الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

الإنقسامات الأهليه والحيز العام

إيمان الناس بمبادىء عامه قد يجعلهم أكثر تشددا وتطرفا حين تتنزل هذه المبادىء المطلقه على الواقع وتحتك بالشارع والميادين العامه والساحات , حيث يصبح التأويل والتفسير ونسبيته واحتكاكه بالظروف عرضه للتناقض والنقص وعدم اكتمال المثاليه المحفوظه فى الذهن والديمقراطيه أيا كان شكلها لاتتعدى كونها عمليه تراكميه نسبيه تاريخيه أى محكو مه بالظروف التاريخيه إلا أن هناك أفضليات تظل رغم كل هذا واضحه ونبراسا ومدعاة للتوافق عليها كخطوط عريضه كأفضلية الحريه والعداله على الاستبداد وسيطره وطغيان القله على الاكثريه. الاشكاليه كما أراها بعد ثورات الربيع العربي ذات جانبين أحدهما طبيعة الانقسامات فى المجتمع العربى حيث كونها إنقسامات أهليه ذات طابعى دينى او قبلى ولم تتحول بعد الى انقسامات سياسيه وهو المطلوب والذى تأخر كثيرا نظرا لسيطرة الاستبداد وطول مرحلته. والجانب الآخر يتعلق بحيازة المجال العام طوال فترة الاستبداد الطويله وحصر المجتمعات فى زاويه واحده أدت بالتالى الى انفجارها كما شهدنا على الرغم من انه تاريخيا كان التنوع والاختلاف موجودا ومؤسسا دستوريا حيث كان نظام الملل والنحل معمولا به فى العصر العثمانى وربما قبله كذلك. وقد اشار إبن خلدون فى مقدمته الى أن العصبيه والدين وتكاثر العصبيات معوق قاتل لقيام الدوله واستمرارها. فالقضيه أعقد من مجرد الذهاب الى صناديق الاقتراع بعد سقوط الاستبداد المزمن لأن المجتمعات لاتزال تحمل جيناته وأعراضه خاصة ان معظم التشكيلات الاجتماعيه الاهليه كانت تعمل فى الظلام وفى السر مما يجعلها أكثر ميلا إلى السيطره واغتنام الفرصه السانحه حيث لم تتعود على العلن وطمانينة وشفافيته. لقد خرجت اوروبا من الحروب الدينيه الى العصر القومى وتاسست الدوله القوميه قبل أن يبزغ من بين احشائها المجتمع المدنى الذى كان قادرا بعد مرحلة من الزمن من إدارة شئون الدوله سياسيا بعيدا عن الانقسامات الاهليه القاتله لانهم مروا بتجربتها واكتووا بنار الحروب الدينيه والمذهبيه طويلا. لم يعد الامر اسقاطا على الواقع بقدر ما كان استنباتا له بظروفه وبتربته . والجدير بالذكر أنه ليست هناك ثوره دونما شعور من جانب الشعب بسرقة وحيازة المجال العام واحتكاره ولكن الاشكاليه فى أن مثل هذه الثوره ذات مدى قصير مايلبث اصحابها بعد انتصارها الأولى على الاستبداد أن يجدوا أنفسهم منزوعون الى مرجعياتهم أو خوفهم من بعضهم البعض خاصة إذا لم تتوفر للمجتمع قاعده اجتماعيه مدنيه عريضه واكتفى الأمر بكون المرجعيات الأوليه هى المحرك الاساسى ضد الاستبداد وليست هناك مرجعيه أوليه مهما كان مصدرها لاتحارب الاستبداد لأنه ضد الفطره الانسانيه أساسا.إلا أن الاشكاليه هنا تتمثل فى أن المرجعيه الأوليه ضد الاستبداد وقد تمارسه مالم يرتقى المجتمع الى مستوى اعلى ثقافيا من المرجعيات الأولى , السؤال المصيري الآن كيف يمكن الانتقال من طور الانقسام الاهلى المذهبى إلى طور الانقسام السياسى المدنى؟ هذا هو تحدى الأمه بعد الثورات ويتطلب ذلك بالضروره مرحله انتقاليه تتضافر فيها الجهود وتبتعد المجتمعات فى إدارتها لهاعن قاموس المرجعيات الأوليه الدينى منه أو الاجتماعى, كالتكفير والخيانه والعماله. وأنا على يقين أن الأمه لن تخرج عن دينها ولا عن عقيدتها مهما كانت النتائج لذلك قضية أن ماتم فى مصر أو تونس أو ليبيا من صراع نحو الانتقال الى الانقسام السياسى الذى يكفل للجميع حيزا من المجال العام يؤدى بالتالى الى قيام الدوله المدنيه يشكل أمرا ضد الاسلام إدعاء خاطىء لان تاريخ الأمه يشهد أنها تعرضت لأصعب واشد من ذلك كربا ضد هويتها الاسلاميه ومع ذلك هى الأمه الوحيده بين الأمم التى تذكر بأنها عربيه واسلاميه لترابط الهويتان بشكل لايمكن معها إنفصال إحداهما عن الأخرى