السبت، 15 فبراير 2025

التغيرات الاجتماعية" موسم الندوات "

  دعوني أنطلق من حالة وجودية عشتها  وأعيشها كمواطن خليجي وعربي ومسلم, وهي إتساع  الفجوة بين الواقع الذي نعيشه  والجهاز المفاهيمي الذي نمتلكه  كأفراد في المجتمع, بمعنى أن هناك فجوة بين الواقع الذي نعايشه  وبين مانفكر فيه  إنطلاقاً من عدم ملائمة المفاهيم  أو ال tools الذي نستخدمها  لفهم هذا الواقع  وفك شفرته . في إعتقادي بدأ الانسان  تقليدياً في الخليج  بمعنى أن كان في تطابق بين واقعه الهادىء  وما ينتجه هذا الواقع من مفاهيم  لاسباب كثيرة منها نمط العلاقات الافقي التشابكي بين افراد المجتمع , ومع مرور الوقت و بفعل التقنية والتطور العلمي  والحداثة سمها ماشئت ,  اصبح إنساناً استهلاكياً ومع مزيداً من التطور المادي والتقني  في جميع المجالات أصبح  هو ذاته موضوعاً للإستهلاك , لينتهي به الأمر اليوم ليصبح إنساناً مستباحاً.إزدادت  الفجوة إتساعاً بين واقعه ومايمتلكه من مفاهيم تتماشي مع هذة التغيرات التي أحدثت هذة الفجوة بشكل جعل من الصعب معه التعامل مع واقعه  بشكل  متناغم  , ثمة إغتراب بين  واقعه الاجتماعي وجهازه المفاهيمي  الذي درج على استخدامه في السابق  ليفهم واقعه اياً كان مصدر هذا الجهاز المفاهيمي., لنعطي أمثلة:

مفهوم الفتنة الذي أخذ في الاتساع بشكل عطل مساحة كبيرة من تفكير المجتمع , وكلما اقتربنا من مناقشة موضوع  أو مسألة ما , جاء التحذير ستحدث  فتنه  , والافضل الابتعاد عنه وتأجيله أو ترحيله من جيل الى آخر.

مفهوم " الهوية " وكيف تحول الى هوس شبه يومي وجرح نرجسي بعد أن كان أمراً عادياً  لايثير قلق المجتمع 

مفهوم السيادة  الذي تربينا عليه أين هو الآن؟

مفهوم الاستقلال: الذي  قدمت الشعوب التضحيات لكي تناله  كيف يبدو الآن؟

مفهوم النصر والهزيمة: هل إنتصرنا أم إنهزمنا من يجيب؟

مفهوم الديمقراطية التي كانت ديدن كتاباتنا  وتطلعات شعوبنا , ماهو الحال به بعد الذي يحصل في الكويت  وهي المثال الخليجي الاوحد في هذا المجال بل وبعد أول إنتخابات برلمانية في تاريخ قطر وماآلت إليه نتائجها جعل  من الاستفتاء الاميري أمراً مستحقاً؟

مفهوم الوطنية, مفهوم الخيانة.......ناهيك عن المفاهيم والاصطلاحات المستوردة التي نحن ف ي اشتباك دائم معها  كالعلمانيه واللبيراليه ...

إبتعد الواقع كثيراً  بينما  إستمر الفكر ثابتاً دون وسيط معرفي مفاهيمي  يمكننا معه فهم هذا الواقع  المتغير  بأدوات من  إنتاجه ومن صميم طبيعته. بل ما هو الواقع أصلاً؟ هل هو كيان ٌموضوعي ٌ ثابت ُ أم هو بناءٌ  إجتماعي ٌ يتشكل من خلال حوار المجتمع مع ذاته؟

