق أنه يحتل هذا المنصب؟ هناك من يريد من يذكره دائما أنه لا يزال وزيرا أو مديرا؟ هناك من يقضي فترة المنصب كلها وهو غير مصدق أنه فعلا أصبح فيه، وبالتالي هناك من يخرج من المنصب وهو لا يزال يعتقد أنه لم يدخله بعد شوقا إليه، وأن المستقبل ليس الغد وانما هو أيام المنصب ولياليه الخالية، لاحظت عجبا وأنا أتأمل المناصب وروادها في بلادنا، شيء عجيب، هناك من يستقبل المنصب بشهقة لا يفيق منها حتى آخر أيامه على كرسي المنصب، ينسى من حوله سوى من عيَنهُ، لا يتذكر من المسؤوليات سوى قرار تعيينه.

إشكالية المنصب لاتزال قائمة رغم قيام الدولة مما يقارب نصف قرن الآن، قلة فقط من كانوا خارج الشهقة التي يحدثها "زلزال"   المنصب، هذه الظاهرة أفرزت ظاهرة ثانية جاءت بعدها وهي ظاهرة «يتامى» المنصب، بعد ذهاب المنصب كثير من اصحاب الشهقة أصبحوا يعانون اليتم، لأن تأثير «الشهقة» عند اختيارهم للمنصب أعمى اعينهم عن موضوعية المنصب ووقتيتهُ وربما أخلاقياتهُ.
توابع  زلزال المنصب النفسي  لها طابع اجتماعي بحت بعيدا عن المهنية المطلوبة، نشاهد صاحبها يقدم مصلحته على حساب ربما المواطنين ويعمل كذلك على تطويل أمد بقائه في المنصب، على حساب جودة أدائه وحيادتهُ أمام مسوولية الوظيفة.
لا أعتقد اننا سنتقدم إداريا طالما أن المنصب يُحدث «شهقة» في نفس من يتم اختيارهُ له لا يفيق منها إلى وقت طويل، لذلك تجد الفرحة بالمنصب كبيرة جدا والخروج منه حزن كبير وربما اختفاء وغياب وكأن من خرج من المنصب أساء للمجتمع ويخشى من تأنيب المجتمع له، في حين حينما تعين نُصبت له الخيام وتوافد له الحضور من المهنئين، أعتقد اننا في هذه المرحلة إداريا لا نزال بين «زلزال» المنصب و«يُتم» الخروج أو الإعفاء منه.

السبت، 17 مايو 2025

دخان

 تسكن منطقة دخان في أعماق ذاكرتي , منذ الطفولة والشباب الاول , لااعرف بحراً سوى بحرها ولا جواً سوى جوها , الساحل الغربي قريب منا أهل الريان   والمنطقة الوسطى امتداداً من الوجبة الى الرفاع الى رياض الطمآن مروراً  بالبصيَر والعقوريات وروضة الفرس والنصرانية    وصولاً الى  العوينة ومن ثم زكريت , مناطق ورياض  تسكن القلب والمشاعر عاش في أحضانها أبائنا  ونزلناها  شتاءً , وفي الصيف بحر دخان وزكريت  وصولاً الى الهملة  كان مجالاً لرحلاتنا   حيث لم يكن السفر متاحاً كما هو الآن.  عرفت كثيراً من الاخوة الاعزاء  من أهل دخان ومن العاملين في حقول النفط وفصل الغاز في دخان وما جاورها  , كنا نتردد  كثيراً  في العطل الاسبوعية وغيرها  في زيارات  وفي رحلات و"كشتات" في غارية دخان و شاطىء "إدعسه" واحياناً زكريت , لازلت أحمل حنيناً رغم تغير الحال بها وقد أصبحت مدينة  وبها  محلات تجارية وأسواق , كنا نعجب بالنظام داخل "كمب" الشركة , حيث الشوارع على صغرها مرقمة  والبيوت الخشبية  منتظمة   والكانتين  وهو يشبه المول الصغير , و"ميز" الأكل لعمال الشركة  حيث كنا ننتظم للحصول على وجبة الغداء بسعر زهيد , وسينما دخان الشهيرة الغير مسقوفه في ليال الصيف ونجوم الليل فوقنا في السماء  , ونادي الشركة ,  وملعب الغولف الطبيعي  ,كم كانت جميلة دخان بتضاريسها وبنظامها وبسكونها  وبساكنيها, كانت المسافة من الريان الى دخان طويله لعدم وجود  مرافق على الطريق  اللذي كان  سكة واحدة   للقادم والذاهب , وضياء  نيران  حرق الغاز  قبل  الاستفادة منه كنا نلحظها من بُعد ونحن على الطريق وحتى  في الطائرة قدوماً الى الدوحة, كانت دخان ولاتزال مصدر الخير لقطر  وتضاريسها الجميلة بما حولها من منطقة "بروق" وزكريت  من أجمل معالم قطر الطبيعية , كنت ادعو بالاهتمام بها حينما كانت قرية صغيرة واليوم نالها كثيراً من الاهتمام من قبل المسؤولين الى درجة  غابت معها بساطة المكان  وأختفى معها هدوء  الزمان  المنسدل على شواطئها,  لكنها سنة الحياة في التبدل والتطور , سيبقى الساحل الغربي دستورأً لجيلنا  وشاهداً على بساطة وقت  مضى  لايعوضه كل تقدم مادي اتت به الحياة الحديثة.

الجمعة، 16 مايو 2025

الماضي" المقدس" والحاضر" المُدنس"

  السقف المرتفع جدا من النظر إلى الماضي الذي يردده كثير  من الأئمة والوعاظ وغير ذلك كثير جدا من القصص والامثلة ذات السقف المرتفع التي تجعل من الحاضر  لا يرتقى ولا يستحق أن يعاش، له دور سلبي كبير على عقول النشء الحاضر بحيث يصبح طوبائيا  فوق جميع الظروف  وإمكانيات العيش، التجربة الإنسانية تقول لا يوجد مجتمع إنساني مثالي. مفهوم الرشد المستمد من فترة الإسلام الأولى أصبح مرادفا لمفهوم المثالية القصوى  وأصبح بالتالي ملاصقا  لكل من عاش في الاربعين سنة الأولى من الدعوة، مع أنه كان هناك كثير من السلبيات حتى أن الخليفة الثاني  عمر بن الخطاب استصدر عقوبات جديدة لمواجهة  مشاكل مجتمع البشر   كاستحداث السجون. مقاربة النشء بهذا السقف العالي جدا، يضعهم في حيرة مع حاضرهم  بل مع حياتهم ويسهل  استجذابهم لأجندات  طوبائية  توافقا مع ما يسمعونه ويتكرر على آذانهم ومسامعهم، التطرف هو الفجوة بين سقف من التوقعات  بين ما يُسمع   وما يُعاش واقعيا.

أتمنى على أصحاب الشأن أن  لا يرفعوا سقف التوقعات من الماضي بقدر ما يلامسون  مصاعب الحاضر، أتمنى منهم أن لا يلقوا بالأمثلة على عواهنها  حتى اصبح النشء يحفظ من الصور المتخيلة أكثر مما يحفظه من كتاب الله، أتمنى منهم أن يراعوا الحاضر، ويجعلوا فهم الماضي انطلاقا من هذا الحاضر وليس العكس، هذا النزف الشبابي الذي نلاحظه  سببه  سقف الماضي المرتفع  أمام حاضر بائس، هذا النزف الذي نعاني منه  سببه تجريد الحاضر من القيمة والحياة من الاستحقاق، هذا النزف الذي نعاني منه سببه  صور ذهنية  أكثر منها واقع متحقق في الزمان. لا يمكن  أن نعيش حاضرنا قياسا على ماضينا  لا يمكن لأمة أن تستمر بمثل هذه العقلية  ستفنى في ماضيها  وهي على قيد الحاضر، وهذا ما نفعله بأنفسنا، ابتعدوا عن   الاستغراق في الماضي  وعيشوا  الحاضر بإرادته وفي سياقه وما تمليه شروطه كمسلمين أبناء لهذا الحاضر المتطور، ولا تخافوا  فالنص الإلهي مورد لا ينضب وإن  قل الوراد،  ومن يستسقي فالزمن يحمل في طياته  سرمدية الإله وسرمدية دينه.

الأربعاء، 14 مايو 2025

" إستاد الدوحة" قديمك نديمك

 خطت الدولة خطوات جبارة في تطوير الرياضة وفي إبداع الإنشاءت الرياضية من ملاعب وصالات وخلافه، نرى مشاريع عملاقة ودوريا حامي الوطيس واسماء عالمية، لكن روح استاد الدوحة لا تزال تشتعل في ذاكرة الجيل السابق، ولاتزال تحدث دويا لمن يقرأ تاريخ الرياضة في قطر من الاجيال التالية.

لحظة دخول الشيخ جاسم رحمة الله في تمام الرابعة عصرا يترقبه الجمهور في مدرجات استاد الدوحة بفارغ الصبر ليعيش لحظات حاسمة من الصراع الكروي الجميل بين أندية قطر، لاتزال صورة أبوجبرة وهو مستلقي بكامرته خلف المرمى ليقتنص فرصة تسجيل هدف لتنشر في اليوم التالي في مجلة العروبة في الأذهان، لايزال أبو أسعد بشنطته الطبية واقفا على أتم استعداد للتدخل واسعاف اللاعب المصاب، عاهد الشنطي حكمنا الدولي وأول من اعطى «بيليه» إنذارا.
لحظة مشهودة من تاريخ استاد الدوحة،   كان التدافع مشهودا في لقاءات الاندية الاكثر شهرة كالعروبة وقطر والريان والوحدة والنجاح والتحرير، ولاحقا السد.
كان استاد الدوحة ليس ملعبا لكرة القدم فقط كان يمثل ترجمة حقيقية لنشاط المجتمع الشبابي القطري واهتماماتة في ذلك الحين. كان عاكسا للروح القائمة بين ابناء الفريج الواحد سواء في الدوحة أو في منطقة شرق أو في الريان أو الوكرة أو الخور، كان يمثل قمة الارتباط الاجتماعي بين هذه المناطق على شكل لقاءات كروية ممتعة يلتقي ليس فقط الكبار وانما الاشبال كذلك في الساعة الثانية ظهرا ومع ذلك تجد المدرجات ممتلئة بالحضور، استطاع استاد الدوحة أن يشد حتى كبار السن وليس الشباب في ذلك الوقت، كنا نرى عددا كبيرا منهم حريصا على حضور المباريات تجد عوائل أهل قطر ممثلة كذلك في الاندية حيث تواجدهم سواء كلاعبين أو إداريين، البعد الاجتماعي لاستاد الدوحة كان كبيرا ويعادل البعد الرياضي الذي أنشئ من أجلة، دليلا على أن كرة القدم أو الرياضة بصفة عامة لاحم اجتماعي هام عندما تكون بعيدة عن عامل الربح والخسارة المادي، أوقل قبل أن تترسمل. كان ظهور الاندية في قطر بين رغبة الشباب في حينه وامتناع المجتمع ممثلا في الاجيال السابقة مثار تحدي كبير وتضحية، لذلك كان وجودةا قضية وليس ترفا، لذلك كان اللاعب القطري الجيد، فرصة لا تعوض، لذلك كان استاد الدوحة مسرحا للتألق، لذلك كان اهتمام المسؤولين في محله، اليوم نشكو اليوم من قلة حضور الجمهور رغم الملاعب الفاخرة والاستعدادات الضخمة، ونستعيض عنةم بقوالب جاهزة من هنا أو هناك، هذا شيء طبيعي بعد اختلاف المعادلة بين المجتمع والرياضة أو كرة القدم بشكل خاص،  أصبحت . الرياضة في العالم أجمع  سوبر ماركت تعرض فيه كل المنتجات وهناك بائع ومشتر، لكن يبقى استاد الدوحة بطقوسه المتعارف عليها،   حاضراً في اعماق ذلك الجيل  والاجمل أن استاد الدوحة لا يزال كمعلماً قائماً، رغم غياب الطقوس واصحابها في مفارقة تاريخية، حيث درجنا على تغيير الرسم وبقاء الاسم.
لايزال صدى صفارة عاهد الشنطي يرن في اذني وفلاش أبو جبرا في ذاكرتي وشنطة أبو اسعد  المسعف الطبي  تلوح أمامي  «قديمك نديمك لو الجديد أغناك».

