الجمعة، 17 أكتوبر 2014

دور المجلس الوطني وبذور اليسار الاجتماعي


من الملفت للنظر في المرحلة السابقه أن أفراد المجتمع القطري لم يكن يرون تعارضا بين عروبتهم وبين إسلامهم كما نرى اليوم, رغم وضعهم الاقتصادي الضعيف والمحدود , لم يكونوا يرون في ذلك مدعاة لفهم الدين ونصوصه فهما متطرفا ,إذا ذكرت أمام شباب اليوم انك تؤمن بالعروبه كفكره سياسيه وحامل ثقافي , تبادر الى أذهانهم تماما انك ضد الاسلام, وإذا اسبلت ثوبك واطلت لحيتك فذلك دليلا على أنك ضد العروبه أو القوميه العربيه بالاحرى. هذا الانقسام الخطير لم يكن قائما عند أولئك الاوائل وكبار السن من ذلك الجيل و معظمهم تبنى الفكر القومي وآمن به وهم أئمة مساجد, آمنوا بأن اسرائيل هي العدو الحقيقي للأمة , حتى أوضاعهم كانت أفضل داخل أو طانهم كمواطنين حيث كان للمجتمع ذاته اليات دفاع عما يعترضه من اخطار وصوت مسموع لافراده لدى الدوله , كنت اشعر أن ثمة يسارا وطنيا كان موجودا كل ذلك بفعل التأثير الايجابي لعدم الخلط لدى أفراد المجتمع بين القوميه و الدين وعدم وضعهما في تقابل وتعارض ينقسم على أثره المجتمع. كنا نخرج بعد صلاة العصر من المسجد لنجتمع في المجلس الذي كان يشبه الى حد كبير المنتدى السياسي اليوم فهذا ناصري متعصب والاخر ملكي متطرف وهناك من هو وسط , إلا أن شخصية الزعيم الخالد عبدالناصر طاغيه على الجميع , كان صوت العرب حاضرا , كما كان الاتحاد السوفيتي حاضرا كذلك , والمبعوث الاممي للشرق الاوسط "غونار يارنغ" في ذلك الوقت,والذي ينطقه البعض "بيرنغ" حاضرا كذلك ويستمر النقاش والحوار حتى صلاة المغرب لينتظم الجميع صفا في تأديتها, كان الوعي السياسي لديهم رحمهم الله متقدما عن وعي شباب اليوم ,لم يكن الاسلام قد اُختطف , ولم تكن القومية قد إختلطت في عقول البعض بين كونها "فكره"وبين تطبيقاتها. كانت نظرتهم الى المشروع هي الاساس وليست النظره الى الافراد , حتى بعد الهزيمه لم يسقط المشروع من أذهانهم , كما نرى اليوم من عملية تفتيت لم يسبق للأمة أن شهدتها عندما وضع الدين في تعارض مع القوميه الفطريه التى اوجدها الله في الشعوب.
ماعايشناه كان يدحض فكرة أن التطرف سببه الحاله الاجتماعيه , فمستوى المعيشه الاقتصادي في فترة الستينيات كان منخفضا, عندما كان الخطاب الديني معتدلا لايخرج خارج نطاق أمن المجتمع وسلامة أبنائه وصيانة قيمه , كما كان دور المجلس تنظيميا على درجة عالية من الكفاءه حيث التراتيبيه في السن أكثر وضوحا , ولايوجد للشباب مجالس بعيدا عن مجالس آبائهم , ولاننسى دور التعليم الذي كان يتفق تماما مع التكوين الاجتماعي والسياسي والديني لأفراد المجتمع , فتنشأ الاجيال وبينها رابط من قيم التفكير يختلف في الدرجه وليس في النوع , لذلك كنا نلحظ وعيا إجتماعيا مختلفا عن ما نشهده اليوم , أعرف حالات كثيره تحرك فيها أهل قطر إنطلاقا من المجلس لمساعدة محتاج أو طالبُ عون أو مريض ,أو وقوفا في وجه تجاوز قد أضر بأحدهم. علاقة مباشره مع الحاكم لم تثمر مطلقا عن أي تجاوز , لذلك سجل أهل قطر مع حكامهم كان الأنظف والأنقى في تاريخ المنطقه عموما فإسلوب الطلب والاستجابه كان يقوم على الثقه وبوتيرة واحده الى حد كبير , هذه اللحمه دلالة على إلتحام المسجد بالمجلس , لم يكونا يشكلان تناقضا في وعي الافراد , حتى أن من لم يكن يحافظ على الصلاه كان يستوعبه المجلس , سعة أفق نفتقدها اليوم.
إكتسح الفكر القومي الناصري , وأقام مظاهرات وإضرابات وأعمال شغب هنا وهناك في ارجاء عالمنا العربي إلا أن المجتمع احتفظ بدينه وبقيمه الاسلاميه وبإدائه لفروضه وواجباته., لم يكن هناك حاجه لمؤتمرات تجمع بين القوميين والاسلاميين وكأنهم في تباين وتضاد, لم يتكرس ذلك الفهم مع الاسف ,وساد بعده نوع من التكفير الثقافي إنقلب مع الوقت ليصبح تكفيرا دينيا ,ندخل على اثره نفقا مظلما لانزال بين دهاليزه ,كان ذلك اشبه ببذور يسار وطني إجتماعي يتطلع لصالح المجموع على حساب المصالح الضيقه للفرد . كان الاحساس عاليا عندما لم يتبلور مفهوم الطبقه الماليه الذي تكتنز المال وتنفصل رويدا عن المجتمع لتتحوصل في جزر محصنه داخل المجتمع, الامر الذي كان بداية لتدخل الايديولوجيا واستغلالها للحفاظ على مكتسباتها. الاحساس بالمصير المشترك كان أكبر , الاحساس بالمسؤوليه الاجتماعيه كان اعلى وأشمل. كم كان وعي أولئك الاباء متقدما على وعي الكثيرين من شباب اليوم الانشطاري ممن درس وتخرج من اكبر جامعات الغرب وهو لايدرك ان العروبة والاسلام وجهان لعملة واحده.

