الاثنين، 4 أكتوبر 2010

الاحزاب الدينيه الغربيه..... اسم تاريخى ودور اجتماعى



الذى اعتقده ان المسلمين اليوم بحاجه الى اظهار الجانب الاجتماعى للاسلام اكثر من اى جوانب اخرى عقيديه , كلنا يدرك كيف انتشر الاسلام فى بقاع الارض البعيده نتيجة لاتصال المسلمين وتجارتهم وسلوكياتهم بشعوب تلك المناطق , كل عقيدة كانت هى بالضرورة تحمل جانبا اجتماعيا وبلا شك هو اقوى الجوانب التأثيريه فيها , سمعنا كثيرا من القصص لأناس دخلوا الاسلام وانصدموا عندما رأوا سلوكيات المسلمين بعد ذلك . اعتناق العقيده دون بعدها الاجتماعى الانسانى يجعل منها بؤره طارده . كثير من المتشددين اليوم يطالبون السماح بأنشاء احزاب دينيه اسلاميه فى عالمنا العربى والاسلامى والحاله على ماهى عليه ويضربون امثالا بأحزاب اوروبا المسيحيه ويتغافلون او يجهلون ان الدين المسيحى منذ الاصلاح الدينى فى القرن الثامن عشر قد فصل بين السياسه والدين وان سبب بقاء الاسماء الدينيه لهذه الاحزاب هو البعد الاجتماعى بمعنى ان بنيتها اجتماعيه وليست عقيديه كما انه تاريخيا كان لمحاربه الشيوعيه دور فى اضفاء الاسم الدينى عليها ولكنها فى الاساس علمانيه فاختزال البعض للنتيجه ومطالبته بالمماثله مع الغرب جهل مركب . لقد اجاز الحزب المسيحى الايطالى الطلاق فى اوال السبعينيات كما اجاز الاجهاض بعد ذلك وهو على بعد امتار من الفاتيكان ويحمل اسم المسيح وايطاليا الدوله المسيحيه الكاثوليكيه الاولى فى العالم. فأ حزاب اوروبا المسيحيه اليوم اجتماعية البنيه تاريخية المسمى نظرا لدور الكنيسه التاريخى فى محاربة مايهتك الدين من افات لذلك تجد اسماؤها مركبه من المسيحيه التاريخيه والديمقراطيه المنجزه . فلو تخيلنا افتراضا قيام حزب اسلامى ديمقراطى فى احد دولنا العربيه فأين حظه من اسمه الاسلام لايزال اصحابه يفعلون به الرزايا بينهم البين بل وتحول الى ثنائيات سنه وشيعه نواصب وروافض و العقائد تتكورداخل النفوس لتتحول الى قنابل ومتفجرات بل ان هناك عدة اصناف منه اسلام معتدل واخر متطرف واخر وسطى وكلها تتعارك لو تكونت كأتجاهات يقبل بعضها الاخر لسهل الامر ال اخر هذه الانشقاقات التى لم يضمد جراحها لاالتاريخ ولا الزمن , اما الديمقراطيه فحدث ولاحرج ليس لنا من نصيبها سوى اسمها المبتذل . لو رفعنا العقائد الى مكانها الطبيعى وتخلصنا من الوصايه على الدين وركزنا الى ما يدعونا اليه الدين من جانب اجتماعى وانسانى لامكن التكهن او التخيل بأمكانيه قيام احزاب دينيه اجتماعيا وليس على اساس دينى عقيدى لان خطورة تعريض العقيده للصواب والخطأ سياسيا قد يخرجها من نطاق اليقين الا فى حالة اعتماد برنامج سياسى يترجم مراميها واهدافها فيصبح التركيز على التطبيق وليس النص . التقدم فى هذا المجال مرهون بفهم حقيقى لمهمة الدين فى هذه الحياه ومركزية الانسان كأنسان اولا قبل ان يعتنق اى دين كان وهو دور اجتماعى انسانى فى الدرجة الاولى . فعوده الى ملف الاصلاح السياسى والدينى ولا اقصد مماثلة التجربه الغربيه ولكن لابد من عملية اصلاح برائحة هذا الوطن الكبير وبسواعد ابنائه والغيورين قبل كل شىء على انسانه الذى لم يعد يعرف الابثنائية الثراء والتخلف وبأنه عاله على الامم الاخرى.

الأحد، 3 أكتوبر 2010

طبيعة العقيدة والتداول الانساني

بنية الطائفية
طبيعة العقيدة والتداول الانساني
26 -9 -2010
عبدالعزيز الخاطر
الخروج بالعقيدة من نطاق الذات الى دائرة الغير مكلف وخطير وهو  مصدر الصراع الطائفي الذى يتزايد يوما بعد آخر, حتى داخل الدين الواحد .  صراع العقائد خطير وليس فيه منتصر كالنار تأكل بعضها بعضا . من المفروض أن يكون اتجاه العقيدة الى أعلى وليس الى أسفل. من المفروض أن تتصل بالمصدر لا أن تحتدم  فى الواقع  المتعدد . و حيث انها لا تقبل النقاش فهى بالتالي يجب أن تتماهى فى المطلق لا أن تتكدس  فى النسبي وهو الحياة. أدرك الغرب ذلك بعد الحروب الدينية التى امتدت لما يزيد عن العشرين عاماً والتى اتجهت العقيدة عنده بعد ذلك الى السماء والمطلق وتركت الواقع والنسبي للادارة المدنية البشرية , ليست القضية قضية فصل الدين عن السياسة كما  قد يتصورها البعض بقدر ما هو فهم لطبيعة العقائد . ان محاولة الزج بالعقيدة كيفما اتفق واعتبارها محور الاتصال البشري الانساني أمر غير سديد وفهم ضيق للدين. بل إن تحميل الدين ما يجب أن يقوم به المجتمع كتجمع انساني يطلب السلم والتعايش وضع لا يستقيم وطبيعة الدين والدنيا, نطلب من خطيب الجمعة مثلا  أن يقوم بما من المفترض أن تقوم به المجالس المنتخبة من مطالبة بما فيه خير المجتمع ورخائه كما نطلب من عالم الدين أن يتجرد ليخدم الناس بشكل يعفيهم من القيام بدورهم أو بما هو دور المجتمع المدني أساسا ! وهذا فى حد ذاته  تكريس للعقيدة على أرض الواقع استعداداً للتصادم اذا ما ادركنا الاختلاف الطبيعي وتعدد العقائد ذاتها داخل المجتمع الواحد وهروب أيضا من الاستحقاق الحضاري للأمة بل إن ذلك  يدعو بالتالى الى اخضاع العقائد وادخالها فيما هو نسبي ويتطلب اجتهاداً بشرياً يماشي العصر. كنت حتى وقت قريب أرى فى خطبة الجمعة باعثاً لابد منه لحث وتغيير المجتمع , وأدركت بعد ذلك أننا نرتبط بحالة نفسية أو سيكولوجية مع الخطيب أو مع الداعيه الشيخ ، يمتص من خلالها ما نعاني منه من شكوى ونحتاج بعد ذلك الى جرعات مماثلة كل فترة وأخرى بالضبط كالقائد الكاريزمي أمام شعبه وجمهوره , مع انه من المفروض أن يكون ذلك مسؤولية المجتمع المدني أو السلطة المدنية للمجتمع بما يحقق الأمن والأمان والاستقرار له كتجمع بشري انساني يقوم على حرمة دم الانسان وكرامته وحريته بمعنى أن تناقص الدور المدني للمجتمع يزيد من الدور الديني ورجاله ونفوذهم دونما فائدة تذكر لأسباب عدة منها الشخصي ومنها العام المترابط.
الخطورة اليوم تتزايد بقدر ما يتزايد انفصال العقيدة عن الواقع الانساني بل قيامها بديلاً عنه من المستحيل أن يختزل المجتمع فى العقيدة , لقد اعتنقت الامبراطورية الرومانية العقيدة المسيحية بعد فترة طويلة وجاء الاسلام للعرب فى شبه الجزيرة وتغلغل بسماحته لا بحديّته وانتشر بل إن انتشاره تاريخياً كان كدين “ليّن” كما يشار أحيانا أكثر من انتشاره كدين “صلب”.
فالأصل أولا فى الذات الانسانية وكرامتها واحترامها لجميع العقائد والأديان. ان محاولة السب والطعن واتهام العقائد الأخرى بالمروق ومهاجمة ما يعتنقه ويحترمه الآخرون ليس من الدين فى شيء  بل هو داء الأمة الذي لم تستطع معه انفكاكاً وهو ما يؤدي الى  ما نعانيه من استمرار  لتغلب السياسة وأبعادها ومن التحام بينها وبين من يخدم مصالحها, لماذا ؟ لأننا جعلنا من العقائد وسيلة وأسكناها في غير موضعها وبدلنا من اتجاهها الطبيعي.