الاثنين، 12 مايو 2025

الثقافة سؤال بلا جواب

 لابد لكي يصبح المجتمع مجالاً للتداول الثقافي المستمر أن تكون هناك أسئلة  بلا أجوبه في وعيه  بإستمرار, الأجوبة تقتل الثقافة وتسطحها وتقفل الابواب في وجه الفكر أن يتفتح ., ما قتل الثقافة في مجتمعاتنا العربية أنها ثقافة أجوبة بإستمرار, تكره السؤال ولا تطيقه لذلك أحكمت  عليه بثنائية قاتلة  ظلت مجتمعاتنا  تتناقلها  سنوات طويلة وهي ثنائية "لكل سؤال جواب" لاتترك هذه الثقافة أسئلة بلا أجوبة فإن لم تجد  إصطنعت أو إخترعت ,  أو تخيلت. السؤال يفتح الباب بينما الجواب  يحكم إغلاقه  فينقطع حبل التفكير , ثم يأتي السؤال: لماذا  تموت الثقافة والحراك الثقافي مجتمعاتنا؟ والجواب بسيط وواضح  وهو أنها مجتمعات تقتل السؤال أو تحرمه   أو تتهم صاحبه بالمروق من الثقافة والتراث. إذا اصبحت اجوبة المجتمع أكثر من اسئلته أصابه الخمول والكسل  والاعتياد وفقد طاقة الاحتمال المستمر لتكرار الايام  واستجداد الامور.  والاغرب  ان معظم الاجوبة ليست  وليدة الحاضر لأسئلة حاضرة  أو لتوها  مستجدة,  كل ما يتعلق بالثقافة مرتبط بالسؤال وليس بالجواب , الثقافة الحقيقية لاتجيب وانما تفتح المجال للأجوبة , ولاتغلق المجال في وجه السؤال التي يستجد باستمرار مع تعدد الاجوبة.مع السؤال  تزدهر الثقافة , ليس بالضرورة أين يكون هناك جواب  قد يأتي المستقبل بالجواب, وقد لايأتي به  , المهم ان يبقى السؤال هو الملح  والحافز لتطوير الثقافة  في المجتمع.

الأحد، 11 مايو 2025

مجتمع على مفترق طرق

 أذكر عندما انتقلنا للدراسة إلى الدوحة في المرحلة الاعدادية في أواخر الستينيات، حيث كانت ضواحي الدوحة تمثل ريفا بالنسبة للمدينة التي هي الدوحة، أذكر أنني فوجئت ببعض مظاهر الفردانية التي لم تكن واضحة لنا قبل الانتقال إلى الدوحة كطلاب، منها على سبيل المثال لا الحصر، خروج الطلبة أثناء اليوم الدراسي وخروجهم خارج أسوار المدرسة وكذلك غياب قوة الضبط الاجتماعي الذي كانت تمارسه الأسرة على أبنائها مقارنة بالوضع ونحن في الضواحي، كذلك الشللية السلبية نتيجة عدم التشابه، مقارنة بالشللية الايجابية المتشابهة إلى حد كبير «عيال فريج واحد» أيضا لاحظت قدرة الطالب على اتخاذ القرار بمفرده دون الرجوع إلى العائلة نظرا إلى البعد عنها والسكن في القسم الداخلي مع الطلبة الآخرين والعودة للعائلة كل نهاية أسبوع، لا أنسى البعد العربي وتأثيره كذلك على نمط تفكير ذلك الجيل فكانت أمانيهم مرتبطة بسقف أعلى يصل إلى حدود الوطن العربي الكبير.كنا نتسابق لشراء مجلة العروبة ومن بعدها جريدة العرب حيث لم تكن هناك مكتبات خارج نطاق الدوحة. يمكن القول إن القبيلة اختفت شيئا ما وراء المدينة وبعد ذلك في المرحلة الثانوية وظهور الأندية الثقافية في الدوحة وإصدار مجلة الدوحة الثقافية، فتمدن الريف وتخرج من بين ابنائه المهندسون والأطباء والباحثون، كل ذلك تأثير «مديني». ما ألحظه منذ فترة أن اختفاء دور المدينة والثقافة المدينية آخذ في التلاشي شيئا فشيئا في حين تعاظم دور قيم المرجعيات الأولى التي تمثل تجذرا واضحا في الثقافة الريفية، ومع تزايد عدد سكان المناطق المحيطة بالدوحة من جميع الجنسيات، أصبح هناك نوع من التكور والتشرنق حول الذات أثر سلبيا على الحياة في المدينة وبدأ يصدر ميكانزمات هذا التشرنق حول الذات على شكل دعاوي الحفاظ على الهوية وعلى اللهجة الاصلية وما إلى ذلك ووصل حتى للاعلام. بل ربما هناك محاولات لاجتثاث صور التنوع أمام الحشد للشمولية والنمطية  , اختفى دور المدينة أو تلاشى بعد اختفاء أهم أحيائها الحضرية، أين دور نادي الجسرة الثقافي الذي كان رائدا على مستوى العالم العربي في الثمانينيات مثلا، ؟   فمراكز تحضر مهما كان نوعها , نواد , هيئات , نقابات... تحمل قيم المدينة بتنوع سكانها من جميع  الفصائل   بدوا كانوا أم من الحضر،  مع تزايد عدد سكان هذه المناطق على حساب المدينة، بالاضافة أننا ربما نمارس جمع الاضداد دونما قدرة على الخروج من ذلك بمركب ثالث يدفع إلى التطور، فنضع قيم القبيلة إلى جانب الجامعة الغربية الحديثة والفكر السلفي إلى جانب قيم الفندقة الحديثة الاستهلاكية. مجتمع صغير متجانس  يحتاج وقت  لينتقل الى ثقافة الاندماج الشمولية , فلانستعجل. 

السبت، 10 مايو 2025

إسلام السوق

 "إسلام السوق" كتاب للمفكر الفرنسي باتريك هايني ويعكس تحولات التدين الاسلامي المعاصر خصوصاً في سياق هيمنة ثقافة السوق وصعوده كمنظومة "قيم" في سياق السياسات  النيوبراليه  في  عالمنا المعاصر., هو هنا لايتحدث عن الدين الاسلامي كعقيدة وانما عن أنماط التدين  الجديدة في ظل كل هذه التحولات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية التي تعصف  بالعالم اليوم وتنعكس اثارها على جميع اوجه الحياة ..

"إسلام السوق"  هو نمط في اعتقاده  نمط من التدين  يتكيف مع آليات السوق وقيم  هذا التكيف  ومنها النجاح الفردي, الربح , ريادة الاعمال, الاستهلاك, الحرية الفردية بمعنى أن الدين لم يعد هوية جماعية أو مشروع سياسي  كما كان إن الاسلاميين التقليديين  بل أصبح خياراً فردياً. بل أن العديد من الوعاظ الاسلاميين من دعويين عقديين الى  الى شخصيات "تسويقية" تروج لقيم النجاح والتنمية الذاتية  وتقدم الاسلام كمنج "روحي" يناسب السوق, فالمسلم اليوم  يصوم ويصلي  ويعمل وينجح  ويؤسس مشروعاً تجارياً حلالاً و دون الانخراط  في مشروع اسلامي شامل أو ثوري, ومن هنا  إستطاع بعض هؤلاء " أسلمة" الرأسمالية نفسها مثل "الصيرفة الاسلامية والمنتجات الحلال والموضة الاسلامية , ولباس البحر الاسلامي  وهذه كلها جزء من النظام الاقتصادي  العالمي, وجاء كل هذا  بعد تراجع الاسلام السياسي واستبداله بتدين  ينسجم مع واقع   من أجل تغييره.

"إسلام السوق"  لايدعوا الى الثورات بل يركز على النجاح الفردي  أكثر من مفهوم العدالة الاجتماعية وعلى إصلاح النفس  كطريق لتغيير العالم. وهذا النوع من التدين في إعتقادي  جزء من التحول  النيوليبرالي للمجتمعات العربية, وقد نشهد تحولات  جديدة , طالما نحن من يتأثر وليس من يؤثر.

