الخميس، 6 مايو 2021

ليلة القبض على الوزير رسالة أم مبدأ؟

     حدث لم تعهده قطر من قبل أمر بالقبض على وزير المالية والتحقيق معه في عدد من الاتهامات , لست هنا بصدد اصدار احكام أو اتهام   الرجل الذي أختير قبل أشهر قليلة كأحسن وزير مالية في منطقة الشرق الاوسط على ما أظن, فالأمور لاتزال في سياقها القانوني  أنا هنا بصدد رصد ردود افعال الشارع القطري حول هذا الحدث اللاسابق له, رغم انه قبل اشهر مضت تم التحقيق مع مدير المرور السابق وعدد من االمتهمين بالفساد وسوء استغلال الوظيفة ولكن  المستوى المعلن عنه  حالياً يمثل  منحنى يجب التوقف عنده  لفهم مايرمز اليه  ,تعُود المجتمع عبر عقود طويلة الحديث عن الفساد الى درجة ان الحديث عنه اصبح مملاً بل واصبح التكيف معه أمراً طبيعياً , ليس هناك مجتمع يخلو من الفساد , لكن ماتعود عليه مجتمعنا  انه على الرغم من ذلك يخلو من الفاسدين, كمصداق في الواقع لظاهرة يشعر بها المجتمع ولكن هو اعجز من الاشارة اليها في الواقع , ماحصل الآن هو أن النطاق المركزي للمجتمع مع هذه القرارات انتقل من الاخفاء والتستر لاسباب كثيرة منها الشخصي ومنها الرسمي الى الى الكشف والافصاح , وهذا يدل بأن ظاهرة الفساد وصلت الى مرحلة تهدد وجود الدولة والمجتمع وبالتالي لابد من مواجهتها مباشرة ,   التحقيقات ستأخذ مجراها  , ولكن مايهمني ان المجتمع سينتقل معها  انتقالاً نوعياً لايمكن الرجوع عنه وهو التصدي المباشر للاشخاص ومن المؤمل كذلك انه سيصبح سلوكياً في وضع يفرز بين الفاسد والصالح  ولايعيش سديم العلاقات في الظاهر  وحديث الاتهام في الباطن  , يبقى السؤال الهام هنا هل مثل هذا التطور في محاربة الفساد رسالة أم مبدأ؟هل نطاق الدولة المركزي انتقل فعلاً نحو اعلان الحرب على الفساد أم أن هناك ظروف ادت الى هذا الانتقال بشكله العنيف الحالي ؟ ثم يعود الى المهادنة تعللاً بخصوصية المجتمع ومبدأ الستر الذي أمر به الدين إنتقاءً, ناهيك عن مكافحة الفاسد أو العمل على تدويره كما كان يحصل في السابق , انا شخصياً كلي تفاؤل برغبة سمو الامير الشيخ تميم في مكافحة الفساد واقتلاع الفاسدين , وكلي أمل أن يصبح ذلك مبدأً لاتحيد عنه الدولة , في اعتقادي ان الربيع الخليجي هو ربيع مكافحة الفساد والقضاء على بؤره وشخوصة , الفساد ومن هم يمثلونه  بدأ يهز اركان الدولة في الخليج بالذات بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الشواهد كثيرة في هذه الدول , هناك احتضار لمؤسسة الدولة في المنطقة أمام تعاظم ظاهرة الفساد المالي وهدراً واضحاً للأموال العامة , وهناك ترقب عالمي واضح بان هذة المنطقة اصبحت مرتعاً لغسيل الاموال والتجارة المحرمة وبالتالي هي عرضة للقانون والاستباحة والتدخل , اسأل الله ان يحمي قطر وأن يأخذ بيد اميرها الشاب في مكافحة الفساد ومن يستغل قوت الشعب وأمواله , وانا على يقين ان كل افراد المجتمع القطري مع سموه في هذا الاتجاه فهو كما اعاد البسمة للغارمين قادر بعون الله وبالتفاف الشعب معه أن يعيد الحقوق لاصحابها وان يضع الرجل المناسب في المكان المناسب , عندما تشير الى الفاسد أنت تحقق مبدأ ولكن عندما تتحدث عن الفساد فقط أنت توجه رسالة الى الداخل وربما الى الخارج تكسب فيها بعض الوقت ولكن لن تصل الا في حالة ان تصبح مبدأً ينطلق من مركزية مجتمع يؤمن بها تمام الايمان , حفظ الله قطر من كل مكروه.

الاثنين، 3 مايو 2021

ظاهرة "المنتصر المهزوم"

لدينا ظاهرة ثقافية سائدة في حياتنا العربية اسمها "المنتصر المهزوم", قدرة فائقة على تحويل الهزيمة الى نصر مع قليل من الزخم الاعلامي الرخيص واستعاره فجة من تاريخ اللغة الممتلىء بعبارات مثل خسرنا جولة ولم نخسر المعركة, لم يسقط الرمز, انتصرنا لولا خيانة البعض من الاهل والقربى , وما الى ذلك تبريراً لهزيمة واضحة , الاشكالية الكبرى حين نحتفل بالهزيمة وكأنها نصر, صدام احتفل بالنصر في حربه مع ايران بعد ان تدخل العالم لوقف الزحف الايراني الكثيف وتهديده المباشر لاسقاط نظامه و على المستوى الفردي نحتفل بمن لم ينتصر في معارك الدبلوماسية او الثقافة , تحت عناوين كثيرة منها كان سينتصر لكن لم يحالفه الجظ, كان متقدماً لولا تخاذل اشقائنا في العروبة والدين في نصره , تبريرات كثيرة, تنفق بسخاء داخل المجتمع تجعل من المنهزم منتصراً وتفضح ثقافة عرجاء لايشفع لها النصر ولاتبررها الهزيمة, سيولة في المفاهيم تكشف عن نفاق مجتمعي لايبني عقلاً سليماً ولا ارادة واضحة لها القدرة على التصميم بقدر قدرتها على التبرير, وتفقد المجتمع فضيلتان عظيمتان وهما فضيلة الاعتراف وفضيلة الاعتذار, حيث طمسا طمساً من خلال قدرة قاموسنا اللغوي في التلاعب في الالفاظ واستعداد العقل الجمعي للتسويه بدون مقابل, الاعتراف بالهزيمة انتصار على ماضيها , وتحويرها وتجييرها الى نصر استنقاع في براثنها, اليابان لم تصبح ورشة العالم لولا اعترافها بالهزيمة, المانيا لم تصبح قائدة اوروباا لولااعترافها بالهزيمة , ديغول , تشرشل, امثلة عظيمة تدل على عظمة الاعتراف وعظمة اصحابه , تسويق الهزيمة على انها نصر تخلق مجتمعاً يتكل على الاستعارة من الماضي على حساب الحاضر والمستقبل , وتسويق المنهزم على أنه منتصر تخلق بطلاً من ورق , وتوجد شقاً طولياً في بنية المجتمع الثقافية تجعل من القدرة على التبرير مرتكزاً خطيراً لجميع الافعال , ثقافتنا ارتبطت بنسق لاتستطيع معه انفكاكاً وهي ماتعانيه منه اليوم مجتمعاتنا التقليدية وهو اصالة الوضع الاجتماعي واعتبارية الانسان, بمعنى أن وضعك الاجتماعي يحدد مقدار انسانيتك , لذلك , مفاهيم مثل الاصالة, القبيلة , الطائفة, العائلة , القوة , المنتصر, مفاهيم سوبر يجب الانتماء اليها بشكل او بآخر وبأي وسيلة وحيلة والا ستعيش في بؤرة النسيان والغفلة وربما الاحتقار, ومن هنا تضخم قاموس التبرير والكذب والتزوير , على حساب الاعتبار والاخذ بالاسباب . مجتمعات على صفيح ساخن