“استقيموا يرحمكم الله”

  “استقيموا يرحمكم الله”
عبدالعزيز الخاطر
12 سبتمبر 2010

يأمر الامام من خلفه بالاستقامة لتتم شروط الصلاة , الاستقامة هى أقصر الطرق للوصول الى الهدف والخط المستقيم أقصر الطرق بين أي نقطتين,  أهمية الاستقامة كبيرة في أي عمل بل فى الدنيا كلها , الاستقامة باعتبارها معياراً لجميع  الكون شرط أساسي  للبقاء وليس فقط لحياة الانسان. استقامة السماء والأرض  والجبال والأنهار كلها على قدر من الاستقامة  لا تملك في ذلك شيئا ! وحده الانسان له الحق فى أن يستقيم أو ألا يستقيم. ليس الجميع على مسافة واحدة من الاستقامة أو القدرة على اتيانها, هى أمر كبير برغم بساطتها إلا انها ثقيلة على النفس البشرية ما لم تتجرد , لم يستقم من يسرق, ولم يستقم من يخدع  أو يكذب , لم يستقم من يجعل المنصب أساسا للثراء الشخصي على حساب المجتمع ,  لم يستقم من يأتي على أرزاق الناس بالحق أو بالباطل, لم يستقم من يصلي حتى يقال عنه ذلك فقط , لم يستقم من يجعل الدين سلماً لهدف دنيوي, لم يستقم  من تمكنه قوته من أكل مال اليتيم والمحروم والعاجز, لم يستقم من يأكل أموال الناس بالباطل, لم يستقم من يستبد بأمر المسلمين دون رأيهم ومشورتهم, لم يستقم من لم يحكم بالعدل , لم يستقم من لا يراعي حرمات الله والمسلمين.لم يستقم من لا يرحم الضعيف والمسكين والقريب والرحم, لم يستقم من يمشي على الأرض متجبرا ومختالا, لم يستقم من يعتقد بأنه فوق البشر بماله أو بنسبه أو جاهه, لم يستقم من لا يراعى حدود الله وحق البشر. حالات عدم الاستقامة  كثيرة وليس الهدف  الدعوة الى دنيا ملائكية فنحن بشر نستقيم ونميل كذلك ولكن على قدر المسؤولية تتحدد أهميه الاستقامة , فلو استقام البعض لما سرق البعض الآخر, ولو استقام الجزء ما تجرأ الكل على الانحراف ولو استقام الفرد فينا لادركت استقامته المجتمع ككل. نحتفظ ببطاقات الائتمان فى جيوبنا  خوفا من التأزم وقت الحاجة  والاستقامة فى ذاتها بطاقة ائتمان ولكنها مختلفة لأنك لست أنت من يسددها لاحقا  بل هى مضمونة السداد فى يوم لا ينفع فيه سواها بل انها ضريبة النجاة على الصراط فمن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا.
 هل أدركنا الآن سهولة الاستقامة حينما يطلبها الإمام خلفه وصعوبتها عندما تستفرد بنا الحياة وزينتها إلا من عصم ربي ، واعتبر أن الدنيا كلها صلاة !

العائدون الى التراث اقتناع أم هاجس رحيل؟

2010 / 9 / 18
يختلف الراحل أركون عن سابقيه بوقت قصير وهما نصر حامد ابو زيد ومحمد عابد الجابري فى أنه جاء الى التراث من خارجه وبأسلحه أكثر فتكاً , فى حين أن أبوزيد اعترف أنه ينقده من داخله وكذلك الجابري الذى اتجه به غرباً بشكل أقل حديةً محاولة منه للاستفادة من حفريات فوكو ومدرسة الحوليات التاريخية. فلو حاولنا ترتيب الثلاثة قرباً أو بعداً من التراث من خلال دراساتهم فسيأتي أبوزيد ومدرسة المعتزلة التأويلية ومجازية الجرجاني فى المقدمة وبعدها الجابري ومزجه وأخيرا أركون والسيميائية والفلولوجية وما طبقه من ألسنيات على النصوص .
ما أريد الاشارة اليه هنا ليس تلك الفروق بين باحث وآخر أو تكفير أحد دون غيره كما نشاهد اليوم فطالب العلم لا يكفر ومن رزايا الأمة اتباعها لأقصر المناهج لوأد العقل باسم الخوف على العقل وباسم الخوف من الفتنة. ما يحسب لهؤلاء الباحثين هو تضحيتهم وصبرهم ومكابدتهم وانعكافهم على البحث وانشغالهم بأمور أمتهم حتى آخر رمق من حياتهم. و كم كابد أبوزيد وكم شتم أركون وكم انتقد الجابري بل كم كفروا وأخرجوا من الملة وهم أحياء يرزقون.
ان ثقل التراث العربي والاسلامي وتماسكه ونقله من جيل الى جيل جعل من محاوله دراسته وتفكيكه أمراً شبه مستحيل ومن يقوم به يعد منتحراً قبل يومه فى حين يرفل ناقليه إلينا يوميا بغثه وسمينه فى بحبوحة من العيش ورغد ما عليهم سوى ترديده واجتراره . سطوة الجانب الاجتماعي كانت كبيرة على من يحاول الفرز وإعمال العقل وأساليب البحث والتقصي الحديثة كالتي استعملها أركون والجابري وحتى تلك التى استعملها أبوزيد وهى من داخل التراث الاسلامي إلا انها وئدت مبكرا وتسلط التقليد بعد احراق فكر ابن رشد وكتبه.
ما ألاحظه هنا وأتساءل عنه هو : هل عاد من عاد من هؤلاء المفكرين الى التراث حاكماً لا بديل عنه ومحاولة التصالح معه اقتناعاً منهم أو مجاراة لمرحلة عمرية بدأت بالتمرد ومن ثم بالانصياع كالشمس عند غروبها تخفت أشعتها. من هؤلاء المفكرين طه حسين صاحب الشعر الجاهلي ومحمد حسين هيكل ودعوته للتغريب وزكى نجيب محمود وخرافة الفكر الميتافيزيقي والمسيرى كذلك ومن الأحياء محمد عماره ماركسي البداية وغيره ، كلهم عادوا الى حظيرة التراث واستكانوا بعد ثورة. لعل العديد منهم تعاضد السن والمجتمع على ايوائه داخله والله أعلم, ولكن من يلتزم قناعته أولى بالتقدير وإن لم ينصف فى حياته. ولكن القاعدة لاتستقر الا ببعض الشذوذ برغم استكانة التاريخ والجغرافيا وحياديتهما فمن قلب البيئة النجدية القصيمية الوهابية خرج عبد الله القصيمي شاهرا سيفه على التراث مقطعا أوصاله بعد أن تشربه حتى الثمالة.
 نحن بحاجة الى مدرسة جديدة فى التاريخ لا يقوم فيها الماضي مقام الحاضر ولا يبرز الحاضر حكماً لما قد يفرزه المستقبل إلا بما قد يحفظ للانسان كرامته وحريته وسيادته وخلافته لله على هذه الأرض.