الأربعاء، 7 مايو 2025

العيش في التراث أم تجاوزه؟

   

 
اعترف نصر حامد أبوزيد أنه ينقد تراثنا من داخله، في حين اتجه به عابد الجابري غرباً بشكل أقل حديةً محاولة منه للاستفادة من حفريات فوكو ومدرسة الحوليات التاريخية. في حين استخدم أركون مناهج النقد والبحث الغربية وحاول تطبيقها عليه، لوحاولنا ترتيب الثلاثة قرباً أو بعداً من التراث من خلال دراساتهم فسيأتي أبوزيد ومدرسة المعتزلة التأويلية ومجازية الجرجاني في المقدمة وبعدها الجابري ومزجه وأخيراً أركون والسيميائية والفلولوجية وما طبقه من ألسنيات على النصوص.
ما أريد الإشارة إليه هنا ليس تلك الفروق بين باحث وآخر أو تكفير أحد دون غيره كما نشاهد اليوم فطالب العلم لا يكفر ومن رزايا الأمة اتباعها لأقصر المناهج لوأد العقل باسم الخوف على العقل وباسم الخوف من الفتنة.
ما يحسب لهؤلاء الباحثين هو تضحيتهم وصبرهم ومكابدتهم وانعكافهم على البحث وانشغالهم بأمور أمتهم حتى آخر رمق من حياتهم.
وكم كابد أبوزيد وكم شتم أركون وكم انتقد الجابري بل كم كفروا وأخرجوا من الملة وهم أحياء يرزقون.
إن ثقل التراث العربي والإسلامي وتماسكه ونقله من جيل إلى جيل جعل من محاوله دراسته وتفكيكه أمراً شبه مستحيل ومن يقوم به يعد منتحراً قبل يومه في حين يرفل ناقليه إلينا يوميا بغثه وسمينه في بحبوحة من العيش ورغد ما عليهم سوى ترديده واجتراره.
سطوة الجانب الاجتماعي كانت كبيرة على من يحاول الفرز وإعمال العقل وأساليب البحث والتقصي الحديثة كالتي استعملها أركون والجابري وحتى تلك التي استعملها أبوزيد وهي من داخل التراث الإسلامي إلا أنها وئدت مبكراً وتسلط التقليد بعد إحراق فكر ابن رشد وكتبه.
ما ألاحظه هنا وأتساءل عنه هو: هل عاد من عاد من هؤلاء المفكرين إلى التراث حاكماً لا بديل عنه ومحاولة التصالح معه اقتناعاً منهم أو مجاراة لمرحلة عمرية بدأت بالتمرد ومن ثم بالانصياع كالشمس عند غروبها تخفت أشعتها. من هؤلاء المفكرين طه حسين صاحب الشعر الجاهلي ومحمد حسين هيكل ودعوته للتغريب وزكى نجيب محمود وخرافة الفكر الميتافيزيقي والمسيري كذلك ومن الأحياء محمد عماره ماركسي البداية وغيره، كلهم عادوا إلى حظيرة التراث واستكانوا بعد ثورة. لعل العديد منهم تعاضد السن والمجتمع على إيوائه داخله والله أعلم، ولكن من يلتزم قناعته أولى بالتقدير وإن لم ينصف في حياته. ولكن القاعدة لا تستقر إلا ببعض الشذوذ برغم استكانة التاريخ والجغرافيا وحياديتهما فمن قلب البيئة النجدية القصيمية الوهابية خرج عبد الله القصيمي وألف العديد من الكتب حول إشكاليتنا مع التراث فيها من الحدة والنقد الشيء الكثير.
نحن بحاجة إلى مدرسة جديدة في التاريخ لا يقوم فيها الماضي مقام الحاضر ولا يبرز الحاضر حكماً لما قد يفرزه المستقبل إلا بما قد يحفظ للإنسان كرامته وحريته وسيادته وخلافته لله على هذه الأرض

الثلاثاء، 6 مايو 2025

الهوية القاتلة

 لو يعلم من يدفع بمجتمعاتنا إلى هاوية الرؤية الضيقة والبؤرة المحرقية التي تقضي على غيرها ثم تتآكل هي ذاتها من الداخل   أن الاختلاف  عامل أساسي وهام لتعايش المجتمعات،  والحفاظ على أجيالها من الحروب والاقتتال.

 . الدفع بالهوية الاحادية  قتلاً مؤجلاً، الدفع بالمصطلح الهوياتي الضيق سواءً كان  دينياً أو عرقياً  وحده فقط  دون غيره  من أوجه الهوية الأخرى انتحاراً منتظراً.. في زمن «الفتن» وهو مصطلح ديني ينتج مفاهيم دينية والحقيقة أن هذا الزمن ليس زمن فتنة وإنما زمن «مصالح سياسية واقتصادية» تعيش على استهلاك مخزون الدول والحضارات الأخرى من بنى دينية واجتماعية متخلفة.. ولي هنا بعض الملاحظات.
أولا:   ميزة الاختلاف التي خص الله بها البشرية نتيجة أمانة «العقل» التي فضل بها الله بني آدم على غيرهم من المخلوقات «ولا يزالون مختلفين». فالمسلم يأخذ من عقيدته ما يميزها عن غيرها بينما المسيحي أو اليهودي أو غيرهما له ما يستند إليه وهكذا هذه هي ديناميات التعايش.
ثانياً: التطرف الديني في المجتمعات الصناعية ناتج عن غربة الإنسان وتهميشه أمام الآلة ورأس المال فاليوتوبيا هناك يوتوبيا عدمية بينما اليوتوبيا عندنا كمسلمين أو متدينين يوتوبيا «قيامية» لذلك هي عندنا جماعية وأشد تجذرا وهذه مشكلة لا يمكن مواجهتها إلا بتغير جذري في فكر المجتمعات  وإدراك  أهمية التعايش    
ثالثاً:المفروض التخفيف من وهج يوتوبيا العصر الأول وقدسيته سوى ما يتعلق بنبي الرحمة  الكريم  وتدريس التاريخ للأجيال بشكل أقل قدسية ونقاء تدريسه واقعا بشريا وتخليصه من «المدهش» بقدر الإمكان إن كان ثمة أمل يرجى لجيل جديد ينتظم قدما ولا ينكص على عقبيه خوفا من المجتمع المصاب بتاريخه كمرض أو متلازمة أمراض وقة ضاغطة على حاضره ومستقبله. فالهوية الاحادية التي  ترفض غيرها   ولاتقبل العيش مع الاختلاف , هوية قاتلة , والتاريخ منها براء.

المعنى بناء وليس إكتشاف

 لا يمكن لأي مجتمع ان يتقدم طالما كان همه المستمر هو اكتشاف المعنى وليس بناء المعنى، عند كل مشكلة أو إشكالية تنصب المحاولات على إعادة اكتشاف المعنى والحل لها، محاولة اكتشاف المعنى يعني أنه واحد غير متعدد وهنا يبدأ الخلاف والصراع، بينما محاولة بناء المعنى تعني أنه متعدد متجدد، الماضوية التي نعيشها ولا نكاد نبارحها، تنطلق من محاولاتنا المستمرة لاكتشاف المعنى المستقر وليس العمل على بناء معنى أو معان كما تبنى العمارات، لأن المعنى متجدد ويتجدد دائما لكي يبقى معنى، إحالتنا المستميلة للماضي لإيجاد حلول من داخله تجعل من المعنى واحدا والبحث لاكتشافه كمحاولة البحث عن النفط في أي مكان في هذا المعمورة، فالنفط هو النفط سواء وجد في ألاسكا أو وجد في الصين،، بينما المعنى ليس مادة وإنما فهم تحكمه ظروف وجغرافيا وتاريخ لذلك محاولة اكتشافه تعني تجميد كل هذه الظروف التاريخية والجغرافية والديمغرافية في لحظة واحدة كانت صالحة وتحتمل معنى معينا في حينه، بينما بناء المعنى مشروع يأخذ بالظروف والواقع والوقت، نحن نحتاج إلى بناء مستمر للمعنى في ثقافتنا وليس محاولة اكتشافه باستمرار، ما كان يصلح للسابقين لم يعد يصلح للاحقين بنفس المعنى لا سياسيا ولا ثقافيا ولا اجتماعيا، قلما تقتحم عملية البناء تاريخنا، فمعظمه استعادة واكتشاف، اكتشاف معنى العدالة مثلا لدى بعض الصحابة والتابعين لا يصلح لنا هكذا مجردا، لان ذلك كان ورعا شخصيا لفئة قليلة.. ما نحتاجة اليوم بناء جديدا لمعنى العدالة يأخد مفهوم الرقابة والمشاركة وغير ذلك مما يتفق وتعقد اسلوب الحكم وضخامة المجتمعات والاقتصادات، أيضا نحتاج إلى بناء فقه جديد يتفق وظروف العصر، كذلك نحتاج إلى الاقلال وربما اقفال مصادر الصوت الواحد الذي يدعو لاكتشاف المعنى بدلا من بنائه بالرد إلى الماضي واقتناص صور فوتوغرافية وكأنها المجال العام والسائد. علاقاتنا التي تزداد عمودية يوما بعد آخر مع السلطة وأصحاب القرار على حساب العلاقات الافقية الصحية لبناء المعنى وتصحيح النفوس، دليل واضح على أننا نبحث عن المعنى لعجزنا عن بنائه كما تبنى الاهرامات. المعنى في الحياة هو مستقبل دائم وليس ماضيا تاما، تاريخ الدولة لدينا كأمة هو تاريخ اكتشاف للمعنى، لذلك نُهزم كل يوم ولا نزال نتغنى بحضارة 5000 سنة أو بحضارة ما بين النهرين، أو بالغوص على اللؤلؤ، المعنى الجاثم هناك يحتاج إلى عملية بناء تجعل منه حاضرا يتجسد وليس عملية اكتشاف كما هي قائمة.

الطبقة الفنية المفقودة

 من أجمل المشاريع التي أنشئت في قطر، مع الأسف لم يستمر، مشروع كان هدفه إعداد جيل من الفنيين تحتاجه الدولة، رأيت كثيرا من الشباب ذوي المهارات الجديدة في الكهرباء والحدادة والنجارة، لو قدر له أن يستمر وأن يدعم لحقق نتائج باهرة، هناك اليوم مدرسة التقنية على ما أعتقد «الصناعة» سابقا، إلا أنها لا تأخذ نفس الزخم من الاهتمام، والسبب ليس قصورا في الدولة ولكن في نظرة الناس للعمل اليدوي بشكل خاص، وهناك سبب آخر هو التغير لدى نفوس الشباب بسبب نمط الاستهلاك المسيطر اليوم على جميع مناحي الحياه الاجتماعية، الاجيال السابقة، كان لديها استعداد وتقبل بعض الشيء للعمل اليدوي، حيث لم تنغمس في الاستهلاك، ولو كان هناك رعاية حقيقية من ناحية الاجور والدرجات الوظيفية لهذه الطبقة المهنية المتوسطة لامتلكنا كثيرا من الفنيين في جميع المجالات.

