السبت، 11 أكتوبر 2014

حول الانسان وذاكرة المكان" تحولات الوعي-الحلقه الثانية عشر

> 22- >جامعة الخليج العربي
وقعت عيناي ذات يوم على إعلان منشور في إحدى جرائدنا القطريه عن فتح باب القبول في عدة تخصصات في جامعة الخليج العربي بالبحرين , وهي مشروع رائد لو لم تصبه لعنة السياسه العربيه وتقلباتها, بين تمويل وتأجيل ومناشده لإستمرارها من جانب بعض مثقفي الخليج وأذكر منهم الدكتور أحمد الربعي رحمه الله الذي ناشد الدول الخليجيه المحافظة عليها وعلى شركة طيران الخليج بوصفها مشاريع وحدويه مشتركه ,وهي لاتزال قائمة كمشروع في حين إختفت شركة طيران الخليج إلا أنني اعتقد انها لاتحظى بنفس الزخم من الاهتمام كما بدأت , على كل حال ,كانت التخصصات المطروحه محدوده ومختاره لكي تسد النقص الذي تعاني منه الجامعات الحكوميه في كل دوله على حده, مثل تخصص التصحر وادارة التقنيه والكيمياء الحيويه بالاضافه الى كلية الطب,فوجدت اقربها الى تخصصى هو تخصص إدارة التقنيه , وهي إداره صناعيه بالاضافه الى بعض التطبيقات لمفهوم الاستراتيجيه , فتقدمت بطلب الى سعادة الوزير بالسماح لي بالالتحاق بهذا البرنامج مع استمراري في العمل بعد حضورى المحاضرات لعام دراسى واحد, فوافق سعادة الاخ عبدالله بن صالح المانع وزير المواصلات في ذلك الوقت على طلبي مشكورا.وعن طريق إدارة البعثات انهيت جميع إجراءت الإلتحاق, ولم يتبق سوى المقابله الشخصيه التي تمت مع الدكتور حافظ المطوع شقيق وزير الدوله البحريني الحالي محمد المطوع وبرفقة عدد من الاساتذه, حيث وضعوا شروطا علي أن أجتازها للالتحاق بالبرنامج في مقدمتها اجتياز امتحان الاحصاء, وبالفعل تم ذلك فالتحقت في خريف 1994 بالجامعه بوصفي طالب دراسات عليا , ومن اصعب المقررات التي واجهتني كان مقرر بحوث العمليات" الذي كان يدرسه الدكتور عبد اللطيف الزياني الامين الحالي لمجلس التعاون , حيث كان جديدا علىً واجتزته بصعوبه, أما أمتع المحاضرات فكانت مع الدكتور محمد جابر الانصاري استاذ الحضاره الاسلاميه في الجامعه ومستشار جلالة ملك البحرين حاليا, والذي كان متطلبا أساسيا لكل طلبة الجامعه, وفي أول محاضرة له طلب مني تلخيص كتابا مختارا وعرضه على الطلبه وهو كتاب "الاسلام وأصول الحكم " لعلي عبدالرازق, وفعلا قمت بذلك وأبديت رأيي حول تصورات الكتاب وتم نقاش مطول حوله من جانب الطلبه , وبالمثل كان على كل طالب أن يقوم بعرض كتاب مختار كما يبدي رأيه فيه , وكلها كانت من الكتب التي أثارت ردود فعل كبيره عند نشرها لجدة محتواها ولصدمتها للعقليه التراتيبيه التي لاتقبل التجديد أو المس بالتقليد,, مثل كتاب "خرافة الميتافيزيقا " لزكي نجيب محمود والاسلام واصول الحكم لعلى عبد الرازق , وكتاب دارون والتطور . وغيرهم كتب كثيره تداولناها بحثا ونقاشا , أثرت لدي ذائقة نقديه التي كانت موجوده لكنها في حالة عطاله وكسل, فنشرت في ذلك الوقت أول مقالة لي بعنوان على ما أذكر" إشكاليات تنمويه " في جريدة الخليج التي تصدر في الشارقه, ومقالا آخر بعنوان "التنميه والبعد المنسي" ونُشرا في مكان لائق لم اكن اتصور بأن أحظى به بوصفي كاتب مستجد.
كان اغلب الطلبه من دولة الكويت ودولة البحرين وبعض القطريين في تخصص الطب , وكان مدير الجامعه انئذاك الدكتور عبدالله الرفاعي من دولة الكويت , الدراسه في جامعة الخليج العربي أوحت بشعور جديد يتلمس بُعد المسافة بين المقررات وبين الوظيفه العامه التى لاتتطلب مؤهلا بقدر ماتتطلب اداء روتينيا , كما اشعرتني بشكل لايدع مجالا للشك بعدم حساسية النظام الادارى الحكومي أصلا للعلم كقيمه, فالدراسات العليا في وعىُ المجتمع لاتزال تشكل نوعا من الهروب من الفراغ الوظيفي فبدأت أتساءل ماذا يمكنني أن أقدم للعمل بعد تخرجي وهو قائما ومستمرا بدون تواجدي كل هذه الفتره؟ , ما يمكنني أن أقدم للعمل والوزاره أصلا كلها بدون استراتيجيه واضحه مفهومه؟ماذا يمكن أن يقدم تخصصي الجديد أو أن يضيف لعملي السابق؟ماذا يمكن أن يقدم مفهوم الثقافه الاسلاميه الجديد الذي إكتسبته بماهي ثقافة نقد لاثقافة رواية وقصه تاريخيه إضافة لعملي السابق؟ماذا يقدم فكر الهامش المعزول الذي درسته والمحارب من التيار العام ككتب "مستقبل الثقافه في مصر لطه حسين"وجان جاك روسو لمحمد حسين هيكل" والاسلام وأصول الحكم "لعلى عبدالرازق" لعملي السابق؟ أدركت لحظتها وأنا لازلت ادرس أن النظام التعليمي القائم سيواجه مشكله مع ذاته, فأما أنه يصبح العلم قيمة في حد ذاته للفرد بإعتراف المجتمع , وأما أن يوقف هدر الاموال في بعثات لاتضيف الى الانتاج شيئا, بل تزيد من الشعور بالاحباط بعد نيل الشهادات.
بالفعل تخرجت بعد أكمال المقرر برساله محدوده عن صناعة البتروكيماويات في قطر التحديات والفرص المتاحه ,تعتمد اساسا على الموضوع الى جانب طريقة العرض بالكمبيوتر. وعدت بعد ذلك الى عملى السابق في مكتب وزير المواصلات الذي إحتله الشيخ أحمد بن ناصر بن فالح ال ثاني , بعد الوزير السابق عبدالله المانع , فلم أضف لعملي أي إضافه لأنه اصلا لايتطلب إضافه , وأقنعت أكثر بما كنت أحس به وأستشعره قبلا,من حالة الانفصام بين العمليه التعليمه بوصفها حاله لإنتاج الوعي وبين الواقع الملتبس المستمر والثابت , فترجمت ذلك في شكل اول مقال نشر لي في جريدة الوطن القطريه في شهورها الاولى من عام 95 عن ما اسميته في المقال الذي لم اعد اذكر أسمه بهزيمة 6 اكتوبر , عبرت فيه عن إعتقادي بأن زيارة الرئيس السادات للقدس بعد "نصر" أكتوبر هي بمثابة هزيمه نفسيه وعن أن الاشكاليه هي في فكر الهزيمه المتجذر وليس في الهزيمه كحدث في حد ذاته عندما كانت ملحقه بوعي الإرادة والمقاومه كما كان الحال في عام 67, نُشر المقال في حينه ولفت الانظارلأفاجأ باسمي ملحوقا بصفة "الكاتب القطري", وليبحث عني البعض ويتصل بالخارجيه وبالتربية والتعليم , ليجدوني في مكتب صغير في وزارة المواصلات والنقل ,الهامش الذي أعشقه لأطل به على الدنيا بعيدا عن صخبها وثرثرتها .
إنتهت الحلقهb>

الخميس، 9 أكتوبر 2014

"حول الانسان وذاكرة المكان" وزراء في الذاكره

<
19- وزراء التفويض ووزراء التنفيذ
مَن من اهل قطر لايذكر الشيخ جاسم بن محمد بن جاسم رحمه الله ,وزير الكهرباء والماء إبان فترة السبعينيات والثمانينيات؟أنه بحق يستحق لقب "وزير قطر" التاريخي, هذا الرجل الذي أضاف الى طابع وزارة الكهرباء والماء الفني , طابعا إنسانيا وربطها إجتماعيا بالمجتمع حتى أضحت وزارة للخدمة الاجتماعيه بالاضافة الى عملها , فأوجد الوظائف لاهل قطر ولابناءهم, حسب مكان تواجدهم في القرى او في المدن, فكانت أكثر الوزارات تقطيرا . مَن من أهل قطر لايذكر الشيخ جاسم بن حمد رحمه الله وزير المعارف والوزير الاول في قطر, الذي كان يتابع المرحله التعليميه بشكل لصيق, حتى انه كان يعاقب سائقي الباصات الذين يعلم أنهم يقودونها بسرعة قد تعرض حياة الطلبه فيها للخطر, في عصره كان المدرس في أوج مكانتة المرموقه في المجتمع , كان رحمه الله نصيرا للمدرس في ادائه لواجبه على اكمل وجه , ولايسمح للطالب مهما كان مركزه الاجتماعي أن يتطاول على أحد من المدرسين , حتى ولو كان من اقرب المقربين, وسمعت أنه قد وبخ أحد إخوانه لتطاول أحد ابناء ه على أحد المدرسين ورفض إعادته للفصل حتى تنتهي فترة عقوبته على ذلك. مَن من أهل قطر لايذكر الشيخ سحيم وزير الخارجيه , وقد افسحت له مقالا خاصا حول أنسنته للوظيفة وللمنصب. هؤلاء كانوا يقومون بدور وزراء التفويض , بحسب رؤية "الماوردي " كما جاء في "الاحكام السلطانيه" حيث أن اشار الى أن وزير التفويض هو ذلك الذي يعينه الخليفه لكي يساعده في الحكم وادارة شئون الناس , بينما وزير "التنفيذ" هو من ينفذ الاوامر الصادرة اليه بدقة وبدرايه وحنكه. كما لايمكن تجاوز تلك الفتره دون الاشاره الى الدكتور عيسى بن غانم الكواري وزير الاعلام ومدير مكتب سمو الامير في تلك الحقبه , حيث كان يقوم بالوظيفتين حسب تقسيمات "الماوردي" التي ذكرت نظرا لطبيعة مهام الوظيفتين اللتان شغلهما فترة طويلة من الزمن. هذا كله لايعني أن الفتره اللاحقه لم تشهد وزراء تفويض, إلا أن مايميز أولئك السابقين هو أن إهتمامهم كان منصبا على المجتمع وعلى أهل قطربالذات أكثر من أي غرض آخر أو هدف مرسوم, بينما خير مثال على وزير التنفيذ في تلك الحقبه كان هو الوزير الانيق "على بن أحمد الانصاري "وزير العمل والشئون الاجتماعيه, حيث كان رحمه مثقفا لبقا وخير ممثل للدوله في المحافل الرسميه . المقاربه هنا بين تقسيم "الماوردي" للوزراء أيا م عصره , وعصرنا هي في أن وزير "التفويض"عادة مايكون من العائله الحاكمه أو من خاصة الخاصه ولذلك يقال عنه أنه وزير "قوي" بينما وزارة التنفيذ الذي سمح الماوردي "للذمي" من غير المسلم أن يتسلمها, يتقلدها في عصرنا وزراء من عامة الشعب عادة وتصبح في اغلب الاحيان مناطة بصفة الضعف أو الوزير"الضعيف"في مقاربه للتدليل علي الدونيه دينيا لدى الماوردي واجتماعيا في عصرنا المعاش