احراق القران والحقيقة الايمانية

احراق القران والحقيقة الايمانية
عبد العزيز الخاطر
2010 / 9 / 10
ردود الفعل على نية القس الامريكى صاحب الكنيسة الصغيرة فى أطراف ولاية فلوريدا احراق القران الكريم ، كشفت عن وعى رسمي غربى واستنكار صارخ لدى جميع المسؤولين الغربيين بما فيهم رجال الكنائس الكبرى لمثل هذا العمل الشائن وهو أمر جيد ويحسب للاسلام كدين شامل وينتشر انتشار النار فى الهشيم
وبالطبع أن يكون الرد العربى والاسلامي من الادانة والشجب ، يحمل الكثير من الالم والاستنكار بما يتفق والنص السماوي الالهي الذى يجمع أصحابه بأنه النص الوحيد الذى لم يشوه ولم يأته الباطل من خلفه أو من بين يديه.
ما لفت نظري ليس ما سبق لأنه متوقع من أي مجتمع أو نظام يحترم الاديان وأصحابها وخياراتهم ولكن هو فى عدم فهم الكثير من شيوخنا وخطبائنا لحقيقة الايمان نفسه . لقد حضرت لأكثر من خطيب دعا الله عز وجل وهو صادق فى أن ينزل عقابه الآنى والسريع على هذا القس وفى التو والساعة والا يمكنه من اتمام عمله, أتفهم غيرة هذا الخطيب او ذاك وحرصه وخوفه على قرآنه . ولكننى اعتقد أن مثل هؤلاء أغفلوا أمراً هاماً وجوهرياً جداً وهو أن الحقيقة الايمانية حقيقة مفتوحة الى أن تقوم الساعة وليس فيها اجبار ويقوم على ذلك بالتالي عدالة الحكم فى اليوم الآخر. وتناسى هؤلاء بالتالي كذلك انه لو تم ما أرادوا حرفيا من انتقام فوري من هذا القس لانتفى بالتالي حقيقة الايمان الاختياريي ولأصبح الايمان بالاسلام بالذات عملا اجباريا وغفلوا أن مثل هذا الامر لو تم يتنافى والارادة الالهية.
لو أراد الله لآمن كل من على الأرض قال تعالى " إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ " (الشعراء)
اذاً ليست العبرة بانزال الانتقام فى التو واللحظة فلسنا فى زمن المعجزات وأهلها وليس فى الدعوة لذلك وتجييش النفوس كما حصل فى أزمة سليمان رشدى والرسوم الدنماركية وفى كلا الأمرين فشلنا ، وفشل فقهاؤنا وغضبنا ثم سامحنا بل وسمحنا !
لو أن الجهات الرسمية الغربية تواطئت أو تقاعست أو شجعت لأمكن الدفع رسميا بممارسة نوع من الضغوط عليها ولكن ذلك لم يحصل. فالمطلوب اليوم ترشيد ردود الفعل الاسلامية وما يتفق وحقائق الدين والشعور بصلابة ما يقفون عليه وما تحمله صدورهم. ثم دعونا نفترض أن هذا القس أحرق القرآن ولم يصبه شيئا وعاش سعيداً واغتنى وهو أمر قد يحدث لأن فى الأمر جانباً مادياً على ما أعتقد فأين دعاؤنا ودعواتنا وأين الخلل؟ طبعا الخلل فينا لأننا لم نفهم حقيقة الايمان وبأنه عمل مفتوح ويسبقه اختبارات وابتلاءات كثيرة تصيب الفرد والأمة والتاريخ يحكي ما تعرض له القرآن والبيت الحرام ولا يذكر أن تدخلت ارادة حاسمة سوى في عام الفيل ضد ابرهه ، وهو عام مولد الرسول أي قبل الاسلام
اذن , لا يزال الجانب الدعوي متخلفاً وأصحابه جلهم لا يتفقون والفهم الحقيقي للحقيقة الايمانية ويعتقدون بأن الأمور تلقى هكذا وان كانت تتضاد وسنن الله فى الكون التى جعلت من الدعاء سبيلاً أخيراً بعد جميع الاسباب بما فيها حقيقة الفهم للدين نفسه. ان حقيقة الدين المنفتحة الاختيارية تتطلب مثل هذه الاختبارات وقد يأتي أمر أدهى وأمر ولكن الواثق لا ترعبه ولا تزيغ من بصره وإن دعا فإنه يدعو بما يتفق وحقائق الدين وحقيقة الدنيا أيضا كدار ابتلاء و لا يتعجل الدعاء انتصاراً لفهم ناقص أوعمل منقوص ويتوقع أن تبكى معه السماء أو أن تنشق الأرض لطلبه !


الادارة وفائض الوظيفة

الادارة وفائض الوظيفة
عبد العزيز الخاطر
2010 / 9 / 5
فضاء الحالة الابداعية وقيود المنصب
ماعلاقة الابداع بالمنصب؟ اذا اتفقنا أن الادارة علم وفن فما الاضافة التي يمكن أن يقدمها الفن للمنصب. راودتني مثل هذه التساؤلات وأنا أتتبع ما كتب عن الراحل غازى القصيبي رحمه الله . لواستثنينا القصيبي كحالة ابداعية لما كتب عنه الا اليسير كمسؤول أو وزير فحتى انجازه الوظيفي كان انعكاساً لحالته الابداعية . شفافية المبدع تجعل من المنصب حقل ابداع ومستودعاً من العلاقة الانسانية. نبحث دائما عن الكفاءة وهو أمر مطلوب لكن لا يمكن توظيفها بشكل جيد ما لم يتحول الى حالة ابداعية أو أن يرزق صاحبها ملكة الابداع.
 الامثلة كثيرة فى جميع الدول. حدود السياسة قاتلة وقيودها ضغط لايحتمل وحده صاحب الملكة الابداعية يستطيع أن يحول المنصب من مكتب بيروقراطي الى ملتقى حوار وتبادل للرأي وإن لم يمتلك القرار الفصل. قضية المعاملة التى أشار اليها القرآن وربطها مباشرة بالدين فيها اشارة واضحة لتميز أصحابها لانها فى الأساس حالة ابداعية لذلك اختصر الدين كلها بأنه المعاملة . كم مر على المناصب من رجال وكم طاف بالكراسي من مسؤولين ولكن لا يذكر التاريخ الا المبدعون . الابداع فى أساسه تجلٍ للحالة الانسانية التى قد تصدأ بفعل نوازع النفس البشرية وانقلاب الشهوة على سمو النفس وشفافيتها.
حدثني العديد ممن ساقتهم الظروف للعمل مع عدد من المبدعين فأشاروا الى أن قسوة العمل وتراتيبية وحتى الغربة كان وهجها خافتاً بقربهم .
 الابداع هو فائض الوظيفة المطلوب , لا أدعو الى اغفال العوامل الأخرى ولكن اذا وجد الابداع والكفاءة كان الأمر فى منتهاه. بالمقابل لابد من الاشارة الى أن المنصب فى أحيان كثيرة طارد للحالة الابداعية لأنه قد يكون من الصلابة والدوغمائية بحيث يعمل على قتلها أو تدجينها, هناك من المبدعين من يرفض المنصب وهناك من يحاول تثقيفه وهناك من يأمل فى اصلاحه . على كل حال. الجميع يحمل ما يبرره.ولكن تبقى الحالة الابداعية أقوى من المنصب لأنها تمثل كينونة الفرد حتى مع انحيازها السلبى فى بعض الاحيان, فتأييد هايدجر مثلا للنازية لم يقلل من عبقريته مثلا ودعم هيغل لغزوات نابليون لم ينقص من مكانته الفلسفية . الابداع أقوى من الوظيفة مهما حاولت هذه الاخيرة أن تحاصره أو أن تلجمه وأن تحد من قدرته على التطلع الى داخل الانسان بعيداً عن شكلانية المنصب وجدران المكاتب.
ومجتمعنا الصغير ليس استثناءاً فالحالة الابداعية لدى العديد ممن تسلموا مسؤوليات ومناصب كالدكتور حجر والدكتور كافود والدكتور حسن نعمه , شهد العديد ممن عاصروهم عملياً بأن العمل معهم كان فناً بامتياز, فى حين لو رجعنا الى تقاليد المنصب لتحول الأمر الى سجل للحضور والغياب وتجهماً وعبوساً وربما تكبراً .. لزوم المنصب ذاته.
عليكم بالحالة الابداعية ما أمكن فإن افقار الوطن الحقيقي فى اهمالها بل انه ليس من حسن السير فى الأرض والتفكر، تغييبها أو تجاوزها.



فى وداع التعليم العام

فى وداع التعليم العام
29-8-2010
عبد العزيز الخاطر
سألني أحد أبنائي مرة وكان طالباً فى مدرسة خاصة ذات منهج مزدوج
"يبه" لماذا نكره الامريكان؟ ونقلت إلي ابنتى الطالبة فى مدرسة حكومية سؤال صديقتها لها: ما الملائكة؟ وكانت صديقتها طالبة فى مدرسه خاصة ذات منهج اوروبي خاص.
وشكا لى أحد أصحابي أن ابنه الطالب فى احدى المدارس الدينية دائم التساؤل عن الغرب الكافر ومحاولته التغلغل فى مجتمعاتنا
كانت هذه الاسئلة فى فترة التسعينيات الذاهبة مع بداية تكاثر المدارس الخاصة وتراجع التعليم العام الذى نشأ عليه أجيال الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات.
اختلف التعليم فاختلفت الأسئلة. كان التعليم السابق يطرح أسئلة من نوع آخر تتعلق بوجود الأمة.
السياق المعرفي لتلك المرحلة تطلب اجابة عن أسئلة من نوع خاص بها
فكانت الاجوبة من نوع نحن أمة واحدة نرتبط بمصير مشترك نرفض الاستعمار والهيمنة الاجنبية ولابد من تملك ثرواتنا بأيدينا.