العجيب ان معظم الفنيين من الأجانب سواء الأوروبيون منهم أو الآسيويون كانوا بمستوى «البوليتكنيك» وهي معاهد متوسطة بمستوى مركز التدريب والتطوير السابق، لكن المجتمع كان يرى من خلال عقدة الاجنبي، فنعاملهم معاملة كبار المهندسين والمشرفين في السكن وفي الأجور، عندما كنت مسؤولا من إحدى المؤسسات التي كان يعمل بها عدد من الانجليز والذين كانوا يحتلون اعلى المناصب، حين سألت عن شهاداتهم تفاجأت أنهم لا يمتلكون في أحسن الاحوال شهادة «البوليتكنيك»، وتفاجأ بعضهم بالسؤال حيث كان يعتقد أن جنسيته تكفي؟ أعرف شبابا تخرجوا من مركز التدريب على درجة عالية من الفنية في العمل سواء الكهربائي أو الأعمال الفنية الاخرى، أذكر أنني في بداية عملي بعد الثانوية وقبل التحاقي بالجامعة، كنا في حاجة ماسة لكهربائي لإصلاح الإضاءة في مبنى الإدارة، وتم إحضار أحد الشباب الذي كان يلبس «البلوسوت» الأزرق ومعه معداته وأخذ في العمل مدة أعتقد أنها طالت بعض الشىء، فصحت به «رفيق متى فيه خلاص» لأتفاجأ برده قائلا «اشفيك أنا قطري مثلك» تمنيت ساعتها لو أن الارض تنشق وتبتلعني. لم أتوقع قط أن هذا الشاب قطري وكنت أعتقد أنه آسيوي بلا جدال، لم أكن متعودا على رؤية شاب قطري يلبس هذا وبيده «سكاريب ومسامير واسلاك» أدركت ساعتها اننا كمجتمع احيانا نكون جزءا من المشكلة التي نسعى لحلها، ونبحث بعيدا، بينما نحن نعيش الإعاقة في داخلنا قبل كل شيء.إن الطبقة الفنية الوسطى هي الطبقة المفقودة في مجتمعاتنا مما يشكل إعاقة كبيرة في سبيل تطورها  واعتمادها الذاتي  على شبابها 

الدين والاستهلاك

 يأمل بعض مفكري الغرب أن تستطيع الرأسمالية مع موجاتها المتعاقبة وفي صورة متقدمة من صورها الاستهلاكية أن تحتوي الدين بصوره أو بالأحرى لكي يمكن تقديمه حسب الطلب وحسب المواصفات التي يريدها المستهلك حين يتجول في السوبر ماركت ليختار ما يريد من بضاعة حسب ذوقه وشروطه وقدرته المادية. لك أن تتصور يا سيدي أن بإمكانك أن تختار من الدين ما يناسب ميولك ونظرتك للحياة طالما أن الدين اختياري والعقيدة ليست اجبارية. فأنت بالتالي أمام تنوع مدهش، هذه النظرة الاختزالية التي تستبعد الجانب الروحي كجانب اساسي له مدخلات التي قد لا يمكن حسابها أو يستحيل حسابها ماديا وانما هي هوى يستقر في النفس لتتحرك به الاعضاء، يعتقد البعض انه بالامكان تحويل الجانب الروحي إلى مجال اختيار مع الوقت.

اعترف أن هناك تقدما مع الوقت في هذا المجال حققته القفزة الاعلامية المتطورة يوما بعد آخر مع القنوات الفضائية ووسائل الاتصال الاخرى المتكاثرة بجميع الاشكال، اصبح بامكانك أن تختار داعيتك المفضل حسب الطلب بالشكل والصورة والاسلوب الذي تحب والوقت الذي تريد كذلك. ويمثل شهر رمضان السوبر ماركت الكبير لمثل هذا الاختيار فدعايات البرامج واسماء المشايخ تحتل الصحف والمجلات قبل الشاشات، أليس هذا يعد تقدما في سبيل تسليع الدين وادراجه في السوبر ماركت مع البضائع الاخرى. هذا على الاقل فيما يتعلق بمجتمعاتنا الإسلامية، اما المجتمعات الاخرى فالأمر اكثر تقدما منذ زمن فحين استعصى على احد ملوك بريطانيا الزواج انتقل إلى عقيدة داخل الدين المسيحي أو بالأحرى انشأ عقيدة اخرى واسماها الكنيسة الانجليكانية.
عندما يعتقد البعض اننا نعيش للدين وليس بالدين يصبح في الامر معضلة. الدين جاء لتخفيف معاناة الإنسان ولإرشاده لما يسعده في هذه الدنيا. الدين جاء لنحيا به لا من اجله إلى أن تحين النهاية. النظرة لتسويقه جاءت لاعتقاد الغرب وليس كله بالطبع انه في مواجهة مع الإسلامي، هكذا خيل له أو جعله البعض يتصور ذلك نتيجة سوء العرض لهذا الدين الإنساني الخاتم.
أنا اعتقد ما لم تكن لدينا القدرة لإظهار الإسلام كما أراده الله رحمة للعالمين فعلينا وزر، أما اذا عرضنا بما يخالف ذلك فعلينا وزران.
أعتقد أن من أول بدايات دخولنا عصر التسليع الديني لاشعوريا هو التركيز على رمضان والقنوات الفضائية والتسابق على عصرنة الإسلام بحجة أو بأخرى  في حين أن في شبابنا وبدايات النهضة في دولنا في الستينيات وأوائل السبعينيات كان الدين كالهواء النقي نتنفسه ونسعى اليه ونعيش به ونحن لانملك قناة واحدة ولا سوبرماركت من حولنا وكان شيوخنا هم آباؤنا واجدادنا   ومدرسينا الاوائل.

الاثنين، 5 مايو 2025

قطر ومرتبة الإحسان

 ليس المستوى الرسمي هو وحده الفاعل في العلاقة بين دولة قطر وشقيقاتها من الدول العربية، بل كان هناك مستوى شعبي على قدر كبير من الرسوخ والصلابة من خلال النهضة التعليمية التي شهدتها الدولة منذ الستينيات وصاعداً، لم يكن الاخوة العرب من المصريين والفلسطينيين وغيرهم فقط مدرسين بل كانوا أيضاً طلاباً ودارسين في النظام التعليمي القطري الذي بدأ بقوة وبتوجه عروبي قومي جعل من الطالب يشعر بعروبته قبل أقليميته الضيقة وبإنسانيته قبل دينه الذي يعتنقه، لازلت أذكر إخواناً من العرب الفلسطينيين ذوي الديانة المسيحية يدرسون معنا امتازت العلاقة معهم بود شديد وبألفة ومحبة،   وغيرهم كثيرون، غير الاخوة من الاشقاء المصريين واليمنيين والأردنيين الذين درسوا معنا كذلك. وبعض الاخوة من السودان لا أذكر طلبة من المغرب العربي في ذلك الوقت. علاقتنا بإخواننا العرب علاقة وثيقة، لايزال هناك الكثير من هؤلاء الاخوة يذكرون الجميل لقطر والفضل أيضاً في تعليمهم، كثير منهم عادوا أطباء ومهندسين للعمل في قطر، أنا اعتقد أن إشكالية التعايش مصطنعة ولا دخل للطرفين شعبياً بها، البُعد العربي أضفى على العلاقة الشعبية بين أبناء الامة نوعا من الثبات والمشترك العام أكثر من ضيق الاجندات الايديولوجية التي عملت على التفريق بين مكونات هذه العلاقة بشكل يمكن تلمسه من ردود الافعال على تطور هذه العلاقة الايديولوجية الضيقة، كان الاخوة من الديانة المسيحية لا يحضرون دروس العلوم الشرعية ويكتفون بعلامة النجاح الموضوعة لهم لاختلاف ديانتهم عن المنهج، لم يكن ذلك يمثل لنا أي مثلبة أو نقصاً يمكن التكتل حوله بل يلتئم جمعنا بعد تلك الحصة في ما تبقى من الحصص بكل ودَ وتآلف، تلك الروح السائدة جعلتنا نتكدس خلف المقاومة الفلسطينية ونتزاحم ونحن صغار في الابتدائية لنحضر خطاب أحمد الشقيري في استاد الدوحة، كانت قطر عضواً فاعلاً، نعم لقد ساهم الاخوة الفلسطينيون في نهضة قطر التعليمية بالذات مع إخوان لهم من مصر العربية كذلك، وكذلك قطر ساهمت أيضاً في تعليمهم وفي توظيفهم بعد ذلك، إ علينا أن نوظف العلاقة بشكل أفضل لايرى فيها المواطن سلباً ولا يشعر بها الآخر مغنماً. ولا نعتبر الشذوذ قاعدة كما لا تُعتبر القاعدة شذوذاً. أبناء أوائل المعلمين من إخوتنا العرب وأحفادهم كذلك علمتهم قطر ودرسوا في مدارسها وجامعتها ولا زلت أذكر أسماء العديد منهم   نحتاج جميع إخواننا العرب ليسوا كبديل وإنما كشركاء بعيداً عن الايديولوجية الضيقة والطهورية الدينية والثورية الانتهازية.

الحياة مابعد السُلطة

  

أشفق   على كثير من  الزعماء والقادة العرب لسبب بسيط وهو عدم وجود حياة حقيقية لهم بعد غياب السلطة عنهم وحتى وإن وجدت فهي حياة أقرب إلى الجمود منها إلى الحياة، فالإفراز التاريخي لأمتنا في هذا الخصوص لا يخرج عن موت القائد أو الزعيم أو إبعاده قسراً وغيابه في المنفى وفي بعض الحالات التخلص منه ومن مرحلته بأي طريقة كانت، باستثناءات محدودة، فهذه المخرجات هي ما استوطنت عليه أمتنا ولو استعرضنا الوطن العربي نجد أن هذه هي شروط انتقال السلطة وإن تلاشت بعضها مثل الاغتيالات وبقي المراهنة على الموت لتداول السلطة. ما يدعوني إلى التذكير بهذه النقطة النماذج الغربية للحياة بعد السلطة فالرئيس الأميركي الاسبق كلينتون مثلا  بعد خروجه مباشرة من السلطة أصبح محاضراً في العديد من الجامعات وتعاقد مع جامعة أكسفورد للتدريس فيها بعد خروجه من السلطة في البيت الأبيض بوقت قصير وقبله انتقل بوش الأب إلى إدارة أعماله في تكساس بعد سنوات حامية في البيت الأبيض وغيرهما كثيرون في أوروبا ممن يمارسون حياتهم باستمتاع كبير بعد سنوات السلطة والزعامة.
فالسلطة هناك فترة مرحلية تتبعها فترات من النضج والتأمل ولكنها عندنا نهاية المطاف وغاية المنى وغالباً ما يخيب الظن في النهاية فإذا بها كارثية. مثل هذه الحالة النكوصية التي يعاني منها وطننا العربي الكبير ولا تشاركه فيها سوى بعض دول إفريقيا وآسيا، هذه الحالة التي يندفع فيها الشعب والجيش في أغلب الأحيان ليمارس صلاحياته تحت مسمى استشراء الفساد دونما خطة أو برنامج لا تمثل حلاً ناجعاً للاشكال، حيث لا آلية واضحة لممارسة العمل السياسي، فإذا بالفساد يعود من جديد وبثوب آخر. ولو استعرضنا وطننا الكبير بلداً بلداً وتساءلنا عن السلف فهو بلا شك يقع بين تلك الإفرازات التي أشرت إليها سابقاً، " دول الخليج استثاء " نظراً لطبيعة السلطة وطبيعة انتقالها "ولو تساءلنا أكثر عن المستقبل، أي ما بعد الزعيم أو القائد الحالي، فليس هناك جواب وانما الأمر متروك للقدر، فهو بالتالي لا يخرج عن تلك الإفرازات أيضاً:  ان مأساة الأمة ومكمن أمراضها يتمثل في الاستبداد فلا مخرج لها من دون التعامل مع هذا الداء حيث لا إصلاح للتربية ولا إصلاح للثقافة ولا وجود حقيقيا للتنمية دونما البدء بمعالجة الاستبداد الذي يجعل من السلطة نهاية المطاف وليست مرحلة يبنى عليها وترتكز عليها خطوات أخرى، لقد هُزمت الأمة من جراء هذا الاستبداد ونزفت أموالها إلى العدو واقتصاداته الموالية بسببه ولسبب حب السلطة أو جعلها نهاية المطاف، فلا يحتمل عربي أن ينزل من السلطة ليعامل بعد ذلك كإنسان أو مواطن عادي، وهذه في حد ذاتها إشكالية ثقافية لايقبلها العقل العربي بسهولة. لأنه يرى السلطة في تقابل مع الحياة أو بالاحرى هي الحياة فلاحياة له بعدها. 