20- الوزير الشعبي
كان اكثر الوزراء شعبية في تلك الحقبه هو السيد خالد بن عبدالله العطيه رحمه الله وزير الاشغال العامه , الذي كان يدخل وزارة في سيارته "المكشوفه" ملوحا بيديه بالسلام على جميع المارين به, الوزير الشعبي هو مزيج من وزيرالتفويض ووزير التنفيذ, يلجا اليه المحتاجين سواء للخدمه أو للتوظيف نظرا لسلاسته ولطفه وبساطته ومكتبه ومجلسه المفتوحين باستمرار, تظهر اهميه هذا النوع من الوزراء في حالة عدم وجود نظام مؤسسي يقوم على المؤسسه لا الافراد وهو النظام الذي لم نحققه بعد, لذلك فغياب الوزير الشعبي الذي يعايش نبض المجتمع مع عدم وجود نظام يعتمد على المؤسسيه , كالوضع الذي نعايشه اليوم , يضع المواطن في زاويه حرجه ويدفع به الى التذمر وربما إلى اليأس والقنوط. كان هناك أيضا وزيرا شعبي آخر في المرحله التاليه لأولئك الكبار هو الاخ علي بن سعيد الخيارين الذي شغل منصبي وزير الصحه ومن ثم وزير البلديه , حيث حظي بشعبية جارفه نظرا لحبه لمساعدة أهل قطر وقضاء حاجاتهم ما أمكن , وبشاشته وتواضعه الجم , حتى أنه في أحد الاستفتاءات التي قامت بها أحدى الجرائد المحليه عن أكثر الوزراء شعبية فاز بالمركز الاول مع أنه كان خارج الوزاره حينئذ و وكأن شعبيته أنست الناس خروجه من الوزارة.
21-مجلس الشورى وتراجع المشوره
شكل انشاء مجلس الشورى خطوة جيده مع بداية السبعينيات وأحتل مقاعده كبار رجالات المجتمع وكان يغلب عليه طابع رجال الاعمال في بدايته , إلا أنه مع الوقت تحول الى الطابع العائلي والقبلي , وبدأ مع الوقت يفقد تأثيره مع وفاة معظم اولئك الرجال الذين كانوا كما قلت مرتبطون بالانسان في قطر اكثر من ارتباطهم بمصالحهم وأعمالهم الخاصه أو بالتواجد في المنصب في حد ذاته.حيث كان السابقون من اهل قطر يقدمون المشوره حتى وإن لم تكن تطلب منهم , إحساسا منهم بالمسؤوليه الدينيه والاجتماعيه , المشكله كما أراها ليست في الانتخابات أو التعيين , وإنما في عدم وجود مسافه بين السلطه التنفيذيه" الحكومه" وبين الحكم ذاته , المسافه التي يمكن أن يحتلها مجلس الشورى من خلال مسائلة الحكومه عن التنفيذ حتى وإن كان معينا وليس منتخبا , أما وجوده بهذا الشكل المفرغ اجتماعيا حتى من النصيحه او ابداء الرأي بشكل أو بآخر فلا يتماشى البته مع دور قطر الاقليمي او الدولي. مع وجود العديد من المخلصين من ابناء قطر ضمن تشكيلته , إلا ان الخلل على مايبدو في إعتبار التعيين وظيفه وهو ليس كذلك هنا او في هذا الموضع في المفهوم السياسي , التعيين هنا دور يجب ان يقوم به صاحبه وليس وظيفه يمارسها روتينيا

إنتهت الحلقه