بعض صور رواد المجلس

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

"حول الإنسان وذاكرة المكان" مكانة المرأه


لم يكن يخلو برنامج الوالد رحمه الله في الاعياد وفي المناسبات من زيارة بعض الشخصيات النسائيه سواء كان ذلك في الريان أو في ضواحي الريان أ وفي الدوحه التي نرتبط بها كعائله بصلة رحم أو بعلاقة مميزه نظرا لتأثيرها الايجابي في المجتمع, كان هناك من النساء اللاتي كن يمثلن مصدر توازن ورحمه وتآلف لافراد المجتمع المحيط بهن. وأذكر أنه في احد الاعياد وكنت برفقة الوالد في زيارة الشيخه نائلة بنت جاسم بن محمد" المؤسس" وكنا نَهُم بالدخول للسلام عليها ,فإذا بالشيخ على بن سعود ال ثاني الشاعر المعروف رحمه الله وقد تصادف وجوده معنا يسرع بالسلام عليها , فإذا بها تقول له" أرجع لاتسبق أبوك" وتعني والدي الذي يكبره سنا , فتراجع رحمه الله لإتاحه الفرصه لوالدي للسلام عليها أولا , والجدير بالذكر أن الشيخه نائله هي زوجة الشيخ خليفه بن أحمد ال ثاني رحمه الله, ووالدة الشيخ علي بن خليفه أطال الله في عمره, وشقيقة الشيخه سبيكه بنت جاسم "جدة" والدي رحمهم الله جميعا.نُقشت هذه العبارة في ذاكرتي نقشا دليلا على اخلاقيات جيل , لم يتاثر بالماده ولا بالمنصب ولا بالجاه , بقدر ما إلتزم بالسلوكيات والاخلاق الفطريه السليمه التي يحث عليها الدين.
هناك مثال عظيم آخر لأمراة أجمع اهل قطر جميعا على محبتها وإحترامها وزيارتها, إنها الشيخه ساره بنت محمد بن جاسم" والدة الشيخ خالد بن حمد ال ثاني أطال الله في عمره, لم يخلو بيت من بيوت الريان من علاقة وصل معها بشكل من الاشكال و يزورها الجميع النساء والرجال , فتسمع" الحفوه" وهي السؤال عن الحال وعن الصغير والكبير, وتجد الكرامه , و العود الطيب"الدخون" ,نجد عندها جميع الطبقات في المجتمع ومن كل المناطق حتى أصبح الداخل للسلام عليها يسلم على الخارج , وكانت والدتي تحرص دائما على زيارتها وترتبط معها بعلاقة انسانيه تفتقدها الحياه الاجتماعيه اليوم , السؤال المتكرر , المشاركه , التواصل , لقد كانت تسأل عن الضعيف قبل القوي وعن المريض قبل الصحيح وعن المحتاج قبل المكتفي كم نحن بحاجة اليوم لنموذج الشيخه ساره"أم خالد" رحمها الله وأفسح لها الجنان.
أيضا لايمكن إلا أن أذكر نموذجا لأمراة أخرى من أهل الريان وقد لمست انسانيتها لمسا عندما كنت طفلا صغيرا أقضى أوقاتا مع أطفال وشباب تلك المرحله في قصر الشيخ عبدالله بن جاسم أنها الشيخه "شيخه بنت سعود بن عبدالرحمن ال ثاني زوجة الشيخ جاسم بن على بن عبدالله الذي سكن جلعة جده عبدالله من بعده, كنا نهرع الى القصر عندما نسمع أن الشيوخ قد عادوا من السفر, وكانت رحمها الله توزع"الصوغه" "الهدايا" على أطفال الفريج بشكل طابور وتأخذ من الصندوق بجانبها وتعطى كل طفل حسب حظه , ولما أتى دوري سألتني عن أسمي فذكرته لها وكان في يدها غترة وعقال كهديه فارجعتهما الى الصندوق واعطتني رشاشا بدلهما وقالت لا انت تستاهل هذا" " وقد ذكر أحد الاخوه من ذلك الجيل أنها مرة وبخت أحد أبنائها لما علمت أنه قد أهان أحد الاطفال قائلة له"إذاكنت ولد شيوخ فهم أولاد شيوخ مثلك. أين منا هذه النماذج. اليوم؟
نموذج آخر لسيدة من المجتمع القطري , قدمت مثلا لطبيعة الشعب القطرى وتحابه وعطفه على بعضه البعض إنها السيده "ظبيه بنت يوسف السليطي" والدة ثامر بن على آل ابراهيم مدير بلدية الريان السابق وعضو مجلس الشورى السابق رحمه الله, فحين قدمت والدتي رحمها الله بعد زواجها من والدي الى الريان حيث كانت تعيش قبل ذلك في البدع مع عائلتها فهي إبنة تركي السبيعي والد الشيخ عبدالله بن تركي وإخوته ثواب ومحمد واحمد وناصر رحمهم الله جميعا, لم تكن تعرف أحدا من اهل الريان وتنقصها الخبره في كثير من الامور , فتلقفتها الوالده ظبيه بكل حنان ودفء مشاعر , وكانت تزورها باستمرار وفي حالة مرض أحدنا كانت تأتي للمساعده والعلاج , وكان والدي في ذلك الوقت كثير السفر للقنص واحيانا لجلب الطيور من فارس, فلم تجد والدتي مسليا مثل هذه السيدة العظيمه,التي كان يوم وفاتها يوما حزينا لنا جميعا ومشى القوم بجنازتها من منزل ولدها ثامر رحمه الله الى مقبرة الريان القديم وهي مسافة ليست بالقصيره,مشيا على الاقدام توخيا للأجر واعترافا بفضل هذه السيدة العظيمه كانت والدتي تعترف بفضل تلك المرأه العظيمة عليها كلما جاءت مناسبه أو ذُكر إسمها , لقد كانت أما لي ولجميع إخواني وأخواتي.
, كما اذكر الشيخه فاطمة بنت عيسى ال ثاني "والدة الشيخ سلطان" بن حسن الثاني رحمه الله فقد كنا نزورها فى الاعياد برفقة الوالد ولانخرج من طاولتها الممتلئه من كل انواع واصناف الحلويات والمكسرات إلا وقد ملئنا منها الجيوب.
أفسحت الثقافة التي كانت سائدة في ذلك الوقت مجالا كبيرا لدور المرأة الاجتماعي ,واهميته في ترابط اهل المنطقه وسكانها , فقد كن يدفعن باولادهن لمزيد من الترابط مع الاخرين ومزيد من التواصل معهم على أسس تقوم على الخلق والانسانيه , الامثله كثيره على مكانة المرأه ودورها في تلك المرحله , وأكثر ما يمكن ملاحظته دليلا على ذلك هو النمو المتوازن للمجتمع في تلك الفتره بحيث لم يكن من السهل إختراقه اجتماعيا