ماهي الحقيقة ؟ هل هي موضوعية مستقلة عن التجربة الانسانية؟ هذه أسئلة جوهرية لمقاربة هذة الاشكالية, هناك أزمة علوم إجتماعية  نعيشها كمجتمعات  رغم كل مالدينا من جامعات  ومعاهد وكليات  لاسباب عديدة منها أن هذه العلوم أفقية الطابع بينما  الحراك الاجتماعي في هذة المجتمعات يرتكز على العلاقات الرأسية, ومنها  كذلك عدم  الايمان بهذه العلوم رغم التغيرات السريعة التي تمر بها مجتمعاتنا.  أدموند هوسرل الفيلسوف الالماني الشهير في كتابة أزمة العلوم الاوروبية الذي نشر عام 36  ثم أعيد نشره من قبل تلاميذه كاملاً عام 54 , حاول إيجاد طريقة لجعل العلوم الاجتماعية أو الفلسفة بالذات  منهجاً دقيقاً  كالمناهج العلمية أوجد ماسمي اليوم بالظاهراتية وهو منهج يحيد كل أفق تاريخي أو إيديولوجي أو حكم مسبق لدراسة الظواهر الاجتماعية  لتبدو  كما تتجلى في الوعي  حين يقصدها دون أي تأثيرات اخرى  ودون اصدار احكاماً عليها, أهتم بدراسة الوعي وتنقيته , جاء بعده تلميذه هايدغر لينتقل بالفكرة من الوعي الى الواقع من خلال نموذج الدازاين"  وتعني الكينونة الملقاة هناك  ويعني بها الكائن الانساني في العالم وعليه ان يتدبر شوونه  ويخلق حقائقه وسط الاشياء ليصنع وجوده الاصيل , فمن اصالة الوجود سد هذه الثغرة التي نعاني منها كمجتمعات عربية , نعيش واقعاً لانملك مفاتيحة  ولا أدوات فك شيفرته . الغرب منذ بداية القرن الماضي  وهو يتفلسف لغوياً ليحل هذا الاشكال فأوجد ما أمكن تسميته  ب إنسان التأويل ليس فقط في نصوصه الدينية والتاريخيه بل وجودياً من خلال إيجاد صيغة واقعية للتعامل البراجماتي مع تعقد الحياة  وموقف الانسان مع مستجداتها.

السؤال الآن: ما دور جامعاتنا ومعاهدنا  ومؤسساتنا وفي مقدمتها هذا المعهد الرصين  في المساهمة في سد هذه الفجوة التي أراها أخطر ما يواجه مجتمعاتنا  من تغيرات اجتماعية  حيث أوصلتنا الى  هذة الحالة  من "اللامعيارية " نعيشها اليوم.

أين هو المجتمع المدني في عالمنا العربي اليوم  وماهو دوره ؟

ماهو واقع تدريس علم الاجتماع  في مجتمعاتنا؟ كان خريج علم الاجتماع مكان حيرة المجتمع وفائض عن التوظيف 

ماهو واقع الفلسفة وهي من يصنع  أو ينحت المفاهيم وهذه وظيفتها الرئيسية كما يقول "دولوز"؟

ماهو واقع تدريس التاريخ في مجتمعاتنا حيث يذبح الحاضر بإسم الماض كل يوم دون استشراف للمستقبل  ودراسة الحوليات وتاريخ الذهنيات؟.التاريخ ليس مجرد أحداث  وإنما هو روح  وحالات نفسية  . 

 أعتقد أننا بحاجة ماسه الى ما أسميه" الواقعية الجماعية أو المجتمعية, حيث لابد من أن ننظر الى الواقع  على أنه نتاج تفاهمات وثقافة جماعات, كما أن الحقيقة  ليست منفصلة عن الواقع  فهي دائماً مجالاً للتأويل  والبناء المستمر حتى يمكن ان نخرج  بحلول واقعيه ومفاهيم مشتركة حولها يدور اهتمام المجتمع  لكي  نستطيع  أن نجعل من واقعنا  واقعاً  متحركاً  ينتج حقائقه في عملية  تبادل مستمره مع إنسانه الذي يعايشه. لابد من حوار مجتمعي إجتماعي الطابع , وحدها العلوم الاجتماعية وتطوير تدريسها  وعناية المجتمع بها وبأهميتها تجعل من مثل هذة العقبة" تحدياً" يمكن مواجهته , بينما العقل المطلق بكل اشكاله وايديولوجياته يرى فيها تهديداً فيتراجع وينكمش ويتكور حول هويته وعقيدته.