اختلفت المدخلات اليوم فاختلفت المخرجات أي الأسئلة فكانت من طبيعة ما طرحه هؤلاء الطلبة.
فى غياب الأسئلة الكبرى وسياقها المعرفي تملأ الفراغ الأسئلة الصغرى التى تعنى بالتفاصيل حيث يعشش الشيطان.
على كل حال ليس الخوف من تعدد المناهج ولكن على الواقع من أن ينتج استعداده وقبوله لهذا التعدد أولا وإلا قد تتحول الأسئلة الى أسلحة عليه.
 اذا لم يعد " الواقع " يحتمل تعدد الأجوبة وأصر على أن يكون الجواب واحداً ومحدداً سلفاً فعليه اذن أن يوقف تدفق الأسئلة ما أمكن أو ألا يستوردها على الاقل رسميا.
 فى حر صيفنا الغائظ وعندما آوي الى فراشي ظهرا للقيلولة استشعر برودة (المكيّف) واستشعر أهميه وجوده وأولويته فى هذا الوقت وأحيانا ولاشعوريا أدعو لمن ساهم فى ابتكاره بالرحمة ودائما ما يأتينى التنبيه من قريب " لكنه كافر" ! . وادرك ساعتها سهولة أن نستورد المادة وصعوبة بل استحالة أن نستكين لفكر أو نظريه ما لم ينتجها واقعنا .
 وما الديمقراطية المذبوحة على حدودنا الدموية إلا شاهدا على عدمية استيراد المنهج دون الحرث لعله يستنبت استنباتاً برائحة أرضنا أو نجد له بديلاً.


عقلية -الفداوي- المعاصر

عقلية -الفداوي- المعاصر
عبد العزيز الخاطر
2010 / 8 / 15
الاقتصاد الريعي ينتجها والمجتمع الطبقي يتبناها
لا أعرف أصلاًً لهذه الكلمة . ربما من فدى يفدي فداءً ، أو ربما تحريف شعبي لكلمة فدائي. " الفداوي " شخصية ارتبطت بتاريخ الخليج وربما هناك مثيلاتها في الثقافات الأخرى . وهو الإنسان الذى يتبع شخصية كبيرة مرموقة سواءً أكانت أميراً أم شيخاً أم مسؤولاً كبيراً ويأتمر بالتالي بأوامره وينتهي كذلك عن نواهيه نظير أجر من المال . وهي تختلف عن الخادم الرسمي حيث لا تحتاج الى أي مستندات رسمية لتوظيفها . ولا ضير من هذا كله ، فمرحلة انتشار هذه الشخصية حكمتها الظروف الاقتصادية الصعبة السائدة آنذاك . إلا أنها موجودة حتى وقتنا الراهن ولكن في نطاق أضيق مما كانت عليه في السابق . وهناك رجال أشاوس من أبناء الوطن تقلبوا في هذه المهنة في السابق فلا يُعد ذلك نقيصة ً أو عيباً خاصةً إذا كانت كرامة الإنسان مصونة حيث العلاقات أصلاً في مجتمعنا الخليجي مترابطة نظراً لقرابة الدين والنسب . ولكن أن تكون هذه العقلية بطبيعتها اللاحوارية وطاعتها العمياء برغم عدم الاقتناع هي مقياس ومعيار الحراك الاجتماعي في المجتمع والارتقاء الى الأعلى في زمن العلم والتخصص . فالأمر إذن ينبئ عن خلل في نظام المجتمع الاجتماعي وعليه بالتالي أن يعيد ترتيب أوراقه وإلا فلتقفل أبواب المدارس والجامعات ونوفر على ميزانياتنا المرهقة أصلاً مزيداً من الضغوط والعجز ، والأنكى من ذلك عندما يضطر المتعلم إلى تقمص عقلية " الفداوي " هذه ويلغي بالتالي بقناعاته وأفكاره جانباً ويدوس على سنوات دراسته ويتحول بالتالي الى ( فداوي) عصري ليتحسن وضعه وتشرق بقية أيام حياته ، فلذلك فإن مساحات التهميش في مجتمعاتنا الخليجية كبيرة جدا وتزدحم بالعقول والخبرات ذات الدرجة العالية من الوعي أما أنها لم تستطع مجاراة ذلك لقناعاتها وأما أنها لا تعرف أصلاً الطريق إلى ذلك لأن طبيعة تلك الشخصية تتطلب استعداداً فطرياً ومواصفات خاصة . إن المجتمع لـه من القوى الضاغطة الشئ الكثير ويفرز بالتالي إفرازات تتناسب مع كل حقبه زمنية وهذه الشخصية هي إحدى إفرازات المجتمع القبلي في حين أن مجتمع الطوائف يفرز ميليشيات والمجتمع العسكري يفرز نخباً عسكرياً وهكذا . أعتقد أن فضيلة الحوار لم ينتجها مجتمعنا العربي الآن برغم وجود قيادات للأمة عبر تاريخها آمنت بالحوار إلا أنها لا تعد مقارنة بتاريخها الطويل فأحادية الرأي وتهميش الأغلبية هي السمة الغالبة وعندما تشيع ثقافــــــــــــــــــة " الفداوي " وخصائصها المذكورة في المجتمع ومؤسساته تحت مسميات حديثه تصبح الخسارة مضاعفه . إن فترة بزوغ تيار العلم في دولنا الخليجية كافيه للأخذ به كمعيار أساسي وربما وحيد للحيازة على الثقة والاستشارة . فإسداء الثقة للمتعلم والمثقف أمر هام للاستفادة منه واخلاصه بالتالي لوطنه ونظامه حيث أن مرحلة الانتقال والتحول للمجتمعات تتطلب تضحيات لا يقدمها إلا أصحاب القناعات الراسخة وهذه ليست خصائص تلك العقلية المسطحة . فمجتمعاتنا بين أمرين في غاية الخطورة ، الأول في اعتمادها على الريع النفطي الذى ينتج ويعاود إنتاج نفس الشخصية ولكن بصورة معاصرة والآخر في تبني خصائص هذه العقلية ولو تحت غطاء عصري حيث قد يحمل صاحبها اليوم أعلى الشهادات أكبر الجامعات ولكن لـه نفس الآلية والميكانيزم لاعتقاده أن ذلك ما يتطلبه العصر المعاش للانخراط فيه فلابد إذن من تغير ثقافة المجتمع ككل واعتماد الإنتاجية كمصدر لإفرازات جديدة . ما يجدر الإشارة إليه إن دول الخليج حالياً تسعى لتوسيع دائرة الحوار والتشاور مع أصحاب المشورة والرأي ولكن الإحساس بأهميتهم ربما يتطلب تغيراً في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع ولتبقى تلك الشخصية التاريخية ضمن إطارها الذى خلقت من أجله وتبقى بالتالي الأمور لأهل الرأي ما صلحت .



تسليع الدين والسوبر ماركت الرمضانية


تسليع الدين والسوبر ماركت الرمضانية

9-8-2010
عبد العزيز بن محمد الخاطر

يأمل بعض مفكري الغرب أن تستطيع الرأسمالية مع موجاتها المتعاقبة وفي صورة متقدمة من صورها الاستهلاكية أن تحتوى الدين بصورة أو بأخرى لكي يمكن تقديمه حسب الطلب وحسب المواصفات التى يريدها المستهلك حين يتجول فى السوبر ماركت ليختار ما يريد من بضاعة حسب ذوقه وشروطه وقدرته المادية.
لك ان تتصور ياسيدى ان بامكانك أن تختار من الدين ما يناسب ميولك ونظرتك للحياة طالما أن الدين اختياري والعقيدة ليست اجبارية .فأنت بالتالي أمام تنوع مدهش , هذه النظرة الاختزالية التى تستبعد الجانب الروحى كجانب أساسي له مدخلات التى قد لا يمكن حسابها أو يستحيل حسابها مادياً وانما هي هوى يستقر فى النفس لتتحرك به الأعضاء , يعتقد البعض انه بالامكان تحويل الجانب الروحى الى مجال اختيار مع الوقت .

اعترف بأن هناك تقدما مع الوقت فى هذا المجال حققته القفزة الاعلامية المتطورة يوما بعد آخر مع القنوات الفضائية ووسائل الاتصال الأخرى المتكاثرة بجميع الأشكال, أصبح بامكانك أن تختار داعيتك المفضل حسب الطلب بالشكل والصورة والأسلوب الذى تحب والوقت الذى تريد كذلك .
ويمثل شهر رمضان السوبر ماركت الكبير لمثل هذا الاختيار فدعايات البرامج والمشائخ تحتل الصحف والمجلات قبل الشاشات , أليس هذا يعد تقدماً فى سبيل تسليع الدين وادراجه فى السوبر ماركت مع البضائع الأخرى.هذا على الأقل فيما يتعلق بمجتمعاتنا الاسلامية أما المجتمعات الأخرى فالأمر أكثر تقدماً منذ زمن فحين استعصى على أحد ملوك بريطانيا الزواج انتقل الى عقيدة داخل الدين المسيحي أو بالأحرى أنشأ عقيدة أخرى وسماها الكنيسة الانغليكانية.
عندما يعتقد البعض أننا نعيش للدين وليس بالدين يصبح فى الأمر معضلة . الدين جاء لتخفيف معاناة الانسان ولارشاده لما يسعده فى هذه الدنيا. الدين جاء لنحيا به لا من أجله الى أن تحين النهاية . النظرة لتسويقه جاءت لاعتقاد الغرب وليس كله بالطبع أنه فى مواجهة مع الاسلامي هكذا خيل له أو جعله البعض يتصور ذلك نتيجة سوء العرض لهذا الدين الانسانى الخاتم.
 أعتقد ما لم تكن لدينا القدرة لاظهار الاسلام كما أراده الله رحمة للعالمين فعلينا وزر أما اذا عرضناه بما يخالف ذلك فعلينا وزران.
واعتقد أن من أول بدايات دخولنا عصر التسليع الديني لاشعوريا هو التركيز على رمضان والقنوات الفضائية والتسابق على عصرنة الاسلام بحجة أو بأخرى وتكاثر الدعاة بين ظهرانينا فى حين أن فى شبابنا وبدايات النهضة فى دولنا فى الستينيات وأوائل السبعينيات كان الدين كالهواء النقي نتنفسه ونسعى اليه ونعيش به ونحن لا نملك قناة واحدة ولا سوبرماركت من حولنا وكان شيوخنا هم أباؤنا وأجدادنا فلم نشعر بغربة الاسلام ولا بزيه المحدد ولا بأنيابه التى اصطنعوها
اللهم اغفر لنا ولوالدينا فى الشهر الكريم



فى مديح مجتمع المناسبات

في مديح مجتمع المناسبات
عبد العزيز الخاطر
2010 / 7 / 18
مفهوم المصلحة العامة أكثر شمولية
فى مديح مجتمع" المناسبات" الاجتماعية
تشكل الوعي المجتمعي بعيدا المصلحة العامة يدخله فى اطار مجتمع المناسبة بامتياز, بمعنى انه يخفي مايمليه عليه وعيه فى عقله الباطن أو فى اللاوعي بقدر ما ينساق الى شكلانية ما يفرضه عليه واقعه من مسايرة . تشكل المناسبة الاجتماعية مظهراً اجتماعياً كبيراً فى مجتمعاتنا لأهميتها بل انها تعتبر معلماً تنفرد به هذه المجتمعات دون غيرها فهى رمز للتآلف والتآخي والترابط بين أفراد المجتمع , وهى من لبنات المصلحة العامة بلا شك ولكن عليها ألا تكون هى كل ما يمثل المصلحة العامة. لأن مفهوم المصلحة العامة أكثر شمولية من مظاهر المناسبات أيا كان نوعها , فى المناسبة تشيع ثقافة غير ناقدة بحكم المناسبة وتحتمل التماثل والتجامل والتسامح الى حد الانصهار أو الانسحاب , فى حين أن المصلحة العامة قد تقتضي المصارحة والنقد والاختلاف فلذلك من الضروري تواجد مجتمع المصلحة العامة ومناسباته الى جانب مجتمع المناسبة الاجتماعية وثقافته . انفراد الأخير بالمجتمع يحوّله الى قشور غير معبرة عن واقعه الحقيقي وبالتالي يفتقد المجتمع نقد الذات والتطور , فتشيع بالتالي ثقافة الصورة الجامدة لشخوصه كالتي نشاهدها فى الأعراس وتتشابك الأيدى وكأنها فى الصلاة دلالة على الالتزام بالمناسبة وعدم الخروج عن المألوف بعيدا عن ثقافة الرأي والحركة.
المنهج الجدلي الذى يفرز من النقيضين رأياً جديداً غائب تماما عن مجتمع تنفرد به فقط المناسبة الاجتماعية, حتى المنهج القرآني لا يعول على الثبات الذى يقوم ويرتكز عليه مثل هذا المجتمع . هذا المجتمع سيظل ناقصاً ما لم تتزواج المناسبة الاجتماعية وثقافتها بثقافة المصلحة العليا الناقدة التي تتجاوز الأفراد الى مصلحة المجتمع ككل وتتحول بالتالي هذه الثقافة الى مناسبة اجتماعية وتبدو صورها مختلفة تظهر فيها الحركة والمناظرة والحوار. تشيع اليوم فى جرائدنا نقلاً للمناسبات الاجتماعية وبالأخص مناسبة الزواج والصورة وحدها قد تحكي ثقافة المجتمع وتحكي حراكه وحيويته. قطر اليوم تعيش الدوحة عاصمة للثقافة العربية وقد تصرم نصف العام ولا تزال المناسبة الاجتماعية وثقافتها التشابهية هى المسيطرة حتى فى عام الثقافة وهو أكثر الاعوام الذى منعت فيه مقالات رأي ,أي انتصار لثقافة المناسبة الاجتماعية الجامدة أكبر من ذلك.
مفهوم المصلحة العامة مفهوم جلل بل هو ثقافة بحد ذاته وهو فسيفساء لا يعرف الاحتكار لفئة دون غيرها ولا يعرف الثبات بحكم تغير الظروف والأحوال ولا يغني عنه ولايمثله شكلاً أو مظهرا ًواحداً تحتدم فيه الآراء والتوجهات لتنصهر أخيرا فى هدف أسمى هو مصلحة الوطن أي أنه مفهوم ديناميكي صورته متحركة غير ثابتة تقبل الرأي والرأي الآخر. والى أن يشيع مثل هذا المفهوم ويصبح ثقافة معاشة لا مستهلكاً اعلامياً سنبقى مع مجتمع المناسبة الاجتماعية وقدسية صوره الجامدة التي لولا العنوان لما عرفنا المناسبة ولظننا بأن الجميع فى صلاتهم قائمون.

دوران النخب

دوران النخب
عبد العزيز الخاطر
2010 / 6 / 27
دم الديمقراطية ومصل حياتها
من مشاكل الديمقراطية المنقوصة , عدم دوران النخب ، فالشخص المؤهل الذى لا تتوفر فيه مواصفات اجتماعية معينة كأن يكون عرقياً من طبقة أقل , لا يمكن له الصعود إلا فى فلك ودائرة معينة , نظام الكاست هذا CASTE
موجود فى " الهند" ومع ذلك توصف بأنها أكبر ديمقراطية فى العالم أو هى كذلك فعلا.
ولكن ما أهمية أن يكون هناك دوراناً للنخب . السبب ان اكتمال الدوران هو اكتمال الحلقة الديمقراطية والا أصبح الأمر ديمقراطية فئوية كالتي نشأت فى أثينا فى مستهل تاريخها, للسادة دون العبيد. , والنخبة لا تحمل دائما المفهوم الايجابي حيث هناك نخبة لجميع مستويات المجتمع التراتيبية القانونية منها وغير القانونية , فهناك نخب من اللصوص ونخب من الحرامية ونخب بين الشاذين كما صنف ذلك عالم الاجتماع الايطالى" باريتو"
ولكن الأهم كيف يمكن لهذه النخب المستبعدة نتيجة لسبب ما سواء أكان ماديا أم عرقيا أم حتى أخلاقيا من التغلب على صعوبة الدوران أو عدم تحققه أو عدم قبول مجتمع ما به ضمن الدائرة الديمقراطية المتاحة. الجواب على ذلك من خلال, من خلال مؤسسات المجتمع المدني وفى مقدمتها الأحزاب التى من المفروض أن تكرس مفهوم قيمة الانسان من خلال أدائه وليس من خلال أي بعد آخر يتعلق بسلوكياته أو بأصله, هناك من يقاوم ذلك حتى داخل أكثر المجتمعات ديمقراطية ولاحظنا كيف كان انتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحده حدثاً تاريخياً بامتياز بعد طول معاناة وصبر وتضحية.
الجميل فى الديمقراطية أنها مفتوحة الرهان فهى ليست ثابتة ثبات العقيدة, لقد كانت ديمقراطية بريتوريا فى جنوب أفريقيا ديمقراطية للبيض مقفولة الدوران لا يأتيها السود لا من بين يديها ولا من خلفها , لكنها سقطت أمام خيار التاريخ القائم على سنة الدوران والتبادل. ما تعانيه ديمقراطية الكويت اليوم وربما معظم دول الخليج مستقبلا هو بالضبط ؛ عدم دوران النخب. وبالتالى تصبح هناك نخب متصارعة فى نفس المكان لا تتجاوزه لأن السقف محجوز لنخبة معينة وبالتالي كل نخبة تنتج نخباً مقدّرة المصير والمستقبل سلفاً.
ان وعاء انصهار النخب هو مؤسسات المجتمع المدني وفى مقدمتها كما ذكرت الاحزاب السياسية واغفال هذا الجانب لا يحل الاشكال بل يؤجله ويؤجل مستحقاته .ان تأجيل الاستحقاق الديمقراطي للشعوب أخرجنا كأمة من التاريخ , فى حين تأجيل أو تعطيل دوران النخب داخلها سيفرغها من محتواها اذا تم ذلك الاستحقاق ويعود بها الى المربع الأول بل وقد يسلخها من ردائها لتبدو للجميع شيئا آخر يحتمل كل تسمية الا أن تدعى ديمقراطية.




تجديد أم تمديد

تجديد أم تمديد
16 يونيو 2010
عبدالعزيز الخاطر
والممارسة الطريق الوحيد
تدور فى المنتديات هذه الأيام نقاشات حول الديمقراطية ومجلس الشورى المرتقب ويشعر البعض بالاحباط للتجديد للمجلس المعين حاليا, بالرغم من أن معظم هذه الحوارات تدور بأسماء مستعاره شأن المنتديات الا ان يمكن تلمس بعض الخيوط الدالة على  خطوط الرأي العام وردة فعله حيث يبدو التعبير فيها أكثر جرأة لكونه تحت اسم مستعار ربما ولامتناع الصحف عن نشر بعض ما أعيد نشره فى هذه المنتديات
على كل حال , يمكن الاشارة الى بعض النقاط  التى شكلت معظم اتجاهات هذه الحوارات منها:
أولا: اننا نتحاور فى الماضى فى سلم العصر المعاش حيث قضية الديمقراطية لم تعد شغل العالم الحاضر اليوم وانهم حين يطرحونها لشعوب معينة ومجتمعات معينة ذلك لمحاوله منهم لاعادتها الى العصر ودفعها اليه وبالتالى تكون محاولاتهم عبارة عن اسقاطات لماضيهم على حاضرنا لتساوي الجانبين لأننا نعيش ماضيهم مع استحكامات أقوى وأنساق أشد قوة ولا فواصل ولا نسبية معتبرة فيهما
ثانيا: فى اتجاه معاكس لحركة الديمقراطية التاريخية يجرى انزال الديمقراطية  من الاعلى للاسفل وليس العكس كما تحكى  أو يحكي تاريخها وهو أمر يجعل منها  وصفة خلاصية مشكوك فى فعاليتها عند البعض بينما يتشربها البعض الاخر تودداً واندماجاً كآليات وليس اقتناعاً ومعايشة.
ثالثا: الرأى لايصبح رأيا فاعلاً الا إذا اعترف به الآخر ولا يعنى ذلك الاقتناع به فالآراء المطروحة فى هذه المنتديات لا تعتبر رأياً ما لم يعترف به وينعكس هذا الاعتراف على المجتمع بصورة أو بأخرى.
رابعا: الوجود الثقافي او المعنوي للمجتمع تعكس وجوده الديمقراطية فلا وجود معنوي لأي مجتمع غير ديمقراطي ويتبقى فقط وجوده المادي الذى يشترك به مع باقي المخلوقات.
خامسا:  تختلف مجتمعات الخليج فى قوة طلبها الفعال على الديمقراطية إلا أن مبادرات السلطة لها قصب السبق والتحكم فى ذلك.
سادسا: يتخوف الكثير من اعادة التجربة الكويتية مع أن شعوب الخليج تشترك فى الكثير إلا أن هناك اختلافاً فى سيكولوجياتها ، كل على حدة فالامارات مثلا ليست الكويت وأهلها سيكولوجياً ، وقطر ليست البحرين أيضا . الأمر له علاقه كذلك بمكونات كل مجتمع على حدة ودرجة تشابه مكوناته فالخوف هنا غير مبرر ومع ذلك ماوصلت اليه التجربة الديمقراطية الكويتية برغم انها منقوصة إلا انه لا يمكن التراجع عنها يمكن تقويمها والاستفادة من محاسنها وهى كثيرة ولاتكون مسألة التنمية وتعطيلها مثلبها الذى يعلقه البعض عليها  فهناك الحكومة المسؤولة الأولى عن التنمية والانجاز ووضع الاستراتيجية …. الخ   أرجو التنبه الى ذلك يجب ان تتمسك دول الخليج بالتجربة الكويتية فالبديل صفر لاغيره.
سابعا: يسىء البعض فهم مسألة المطالبة فى قطر سواء من كتب عنها فى الصحف أو المنتديات فالمطالبة هى أساساً دعوة لاستكمال الاجراءات الدستورية المكملة لانشاء الستور وتصويت الشعب عليه  , أما الدستور فهو منحة من القيادة فى الاساس فلذلك يبدو من يطالب بعدم أهلية الشعب بعد  أو بعدم  ايجاد المجلس التشريعي المرتقب كمن يطالب برفض المنحة الأميرية السامية
ثامنا: يجب الاعتبار بأن الممارسة هى الطريق الوحيد  لاستلهام الديمقراطية روحاً واجراءات ، ولا بديل عن الممارسة, بناء الشخصية الديمقراطية الحوارية يقوم على الممارسة التى تنشىء قوة احتمال الآخر ورأيه المختلف وفي التاريخ كله شواهد على ذلك. الديمقراطية ليس فيها نقاء الدين أو العقيدة  والممارسة هي خطأ يمكن تصحيحه ومن هنا البداية.



أرضاً وقرضاً ومجلساً منتخباً... يا رب

أرضاً وقرضاً ومجلساً منتخباً... يا رب
ليكتمل انساناً مواطناً
2010-6-10
عبدالعزيز محمد الخاطر
جميع مكتسبات المواطن المادية لاتجعل منه المواطن الانسان فالوجود الحقيقى للانسان هو الوجود المعنوى مايميزه عن غيره من الكائنات والمخلوقات هو وجوده المعنوى فجميع المخلوقات الأخرى تستهلك المادة بأشكالها تأكل , تشرب, تتزاوج , تنجب , تبنى بيوتا , تختزن من اليسر لأيام العسر.
النقلة الكبرى للانسان تتمثل فى ضرورة وجوده المعنوى وبغيره لاتكتمل انسانيته والوجود المعنوى يتمثل فى حريته التى جعلتها الاديان مناط التكليف وسنام الحرية هو الرأى الحر . بل ان مقياس حرية الرأى اليوم هو مقياس تمدن المجتمعات.
لا يغني الانسان شيء عن وجوده المعنوي . لقد سعت قيادتنا الحبيبة بتوفير جميع وسائل الراحة المادية لأفراد المجتمع وظل الشعب ينتظر أن يعيش معنوياً بعد عاش مادياً , يعيش من خلال قنوات الرأي المصرحة و يبدي رأيه ويتبادله مع غيره ويطرحه يسأل ويسائل بعد أن صوّت على الدستور واحتفل به, أصبح ينتظر ممارسته عمليا بعد أن ارتشفه نظريا.
لا ادرى ما هي مبررات الحكومة فى استمرار التأجيل مع أن الجميع على ثقة بأن الشعب لايحتمل الا هذه القيادة ويدرك أنها من أصر على حضوره معنويا من خلال وضع الدستور والقوانين المنظمة لايجاد مجلس تشريعي منتخب لأول مرة فى قطر. فى المتعارف عليه فى مجتمعاتنا أن القيادة تضع الرؤية والحكومة تنفذها والشعب يراقب هذا التنفيذ, فهذه الأضلع الثلاثة هي أضلع المثلث الذى يحقق الوجود المعنوي الحقيقي للدولة وللمجتمع.
فى وجودنا المادي الأول أو فى المراحل الأولى منه كنا نتطلع الى ما يحقق ماديتنا من أرض وقرض وهما هامان بل وضروريان ولم تقصر الدولة فى ذلك ولكن الدولة اليوم تريد مواطناً مختلفاً تتحقق مواطنته من خلال احترامه لدستوره وقوانينه وتنمو هذه المواطنة من خلال رقابته على نصوصه خوفاً من أن يغتال من بين يده أو من خلفه, يحتاج الى آلية يعرب من خلالها عن حبه لدولته ولقيادته ولا يتحقق ذلك الا من خلال وجوده المعنوى المتمثل فى رأيه من خلال من ينتخبه معبراً عن آماله وطموحه وتطلعاته لمستقبل أولاده وأحفاده.
باختصار المواطن ينقصه شيء واضح ....ينقصه وجوده