وطني الأكبر

 كان معظم مدرسي تلك الحقبة في قطر من الإخوة المصريين والإخوة الفلسطينيين، أما الطلبة فجلهم قطريون ومع الوقت التحق بمدرستنا بعض الإخوة من البحرين الذين نزحوا إلى قطر وسكنوا الريان أو غزة القريبة منه والتي هي اليوم مدينة خليفة الغربية في الغالب.

كان الوعي السياسي واضحاً لديهم، خاصة الوعي القومي بالذات، كانت بعض أسمائهم جديدة نوعاً ما على مجتمعنا التقليدي، على كل حال، كانت المدرسة تقدم لنا غذاءً تربوياً متكاملاً وليس فقط دروساً في المنهج المدرسي، فهناك مسرحيات وهناك تفاعل مع الوضع العربي بشكل أشعرنا كطلبة بأننا نعيش العالم العربي كله بين جنباتنا ونحمل الهم الكبير من المحيط إلى الخليج ضمن حقائبنا التي نحملها على ظهورنا متجهين إلى مدارسنا، من أشهر المسرحيات التي مازلت أذكرها وربما كنت في حينه في الصف الثاني أو الثالث، مسرحية «السيف والقلم»، وهي مأخوذة من قصيدة المتنبي المشهورة وبيته الأشهر: الخيل والليل والبيداء تعرفني.. والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ.
وفي أحد الأيام وكنت في الصف الثالث الابتدائي وقبل طابور الصباح فوجئت بتظاهرة تخرج من المدرسة يقودها الطلبة الأكبر سناً منا في الصفين الخامس والسادس تتقدمهم صور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر متجهين نحو شارع الريان القديم العام بين قصر الشيخ خالد بن حمد أطال الله في عمره، وبيت خالد بن عبدالله العطية رحمه الله، بعد أن أشاروا لمن هم في سني بالذهاب إلى البيت.
ولازلت أذكر صورة الرئيس عبدالناصر في المقدمة.
كانت المدرسة في حينه جزءاً من النظام العربي ومن وعي الإنسان العربي بذاته وبحقوقه، كما كانت تقوم بدور اجتماعي واقتصادي مهم وخطير، فعن طريقها كان الطلبة يتلقون المساعدات من كسوة سنوية كاملة صيفاً وشتاءً، بالإضافة إلى رواتب شهرية، بالإضافة كذلك إلى تغذية يومية متمثلة في توفير الألبان للطلبة بعد الحصة الثالثة وقبل الفسحة الرسمية بين الحصص. كان طابور الصباح مهرجاناً عربياً بامتياز يفتح آفاق الطلبة على عالمهم العربي الكبير يتم فيه استعراض قضايا الأمة العربية، قصيدة هنا عن فلسطين، وكلمة هناك عن الجزائر، كانت المدرسة نموذجاً مصغراً في وعي الطلبة عن «وطنهم الأكبر».

الخميس، 1 مايو 2025

شباب الأمس وشباب اليوم

 قام البعض بإقامة أكشاك  ونسميها «صنادق»   ووضعوا أمامها طاولات وكراسي للعب الكيرم والدامة والورقة«الزنجفة» وتناول الشاي أو المرطبات وسماع الاغاني عن طريق مايكروفونات مثبتة فلجأنا إليها كشباب صغار خاصة في عطله الصيف الطويلة المملة، مما أغاظ حفيظه «الشيبان» واعتبروا ذلك خطرا على مستقبل ابنائهم فتنادوا محذرين ومتوعدين الابناء بأن لا يذهبوا ولا يجلسوا في هذه الاماكن، وأتذكر أنه في تلك الاثناء لأول مرة أستمع إلى كوكب الشرق السيدة أم كلثوم وهي تشدو بأغنية «أمل حياتي» أما التهديد الخطير الثاني فكان افتتاح النادي، وكلمة نادي لها مدلول سيئ لدى «شيبان الريان وقطر عموما وعانى المؤسسون للنادي من صعوبات وترحيل وشكوى بين الحين والآخر من الجيران وإعدام أي كرة تتعدى حدود النادي داخل بيوت الجيران ناهيك عن تحدي سابق كانوا يواجهونه بحزم وهو وجود القهاوي وتكاثرها حتى أصبحت «الكيمة» والسبجي» وهي أكلات هندية هي للاطباق المفضلة لدينا وكان خوف الشيبان على اولادهم من سوء الخلق عند الجلوس فيها وصحبة السفهاء و«السرابيت» من الناس،حيث كان النمط السائد تناول الاكل داخل البيت أو عند صديق أو قريب وليس في الشارع مما يعرض شخصية الانسان للاهتزاز في نظر الآخرين، في مثل هذه الجغرافيا المغلقة نشأنا، وقد كان المد القومي على أشده ولربما شكل هو كذلك لفتيان في اعمارنا تاريخا مغلقا إلا انه استطاع ان يمس قلوب الكبار قبل الصغار فتحولت الحياة إلى موقف حتى وإن كانت صعبة أو قاسية طالما عصب الكرامة والعزة والأنفة لم يُمس.

الثلاثاء، 29 أبريل 2025

مثقفي " المول" وكيفية الاستفادة منهم

 مع ازدياد عدد المولات والمتاجر التجارية في البلاد ومع ازدياد عدد المتقاعدين القطريين القادرين على البذل والعطاء، كرست المقاهي ثقافة جديدة في المجتمع، هي ثقافة الهوامش، شباب ورجال على قدر من الثقافة ويحملون درجات علمية من جامعات عريقة، تسمعهم يحللون ويناقشون مشكلات المجتمع والمحيط العربي والعالمي بكثير من الرؤية الصائبة والعقلانية، إلا أنهم يعيشون على الهامش    دون التبصر بالاستفادة من خبراتهم   خارج  الإطار الرسمي  مما أفقد المجتمع قدرة تداولية واتصالية هامة جدا، ثقافة المقهى، تختلف عن ثقافة المجلس، ثقافة المجالس تقوم على التشابه فأن تذهب للمجلس الذي يوافق ميول افراده، بينما ثقافة المقهى أكثر انفتاحا على الآخر وتنشأ بالتالي علاقة جديدة مع الآخر، هؤلاء الشباب والكبار الذين هم خارج إطار الفاعلية وخارج تيارالمشاركة الفعلية في وضع تصورات نظرا لخبرتهم المكتسبة وتجربتهم العملية، أنا لست مع استيعابهم حكوميا مرة أخرى، لكنني مع تشجيعهم وتطمينهم في إنشاء ثقافة موازية للثقافة الرسمية، مع الوقت وتزايد عدد السكان سيفتقد المجلس دوره أو سينعزل المواطنون بين جوانبه، بينما ستنشأ  ثقافة موازية  على جنبات المقاهي، ويمكنك ملاحظة ذلك اليوم وبسهولة في مقاهي المولات كل فئة لها مقهى أو عدد من المقاهي تجتمع فيها، بل ولاحظت كذلك أنه حتى بحسب تخصصاتهم فالرياضيون منهم في مقهى والبقية في مقهى آخر أو طاولة أخرى، مجتمعنا قادم إلى ثقافة المقهى بلا شك، ويجب تعزيز الدور القطري فيه لأنه مشاركة أكثر منه عزلة كما تمثل ثقافة المجلس، بعد فترة قادمة سيصبح لثقافة الهامش المتمثلة في المقاهي المنتشرة في الدوحة بتكاثر واضح دور في تشكيل الرأي العام، وستعاني ثقافة المركز من ضغط كبير،   مع تزايد عدد السكان وجنسياتهم وثقافاتهم، قد يصبح المجلس مثل «الكوجيتو» بعد أن كان هو الثقافة العامة المشتركة. نشاطات تشجيع المحافظة على الهوية الذي نشهده شتويا كل عام لا يكفي لأنها مقتصر عن ملاحقة التطورات وقائمة فقط على إعادة ما سبق من عادات وتقاليد للمجتمع، المقهى شكل من أشكال التعبير الحر، وقطر بلد مضياف  يكفي فقط زيارة سوق واقف لترى بروز أماكن ومجال واسع لثقافة جديدة هي ثقافة المقهى، وهذه لا يمكن أن يتعامل معها سوى آليات المجتمع المدني والقادرة وحدها على تهذيبها وإعلائها، وستمكن المجتمع  من التعامل مع ندرته السكانية بشكل أكثر كفاءة وستبسط سيطرته على الرأي العام، حتما سيتشكل رأي عام في المستقبل، فإن ترك المجتمع   دون آليات واضحة فسيكون خارجه مستقبلا،  .

الاثنين، 28 أبريل 2025

العيش الرغيد

  أذكر أن والدي اشترى ماكينة لجلب المياه من الآبار الارتوازية أو العيون التي يتم حفرها يدويا قبل ذلك , ماكينة جلب المياة    أحدثت تطوراً هاماً في التوسع في حفر الابار في المزارع

  كانت المزارع  أو الزروع كما نسميها هي صيفنا ننتشر بين خضرتها ومائها وطيورها، مجتمع متشارك، وهي مزارع لأفراد سواء من الشيوخ أو من عوائل وقبائل قطر، نموذج بسيط للعيش المشترك نفتقده اليوم حين انتقلنا من بيئة المزارع المنبسطة القريبه من بعضها البعض  في المعاني والصفات  لاصحابها  إلى ثقافة الأبراج الانعزالية التي تشعر صاحبها   بالعزلة والتقوقع خوفا من العين والحسد، وظهور ما  قد يشكل   طبقية  حادة وهو ما حذرت منه طويلا في مقالات عديدة منذ ما يزيد على العقد حتى اللحظة حول تحلل وغياب الطبقة الوسطى الهشة التي أنشأها إلى حد ما التعليم المبكر واهتمام الدولة بشكل  عظم من وجودها. انذاك     


الريان كان رئة للتنفس وبيئة صالحة للعيش خالية من التلوث وبها من الطيور الكثير، بل إن هناك موسما لطائر السمَن ويسمى «السمان» أوغيره من الطيور  المهاجرة ا حيث كنا ننتظر هذا الموسم   بفارغ الصبر لاصطياد ما يمكن اصطياده منها حتى أنه كان بإمكاننا في ذلك الوقت، توفير ما يحتاجه البيت من لحم طازج لأسبوع أو لمدة أطول، الأمر الذي اندثر بعد إزالة هذه المزارع، وأصبحنا نعتمد على دجاج «ساديا» المثلج.

