الجمعة، 29 يوليو 2016

الفتنه داء الأمة أم وعيها الزائف؟




مفهوم الفتنه سياسياً نتاج العقلية العربية الإسلامية بامتياز . وهو مفهوم يدل على قصور سياسي تاريخي عن بلوغ مرحلة الرشد والنضج التي مرت بها مجتمعات أخرى في عالم اليوم . لماذا نحن فقط دائماً في خوف من اشتعال الفتنه ؟
لماذا مجتمعاتنا العربية والإسلامية هي فقط مسرحاً لمثل هذا الاشتعال ؟
وأولاً وقبل كل شئ ما هي الفتنه أصلاً ؟ وما هي مكوناتها ؟ لا أجد تفسيراً لها أنها منطقة محظورة عجزنا أو عجزت أطراف الأمة عن مقاربتها بشكل يدخلها ضمن أحد مستويات العقل الجمعي للأمة ، فجلست هذه الأطراف على حدود هذه المنطقة خوفاً من السقوط فيها لأنها لا تزال في مرحلة اللامعقول واللامتفاهم حوله وتظل الأمور هكذا حتي يحصل حدث مأساوي معين يدفع أحد الأطراف في السقوط في المنطقة لتشتعل الفتنه وتأتي على الأخضر واليابس . أما مكونات ” الفتنه ” فهي تتراوح بين الأبعاد الدينية أو الطائفية أو القبلية .
وهذه في اعتقادي مكونات ما قبل المجتمع المدني هذا يفسر عدم وجود مثل هذا المفهوم في البلدان المتمدنة والمتطورة ، هل يمكن الحديث عن ” فتنه ” بهذا المفهوم في دول أوروبا الغربية المتقدمة ؟ أو في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاُ .
عرف تاريخنا عبر عقوده الطويلة منذ فجر الإسلام فتن عديدة لغياب السياسية كعامل يتوسط بين الخلاف وكذلك صلابة الفهم الديني وبروز العامل العرقي الأثني فلا تلبث الأمة إلا أن تجد نفسها في أتون حرب طائلة انجرت إليها جراً دونما استعداد أو تهيب . من هنا حتى تاريخنا الحديث جداً مر ولا يزال يمر بمثل هذه الفتن التي يجب أخراجها من إطارها الملتبس بالدين وإدخالها ضمن عملية القصور السياسي والمؤسساتي للمجتمع . فاجتياح صدام للكويت أقام فتنه والحرب اللبنانية الأهلية أيضاً فتنه لسقوط البعض في هذه الفجوة أو المنطقة المحظورة بمعنى أن مثل هذه الأحداث فجرت مكونات الأمة وجعلتها في مواجهة مع نفسها وهي التي حاولت طويلاً نسيانها أو تناسيها وليس حلها . هذا هو القصور التاريخي . الآن للخروج من هذا المأزق الذي تكرر وسيتكرر عبر التاريخ لابد من الإشارة الى بعض المنافذ المحتملة .
أولاً :- الاعتراف بنسبية المعرفة لدى جميع الأطراف لان أدعاء الحقيقة والمعرفة التامة تعنى الصدام مع الآخر لا محالة مهما طالت المدة وأمتد الدهر .
ثانياً :- أقامة الدساتير المدنية القائمة على المساواة والمواطنة لأخذ المجتمع من سباته التاريخي ومرجعياته بجميع أشكالها
ثالثاً :- إخراج مفهوم الفتنه من الوعي العربي ومن النسق الديني لان استمرار هذا الوعي يعني توقع وجودها وقيامها لا شعورياً طال الزمن أو قصر ففتنه ” الرجل في دينه ” مثلاُ أو ” فتنه المسيح الدجال ” مختلفة تماماً عن ما يقع ضمن هذا المفهوم حالياً .
رابعاً :- تفكيك مفهوم الفتنه وأعادته الى جزئياته وهي في الحقيقة خلافات طائفية كانت أم دينية أم قبلية يمكن التفاهم حولها ووضع الآليات الدستورية والقوانين المدنية للتعامل معها .
خامساً :- دمقرطة السلطة العربية والإسلامية وتعقيد اتخاذ القرارات المصيرية لكي لا تتكرر ” فتن ” بمستوى غزو دولة لدولة أخرى .
أعتقد أن مثل هذه الإجراءات سوف تخرج هذا المفهوم ” الفتنه ” من مكانته الرهيبة في زوايا الوعي العربي وتعيده الى مكانته الحقيقة والملموسة كأن يفتن الشاب الوسيم قلوب النساء أو أن تفتن المرأة الجميلة الرجال وهما أمران لا يلامس خطرهما أطراف الأمة بل ويمكن التحصن منهما بالأخلاق والتدين أو حتي بالزواج . الوعى بان الفتنة قدر للامة حملها, اى الامة, مالاتحتمل وجعلها تنقل داءها فى رداءها

الثلاثاء، 26 يوليو 2016

مواطن يريد أن يبقى في الذاكرة


 

