الجمعة، 12 فبراير 2016

ثقافتنا"الهشه"



تتمركز ثقافة المجتمع القطري على شكل دوائر حول دائرة مركزيه رئيسيه هي ثقافة السلطة , بينما تدور جميع الدوائر الآخرى في فلكها, فالفرد القطري بالتالي مزدوج الشخصيه فيه من دائرته الثقافية جزء , والجزء الآخر يبحث عن موقع له فيه داخل دائرة الثقافه الرئيسيه التي هي ثقافة السلطه, ثمثل دوائر ثقافة المجتمع الفرعيه , جميع تفرعات المجتمع القبليه والاجتماعيه والطائفيه, وتصطبغ في ذهنية المجتمع تأثرا برؤية ثقافة السلطة لها بصبغة وبأوصاف تميزها عن غيرها فهولاء "أهل قنص" وأولئك "أهل بحر" والآخرين "أهل تجاره", لكن المجتمع مع حراكه الاجتماعي وتطوره كسر النسق التراتيبي المقفل فأصبح هناك كوادر فنيه واكاديميه ومثقفون من جميع دوائر المجتمع بلاإستثناء إلا أن العلاقه مع الثقافة الرئيسيه ظلت كما هي علاقة المتبوع بالتابع , فأختفى التميز والتطور الذي حققته ثقافة المجتمع فيما يتعلق بعلاقته مع الثقافة الرئيسيه في المجتمع , حيث لاتزال الثقافة الرئيسيه لافراد ثقافة المجتمع ينظر اليها من خلال تلك الانساق السابقه لعمليه التطور التي شهدها المجتمع, وكلما توسعت ثقافة السلطه وإتخذت شكلا جديده ضغطت بالتالي على ثقافة المجتمع ,وعملت على اضعافها , فيصبح لا مجال لوجود رأي عام أو مجال عام تداولي ستحتاجة البلاد يوما خلال تطورها السياسي والاجتماعي, من المفترض ان تكون ثقافة المجتمع منتجة لثقافة سلطته حتى لايحدث التصادم او الازدواجيه وحتى يستقيم المجتمع نفسيا , فالمجتمع الآن يبحث عن جزء من ثقافته ونفسيته داخل إطار ثقافة السلطه ما أمكن, مما يفقده التأثير والانتاجيه ويجعل من التعليم والشهاده العلميه مجالا ليس للإنطلاق منه الى الانتاجيه والعمل بقدر مايكون وسيلة للحصول على موقع داخل ثقافة السلطة , وإن تحقق ذلك بدونها , تكون قد فقدت قيمتها وذهب التعب في تحصيلها هباء منثورا