لقد كان الريان نموذجا للتعايش للإنسان كذلك كما كان للطير حيث ضم جميع قبائل وعوائل قطر بل ومركزاً سابقاً للحكم   هذه جغرافية الريان البشرية حينذاك  والعديد من الجاليات آسيوية من باكستان وإيران، بعضهم تحصل على الجنسية لاحقا، وبعضهم لم يتحصل حتى الآن. كما أن جميع فرجان وقرى قطر  في ذلك الوقت مجالاً للتعايش الرحب والطمأنينة المجتمعية والتواصل الاجتماعي الودود والبسيط الذي يشعرك بنوعية وجودة الحياة الأمر الذي إنعكس على شخصية الانسان القطري  فعرف بالكرم والترحاب ومساعدة  الاخرين على فعل الخير, الحياة كانت تسير بطمأنينة وكأن المستقبل  بعيداً  بل وكأن الحياة كلها حاضراَ قائماً, لم تغزونا بعد التكنولوجيا المرعبة  التي عكرت صوف  الهدوء ورحابة الايام, 

 

الأحد، 27 أبريل 2025

الواقع والمحاكاة

 هل نحن نعيش الواقع  أم المحاكاة ؟ ثم ماهي المحاكاة؟ 

المحاكاة كما يعرفها عالم الاجتماع الفرنسي  بودريار هي انتاج واقع زائف  يحل محل الواقع الحقيقي بحيث يصبح من الصعب التمييز بين الاصل والصورة بل في النهاية تختفي فكرة الاصل تماماً. بمعنى آخر تصبح  المحاكاة بديلاً عن الواقع 

مراحل  انتقال الواقع الفعل الى محاكاة او صورة زائفة عنه عديدة حين تتسلل المحاكاة رويداً رويداً  وهي زيغ أو إنحراف بسيط  أو تشويه بسيط للواقع وتستمر في انتاج صور  عديدة لتصبح هي الواقع  بعد أن تزيحه أو تلغيه , أمثلتها كثيرة في مجتمعاتنا , حفلات الزواج  مثلاً أصبحت  المحاكاة فيها تتراكم  لتصبح هي الاصل بعد أن أزاحة الواقع الحقيقي  لمعنى الزواج والاحتفال به في مجتمعنا في السابق , حيث الطمأنينة  والتقارب   والارتياح , فأصبح صورة  تُلتَقط  وحشود  لاعلاقة لها بالحفل كمنسبة حميمية وإنما لضرورة اجتماعية  طارئة.

 من أمثلة المحاكاة كذلك في الاعلام  الاخباري  انه لايعرض الواقع كماهو  بل يعيد بناءه بطريقة انتقائية تجعل من الحدث  نسخة معدلة  من الواقع. حسب الطلب والاستهلاك

 الاعلانات التجارية  تخلق عالماً مثالياً لحياة لاتشبه حياة البشر لكن الناس  يتصرفون وكأن هذا هو العالم الحقيقي

الانترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي  تعرض حياة الناس بصورة محسنة ومفلتره لاتعكس واقعهم الفعلي  فيصبح من الصعب التمييز بين الواقع والمصطنع . يقول بو دريار ان حرب الخليج الاولى لم تحدث  كما نظن  بل عشنا محاكاة لحرب عبر الاعلام  ويقصد ان ماشهادناه عبر التلفاز  لم يكن حرباً وانما عرضاً اعلامياً منظماً لصور مصممة ومفلتره بعناية كانت اللقطات تركز على لقطات رائعة لصواريخ ذكية  تطلق من البحر وتخفي مشاهد المار الحقيقية  لمدن العراق , فلم تكن الحرب شيئاً وقع وانما شيئاً عشنا كمحاكاة  تلفزيونية بلا ألم .   لقد ذاب المعنى واصبحنا نعيش في عالم صور بلا جوهر

السبت، 26 أبريل 2025

حين تتضخم الأنا

أ شعر بتضخم مخيف «للأنا» في مجتمعنا، لم يعد ظاهرة فردية، بل تشعر معها بعدم الاطمئنان والإيمان بالوطن كمشترك يجب المحافظة عليه، نقيم بناء على أي شيء من أجل تضخيم «الأنا» الفئوية حتى نستطيع التأقلم في مجتمع الأنا المتضخمة، نُحرف في التاريخ، نُغير في الأسماء ونضيف ونحذف ونخفي ونظهر، نؤلف، نؤرخ، نبني أوهاما على أنها تاريخ.. خطورة الأنا المتضخمة أنها غير اتصالية، متوجسة. الأنا المتضخمة مجالها التاريخ لا الواقع ومن هنا الإشكال، لا تعيش الواقع إلا بمقدار ما تجد نفسها فيه أو تختلق تاريخها فيه، عندما يفقد المجتمع الإنتاج يلوذ بالتاريخ كريع يستسقي منه مداده وحكاياته ومروياته. لم يعد الوطن كافيا لأنه لم يترسخ كمفهوم وتجربة وواقع، الأنا المتضخمة تخترق الوطن وربما تعلن امتلاكها له، الإشكالية أنها كظاهرة ليست ثابته وإنما قابلة للزيادة والانتشار بعدد المجاميع المتراكمة والمتزايدة طالما أن كتب الأنساب وشجرات الأصول التي تورق يوما بعد يوم مرجعيات صغرى على حساب مرجعية الوطن، فيتلاشى الوطن أمام الأنا المتضخمة التي تاريخها يمتد مخترقا التاريخ مارا عبر العصور منذ أيام الخيام وبيوت الشعر حتى أيام القصور، فالوطن ليس   استثناء، بل هو  القاعدة أو الفرض  فليس هناك مرجعبة أقوى من مرجعية الانتماء لوطن , كل المرجعيات تتراجع أو من المفترض أن تتراجع أمامه كمرجعية لجميع أبناءه , جميع المرجعيات الصغرى  أمام عدالته سيان , ليس هناك باب دون بابه يطرقه المواطن , ليس هناك حب يضاهي حبه في قلوب أبناءه ,هو مجال التضحية والفداء كما أنه مجال  التنمية والعطاء , سلمت ياوطني مرجعاً ألوذ به , سلمت ياوطن  , على أرضه نشأت وفي ظله عشت  وفي ترابه سوف أدفن , على كل أنا متضخمة أن تضمحل  امام الوطن وحقوق المواطنة, على كل مشروع  لايحتوى ابناء الوطن جميعاً ان يتلاشى  عاشت قطر وطناً للجميع وعاش الأمير رمزاً للمجد.

الأربعاء، 23 أبريل 2025

"المجالس" بين الأمس واليوم

 شكلت المجالس وفي المعظم بها « حبوس» وهي جمع «حبس» بكسر الحاء وهو بناء يشبه الكراسي ملتصق بالحائط للجلوس عليه أو  «دكيك» جمع «دكة» وينطقها   البعض «دجه» كذلك وهو مكان مرتفع من الأرض في الفضاء عادة أمام البيت كمجلس مفتوح في الهواء الطلق خاصة أيام «القيض» الصيف، مكانا للتجمع بشكل يومي خاصة بعد صلاة العصر وبعد صلاة المغرب، ونظرا لطبيعة هذه الأماكن وتشابهها وانتشارها، تأصلت علاقات أفقيه بين أبناء الفريج في كل مناطق قطر، فالانتشار وتبادل الزيارات كما شاهدته كان أفقيا. في تلك الفتره من ستينيات القرن المنصرم ومع بداية السبعينيات، ولم تكن المناصب الحكومية تشكل بريقاً زائفاً كما هي عليه اليوم، لذلك كانت علاقة أهل قطر علاقه ذات طابع اجتماعي إنساني أفقي كذلك، بمعنى أنه لم يؤثر على علاقاتهم ببعضهم البعض، كان أشهر مجلس في الريان القديم حيث كنا نسكن هو مجلس الشيخ جاسم بن علي بن عبدالله، حيث يجتمع أهل الريان  لتناول الغداء بعد صلاة الجمعة، ودرس ديني يومي على «حبس» المجلس يقرأ فيه المطوع حسن مراد ما تيسر من الحديث والسيرة، ومجلس الشيخ خالد بن حمد أطال الله بقاءه, وفي الحقيقة كل بيت في الريان بل إن كل بيوت أهل قطر كان يلتصق بها مجلس، لم يكن شكل المجلس مهما ولا يبدو مزخرفا كما نرى اليوم لكنه يحمل معنى أكثر من مجالس اليوم التي تبدو شكلاً ولكنها تخلو من روح المجلس التي تحمل المعنى الحقيقي لقيمة المجلس، القطري عموماً كان يحرص على بناء مجلسه قبل بنائه لداره وبيته الذي سيسكنه وفي هذا دلالة على مدى انفتاحه وارتباط وجوده بالآخرين، دور المجلس كبير أيضا من الناحية النفسية والشعور بالرضا والإشباع النفسي الذي نعاني من بوادر واضحة لغيابه والاتجاه نحو التقوقع والعزلة القاتله أنتج المجلس ثقافة الاحتفاء بالضيف وارتكز على دور الصغار أو أولاد صاحب المجلس في العناية بالضيوف قبل استقدامنا للخدم في البيوت وغيرهم، كان أبناء صاحب المجلس هم من يعمل القهوة ويقدمها للضيوف وكذلك «المدخن» للتَطَيُب عملاً تلقائياً يفرضه الأمر الواقع والظروف، الناس كانت تتهافت ليس لبناء المجلس وكبره وسعته وجمال شكله وإنما كانت تهفو لروح المجلس وإنسانية صاحبه، كم شهدنا مجالس ليست بناء وإنما روح وأُنس تمتلئ بكبار القوم، وكم رأينا مجالس ليست سوى حجر وأسمنت ورتوش ظلت خاوية مقفلة حتى عفا عنها الزمن، مجالس الأمس كانت إنساناً يعيش طبيعته، بينما مجالس اليوم في معظمها ليست سوى مصلحة أو منصب لا يلبث أن يزول لكي تعود بعده حجراً خاوياً يكسوه الغبار.