هذه مناسبة عظيمة وكبيرة  لابد أن اذهب مع الناس لكي أسلم على الشيخ ,لايمكن أن أفوت مثل هذه الفرصة السانحة,  أذكر انني قابلتة مرة واحده منذ زمن بعيد و كان مبتسما  واستقبلني إستقبالا حسنا, لابد انه لم يعد يذكرني اليوم , في مجتمعي العزلة تشعر بها عندما تكون بعيدا  , لايمكن لاي جهاز أو مؤسسة أن تعوضك عن اللقاء المباشر  وتجديده لتبقى في الذاكرة ,هذه طبيعة مجتمعاتنا, لبست أفخر ما أملك وانطلقت في سيارتي الجديدة , عشرات السيارات أمامي ومثلها خلفي, عند حاجز الأمن الأول, اسمك , بطاقتك , ثم اشار بأن آخذ مسارا مختلفا عن بعض السيارات التي كانت أمامي, توقفنا بعض الوقت ثم إتجهنا الى حاجز امني آخر, بالطبع اتفهم النواحي الامنية  وضرورتها في ايامنا هذه, لكن القائمين على الحواجز الامنية من الشرطة والامن وحتى المراسم  صغار في السن بالنسبة الى جيلي لااحد يعرفني , أحتاج في كل مرة أن أردد واقول  وأظهر بطاقتي , حيث لامنصب لدي ولاعضوية في مجلس الشورى ولا المجلس البلدي ولا السلك الدبلوماسي , مجرد مواطن ,يحتار الأمن في أولويتك , عليك ان تنتظر, في الحاجز الامني الثالث , أشاروا علىَ بالوقوف خارجا و لان الدخول للشخصيات الهامة من المواطنين وغيرهم من أصحاب السلك الدبلومسي وكبار الضيوف, لابأس  في ذلك كلي اهتمامي ان أسلم على الشيخ وأن أجدد ذاكرته  عله يتذكرني , من المهم جدا لي ان يعرفني و لامجال آخر لي غير ذلك , لااملك منصبا  ولاعضوية كما ذكرت  ولاأنتمي إلى نقابة أوسلكا مدنيا يجعلني حاضرا في ذاكرة الدولة,في السابق كان القائمون على التنظيم اكبر سنا وأعمق تجربة يعرفون المجتمع بطريقة أفضل, على كل حال , هذا العام أفضل من السابق كما قيل لي , لقد هيأ القائمون على التنظيم سيارات صغيرة كسيارات "الغولف" لنقل المواطنين الى الداخل للسلام بدلا من المشي من الساحةالخارجية حتى مدخل القصر , منظرنا كان ظريفا فيها ونحن بالبشوت  في سيارة رياضية مكشوفة , وصلنا الى القاعة, الممتلئه تماما من المواطنين بإنتظار السماح للدخول والسلام , هناك قاعات أخرى لها الاولوية بالطبع , أشاروا الينا بالانتظام صفا واحدا بدأنا في التحرك والتوقف  وهكذا حتى أصبحنا داخل القاعة المهيبة والشيخ مبتسما يسلم على الجميع , شعرت بالدولة في داخل هذه القاعة و أكثر من شعوري بها في أي مكان آخر, جاء دوري سلمت على الشيخ وذكرني بالإسم  هتف قلبي فرحا الحمد لله أنه لايزال يذكرني , وانطلقت مرحا أسلم على الجميع وكأنني ألقاهم للمرة الأولى  وذهب كل حنقي على نقاط الأمن وعلى بعض المسؤوليين فيها من صغار السن الذي كادوا أن يصدونني  عن مثل هذا اللقاء السريع والمؤثر بودي لو إستمعوا إليه وهو يذكرني بالأسم لعلهم يحسنون لقائي في المرة القادمة, علىَ أن أكرس مواطنتي بجهدي الشخصي في هذا المجال كل عام لااعتمد في ذلك لا على ذاكرة المجتمع ولاعلى مؤسساته خارج هذا النطاق.أسال الله الصحة وطولة العمر.


  

الاثنين، 25 يوليو 2016

فقهاء "الأستيكه"


 