يوسف بن راشد المسند


لم أرى شابا في سن الكهوله , لم ألمس روحا تتجدد في جسد هَرم , كمارأيت و لمست ذلك في شخصية يوسف بن راشد المسند رحمه الله , عرفته في مطلع ثمانينيات القرن الماضي , حينما كانت مصر قبلة اهل الخليج جميعا واهل قطر خاصة حيث إمتلك العديد منهم بيوتا وشققا فيها , كان يوسف بن راشد احدهم , له معرفة سابقه بأخي عبدالله الذي كان قنصلا لسفارة قطر في منتصف السبعينيات , كان دائما يقول لي :, الضحك الكثير يميت القلب ,وجيلكم جيل يضحك كثيرا اكثر من أن يعمل كما كان في زماننا" يوسف بن راشد المسند من الشخصيات التي تأنس لها ولحديثها , فهو حاضر البديهه تلقائي الفكاهه, كريم الاستضافه في الصيف كان يتنقل من مصر الى لندن للفحوص الطبيه ثم يعود الى مصر , إلتقيته هنا وهناك, يعشق القديم ويهوى قطر وترابها , حدثني كثيرا عن زمانهم وكم عانوا من شظف العيش وصعوبة الحياه, روحه مرحه , كان يعتب على شباب ذلك الجيل "جيل الثمانينات" إفراطهم في الترف وعدم تقدير بعضهم للآباء ومابذلوه من تعب ومشقه كما ينبغي, يتحدث الفارسيه بطلاقه , أهل الشمال عموما يتمتعون بروح مقبله على الحياه ترى الجمال اكثر من القبح , وترى في الحياة السرور اكثر من الألم , هذا الانطباع لدى الكثيرين وقد لمسته في معظم من عرفتهم من أخواننا اهل الشمال وخاصة اهالي الخور, في لندن كنت أحرص على الجلوس مع يوسف بن راشد رحمه في الفندق أو في شقة الأخ العزيز خليفه بن خالد السويدي , لما لحديثه من متعه, وفائده ومرح , فهو يضفي على الحديث حلاوة وتلقائيه لاتجدها عند غيره , ذهبت لتعزيته بعد وفاة إبنه سعيد فوجدته متماسكا صلبا مؤمنا , وكان قد فقد قبل ذلك إبنا آخر, آخر مرة إلتقيته حيث كان خارجا من بنك قطر الوطني على الكورنيش , رايته تعبا منهكا ومع ذلك كان مبتسما مرحبا. لاتزال في مخيلتي لحظة لاانساها في أحد امسياتنا , عندما وضع أحدهم شريطا لعبدالله الفضاله وأنساب صوته طربا"تريد الهوى لك على ماتريد وثوب لبسته تريده جديد
وعصر تقضى تريده يعود فداك المنى ذاك رجعه بعيد"
فنزلت دموع يوسف بن راشد رحمه الله بغزاره. دليلا على شفافية الروح والاحساس وتداخل المشاعر بين ماض قاس عاشه شابا, وحاضر مزهر يعايشه شيخا, يوسف بن راشد كان نموذجا للإنسان القطري الذي لم يتنكر لماضيه , ولم يطغه الغني عن حقيقة الدنيا الفانيه , رحمه الله وأكرم مثواه.

الخميس، 11 فبراير 2016

مسجد الشيوخ الكبير




كانت خطبة الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود يوم الجمعه من كل أسبوع لست قصرا للإستماع إليها على من يحضر للصلاة في مسجد الشيوخ الكبير, بل أصبحت تصل كل بيت من بيوت أهل قطر, بعد إنشاء إذاعة دينية اسبوعيه خصيصا لنقل صلاة الجمعة من مسجد الشيوخ الكبير بالدوحة,وكان يتولى البث فيها الاستاذ ناصر العثمان متعه الله بالصحة والعافيه.أذكر إلتصاق والدتي بالمذياع إستماعا لخطبة الشيخ لما له من تأثير قوي على الاسماع والأفئده نظرا لرصانة لغته وملكة السجع العظيمة التي كان يمتلكها رحمه الله, وتلقائيته وحفظه كذلك لمعاني عميقة في الأدب والشعر العربي , كان رحمه الله خطيبا متمكنا لم يمر على تاريخ قطر أحدا مثله في تمكنه ولغته وتلقائية خطابه وصفاء منهجه. خطبة الجمعه أيام الشيخ إبن محمود تمثل تلقائية المجتمع القطري في حينه, وفطرته الدينيه التي فطر الله الناس عليها , بلا تكلف ولاعناء .إذاعة مسجد الشيوخ أعتقد انها أول إذاعة أنشأت في قطر , والاستاذ ناصر العثمان في إعتقادي أنه أول مذيع قطري , كما اعتقد ان البساطه في أداء الشعائر قبل المايكرفونات كانت أقرب الى طبيعة المجتمع القطري , خاصة وأن هناك من يستخدمها اليوم بكثره , ليس فقط في الاذان بل في الاقامة ونقل الصلاة ونقل الخطب , هذا التكلف بعيد عن طبيعة المجتمع القطري المؤمن بالفطره,ليس دليلا على زيادة التدين بقدر ماهو دليلا على زيادة الطابع الاجتماعي للتدين. كنت أتحين الفرصه للصلاة في مسجد الشيوخ الكبير نظرا لتميزه وسعته وكثرة قبابه مقارنة بالمساجد الاخرى في الدوحه, حيث تعطيك سعته ورحابة مجاله بعدا جماليا, يريح النفس يحيط به الديوان الأميري ووزارة العمل والشئون الاجتماعيه ودوار الساعه وسفريات الدرويش , لم يكن الوضع كما هو الان خطبا تملأ الفضاء وتتعارض وتتصادم هنا وهناك , وقنوات فضائية جزأت الدين وأقتسمت الدنيا, نقلت إذاعة مسجد الشيوخ خطبة الشيخ إبن محمود الى جميع بيوت أهل قطر , فكان الحرص شديدا الى الاستماع اليها بل وتسجيلها لمن لم يستمع اليها ليتمكن من ذلك لاحقا,ما يهمني في الأمر أن إذاعة مسجد الشيوخ انشات بتلقائيه إستجابة لمجتمع تدينه تلقائي لذلك لانعجب من أن عدد مستمعي خطب الشيخ إبن محمود التي تعاد اسبوعيا هذه الأيام مع أقتراب صلاة الجمعه من إذاعة قطر أو الريان, يتزايد وكأنها تنقل مباشرة على الهواء لأنها كما ذكرت تمثل تلقائية المجتمع سواء من جهة المرسل أو من جهة استعداد المتلقي الفطري في مجتمع كان في تدينه وممارساته اليوميه وعلاقاته اقرب الى مسجد كبير