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

"حول الانسان وذاكرة المكان" حلقه خاصه عن نكسة "حزيران" وتداعياتها الفكريه



بكيت كما بكى جيلي نكسة حزيران67 عندها لم أكن اتجاوز الثانية عشرة من عمري، شكلت لي تلك المرحلة وعيا جديدا بأهمية القراءة على سماع المذياع، قبل هذه النكسة - واحيانا تسمى النكبة ايماء لفداحتها على الأمة - كان المذياع هو مصدر التلقين الرئيسي وبالذات صوت العرب واحمد سعيد ومن بعده محمدعروق الذي اصبح فيما بعد مديرا لها.

كما كانت برامج مثل «أكاذيب تكشفها حقائق» ونداء الافتتاح الصباحي لكل العرب المصاحب بأغنية «أمجاد ياعرب أمجاد» لكارم محمود هما زادي الثقافي اليومي. كان المد القومي الناصري في أوجه وكان خليجنا العربي الهادي يتلقي الاشارات من قلب الأمة العربية في القاهرة، العزف على لحن القومية وأمجادها جميل في تلك الايام، في قطر لم نكن نشعر بالاستعمار ولانحس بوطأته فلم يكن لبريطانيا سوى الشأن الخارجي، ولكن استطاع المد القومي يومها دمج المشاعر العربية بعضها ببعض حتى كنا نتظاهر من اجل الجزائر وننادي بعروبة «الأحواز» على الشاطئ المقابل في خليجنا العربي.

كان صوت الزعيم عبدالناصر هو ثقافتنا ومصدر إلهامنا وتطلعاتنا للمستقبل. هذا هو النسق الثقافي السائد والذي عايشته في شبابي الأول «ثقافة الصوت الوطني» لاأستطيع هنا أن أعيب تلك الثقافة اليوم ولاملكة الفكر لدى جيلي في تلك الأيام فالعصر له خطابه الخاص به في كل مرحلة وكانت تلك الثقافة خطاب ذلك العصر، وتصور الحكمة عند النظر للماضي من بعيد تصور ساذج لأنه احساس طبيعي وفي سياق الطبيعة الانسانية.

بعد النكسة اختلف الوضع بالنسبة لي فبقدر ما كانت نكسة على الأمة كانت بالاضافة الى ذلك صدمة بالنسبة لي، لم أعد أثق بالمذياع ولابالمذيع ولا بالاذاعات العربية. من هنا تبدى لي خيط آخر هو خيط القراءة والبحث في الورق عن الحقائق.

كان أخي الأكبر «خالد» يأتي بصحف المملكة العربية السعودية التي كانت على ما أظن توزع مجانا في قطر مثل صحيفة « الندوة» وصحيفة «البلاد» لم تكونا صحيفتي رأي بل كانتا عبارة عن صور وأخبار للنظام السعودي حينذاك أيام المغفور له الملك «فيصل» ومع ذلك عرفت من خلالها الشكل الصحفي حيث كانت جيدة الاخراج ولكن أخي بعد ذلك أحدث تطورا نوعيا في مطالعاته عندما أحضر كتابا لأحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الأسبق واسمه «حوار وأسرار مع الملوك والرؤساء العرب» وهو من عدة أجزاء أذكر أنني قرأته كله بأجزائه الثلاثة على ما أعتقد، ثم أطلعني على كتاب آخر اسمه «الاسلام في وجه الزحف الأحمر» وثالث بعنوان «من هنا نعلم» وهما للشيخ محمد الغزالي رحمه الله.

بعد تلك الفترة حصل تحول نوعي في ذهني ، لم أعد ببساطة ذلك المتلقي الصافي الذهن، بل بذهنية من يؤجل حتى يتبين الأمر، أو الشك الايجابي اذا أمكن التصور. وأذكر انني كنت اشتري مجلة تصدر من الكويت اسمها على ما أذكر صوت الخليج ومحررها على أذكر يسمي «باقر خريبط» على الأقل انا متأكد من الاسم الثاني وهي اسبوعية، كانت تنشر صور لنكسة العرب الكبرى في حينه ولكن بصورة مقلوبة ومعنونة بالتالي «هذا ما فعلنا باسرائيل» وهي مجموعة صور للدمار الذي اصيبت به اسرائيل وهو لا يكاد يُذكر بما قد ألحقته بنا. الوعي بالقراءة لديّ جعل من ردة الفعل عندي بطيئة وليست فورية كما كانت أيام الاعتماد على المذياع ونبرة الصوت.


..بعد ذلك كنت حريصا على اقتناء الصحف المصرية «آخر ساعة» و«المصور» بشكل أسبوعي ولم يكن هناك بدٌ من نقد الذات والبحث في اسباب الهزيمة فكنت قارئا نهما لصحوة الشارع المصري من اغواء الاعلام الزائف وكنت متابعا لمحاكمة المشير عامر حتى انتحاره أو اغتياله كما يشار اليه بعد ذلك من قبل البعض المشكك، كما كنت محايثا لعودة عبد الناصر ولكن بأقل كارزماتية في النفس من ذي قبل مع كل الحب ولكن موضوعية القراءة جعلت مني أَميل الى التيقن مني الى حماسة الخطاب وعاطفيته. لم تكن الدوحة ساعتئذ قبلة للصحافة ولا لدور النشر اللهم سوى عدة مجلات مصرية ولبنانية اذكر منها الحوادث وكويتية وبعض الصحف العربية اليومية التي تصل متأخرة وتفقد بالتالي حتى قيمتها الاخبارية، وعيت كذلك من خلال القراءة بوجود ما يسمى معارضة وبالخلاف السعودي المصري قبل الأزمة وأسبابه، كل هذه الأمور لم تكن واضحة لي قبل القراءة بالشكل الموضوعي، كان خطابا واحدا موجها نحو مواطن عاطفي أسًرته الكاريزما وملك الحلم العربي كل جوانحه. بعد تلك الفترة رجعت أبحث عن كتب قديمة كان لها تأثير لم نشعر به نحن هنا في هذه المنطقة ساعتها مثل كتاب «معالم على الطريق » لسيد قطب . علمتني النكسة ان لا أقرأ باتجاه واحد ولا أتخذ موقفا من خلال كتاب واحد ولا حتى من كتابين لم أطلع على الآخر المخالف ليتكون لدي الرأي من وضوح الطرفين والحجتين، علمتني النكسة أن أقرأ مجتمعي قراءة نقدية لذا درست علم الاجتماع، علمتني النكسة أن أقرأ الاسباب لا النتائج. علمتني القراءة كذلك أن لا أحكم على الامور دائما بالصح أو بالخطأ، علمتني القراءة أن هناك حكما آخر هو الحكم الاجتهادي الذي يؤخذ فرديا كاجتهاد فلا نتقاتل والأمر لا يتعدى كونه اجتهادا. بعدها اُصبت بداء القراءة فكنت أقرأ حتى صفحة الوفيات والافراح والمفقودين وأن أبدأ بالصفحة الأخيرة قبل الاولى لإيماني بأن الامور بخواتيمها. قرأت ما كان ممنوعا في مدارسنا ساعتئذ مثل النظرية الماركسية ووجدت لو أنها تُركت لتقرأ لقل وربما اختفى بريقها. ماذا بعد هل أشكر النكسة التي جعلت مني قارئا ومن ثم كاتبا وهل كان بكائي حينها بداية لمرحلة من الوعي الجديد بالرغم مما فيه من لوعة وألم. تعلمت أن أحترم التاريخ وشخوصه وأن أحكم عليه بظروفه. لقد كانت فترة مصيرية بالنسبة لي على الرغم من تكلفتها الكبيرة على الأمة فلذلك فإنني لا أزال أعيش وخز الضمير الذي ربط تحول حياتي بجرح الأمة الكبير الا أن التاريخ درس لمن يستلهمه في أي ساعة وتحت أي ظرف.
هناك حلقه خاصه أيضا عن "المرأه " أخت الرجال في الريان

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

"حول الانسان وذاكرة المكان" تنمية "ال زهايمر"


28-المكان موقع وحاله نفسيه
كان الوالد عبدالله بن ناصر السويدي وزير المواصلات والنقل رحمه الله, الذي عَملت في مكتبه مايقارب العقد من الزمان يقول لي "أنا حصاة من حصى البدع" هكذا أرتبط القطري بالمكان . من حسن حظ الجيل السابق انهم رحلوا قبل عملية إزالة الفرجان والمناطق القديمه في قطر, وإلا كانوا قد شعروا بخيانتهم للماض والتنكر له, وعلى الرغم من التعويض المادي المجزي التي قدمت وتقدمه الدوله تعويضا عن إزالة المساكن والفرجان , إلا أن الضرر النفسي لايمكن تعويضه , حيث يرتبط الانسان بالمكان نفسيا بحيث يصبح ذاكرته التاريخيه التي تساعده على العيش متأقلما مع حاضره ومستقبله, بل ومصدر قوته وتميزه عن القادم الجديد بحكم التاريخ , ونجد في جميع دول العالم مايسمى بالمناطق التاريخيه المكتظه بالسكان واهل المنطقه , يتساوى أهل قطر اليوم الذين أخرجوا من فرجانهم , في المناطق الجديده المستحدثه, مع القادم الجديد الذي لم يحصل على الجنسيه بعد أو أنه لايزال يسعى للحصول عليها. هناك في ذاكرة القطري اماكن كان من المفترض المحافظة عليها بشكلها السابق او تحسينها بطريقة تحفظ الذاكره والمكان والتاريخ في توافق , أين شارع"الكهرباء" مثلا أفضل شوارع الدوحه واشهرها للتسوق , وشارع "مشيرب" أين الرميله وأزقتها , والبدع وحواريه, مناطق كثيره في الدوحه وضواحيها, كانت تمثل ذاكرة الانسان القطري , اليوم يستوي القطري من أهل هذه المناطق مع القادم الجديد , بل يفوقه هذا بأنه يبني ذاكره حديثه , بينما هو يعيش على بقايا ذاكره لاوجود ملموس لها على الارض, كان من الافضل تعميم تجربة سوق واقف على وسط الدوحة كله بدلا من هذه العمارات التي لاتعطي انطباعيا تاريخيا ولاجماليا ولاتشعر المواطن بانه يمتلك تاريخا , ناهيك عن إزالة جميع المعالم الاجتماعيه الاولى لأهل هذه المناطق من مجالس أو بيوت كانت محطا ومعلما إجتماعيا ,إلا فيما ندر وكأن الأمر إعادة كتابة للتاريخ.
29- تسليع التاريخ والانسان
إضطرت الدوله للحفاظ على التاريخ بعد إزالة المكان وإختفائه الى عملية تسليع واسعه للتاريخ, فأوجدت قناة الريان , ومجلة الريان , والريان لم يعد قائما كمكان , واضطرت بتسمية بعض طائراتها بإسم "البدع" ولم يعد هناك بدع , وكذلك "الرميله" و"وادي السيل" وهكذا. عملية التسليع هذه إمتدت الى تاريخ الانسان كذلك , فأصبح هناك "الخويا" و"الفداويه" و"الفزعه". لايمكن ان تكون هناك ذاكرة بلا مكان إلا إذا كانت ذاكره إفتراضيه , ولايمكن ان يكون هناك إنسان بلا ذاكره إلا مرضى "الزهايمر", ولايمكن أن يكون هناك تعليم مالم يَجُب ماقبله من صور للجهل والتخلف , فهل يمكن أن نتصور حاملا للدكتوراه أو للماجستير يعمل في "الخويا" وهي وظيفه ماقبل التعليم مثلا كمسمى وليس كجهاز, أو في الفداويه مثلا.
أعتقد ان مجتمعنا الصغير يقف عند مفترق طرق , يبدو مستسملا لمصيره , واثقا من قيادته , مؤمنا بربه وبإخلاصه لارضه ولترابه, لكن المستقبل يحتاج الى عقليه مستقبليه مبادره وليس فقط تغير شكلي في المسميات للحفاظ على التاريخ , نحن اليوم نزور المكان لنتعرف عن التاريخ والانسان , وعملية تسليع التاريخ وبيعه في علب جديده قد يضر أكثر مما ينفع ," فالشرهه" مثلا اصبحت مكرمه" والطارش أصبح "نديب", واللي عروقهم في الماء " كما نقول سابقا أصبحوا الوجهاء , لايكفي تسليع التاريخ للمحافظة عليه , كما لايكفي تسليع الانسان لإبقائه على وضعه كما كان في سلم الحراك الاجتماعي . حبي لبلدي قطر ولقيادتها ولإنسانها يجعلني حريصا على التنبيه والتحذير والاشادة والنقد , فالمواطنة واجب يؤدى, قبل ان تكون حق ُ يطالب به.
"اللهم إجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه"

" الشخصيه القطريه , "بدونة" العلاقه أم تحضر الثقافه؟



الشخصيه القطريه من التفاعل الى الانكماش
التفاعل الذي أفرزه نمط العلاقات الافقيه في المجتمع القطري السائد في فترتي الستينيات بدأ بالانكماش مع التركيز أكثر على المصلحه الفرديه على حساب المصلحه العامه نتيجة لنمط العلاقه الرأسيه الزبائنيه التي بدأت تصبح نمطا سائدا في المجتمع القطري إلا فيما ندر. وهي مؤشر"بداوه اكثر منه مؤشر"تحضر" رغم ماوفره هذا النمط من العلاقات من اشياء ماديه وكماليات , وفي إعتقادي أن إقتصاد"الريع" القائم على التوزيع لم يزد المجتمع القطري حضاره بقدر ما "بدوًن " الحضر فتحول الحضر نتيجه للريع وعلاقاته ثقافيا الى "بدو" وهو ما اسميته في مقال قديم لي بظاهرة"الفداوي المعاصر" أستثني من ذلك التجار والملاك الكبار الذي كان لهم قدر من الاستقلاليه الاقتصاديه , إلا أنهم سياسيا لامناص أمامهم من التعامل الرأسي مع السلطه , كان لابد لهم من العلاقه الزبائنيه لاستمرار مكانتهم ونفوذهم.أكثر المتضررين من تغير نمط العلاقات الاجتماعيه كانت هي العوائل والأسر القطريه الحضريه , لأنها تاريخيا كانت تعتمد اساسا على العلاقات الأفقيه الى حد كبير مع الشيوخ وافراد الاسره الحاكمه, سوى العلاقه مع الحاكم التي كانت بالضروره رأسيه الى حد ما , وكان كبار رجالات قطر يتناقشون في مجلس الحاكم حول أوضاعهم وهويستمع ويبادلهم الرأي والمشوره, ولم تكن العلاقه رأسيه واضحه الا مع رجال الباديه الذي يعملون عند الشيوخ "الفداويه " أو الخويا" والخوي قد يكون أحد المقربين المحظيين عند الشيخ أو عند الحاكم لذلك هو أعلى مرتبة إجتماعية من الفداوي. لذلك قل التفاعل الاجتماعي الافقي بينهم بينما إزداد رأسيا مع الشيوخ واصحاب السلطه . في تاريخ قطر سنجد العديد من رجالات قطر ممن وقفوا مع المؤسس الشيخ جاسم بن محمد منذ تاسيس الإماره , فالشخصيه القطريه إمتازت أساسا بمحليتها وإرتباطها بالأرض وتاريخها الوطني كان دائما إيثاريا لم تضع في ذهنها المستقبل وموازناته وتوافقاته بقدر ما كان همها الارض والمحافظة عليها ودرء الاخطار عنها ,و فيما عدا تأثرها بالمد القومي الناصري في الخمسينيات وبداية الستينيات و وجود طبقه عماليه انتاجيه مواطنه التي كان لها تأثير واضح في تبني الشعار الوطني والقومي والقيام باضرابات ومظاهرات في ذلك الوقت, لم يعرف عن الشخصيه القطريه تاريخا نضاليا ايديولوجي الطابع, والدليل على ذلك أنه بعد تراجع المد القومي الناصري , عاد الجميع الى التعامل مع الوضع كماهو والسلطه كماهي , بمن فيهم من تزعم تلك المرحله بل أصبح بعضهم من اصحاب الحظوه . دليلا على انها مجرد حاله"نضاليه". وليست طبيعه نضاليه راديكاليه.
مجتمع متجدد لكنه ليس جديد:
المجتمع القطري يتجدد خاصة في عقلية الاخرين بشكل ملفت للنظر , لكنه في الحقيقة ليس بجديد, لأن الجديد تأتي به العقليه الجديده, و لايمكن ايجاد عقليه جديده , والمواطن يعاني من الوعي "الشقي" الذي يعني الشعور المتناقض بإمتلاك الشىء وبإفتقاده في آن واحد, أن تكون مواطن ولست مواطن في الوقت نفسه, أن تكون مالكا ومملوكا في نفس الوقت, فمجتمعنا يتجدد شكليا , وليس بنيويا , و والتجديد الشكلي إحتاج الى عماله , وعمليه استيطان كبيره باهظة التكلفه اجتماعيا, فلم يعد نمط العلاقات الرأسيه وحده مع السلطه هو المعضل الوحيد ولكن العلاقات الاجتماعيه مع الوافد الجديد بثقافته ودينه وراديكاليته , وصعوبة الاتصال والتواصل بين مكونات المجتمع كما كان في السابق , جعلت من الانكماش وسيله وحيده أمام أهل قطر , أهل الفرجان , والمناطق القطريه المعروفه كالبدع والرميله والريان ووادي السيل للحفاظ على خصوصيتهم , فيما ظهرت مناطق جديده لتجمعات سكانيه عربيه جديده من المستوطنين والمجنسين كمنطقة الحضارمه , والمشاف وغيرهما, واستيطان لاخرين في جزء من الخريطيات والخيسه والسيليه والشحانيه, ولكن الذاكره القطريه أكثر شقاء من الجسد ذاته , وأنا شخصيا , اعاني من شقاء الذاكره يوميا حينما أمر في ماتبقى من أطراف الريان القديم وهو محاط بسور مرتفع وتعود بي الذكرى لأناس أقاموا هنا و قد رحلوا فأردد هذه سنة الله في خلقه , لكن ان يرحل المكان فهذه مفارقه تشقى بها الذاكره , واعتقد ان اهل البدع والرميله ووادي السيل وغيرهم من المناطق القديمه يعانون مثلي أو بعضهم على الاقل من هذا الشقاء المقيم ,