ليست المشكلة في النص ولا في تعدد تفسيراته ولكن في استعلاء تفسير معين لدى البعض على غيره من التفاسير ، بحيث يصبح مقياساً للصواب والخطأ دون مراعاة لكون تلك التفاسير منتوجاً بشرياً يحتضن بين جوانبه نواقص البشر واختلافاتهم . الذى أعرفه أن الإسلام دين بلا كهنوت   مقارنة لما للكنيسة من سيطرة على الحياة المدنية العامة في أوروبا في القرون السابقة ، فالتأخر القابع فيه عالمنا الإسلامي مصدره عدم فهم الدين الفهم الحقيقي المرادف لصيرورة الحياة وتغير الأحوال ، فتقدم الماضي على الحاضر والمستقبل في الذهنية الإسلامية كارثة ما بعدها كارثة . نحن نعيش نصف أسبوعنا في محاكاة الماضي ابتداء من خطبة الجمعة الى برامج الوعظ الديني ونصفه الآخر في النوم وكل ما يحصل عليه الحاضر فتات اقتصادي نجمعه من هنا وهناك في حين لا حصة للمستقبل في ذواتنا حتى البرامج المستقبلية المطروحة لن تؤتي ثمارها المرجوة والوضع على ما هو عليه تداخل كثيف تكاد أدخنته تعمي الأبصار بين الماضي بنرجسيته وبين الحاضر بهمومه وأدواته الجديدة . فقياساً على الماضي يجرى تكفير الأفراد وقياساً على الماضي يدفع بالشباب الى آتون الانتحار وقياساً على الماضي تبقى وصاية البعض على الكل ، وقياساً على الماضي يجرى تبرير الأوضاع على ما هي عليه برغم مأساويتها ، والآن لنرى كيف تتعدد التفسيرات فهناك من علماء المسلمين من يرى أن المسيحيين وغيرهم كفار، وهناك من يرى أنهم " مسلمون " بمعنى معين ‘ وهناك من يرى أن الصلح مع اليهود جائز ، وهناك من يرى بحرمته ، وهنا من يرى بضرورة الخروج على الحكم الظالم وهناك من يرى غير ذلك ، وينسحب ذلك على كثير من أمور الحياة منها الطبية والاجتماعية والاقتصادية ، وليس في ذلك ضير طالما كانت هي في الأساس مجرد فتوى أو رأى يأخذ به من يأخذ ويتركه من يتركه ولكن تحوله الى تقليد واتباع لا يمكن احتماله إلا ضمن نطاق الدولة الدستورية التي تنبذ العنف لأن الإشكالية في اعتماد احداها فقط ومحاولة فرضه على الآخر المختلف ، والذى يرى غير ذلك ، بالقوة . أي استعلاء تفسير معين على آخر وعدم قبول غيره بل ونفيه بل وضرورة إزالته خاصة إذا لم يكن هناك دليل علمي واضح على ذلك . حتى في الأمور المعاشة اليوم هناك اضطراب واضح تجعل من المسلم في حيرة من أمره فاصطلاح العقوبة والجزاء أصبح مرادفاً لحياة المسلم المأساوية أصلاً ، داخل وطنه وخارجه كذلك ، فكارثة تسونامي مثلاُ عقوبة لمن احتفل بعيد الميلاد ولأماكن البغاء والرذيلة أيضاً برغم أن ضحاياها معظمهم من المسلمين أو من بلاد الإسلام . وإذا نجا مسلم من تحطم طائرة فلأنه مسلم وإذا ضرب أمريكا إعصار فلأنها كافرة فأصبحت حياة المسلم كلها تدور من عقوبة الى انتظار أخرى ، ابتداءً من زلزال إيران الى فيضانات بنغلاديش ففقهاء " الاستيكة " لديهم المقدرة على تأويل كل حدث بما يخدم مصالحهم وبقاءهم وخدمة من يوظفهم . وكارثة الخليج الثانية خير دليل على ذلك حين انقسم فقهاء " الاستيكة " بشكل واضح وجرى استخدام تعدد النصوص وتفاسيرها ومحاولة فرضها على الجهة المعارضة الأخرى . لا يمكن الخروج من مأزق الاستخدام السياسي للنصوص الدينية حيث أن العملية اكتسبت بعداً تاريخياً وتجربة تاريخية طويلة فهي بذلك خزانة متحركة من جيل الى جيل يمكن اللجوء الى محتوياتها لأخذ ما ينبغي أخذه حسب الظروف وترك الآخر حسب الطلب . أن الخروج من المأزق يتطلب استثمار المنطقة الوسطى بين أصحاب الرأى والتفسير الانتقائي الأوحد وبين فقهاء الاستيكة وهي المنطقة الانسانية التي تحوى قبول مبدأ الاختلاف والتعايش والتحاور وفي نفس الوقت احترام الأديان وأنسنة محتوياتها بغير ذلك حتى الطغيان والاستبداد يمكن تبريره دينياً . فالمجتمعات إنسانية بالدرجة الأولى قبل أن تكون مجتمعات متدينة أو تأخذ بالتدين ، فلذلك لابد للخروج من هذه الدوامة من تأميم فهم انساني للدين ضمن مشروع ديمقراطي يضمن المواطنة ويكفل الحقوق وحرية الرأى فرجاء لا تخافوا على المجتمعات ولا على الدين فلن تختار الناس إلا ما ينفعها وتستكين إليه فالأوضاع السياسية المزرية للأمة هي ما دفعت برواج سلعة فقهاء " الاستيكة " الذين يملكون تمديدها حيناً وتضيقها أحياناً أخرى حسب الطلب وحسب ما يتطلب بقاؤهم سدنةً لأمور الأمة وبين تصلب وتشنج الآخرين الذين يرون أنهم فقط أصحاب الفرقة الناجية .