الأربعاء، 10 فبراير 2016

"ياشقيري بدنا سلاح" قطر وعروبة الموقف



أذكر أننا ذهبنا الى إستاد الدوحة لحضور خطاب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينيه الأول أحمد الشقيري, ولاأذكر االسنة بالتحديد ولا في أي فصل كنت في حينه , كان الاستاد ممتلىء بالكامل وبدأ المرحوم أحمد الشقيري خطابه بصوت جهوري رخيم ومقاطعة مستمرة من جانب الجماهير الغفيرة التي إمتلأ بها الاستاد هاتفة" ياشقيري بدنا سلاح". قطر ليست فقط دولة عربيه , بل هي أكثر الدول العربيه إيمانا بالفكرة العربيه" وبالوطن العربي الكبير من المحيط إلى الخليج ,حكام قطر جميعا دون استثناء كانت لهم مواقف عظيمة مواكبة لظروف الأمة العربيه ووقوفا مع اهدافها وتطلعاتها, في 56 عند العدوان الثلاثي على مصر, وبعد هزيمة 67 وفي حرب أكتوبر 73, وعندما تعرضت غزة للحرب, والجنوب اللبناني للدمار. موقف قطر من القضية الفلسطينيه التي هي قضية العرب والمسلمين يسجل بأحرف من ذهب, من الخطورة بمكان زحزحة البعد العربي مع المحافظة على أولوية القضية الفلسطينيه,الشعب القطري شعب مؤمن بعروبته, لازلت أذكر الحزن الذي عم البلاد والعباد بعد هزيمة 67 والمسيرات التي خرجت رافضة الهزيمه وتنازل الزعيم عبدالناصر واعترافه بالمسؤولية , والاصرار على المواجهه والصمود, لازلت أذكر أخوة لنا تبرعوا بالذهاب الى الجبهة وقوفا مع الجيوش العربيه, لازلت أذكر التبرعات التي يقدمها المحتاج قبل ذو الاستطاعه. لازلت أذكر إلتفافنا حول ليلى خالد المناضله الفلسطينيه في مدرسة قطر الاعداديه وهي تحدثنا عن مقاومة الشعب الفلسطيني للعدوان الاسرائيلي ونحن في شوق لتقديم مايمكن تقديمه لهذا الشعب العربي المقاوم, لازلت أذكر الوقوف في الطابور والهتاف للشعب الجزائري لمقامته للإحتلال الفرنسي , لازلت اذكر انتشار إسم بن بيلا ورفاقه بين صفوفنا طلبة الابتدائيه. الفكرة العربيه أعني بها عروبة هذه الشعوب التي يجري التضحية بها لا لشىء إلا لوهم في خيالات ترى التضاد بينها وبين الاسلام الذي هو هوية هذه الأمة, نضحي بعروبتنا في حين يقدم الآخر قوميته لنا كبديل ويصفق البعض لذلك جهلا . قطر دولة عربية دينها الاسلام, لاترى في ذلك تناقضا ولا إختلافا, ولايمكن الحديث عن قطر دونما الحديث عن عروبتها وإسلامها ومواقفها العربيه والاسلامية المشرفه