يعود اللغط أكبر وأوسع هذه المره حول مسلسل رمضانى حول شخصية "الفاروق " عمر بن الخطاب هذه المره, وكان العام الماضى مسرحا لحاله مماثله حول مسلسل "الحسن والحسين" وقبله كذلك حول تشخيص بعض الصحابه إبتداء بالاهم فالمهم وكأن العمليه فيها قدر من القصد وليست مجرد مصادفه ورأى على عجل. وكنت قد ادليت برأئى حول مسلسل الحسين والحسين الذى عرض العام الماضى مناديا بعدم حجبه لاسباب عددتها من أهمها إخراج مفهوم الفتنه من الوعى العربى والاسلامى والتعامل معه على اساس أنه خلافات سياسيه بين بشر ليسوا بمعصومين من الخطأ والزله. وعُرض المسلسل وكان وقعه إيجابيا الى حد كبير لم يتوقعه الكثير. هذا العام فوجئنا ب الاستعداد و النيه فى عرض مسلسل يتعرض لحياة الفاروق عمر بن الخطاب , ويبدو انه اخراج قوى من اللقطات الدعائيه له . لى هنا بعض الملاحظات أود لو أطرحها:
أولا: شخصية عمر بن الخطاب من الشخصيات الخلافيه فى التاريخ الاسلامى نظرا لدوره الفارق والاساسى فى تاريخ الاسلام الأول وتأثيره بعد ذلك على كل مجريات التاريخ بأجمعه, وفى ظل التجاذب الطائفى القائم حاليا , فقد يقدمه الجانب الاخربالصوره السلبيه التى يتبناها عنه ويوقعنا فى وضع الدفاع وربما اعداد مسلسل آخر كرد فعل من موقف يتسم بالضعف, فمن الافضل عرضه خاصة أن القصه والسيناريو جرى الموافقة عليهما من كبار علماء الدين الوسطيين كما يُحسبون.
ثانيا: اذا لم تستطع الأمه التفريق بين التمثيل والواقع وأن التمثيل محاوله لمحاكاة الواقع قدر الإمكان وليست هى بالتالى الواقع , وليس الممثلون هم الشخصيات الاصليه , بمعنى أن ينتقل التجسيد من الشخصيه نفسها الى المعنى والمضمون , فالممثل ينقل المضمون ولاينقل الجسد من لحم ودم وشكل, إذا لم يتحقق ذلك, فإن معاناةنا مع عصر التلفزيون والصوره وسيطرتهما على الثقافه ستطول كثيرا .
ثالثا: نعانى من مشكله وهى فى التوقيت ,نأتى الى المناسبه التى تنصهر فيها مشاعر الأمه ويختزل فيها معناها كشهر رمضان ونعرض من المكبوتات ما كان من الممكن عرضه فى اى شهر من شهور السنه بعيدا عن نقط الاحتشاد الدينى والنفسى.
رابعا: الدخول فى العصر يستلزم التخفيف من المكبوت والنظر اليه إما كحاله ماضويه منفصله وهو ليس بالممكن فى حالتنا مع تاريخنا أو طرحه كحاله بشريه أو إختلاف بين بشر بمعنى تسييله جعله سائلا يقبل التداول ويحتمل المعنى وإختلافه.
خامسا: ضياع الأمه الاسلاميه وضعفها الحالى وحاضرها البائس وإنقسامها بين شيعه وسنه , جعل فى الماضى وشخوصه وجودها المتحقق , ماذا يهم لو عرض فيلما عن عمر والأمه تتسيد العالم وتنتج الصناعات وتمتلك النووى وتحترم الشعوب والانسان, هل سنذهب الى كل هذه التفاصيل هل سنخاف من ماض , حاضرنا يساويه أو يتعداه؟
سادسا: من أين نأتى بممثل يجسد شخصية الفاروق أو أبى بكر مستقبلا؟ كيف سنراه بعد ذلك, هل يعتقل فلا يخرج الناس ثانية أم يقتل ونعتبره شهيدا بعد ذلك؟ كيف يمكن رؤيته بعد ذلك فى الاسواق يأكل أو يدخن الشيشه أو يمثل دورا مضحكا أو غراميا؟ أسئله كثيره , تدل على أن تاريخنا أصبح وسواسا قهريا , كلما حاولنا لمسه نسينا أننا لم نغتسل فنغسل أيدينا مرةً وثلاث مرات.
سابعا: لأننا لانقدم شيئا فى الحاضر للعالم فمهما نقدم من الماض التليد لدينا إليه لن يقبله ولن يأخذه هكذا مسلما به ,فهو بالتالى موضع شك لديه, قدمنا" الرساله" منذ سنين رغم معارضة الازهر لبعض ماجاء فيه كفيلم ورغم ذلك حقق قبولا لاباس به فى العالم ولكن العالم عاد ليستيقظ علىمقتل مخرجه مصطفى العقاد فى تفجير آثم فى الاردن إرتكبه عربى مسلم, هكذا يدين حاضرنا ماضينا ويجعله عرضه للشك فيه.
ثامنا: مشكلتنا وأزمتنا مع الحاضر اساسا , إفلاسه جعل من الماضى معقما مبسترا وكأنه فى نقاء الملائكه, غياب منهج الشك والتحرى فى دراسة الشخصيات ادى الى نقل صور كامله عنها دونما مراعاة لجوانب النقص البشريه التى أودعها الله فيها .
تاسعا: بعد هزيمه حزيران توقف عصر الكتابه الاسلاميه الواعيه للشخصيات الاسلاميه الخالده كالرسول العظيم "ص" وابى بكر وعمر وعثمان وعلى, كما كانت فى عبقريات العقاد , والفتنه الكبرى والشيخان لطه حسين و"محمد" لحسين هيكل" وهناك الكثير . مما كان يعطى مثل هذه الشخصيات بعدها الاسلامى والانسانى والبشرى أولويه على الاسطوره التاريخيه المنقوله هكذا بدون فرز.