بين الدولة الافتراضية والدوله الوظيفية

بين الدولة الافتراضية والدوله الوظيفية
عبد العزيز الخاطر
2010 / 6 / 6
العالم العربي حاليا
بين الدولة الافتراضية والدولة الوظيفية
الدوله الافتراضية دولة اسمية تعيش فى خضم الولاءات الأولية لاتستطيع أن تتعالى عليها, لها من الدولة الاسم والعلم بينما آلياتها المسيرة لفعلها فى الزمن هى آليات أو مكانزمات الولاءات الأولية السابقة على وجود الدولة الحقيقي , في الرخاء قد يعجبك شكلها وفى الشدة تبين هشاشتها, لا نريد أن نسمي ولكن معظم دولنا العربية يقع ضمن هذا التصنيف أبرز الامثلة لبنان سنوات بلا رئيس وسنوات أخرى بلا حكومة ولكن آليات ماقبل الدولة هى الآمرة فعلياً وما الشكل الخارجي إلا ديكور, نموذج ليس وحيداً فى عالمنا العربى الا انه الأبرز. نأتى الى الشكل الآخر أو النموذج الآخر السائد فى عالمنا العربى وهو نموذج الدولة الوظيفية وهى دولة أعيدت صياغة توجهاتها للقيام بوظيفة معينة وهو نموذج شائع اليوم بفعل تغول رأس المال العالمي الذى قسم العالم الى مراكز وأطراف وأوكل لكل وظيفته, هذا النمط من الدول ليس على درجة واحدة من الكفاءة , الأكفاء من الدول لأداء هذه الوظيفة هو من لايعانى من مشاكل داخلية قد تقاوم مثل هذا الدور الذى قد يتصادم مع موروث اجتماعى أو تقليد متبع أو بالأحرى من تعتمد القمع والقسر. أبرز أمثلة هذا النموذج اسرائيل فهى دولة وظيفية بامتياز بمعنى كينونتها وظيفية , أي مشروعها كدولة قائم على أدائها لوظيفة معينة وهو ما تختلف به عن الدول الوظيفية الأخرى فى المنطقة التى تقوم بالوظيفة كمكتسب وليس ككينونة وجدت أو حتى انشئت من أجلها , فمصر اليوم دولة وظيفية مع الاسف ولكن القيام بدورها الجديد يبدو مكلفاً نتيجة التحولات الداخلية والمجتمع المدنى الذي يتمخض بين أحشائها, أما مثال الدولة الوظيفية خفيفة الحركة التى لا تعاني من المشاكل الا اللمم فى دول الخليج مع قليل من الاختلاف هي دولة الكويت فى هذا المجال نظرا لوجود برلمان قوى ونشط.
ما أود الاشارة اليه هنا هو انه للخروج من اطار هذين النموذجين لابد من مشروع يأخذ فى اعتباره مفهوم الأمة وثروتها وطموحات الشعوب ويرتبط فى الوقت ذاته ببعد أوسع من نطاق الجماعة الوظيفية لأنه مشروع أمة لا مشروع جماعة فالأمة هى ماض كما هى حاضر ومستقبل بينما الجماعة يهمها من الحاضر لذاته فليس فى طبع الليال الأمان.



عبدالناصر فى أنقرة

عبدالناصر فى أنقرة
عبد العزيز الخاطر
 2010 / 6 / 1
سفينة الكرامة تغادر المياه العربية
بقاء الارادة هو النصر هكذا علمنا التاريخ, وانكسار الارادة هو الهزيمة. أمة بلا ارادة أمة مهزومة بلا معارك وبلا شهداء , منذ أن غادرتنا الكرامة أو بالأحرى بعنا الكرامة بدراهم قليلة مهما بلغت حساباتنا البنكية فى ازدياد واسهمنا فى معيار الكرامة يتناقص كأمة نمتلك من التاريخ نصفه أو يزيد ومن الثروة كلها الا قليلا , ما فائدة جسد مهان وذل ثروة وبنوك لا تحمي الأهل والجار بل والدين والوطن من غدر الزمن والطامعين. هزمنا عسكرياً فى زمن ولكن كانت كرامتنا فوق الهزيمة كانت قياداتنا فوق الذل والهوان , شربنا الانكسار ولكنه كان انكسار العزيز الذى كان يدرك أن الايام دول ولكن ليس على حساب عزته وكرامته . جاء الذل عندما بدل الكبار جلدتهم من أجل حفنة من الدولارات ومن أجل شهوة الأولاد فى السلطة , بعد أن ذاقوا حلاوة استعباد الغير حتى وان كان على حساب الأمة وثروتها وكرامتها , لايمكن لشيء أن يعوض الكرامة لا الديمقراطية المستهلكة ولا التنمية الزائفة ولا الانتخابات المزورة ولا الكرامات المنزلة أو المكرمات الأرضية كلها لاتساوى شيئا بدون الكرامة. والكرامة موقف بعيدا عن كل الرتوش الدنيوية . " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم فى البر والبحر" الكرامة أساس كل شى لا ديمقراطية ولا تنمية بدون كرامة. ما نشهده اليوم فى عالمنا العربى قمة الذل باسم الكرامة, ما نشهده قمه الانكسار والضياع باسم التنمية , ما نشهده قمة الاحتقار لنا كأمة باسم التمدن والتقارب والحوار. لقد شتمنا قياداتنا باسم الهزيمه ونسينا أنهم كانوا يحملون الكرامة , لقد أسأنا لتاريخنا الذى رأى فى الارادة انتصاراً برغم الهزيمة العسكرية لأن الكرامة كقيمة هى الوحيدة القادرة على أن تحول الهزيمة الى انتصار ولقد تم ذلك بالفعل .
 أن تفرط أمة فى ارادتها فهذا المقتل الذى ما بعده مقتل أما أن تنهزم فهذه من سنن ونواميس الكون , رحم الله قادتنا الذين أدركوا بأن الارادة هى الأمة وأن الأمة بلا اراده قطيع يساق الى حتفه أو غثاء كغثاء السيل يعجبك كثرته ولكن لايلبث أن يزول. خلطنا بين السياسة والدين واختلفنا حول الاسلام واتهمنا بعضنا البعض بكل أشكال المروق ولكن أن نفرط فى الكرامة فالثمن غال وها نحن اليوم ندفع ثمن ذلك نغتال فى وسط البحر ننحر كمدنيين تحت عيون العالم. أردنا السلامة ولم ننج بها أردنا السلام مع قوم لا يعرفون اليه سبيلا كما يحثنا التاريخ فأودى بنا الى مصارعنا عزلاً لا نملك ماء ولا سلاحاً. انه التاريخ وعبرة لمن يريد أن يعتبر. من باع كرامته لن يغنيه ذلك شيئا مهما أوتى من زخرف الدنيا لأن الهوان هو الموت وان بقيت الروح فخروجها قبله أسهل مرات من تذوقها لطعمه البائس المر.
 رحم الله عبد الناصر ورحم الله الملك فيصل ورحم الله بومدين وكل القادة وقادة الجيوش العربية الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الكرامة وبقائها كدرع للأمة برغم حصيلتهم من الأسلحة المتواضعة مقارنة بما تملكه قوى الهوان والضعف ولكنه يفتقد روح الكرامة واصرارها فتبدو له الهزيمة وكأنها قدر لامحالة منه لأنه تجرعها قبل أن تحل به. أكاد اشك أن روح عبد الناصر اليوم ترفرف فوق أنقره متمثلة فى روح أردوغان البطل الذى يدافع عن الأمة. أكاد استشعر روح الشعب التركى وكأنها روح شعب مصر العظيم أيام الكرامة ومن وسط الهزيمة العسكرية التى أحالتها تلك الروح الى حرب استنزاف بطولية والى نصر اكتوبر العظيم! شويه كرامة يامحسنين لانطلب شيئا آخر من أجل سفينة الكرامة وأرواح شهدائها الأبطال. الذين جعلوا من وجودنا رهناً للاختبار. لم يعرف التاريخ ولم يسجل لأمة أيا كانت بقاء يذكر وهى تفرط فى كرامتها . جميع الشواهد تدل على قرب سنة الاستبدال الكونية لأن هذه السنن مرهونة ببقاء القيم وليس "القيمة " فالقيمة مآلها الاستبدال حين يحال الأمر الى كونه قيمة "مادة" يمكن مقايضتها فى حين أن قيم الحياه تتميز بالثبات فلا تفرحوا ببيعكم فإنه الى زوال مالم يرتكز على الكرامة الانسانية التى لا يمكن أن تقايض أو أن تقبل بالهوان مهما كان ثمنه وإن كان ثمنه كرسي السلطة وارثاً عن وارث لانه بدون الكرامة لا يبقى من الانسان ذاته سوى صورة اللحم والدم .

