الأحد، 16 أبريل 2023

الوعي المتقدم لجيل الأمس

من اللافت للنظر أن أولئك البسطاء لم يكونوا يرون تعارضاً بين عروبتهم وبين إسلامهم، كما نرى اليوم، رغم وضعهم الاقتصادي الضعيف والمحدود ، لم يكونوا يرون في ذلك مدعاة لفهم الدين ونصوصه فهماً متطرفاً، إذا ذكرت أمام شباب اليوم أنك تؤمن بالعروبة كفكرة سياسية وحامل ثقافي، تبادر إلى أذهانهم تماماً أنك ضد الإسلام، وإذا أسبلت ثوبك وأطلت لحيتك فذلك دليل على أنك ضد العروبة أو القومية العربية بالأحرى. هذا الانقسام الخطير لم يكن قائماً عند أولئك الأوائل وكبار السن من ذلك الجيل ومعظمهم تبنى الفكر القومي وآمن به وهم أئمة مساجد، آمنوا بأن إسرائيل هي العدو الحقيقي للأمة، حتى أوضاعهم كانت أفضل داخل أوطانهم كمواطنين؛ حيث كان للمجتمعات ذاتها آليات دفاع عما يعترضها من أخطار وصوت مسموع لأفرادها لدى الدولة، كنت أشعر أن ثمة وعياً وطنياً سائدًا كل ذلك بفعل التأثير الإيجابي لعدم الخلط بين العروبة مع الدين وعدم وضعهما في تقابل وتعارض ينقسم على أثره المجتمع. كنا نخرج بعد صلاة العصر من المسجد لنجتمع في المجلس حتى صلاة المغرب لينتظم الجميع صفاً في تأديتها، كان الوعي السياسي لديهم رحمهم الله متقدماً عن وعي شباب اليوم، لم يكن الإسلام قد اُختطف، ولم تكن القومية قد اختلطت في عقول البعض بين كونها «فكرة» وبين تطبيقاتها. كانت نظرتهم إلى المشروع هي الأساس وليست النظرة إلى الأفراد، حتى بعد الهزيمة لم يسقط المشروع من أذهانهم، كما نرى اليوم من عملية تفتيت لم يسبق للأمة أن شهدتها عندما وضع الدين في تعارض مع القومية الفطرية التي أوجدها الله في الشعوب. رحمهم الله جميعاً، يبدو من ذلك اكتساح الفكر القومي الناصري، مع احتفاظ الناس بدينهم وتمسكهم به وقيامهم بفروضه وبواجباته، لم تكن هناك حاجة لمؤتمرات تجمع بين القوميين والإسلاميين وكأنهم في تباين وتضاد، لم يتكرس ذلك الفهم مع الأسف، وساد بعده نوع من التكفير الثقافي انقلب مع الوقت ليصبح تكفيراً دينياً، ندخل على اثره نفقاً مظلماً لانزال بين دهاليزه، كم كان وعي أولئك الآباء متقدماً على وعي الكثيرين من شباب اليوم الانشطاري ممن درس وتخرج في كبرى جامعات الغرب وهو لا يدرك أن العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة