السبت، 27 فبراير 2021

المتجرد

لا أعمق من حياة يتصل عاجلها بآجلها بكل صدق , ولا أصدق من إنسان يتصل ظاهره بباطنه بكل شفافية. يصارع المتجرد وسط امواج عاتيه في مجتمع المظاهر والزيف والتملق , يبدو غريباً لأنه واضح وسط غموض يخفي تحته كثيراً  من الحيَل الاجتماعية, شدة وضوحه تحرج المجتمع لأنها تتحدث عن الجانب الذي  يود المجتمع لو يخفيه او يتناساه ,حياته بسيطه ," انا كما ترونني , إنسان خطاء, لاادعي كمالاً ولا اعترف بمحاولة المجتمع ادعاءالكمال لأنه لن يصله ولن يحققه"المعنى عند المتجرد اكبر واعظم من طول الحياة وامتداد العمر لذلك تراه لايندم على شىء فهو مأخوذا باستمرار الى ما سوف يحدث وليس ماقد حدث, الغربة وطن عند المتجرد حتى وهو في بيته وسط اهله وخلانه , المتجرد لايشفق كثيراً ليس قسوة في القلب وانما حدةً في النظر الى الحياة وطبيعتها, صمته اكثر طويلاً من كلامه , لايتدخل في شئون الناس ولا يضع اعتباراً لثرثرتهم , يعيش يومه في تطابق تام مع وجوده ليست هناك دقيقة واحدة زائدة من الوقت تتجاوز هذا الوجود فتيحله الى وجود زائف من الثرثرة , عالمه الداخلي اعمق كثيراً من مظهرة الخارجي , لايجاري المجتمع الابالقدر الذي لايفسد عليه تجرده واحساسة بأنه وجود متزمن , يعيش الزمن في داخله اكثر مما هو يجاري ويسابق الزمن في مروره وعبوره ,يعطي وان كان لايملك شيئاً, وان امتلك لايدخر , الحياة لديه عطاء وليس اكتنازاًمادياً وهو المتجرد معنوياً, لجظة الصدق عنده ليست موضوعاً للمساومة, يقذفه المجتمع بالمروق وبالخروج عن سياقه الاجتماعي , فينظر الى المجتمع بشفقة اكبر من نظرة المجتمع اليه , يدرك أن المجتمع لديه ظاهر وباطن ويمارس التوريه بينما هو باطنه ظاهرهُ من هنا تأتي شفقته على مجتمعه وحزنه عليه,قلبه كبير ومحب وابيض لأنه يرى الحياة بوضوح اكثر , لايحمل حقداً ولا كرهاً لأحد لأن تجرده همش مشاعر الكراهية لدية بل انه اصبح موضوعاً لها في أعين الاخرين , اخطاؤه لايتبرأ منها , شطحاته لاينكرها هوبشر يعيش الظلال وليس المثال الافلاطوني, فالظلال ليس سوى صورة مشوةٌ عن المثال,لكن المجتمع المتصنع يصدر احكامه عليه انطلاقاً من المثال ومن هنا تبدو المفارقة ويبدو المتجرد اكثر صدقاً واعظم التصاقاً بوجوده الانساني من المجتمع المتكدس عند الوقوف غداً أمام عتبة "الله" خالق الانسان ومنشْ الوجود   

الثلاثاء، 23 فبراير 2021

مساحة الحرية المهدورة

الملاحظ ان مجتمعنا في العقود القليلة السابقة كان يمارس مساحة من الحرية اكثر مما يفعله اليوم,فيمايتعلق بشؤؤنه وظروف معيشته وما يعترض طريقة من مشاكل وعقبات , اليوم هناك تراجع واضح وملموس في تراجع هذة المساحة بشكل مخيف ,الاشكالية أن هذا التراجع "ذاتي" المنشأ وليس من تنمر حكومي أو خارجي, والسبب في اعتقادي هو طريقة معالجة مشاكل المجتمع والابواب التي تُطرق في معالجتها, هناك توجه مجتمعي ورسمي تقريباً يرى أن مواجهة التغير السريع الذي تمر به البلاد يقتضي مقاربته من خلال "الهوية" والخوف عليها من التأثر والذوبان , وهذا توجه سالب يفترض الحماية من خلال الانكماش والتقوقع والتمترس داخل الهوية , الامر الذي قتل تلك المساحة الجميلة التي كان الجيل السابق يمارس من خلالها مخاوف ما يعتريه من تغير وتبدل, وكان من المفترض مقاربة ذلك من باب الحرية وزيادة مساحتها الامر الذي سيعود ايجاباً على الهوية ذاتها, تكريس مساحة الحرية لا الهوية هو المنطلق الصحيح ولكن كيف يتم ذلك؟ وسائل الاتصال الاجتماعي لن تخدمنا في ذلك بشكل صحيح ومنظم وفعال, الحرية تحتاج مجال لكي تُمارس فيه بشكل فعال وواضح بين الفرد والسلطة وهذا المجال هو المجتمع وبالتالي يجب تنظيم المجتمع كما كان المجتمع منظماً بطريقة تلقائية سابقاً"وجهاء-أعيان -شخصيات عامة" لها مكانة عند الحكومة وعند الناس, تتدخل عند اللزوم وتنوب عن المجتمع ابداء لرأيه وما يشعر به.اليوم جمعيات المجتمع المدني يمكن ان تلعب هذا الدور لو وجدت ودعمت وغداً المجلس المنتخب هذا هو الامل إذا تخلص من ديدن الهوية الذي يلازمه ولم يكن يلازم المجلس الاول,وكذلك البنية الدستورية للدولة هنا مكمن الطلب والمقاربة اللازمة وهذة المجالات وهي مجالات"حرية" بإمتياز, الأمر الذي اريد التأكيد عليه هو , ان مقاربتنا للمجتمع من باب الهوية ليست هي خيار المستقبل ابداً, والأحق والاصح مقاربة المجتمع أنطلاقاً من الحرية وتوسيع مجالها وبذر بذورها انتعاشها في المجتمع الذي سيعمل بالتالي على ايجاد هوية تمارس الحرية وليس هوية تتخذ من التوقع مجالاً للدفاع عن بقاءها وتخاف من الاشارة الى مكامن الخلل فتزداد تقوقعاً واحتقاناً كما هي عليه الآن.