الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

"مواطن "فوق الشجرة

 
  
 
وحده المجتمع المدني الكفيل بإنزال المواطن من فوق الشجرة, وبعثه روحاً تسري في أوصال المجتمع . لو استقرئنا التاريخ لوجدنا أن التغيير الراديكالي وما قد يصاحبه من سلبيات هى نتيجة عدم الاكتراث بوضع الانسان الذى قد يأخذ شكلاً آخر عندما تصطدم آماله وطموحاته بما لا يطيقه أو يستطيع التعبير عنه, فيسقط على الارض ويرتطم بالواقع إرتطاما   .المواطن العربي  بشكل عام أما مريض بالهذيان والاكتئاب يخلط الماضي بالحاضر والدين بالدنيا يهذى بأمجاد الأمس ولا يملك حاضره وليست لديه القدرة على استشراف مستقبله,وإما مواطن فوق الشجرة  يتكلم عن الحرية وهو أول من يحرمها على غيره, يتحدث عن النظافة ليلقي بأوساخه فى الشارع وأمام البيت, يتأسف على ضياع الأمانة ليمارس النفاق سراً , يدعو الى النظام ليفتخر بتجاوزه بعد ذلك, يبكى على الديمقراطية الغائبة لينحاز الى العرق والطائفة والقبيلة حتى الرمق الأخير, يطلب الانتخابات ليكون أول المتنصلين من نتائجها, يقول شيئا فى العلن ليضمر شيئا آخر فى السر, يمارس التقية ويدعي صفاء النية. المواطن  هنا ضحية أكثر منه مرتكبٌ لكل تلك المثالب ، هي تمظهر حقيقي لغياب المجتمع المدني الحقيقي الذي يرفع الشخص الى مستوى الايمان بالفكر الذى يميز الانسان عن غيره من الكائنات والذى يعطيه الحق فى الدفاع عما آمن به والقوة فى قول ما اقتنع به كذلك.المجتمع المدني وحده القادر على انتشال المواطن من بؤرة التكور حول الذات لحمايتها الى مجال الحوار الانساني البناء والثقة بالنفس والانتماء المهني والفكري اللازم لبناء الوطن والأمة. لن تكون الدولة أية دولة على هدى وبصيرة وهى لا تحمل فى ثناياها بذور مجتمع مدني حقيقي, هو بوصلتها الحقيقية نحو بر الأمان هو الحد الفاصل بين رشدها وغيها. لقد ظلم المواطن العربي غير مرة , ظلم عندما صدق وعود الديمقراطية الآتية لا محالة ولم ير سوى شعارات ترفع وعبارات تردد, وظلم عندما دعي الى الانتخابات وكتبنا على الصندوق إسم القبيلة والعشيرة , وظلم ثالثة عندما فرغت الدولة بذور المجتمع المدني من مضامينها والحقته بها .الدولة اليوم تقوم بكل شىء من أجل المواطن حتى  في مجال الترفية, إنها تعيد الماضي إليه مُعلباً,وتضع له المستقبل في كبسولة ليتناولها صباحاً , جميل كل هذا ولكن الى متى سيبقى فوق الشجرة أما آن له أن ينزل الى ساقها ليضمه وأن يشارك في رفدها بماء الحياة إنطلاقاً من محليته وخصوصية؟
إنزلوا المواطن ياسادة من فوق الشجرة , لن تكتمل انسانيته حتى يعيشها ممارسة ولن يشعر بكسنونته حي يعيشها قيمة ومعنى