معركة التعليم في قطر

 في إعتقادي إن أعظم معركة قادتها الدولة هي معركة التعليم وإقامة نظام تعليمي  لجميع طبقات المجتمع مجاناً, إدخال مدرسة في مجتمع مغلق لم يكن بالأمر السهل تماماً بإقامة نادي في حي أو فريج لديه صورة مسبقة  سلبية وتصور ثابت ومسبق عن معنى لهذه الكلمة,إلا إن النظام العربي في حينه كانت تتملكه روح شاملة ورؤية ليس لبلد دون غيره وانما للإمة العربية بأكملها, الامر الذي جعل من المدرسة ذاتها جزءاً من هذا النظام

 العربي ومن وعي الإنسان العربي بذاته وبحقوقه، كما كانت تقوم بدور اجتماعي واقتصادي مهم وخطير، فعن طريقها كان الطلبة يتلقون المساعدات من كسوة سنوية كاملة صيفا وشتاء بالاضافة إلى رواتب شهرية بالاضافة كذلك إلى تغذية يومية متمثلة في توفير الالبان للطلبة بعد الحصة الثالثة وقبل الفسحة الرسمية بين الحصص. ومن الملاحظ أن عدد الطلبة القطريين قد تراجع قليلا بعد توقف المساعدات الاخرى مع الوقت ونجاح الدولة في ترسيخ مفهوم العلم كقيمة في حد ذاته في ذلك الوقت، ولكن ما لبث حتى عاد الجميع كبارا وصغارا يطلبون العلم في ذاته ولذاته.

لا يعني أنه لم تكن هناك مقاومة من بعض كبار السن لوجود المدرسة، فقد امتنع بعضهم عن إدخال ابنائه المدرسة مدعين أنها أصلا «مفسدة»، خلخلت المدرسة الوعي وأظهرت التباين فيه بين أفراد المجتمع.
أما بالنسبة للمرأة وتدريسها فقد أخذ المجتمع وقتا طويلا لكي يقتنع بتدريس البنت وأهمية ذلك بالنسبة لها وللمجتمع، وكانت لحظات صهر عنيفة للوعي التقليدي الذي يرى في المرأة كائنا ليس في حاجة للعلم بقدر حاجته للطاعة والانصياع لارادة المجتمع الذكورية، في بداية الستينيات كانت قضية الثورة الجزائرية وكذلك القضية الفلسطينية بالطبع هما محور طابور الصباح بعد تحية العلم، كنا نعيش روح الأمة في المدرسة، لم تكن المدرسة درساً فقط كانت كذلك وعياً وإحساساً بمصير الأمة المشترك وتطلعاتها إلى الحرية والاستقلال، كنت لاأزال أذكر صورة لبن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، مشنوقا على خريطة فلسطين في ممر مدرستنا الابتدائية في الريان القديم، كان النظام التعليمي نظاماً عربياً ومخرجاته كانت قوية وطنياً وأكاديمياً سواء من التحق بالجامعات الاوروبية والأميركية أو من التحق بالجامعات العربية.. ساعدت هذه الشمولية بين الجزء والكل على إيجاد مدرس يحظى باحترام المجتمع ويمثل فكرة آمن بها المجتمع كذلك، بصورة  أعمق وأكثر تأثيراً منها اليوم.

 

الخميس، 17 أبريل 2025

الفريج في السابق والفريج اليوم

 


 


في ستينيات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينيات منه, كانت الفرجان في قطر مكاناً رائعاً لممارسة الهوية كسرد, في الريان حيث كنت اعيش  كانت جميع عوائل قطر وقبائلها تقريباً اجزاء منها تقطن هذه المنطقة التاريخية  من قطر , بمجرد أن تخرج من بيتك  أنت في علاقة أفقية مع الآخر المختلف عائلياً وقبلياً في جوف الفريج ننشىء علاقة مع الاخر الاجنبي ,أو العربي سواء كان  صاحب الدكان  أو صاحب المقهى أو العامل في الزراعة ومنطقة تاريخياً مشهورة بمزارعها المنتشرة سابقاً,   , نتقهوى في مجلس أحد الشيبان ونتعشى على "دجة" آخر من عائلة أخرى هكذا بكل تلقائية وفي المجلس  المجتمع كله يلتقي  نظراً لهذا التنوع الموجود في الفريج, لانعرف القبلية , ناهيك عن الطائفية, العلاقة قائمة على الالتقاء  لاتكاد تحس بالعمق بقدر ما تستطيع أن تلمس وتحس باللقاء وحرارته, الذي جعل الفريج خالياً من الغموض الذي يربي الخوف وينشأ الستار بين الافراد , هذا الاختلاف الجميل جعل من الحياة هوية  لم نكن في تشابه من حيث  الانتساب لقبيلة واحدة او لعائلة واحدة , لم نكن ننتسب الى قطر من حيث تاريخ التواجد فيها , لم نكن جميعاً على مستوى  واحد ومسافة واحدة من السلطة ,   والتشاور والتناصح  والتدوال المستمر لمشاكل الفريج هذا التمازج اوجد هوية سردية تعيش وجودها بقدر تواجد الاخر , هذا الاغتناء أوجد قطرياً يعي ذاته  بقدر وجود الاخر الغير قطري ,كنا  ذواتاً قبل أن نكون هوية.


كيف بدأت الهوية الإنعزاليه" في التشكل ؟ حينما بدأنا بإنشاء  الفرجان الجديدة  كل على حدة وأزلنا الاحياء القديمة التي كانت تمثل نموذجاً رائعاً للهوية السردية كالبدع والرميلة والريان  والجسرة.الهوية الانعزالية كما أرى هي الهوية  التي تمتلك ذاتها في داخلها ولايمثل لها الخارج اي بعد تمايزي وتعتقد بقدرتها على الاستغناء عن الاخر" كل هذا  في اعماقها" يعني أصبحت "جوهر".

مع الفرجان الجديدة  أصبح المجتمع   مجالاً للهوية الانعزالية, فأصبح  الفرد   لايرى الا من يشابهه تماما  اختفى ذلك التنوع الجميل  , ما أود الاشارة إليه هو أن الدولة اليوم غيرها بالأمس  وأصبح سؤال الهوية القطرية  بما هى جوهر  مطروحاً في كل مكان  وهو سؤال زائف , الهوية هي الهوية السردية التي كنا نعيشها في السابق ويمكنها الاستمرار  والتطور بشكل تلقائي  , الهوية القطرية كانت "سرداً" منفتحاً, واليوم يبدو الخوف عليها  خوفاً مبالغاً فيه لغياب الحرية التي تنشأ من خلالها الهوية  السردية التي تشارك في صنع ذاتها  وتقرير مصيرها.  بين الابتعاد عن الجذر  وبين الانتشار الصحي على السطح والعلاقة الافقية التي تكرس اللقاء  يبدو الخيار   صعباً مالم نضع اولوية للحرية على الهوية ويصبح التدوال  الواقعي بديلاً عن الاسقاط الفوقي  الذي قد يهمش الجذر لصالح السطح او يعمق الجذر بحيث يجعل منه رافضاً  للتعايش مع السطح

الأحد، 13 أبريل 2025

الفن والحقيقة

 في اعتقادي أن الفنان أهم من السياسي  وأن المثقف أهم من اي منصب رفيع في الأزمات، لأن الفن والثقافة عموما حالة صدق أو من المفترض أن تكون كذلك، في حين أن السياسة حالة ظَرف. الفن والثقافة هما الوسط الإنساني الضروري الذي يجب أن يُترك دونما تدخل من الجانب السياسي ليبقى الباب مفتوحا للعودة إلى الحالة الطبيعية بعد اختفاء الظَرف. كم من الشعوب خرجت من أزماتها عن طريق وجود الثقافة كحالة مستقلة داخل المجتمع مع أنها انعكاس لواقعه الاجتماعي، كم من الشعوب وجدت حلولا لأزماتها مع الآخر عن طريق الواقع الثقافي والفني الحر والمستقل الذي كانت تعيشه تلك الشعوب.

عندما يجد السياسي مأزقا يلجأ إلى المثقف ليأخذ منه وليستمع إلى رأيه، لذلك بقاء الثقافة والفن بمعزل عن الأزمات السياسية ضمانٌ للمجتمع،
 ، كنت دائما على إيمان بأن الفن هو ما يجمع شعوبنا من المحيط إلى الخليج وليس السياسة،
وقف سارتر ضد استعمار فرنسا للجزائر، ووقفت جين فوندا ضد حرب فيتنام،
الفن مؤثر جدا عندما يكون مستقلا وحرا، إذا قبضت الدولة على الفن فاعلم بأن المصير أسود لأنك اقفلت الطريق أمام الخيال وعايشت الواقع الضيق بكل تفاصيله، لذلك نرى الانظمة التي صادرت حق الفنان وعملت على تجييره زالت، أو في طريقها إلى الزوال.
التحق الفيلسوف هايدغر بالنظام النازي أيام هتلر مسايرة لوضعه كأستاذ ومدير للجامعة فخسر سمعته على الرغم من تفرده المذهل بخطه الوجودي والذي نهل منه الكثير بعده.. ووقف دريد لحام في صف طاغية دمشق الأمر الذي أفقده مكانته لدى الشعب العربي،  
لماذا الفن ودور الفنان مهمان جدا في الأزمات لأنه يقول ما كان يُخفية المجتمع في الايام الرتيبة. اليوم أ 
لم يعد بامكان هذه الشعوب أن ترى الفرق بين القبح والجمال فلقد جرت عملية مصادرة واضحة للذوق العام لديها عن طريق تسليع الفن والفنانين.
حينما يتحول الفن الى سلعة وبضاعة رخيصة يخسر المجتمع ضميره ,لايتقدم مجتمع الا إذا تقدم دور الفن فيه واصبح يعكس أمال أفراده وطموحهم  وتعدد اراءهم واتجاهاتهم , فتصبح الحقيقة فيه مجالاً للتداول لا الاحتكار ,إن أسوأ مايمكن أن تصاب به الامم  هو تدهور أخلاققها,  والفن الراقي جزء لايتجزأ من الاخلاق  بل هو مرآة صادقة لمستوى الذوق في المجتمع
إن الفن يا سادة يعكس ذات الإنسان وتاريخه بشكل أصدق من جميع الروايات والقصص والوثائق لأنه تاريخ حي, يعيشه الانسان  ويسطر صفحاته وينشر من خلاله آماله وتطلعاته.