الأحد، 12 أكتوبر 2014

"حول الانسان وذاكرة المكان" نمط العلاقات الاجتماعيه ,الحلقه الرابعة عشر

24- المجالس و"الحبوس"
شكلت المجالس و"الحبوس" وهي جمع "حبس" بكسر الحاء وهو بناء يشبه الكراسي ملتصق بالحائط للجلوس عليه وكذلك "الدكيك" جمع "دكه" وننطقه "دجه" كذلك وهو مكان مرتفع من الارض في الفضاء عادة امام البيت للجلوس عليه خاصة ايام "القيض" الصيف, مكانا للتجمع بشكل يومي خاصة بعد صلاة العصر وبعد صلاة المغرب بين أبناء الريان , ونظرا لطبيعة هذا الاماكن وتشابهها وانتشارها , تأصلت علاقات أفقيه بين أبناء الفريج في كل مناطق قطر, فالانتشار وتبادل الزيارات كما شاهدته كان أفقيا . في تلك الفتره من ستينيات القرن المنصرم ومع بداية السبعينيات , ولم يكن الشيوخ بعد إنغمسوا في التجاره وفي المناصب الحكوميه كما يبدو الآن, لذلك كانت علاقة اهل الريان بهم علاقه ذات طابع اجتماعي أفقي كذلك , بمعنى انه لم يؤثر على علاقاتهم ببعضهم البعض , كان اشهر مجلس في الريان القديم هو مجلس الشيخ جاسم بن على بن عبدالله , حيث كان هناك برنامجا لتناول الغداء بعد صلاة الجمعه , ودرس ديني يومي على "حبس" المجلس يقرأ فيه المطوع حسن مراد ما يتسر من الحديث والسيره, كذلك مجلس الشيخ خالد بن حمد أطال الله في عمره , ومجلس خالد بن عبدالله العطيه رحمه الله , ومجلس محمد وعبدالله ابني فهد بن محمد آل خاطر, ومجلس على بن محمد المضادي ومجلس ابراهيم بن على ال ابراهيم ومجلس الوالد محمد بن خالد الخاطر رحمهم الله جميعا وفي الحقيقه كل بيت في الريان بل أن كل بيوت أهل قطركان يلتصق بها مجلس ,لم يكن شكل المجلس مهما ولايبدو مزخرفا كما نرى اليوم ,أنا اعتقد أنه في تلك الفتره كان معنى كلمة "شيخ" تمثل أكثر تفاصيلها دقة للموصوف بها من آل ثاني, لأنه لم يكن له عمل آخر غيرها , سوى استقبال أهل قطر والترحيب بهم ومساعدتهم في قضاء حوائجهم نظرا لإمتيازاته الماليه , أما العلاقه بالحاكم وولي عهده فكانت مباشره كذلك إلا ان بعض الخدم أو العاملين لدى الحاكم وولى عهده في ذلك الوقت يظهرون نوعا من التسلط احيانا في ممارسة اعمالهم واعاقة البعض من الوصول للحاكم , لكن علاقة أهل قطر المباشره بالحاكم حيئذ كانت أقوى وقلوبهم كانت أصفى ,
25- سقوط ثقافة المجلس أمام ثقافة "البزنس"
في إعتقادي أن أخطر ما تعرضت له العلاقات الاجتماعيه في مجتمعنا القطري المتحاب والمترابط , هو دخول الشيوخ في مجال "الاعمال" البزنس" وليس بعقلية التاجر الذي تدرج في بناء أعماله وعلاقاته , وانما بعقلية "الشيخ" ذات الشرعيه المتوارثه, أثر ذلك كثيرا في نمط العلاقات الاجتماعيه بين أفراد المجتمع بعضهم البعض , وبينهم وبين الشيوخ"العائله الحاكمه" فأتجهت العلاقات بينهم البين الى الذبول أفقيا , وبينهم وبين الشيوخ الى الاتجاه رأسيا من أسفل الى أعلى ومن أعلى الى أسفل بالنسبة للشيوخ , بما أوجد بشكل واضح علاقه "زبائنيه", زادها تقليد المنصب الحكومي من قبل الشيوخ رأسيه على حساب العلاقه الأفقيه بين أفراد المجتمع , فخلت المجالس الا من صاحب مصلحه , وتكدس الزوار في مجلس صاحب المنصب حتى يقال أو يستبدل , وزادت الشلليه الاجتماعيه والتجاريه داخل المجتمع واخذت العلاقات تتشكل على أساس معايير اخرى أقل إنسانيه , ونظرا لطبيعة "البزنس" السريه , تطلب الوضع والعلاقات نموذجا آخر لم توفره ثقافة المجلس الشائعه سابقا , فاكتظت مجالس الشيوخ باشكال انتهازيه على استعداد لتقديم وتسهيل الأمور بعيدا عن ثقافة المجتمع اذا استلزم الأمر, إلا انني كنت الاحظ استمرار وفاء اهل الريان وتمسكهم في عاداتهم وزياراتهم لبعضهم البعض , إلى ان زال المكان نفسه وأختفى الريان
انتهت الحلقه

حول الانسان وذاكرة المكان" التدين الفطري والمشترك الاجتماعي




دخل علينا في الفصل الاستاذ الازهري "دسوقي" مدرس العلوم الشرعيه وهو يتافف قائلا "أيه ده حاجه تفلأ"تفلق" اقول له إنا اعطيناك "الكوسر " يقولي لأ "الكوسر" , والاخوه المصريين عموما يلفظون حرف " الثاء" سين وكان الاستاذ دسوقي بالاضافة الى عمله كمدرس في مدرسة الريان القديم الابتدائيه للبنين , يعطى دروسا دينيه بعد العصر في جامع الريان القديم الكبير, وصادف أن قرأ سورة الكوثر كما ذكرت فأعترض عليه أحد الحاضرين من كبار السن وأتهمه بأنه يحرف القران ويسىء إليه وطلب منه التوقف عن إعطاء الدرس ,ثم طلب من الوزاره بعد ذلك بإستبداله بآخر يتقن قراءة القران ومخارج الحروف , عرفت بعد ذلك أن ذلك الشخص هو على بن محمد المعضادي وهو رجل عرف عنه التقوى والمجاهره بالحق وبالاسلوب الصريح والمباشر وبما ياأأمر به الدين. والجدير بالذكر عندما قدم للبلاد بعض الاخوه المصريين من الازهريين لتدريس مادة العلوم الشرعيه والقران أحضروا معهم بعض العادات التي لم تكن مستحبة من اهل قطر أو لم يكونوا قد إعتادوا عليها , كإحضار مقرىء ليوم الجمعه يقرأ على المصلين وهم منصتون او مرددون الله أكبر أو غير ذلك ,واذكر ان المرحوم عبدالله بن محمد بن فهد الخاطر قد نهرَ أحدهم عندما طلب منه الاستماع لقراءته وعدم تلاوتة القران بنفسه قائلا هذه بدعه وكلنا يقرأ القران ويحفظه. كما كانوا ينزعجون من الاستخدام المكثف للمايكرفون سواء نداء أو قراءة, أو التطويل في الخطبه أو الصراخ عند إلقائها, كل هذه العادات ليست من خصائص فهمهم للدين الحنيف , خوفا من تحول العاده الى بدعه ومن ثم تصبح من الدين مع مرور الزمن . الأمر الذين قد خفت حدته بشكل كبير بعدما طغى تدريس الماده نظاميا على مدارس الكتاتيب

إلى جانب تدين الفطره الطبيعي الذي كان سائدا آنذاك كان المشترك الاجتماعي بين أهالي الفريج والمنطقه دليلا على فطرتهم الاجتماعيه النقيه كذلك التي ترى في العيش مشتركا وفي الدين فطرة وفي حسن التعامل مبدأ , في الريان في الستينيات من القرن المنصرم كانت المزارع الكثيره والكبيره المحيطة به عباره عن مشتركات اجتماعيه , يتشارك جميع أهل الريان في استخدامها والانتفاع بها بشكل أو بآخر , كنا خلال الصيف نسبح في بركها المنتشره , ونصطاد من طيورها المتنوعه , ونأخذ من ثمارها وخضارها لبيوتنا,واذكر أنه في مزرعتنا التي تقع اليوم في قلب المدينه التعليمه بركتان للسباحه إحداها على الطراز القديم أما الاخرى فكانت على مستويين للصغار وللكبار , وأذكر أن والدي اشترى مكينتها الضخمه والحديثه في ذلك الوقت ماركة "بلاكستون" من شركة الخليفي وهو من رواد التجاره من أهل قطر في شارع سوق واقف على ما أظن , كانت المزارع هي صيفنا ننتشر بين خضرتها ومائها وطيورها , مجتمع متشارك ,وهي مزارع لافراد سواء من الشيوخ أو من غيرهم , نموذج بسيط للعيش المشترك نفتقده اليوم حين انتقلنا من ثقافة المزارع "الكميونات" الى ثقافة الابراج الانعزاليه التي تشعر صاحبها بأنه صاحب حظوة دون غيره فعليه بالعزله والتوقع خوف من العين والحسد , وظهور ما يشكل الطبقيه الحاده وهو ماحذرت منه طويلا في مقالات عديده منذ ما يزيد على العقد حتى اللحظه حول تحلل وغياب الطبقه الوسطى الهشه التي أنشأها الى حد ما حسن توزيع الريع بشكل يعظم من وجودها .أشهر مزارع الريان , زرع الشيوخ , وزرع "الشقب" الذي به مربط للخيل , وزرع الشيخ علي , وزرع سعيد العلي وزرع أبناء الشيخ عبدالعزيز بن حمد الكرام أوما يسمي ب"الغبيبه"
الريان كان رئه للتنفس وبيئة صالحة للعيش خالية من التلوث وبها من الطيور الكثير , حتى أنه كان بإمكاننا في ذلك الوقت , توفير مايحتاجه البيت من لحم طازج لأسبوع أو لمدة اطول
, الأمر الذي اندثر بعد ازالة هذه المزارع , وأصبحنا نعتمد على دجاج "ساديا" المثلج

وكان الريان نموذجا للتعايش حيث ضم جميع قبائل وعوائل قطر والشيوخ آل ثاني وعدة بيوت للمعاضيد والخاطر والبوكواره والنعيم والمنانعه والكعبان وبني هاجر وآل مره وقحطان والخليفات والمناصير
والمهانده والنعيم والمسافره , هذه جغرافية الريان البشريه حينئذ ولعلى لاأنسى أحدا إلا سهوا بالاضافة الى جاليات آسيويه من باكستان وايران , بعضهم تحصل على الجنسيه لاحقا , وبعضهم لم يتحصل حتى الآن.