الجمعة، 11 أبريل 2025

لم نهزم ولكن نفكر كمهزومين

 

في المجلس مع الوالد وبعض اهل الريان كالعادة بعد صلاة العصر حيث كنا نجلس لتناول القهوة والشاي، إلا أن اليوم كان مختلفا إنه الخامس من حزيران عام 67، وكانت مهمتي كأصغر الحضور,الذهاب بين حين وآخر لاستماع إلى الاخبار من المذياع الكبير ذي البطارية الزرقاء الضخمة خلفه والعودة إلى المجلس لإخبارهم عن تطورات الحرب كما كنا نعتقد أولا، بينما هي في الحقيقة ضربة جوية قاصمة انتهت المعركة في الساعات الأولى، وفي كل مرة أخبرهم بعدد الطائرات التي أسقطت لإسرائيل، وأسمع كلمة «بعَدي» أي أحسنت من الجالسين، واستمر الوضع حتى انفض المجلس قبيل المغرب، لنكتشف في اليوم التالي هزيمة بحجم الجبال الراسية.
كان المد القومي الناصري من القوة بحيث وحد الاجيال، فكبار السن كانوا أكثر حماسا من الشباب والصغار،   كانت الاحوال الاقتصادية متواضعة جدا، لكن كانت الحياة تقوم على المعنى أكثر من المادة، تفاعل اهل الريان ككل أهل قطر بل العالم العربي أجمع مع الهزيمة بطريقة وطنية بعيدا عن أي ايديولوجيا أو تأنيب ضمير، وتطوع العديد من أبناء قطر  للذهاب للقتال مع صفوف المقاومة   كنت لم ألتحق بالاعدادية بعد أوفي صيف الانتقال من الابتدائية إلى الاعدادية، حيث قامت بعد ذلك حرب الاستنزاف التي ارهقت إسرائيل حتى عام 69 وطلبت إسرائيل الهدنة، وفي عام 68 افتتحت إذاعة قطر وكان يوم ثلاثاء على ما أذكر وبصوت المذيع زهير قدورة شعور جميل أحسست به تلك الليلة وكأنها تتكلم باسمي شخصيا.
الإشكالية اليوم أن وضع العزيمة المادية في ذلك الوقت أفضل من وضعنا الحالي حيث الهزيمة النفسية، اليوم نحن مهزومون  مادياً ونفسيا  إلا من ثلة تحمل روح المقاومة لاتزال في غزة الباسلة .تحول النزاع العربي -الإسرائيلي  واصبح نزاعات بينيه , وأصبحت الخيانة وجهة نظر , والوطنية  تهمه الى أن يثبت العكس .
 أطالب بإعادة الاعتبار لهزيمة 76  وإعتبارها لحظة إفاقة لم تستمر ,بعد أن وصل بنا الوضع إلى ماهو عليه من تشرذم  اوإعتبارها هزيمة مادية فقط وليست هزيمة معنوية  أو كسراً لروح المقاومة والتحدي والصمود , يجب تجاوزها  والنظر الى ماجاء بعدها من نكسات سببها الهزيمة النفسية  , لم نهزم لكننا نفكر كمهزومين , هذا هو الفرق بين هزيمة 76  وما نشهده   وماوصل به الحال اليوم  وغزة الجريحة خير شاهد. العجيب أني أجد البعض يجمد التاريخ  في لحظة معينة  ليرمي عليها جميع أسباب ما آل إليه الوضع العربي الآن, بعد مرور أكثر من نصف قرن عليها وعلى من لحقت به كزعيم , ليتخلص من عقدة تأنيب الضمير , عقلية لاتستفيد من الماضي بل تجعله  منصة للنواح والشكوى,عقلية تحتاج الى تفكيك, في حين تجاوزت العقلية اليابانية والالمانية هزيمتهما الكبرى الماحقة ليصبحا في مقدمة الدول المتقدمة .

الأربعاء، 9 أبريل 2025

العلاقة بين التسوق وأداء الصلاة

 هل لاحظت كيف يصلي الناس في مسجد المول أو في الأماكن التي خصصت كمساجد في المولات ؟

 يأتون سراعاً ويصطفون ويقيمون الصلاة، وما أن تنتهي مجموعة حتى تأتي أخرى، هكذا على شكل مجموعات، في حركة دائمة، خارجين من التسوق عائدين إليه بعد أدائهم للصلاة.

 ولو دققت كثيراً لوجدت أن أداءهم لفريضة الصلاة لا يختلف كثيراً عن أدائهم لعادة التسوق، ولشعرت أن الصلاة ليست خروجاً من جو سابق أو شعور عام ودخول في جو وشعور آخر.

جميل أن تنتشر أماكن للصلاة في أماكن التسوق حتى يتمكن الجميع من أداء الصلاة في أوقاتها، لكن أخشى أن تصبح الصلاة في هذه الأماكن جزءاً من شخصية الإنسان ذي البعد الواحد؛ وهو إنسان استلبته التقنية وأخذت بلبه وعقله، فأصبح يجاريها بعيداً عن حاجته الحقيقية، وهو مصطلح صكه الفيلسوف الألماني ماركوز، حيث يصبح المجتمع يجري خلف ما تنتجه التكنولوجيا وهي تنتج سلعاً باستمرار، فتصبح رغبته في متابعة ما تنتجه أكثر من حاجته الحقيقية إلى هذا المنتج وهو ما يجري حالياً مع موديلات التلفونات والآيفون وغيرها من وسائل الاتصال التي تتجدد كل شهور وليس سنوات.

 أرى كثافة المصلين في المولات وأفواجهم فيتبادر إلى ذهني هذا الشعور وهو شعور يربط ربطاً مباشراً بين التسوق وأداء الصلاة داخل مجال التسوق ذاته، فتبدو وكأنها فترة قصيرة يعود بها الإنسان إلى ذاته الإنسانية قبل العودة إلى استئناف دوره المادي في اللحاق واللهاث وراء ما تنتجه الأسواق والشركات من منتجات.

 ثقافة المول حدت بالطبع من طبيعة الصلاة داخله لأسباب كثيرة منها عدم وجود إمام، وعدم وجود المكان الملائم حقيقة كمسجد، مجرد أماكن صغيرة في جزء من المجمع، صغر الحجم جعل الصلاة سريعة لإتاحة المجال لمن يأتي لاحقاً.

 كنت أتذكر الصلاة في مسجد الفريج في الماضي حينما كان الإمام ينتظر حتى يأتي كل المصلين أو معظمهم ليقيم الصلاة بركادة وطمأنينة ومتسع من المكان ومن الوقت، وهناك إمكانية في اختيار الإمام وتقديم بعض على بعض، في حين في المول لا يتوفر ذلك إلا بقدر ما تمد يدك لأي سلعة لتضعها في سلة مشترياتك، في الفريج كنت أصلي وليس في جيبي نصف ريال، ولكن في المول لا أستطيع أن أقترب منه إلا وفي جيبي ما يملؤه من مال.

هذه كانت ثقافة الفريج والتالية هي ثقافة "المول" وتبقى الصلاة هي الصلاة.. رحم الله الفريج وثقافته، وأعاننا على "المول" وثقافته.

abdulazizalkhater@yahoo.com

الثلاثاء، 8 أبريل 2025

أسماء متعدده لظاهرة واحدة

 

في مجتمعات الخليج نطلق عليهم الهوامير, لكن أجزاء كثيرة من وطننا العربي يطلقون عليهم "القطط السمان"ولهم مسميات أخرى كما سنرى في العراق  حيث يُسمون "الجايجية" وفي السودان "الجوكيه"بل في مصر بالذات كان هذا المصطلح شائعاً فترة طويلة من الزمن, من ياترى هؤلاء "القطط السمان"فإذا كنا نحن في الخليج ندرك ما ذا تعني كلمة"هوامير"وكيف أصبح الواحد "هاموراً" من ادركنا لمجتمعاتنا الريعية, لكن ماذا تعني القطط السمان في مصر أو "الجاجية" في العراق
  أول من أطلق هذا  مسمى "القطط السمان" في مجالنا العربي هو الدكتور رفعت المحجوب وزير الاقتصاد   ورئيس الوزراء الاسبق  الذي اغتيل غدرا, عندما لاحظ ظهور طبقة طفيليه في المجتمع بعد الانفتاح الذي أعلنه الرئيس السادات, تميزت هذه الطبقة بسرعة الثراء وتكدس الاموال حتى تحولت الى ديناصورات في عهد مبارك,  كذلك لاحظ الكاتب السياسي العراقي كاظم حبيب أن هناك فئة ظهرت  بعد اسقاط النظام السابق وتسمى "الجايجيه" وتعني القهواتيه "من القهوه والشاي" وتعني  الفئه البسيطه التي تمارس أعمالا شريفه بسيطه  نظر لتدني مستواها التعليمي إلا انهم يملكون قدرة كبيره لاداء مهمات يعجز عنها المتعلم ,  أخذ هذا المصطلح أوسع ليشمل الذين يعملون لدى المسؤولين  وكبار  ملاك القرار مما سهل نفاذهم الى الحصول على تسهيلات  ائتمانيه وقروض  وغير ذلك  , كما إستخدموا غطاء لتوغل أسيادهم في المجال المالي والاقتصادي مستخدمين أسماء هؤلاء "الجايجيه"  حتى يبعدوا الشك عن أسيادهم.

أيضا هناك مصطلح  مشابه في السودان هو مصطلح" الجوكيه"  حسب مقالة : د الزبيرأحمد الحسن الأمين العام للحركة الاسلامية المعنونة القطط السمان في السودان ,وهي طبقة تعمل تحت حماية كبار رجال الدولة للحصول على تسهيلات ائتمانيه لشركات وهميه وشهادات مزوره لاراض او ليست بقيمتها الفعليه بحيث اصبحت هذه الفئة غنيه وثراءها اصبح واضحا وسريعا.

ما أود الاشارة اليه أنه في حالة التغير الاجتماعي والاقتصادي السريع تظهر طبقه طفيليه تؤدي أدوارا تتناسب  وقلق وتوتر تلك المرحلة   التي تشهد عادة تفككا في عرى  الترابط, وضعف في تماسك وقيم المجتمع. في دولنا الخليجيه  هذه الظاهرة تبدأ بطانة ثم تصبح أيقونة لها مجالها الخاص    التي أصبحت في يوم وليله تمتلك  بعدأن كانت لاتملك , الخطورة في اتساعها  بشكل  تشكل عازلا  بين المجتمع والسلطه  وتصبح محلا لإستثمار السلطة بدلا عن المجتمع . إستصلاح الارضيه الاجتماعيه مهم هنا بحيث نفرق بين "البطانة" وبين "الحق"  فلا يصبح الحق حق البطانة فقط , ولاتصبح البطانة  هي المجتمع  أو حجابا عن إرادته وحقوقه. ولعل أقرب ما لمصطلح الهوامير في الخليج من حيث النشأة هو التعريف العراقي "الجاجيه"الذي هو أقرب لاصطلاح "الفداوي" في الخليج  أوالتعريف السوداني   "الجوكية" الطبقة التي تعمل لدى كبار رجالات الحكم وتستفيد من حماية هذه الطبقة في الحصول على تسهيلات إئتمانية ورشاوري وغير ذلك  ومن ثم يصبحوا "هوامير" السوق