برنامج لكم القرار المنهجية والاداء

برنامج لكم القرار .....المنهجية والاداء
عبد العزيز الخاطر
 2010 / 5 / 31
من البرامج المشاهدة على الشاشة القطرية برنامج لكم القرار وهو يحمل فكرة جيدة حقيقة وتتلخص في استضافة أحد المسؤولين أو أحد القائمين على مؤسسة أو هيئة أو وزارة  وسؤاله عما أنجزه  وهو لايزال قائماً على كرسي المسؤولية وهذا أمر مربك والعادة أن تتم مثل هذه البرامج بعد خروج المسؤول من الوظيفة وعن ما قدمه أثناء فترته, الأمر الذى سيعطيه كثيراً من الحرية وتسليط الضوء على مكامن الخلل.
 مقدم البرنامج الشاب متمكن طليق يجيد الحوار ويعتبر إضافة للاعلام القطري
أود هنا أن أذكر بعض الملاحظات التى أراها هامة ليكتمل اطار مثل هذا البرامج التي لا أستطيع ان أسميها حوارية بالمعنى الواسع للكلمة ولكن يمكن الاشارة الى كونها مقدمة أولى للحوار.
أولا: تسطيح معنى المسؤولية لأن المسؤولية عن قصور معين فى وجه من أوجه نشاطات الدولة لايتحملها فرد مهما كان منصبه ولكنها مسؤولية تضامنية للحكومة ككل.
ثانيا: من هنا تبدو أهمية وجود أن تكون المساءلة بين المؤسسات حيث لا يمكن لشخص أن يجيب عن قصور مؤسسة مرتبطة بعلاقة تشابكية مع جميع مؤسسات الدولة الأخرى الا بتبادل إلقاء اللوم من طرف الى آخر.
ثالثا: قد يبدو البرنامج وكأنه بديل عن مساءلة أعضاء البرلمان للمسؤولين عن التقصير الا انه لا يمكن أن يكون بديلاً عنهم لأنهم من المفروض ان يكونوا مؤسسة لأن البرلمان يمثل مؤسسة  فبالتالي يكون الوضع مؤسساتي وهو ماتهدف اليه القيادة عند الشروع فى انتخابات نيابية لم تحدد بعد
رابعا: هناك خلط لدى العديد من الضيوف بين مناصبهم والمؤسسات التي ينتمون اليها فيبدو أنه يدافع عن كرسيه لا عن المؤسسة التى تناوب عليها المسؤولون عقوداً طويلة فيهم من دمّر وفيهم من عمّر ويتناسون كذلك أن القصور قد لا يكون سببه الفرد ولا المنصب ولا من يحتله ولكن قد يكون فقدان الاستراتيجية الواضحة أو فقدان المسؤولية التضامنية المطلوبة بين الجهات التنفيذية والذى يمثل ركيزة ضرورية لأي حكومة أمام مؤسسات الدولة الأخرى التشريعية منها أو القانونية , فى اعتقادى انه ليس المطلوب تبرير كل قصور أو عجز والدفاع عنه لأنه حتى عالمياً وحتى فى دول البرلمانات والمساءلة الحديدية هناك قصور فى التنفيذ عن مطامح التشريع وان كان نسبياً طبعا وعلى ذلك تعدل البرامج وقد يعاد تشكيل السلطة التنفيذية.
رابعا: المسؤول رسمي والبرنامج رسمي كذلك وأعنى بأن مكوناته رسمية "تلفزيون رسمى +حضور رسمى" فهو حوار من طرف واحد وإن بدا ثنائي الأطراف فكأنما تحاور الحكومة نفسها.
خامسا: من المفروض ان لايقتصر الحضور على سن معينة أو هكذا يبدو وأن يترك لمن يريد الحضور أن يحضر وأن يطرح أسئلته بمعنى تعميم البرنامج بشكل أو بآخر مع مراعاة الانضباط.
سادسا: من الاجدى فى اعتقادى استضافة المسؤولين القدامى ممن تركوا الوظيفة وفتح باب المساءلة عن القصور تراكمياً والعقبات التي واجهوها لتلافيها حيث انهم قد تخلصوا من ضغوط المنصب وان حاول البعض التشبث ما أمكن ولكن سنة التغيير سابقة لعلنا نحصل على تجربة يمكن الاهتداء بها حيث أن ما يسمى الفلاش باك وسيلة هامة من وسائل التعلم وتلافي الأخطاء ,السابقون كانت لهم خبرة كبيرة وطالما أن الدولة فى طور الاعداد لعمل مجلس تشريعي مرتقب فمن الأحرى كما أعتقد ان يكون البرنامج مع استخلاص خبرات وتراكم معرفة مع من يملكونها ولايملكون المنصب, على أمل ان يكون البرنامج لاحقا مع من يملك المنصب ويهتدى بمسطرة الاستراتيجية وعينه على المساءلة الكبرى أمام البرلمان المرتقب.

ثنائية الخطيب والمحاور أو المطلق والنسبي

ثنائية الخطيب والمحاور أو المطلق والنسبي
عبد العزيز الخاطر
2010 / 5 / 19
من يتكلم بالمطلق فهو خطيب, ومن يعتمد النسبي فهو محاور, بغض النظر عن صحة ادعاء كل منهما, مكانة الخطيب والخطابة كبيرة فى مجتمعات المطلق بجميع أشكاله الدينية أو الاجتماعية, فهى مهنة المهن وصناعة الصناعات ,كما ان الحوار والجدال بالتى هى أحسن منهج ربانى, فكيف يخرج من المطلق منطقاً نسبياً كما جاء فى القرآن. لا نعي تلك الحقيقة بالشكل المطلوب , التغليف الاجتماعي لمفهوم المطلق زاده عنفاً فأصبح الزعيم جزءً من المطلق الذى لا يمس وكذلك النظام والعشيرة والأقربون فازداد بالتالى الخطباء والمرسلون من كل حدب فى الأرض. فضعفت بالتالي ارادة الحوار ومن يحاور وأصبحوا عرضة دائمة للهجوم والاتهام. لا اصلاح دون حوار ولا ديمقراطية دون تبادل رأي , ولا تقدم دون استماع للرأي الآخر . العقائد من المطلق الذي لا يمس وهى حق فى نفوس أصحابها وسوى ذلك قابل أن يكون نسبياً. خطرت لى هذه الفكرة وأنا أشاهد برنامج الاتجاه المعاكس منذ أسابيع قليلة وكان عن موضوع الغرب وعلاقته بالمسلمين وتاريخ هذه العلاقة . وكانت بين داعية سعودي هو الدكتور محسن العواجي و رئيس منتدى للحوار من مملكة البحرين ، هو ضياء الموسوي الذي ظهر متمدنا جداً فى لبسه وطلته بالرغم من حمله للصفة الدينية كذلك. استعمل الشيخ السعودي المطلق الديني والاجتماعي فى غير موضعه فاطلق أوصافاً على الآخر تشكك فى دينه بل وفى البلد التى ينتمي اليه , فى حين بدا الآخر محاوراً ذكياً استوعب كل ذلك وارجعه الى ما تعلمه من دينه فى الرد بالحسنى و بالحوار الحسن. هنا ألاحظ موقفاً بعين مجردة بعيداً عن ما يمثله الطرفان دينياً أو اجتماعياً. الموقف يفرض اشكالية تتمثل فى جمود المجتمع وعدم قدرته على الفرز بين ماهو مطلق وما هو نسبي أو من المفروض أن يكون كذلك. وقد سبق أن شاهدنا وفى نفس البرنامج ومن عدة سنوات لقاء بين الشيخ القرضاوي وبين صادق العظم لم يكن ساراً لاتباع الشيخ . كما بدا الشيخ العواجي أيضا منفعلاً وغير مقنع فى موضوع نسبي وهوتاريخ الغرب مع الاسلام وتصديهم ومعاداتهم له وذلك لا يعد أبدا من المطلقات حتى يتهم من له وجة نظر فيه بأنه كذا وكذا وبأن بيئته كذا وكذا كذلك.
من مصلحة الخطيب أي خطيب أن تزيد مساحة المطلق ليمارس مهنته لاسيما أن الخطبة تستلزم الاستماع فقط والا بطلت الصلاه دينياً أو خرجت عن النظام وأصحابه اجتماعيا, ومن مصلحة الأمة اقامة مجتمع الحوار وزيادة مساحة " النسبي" والمسموح مناقشته لعملية التطور اللازمة لأي  مجتمع. فاذا كانت الأمة عاجزة حتى اليوم عن التعامل مع المطلق الاجتماعي فكيف لها أن تحسن وأن تفرق مابين الديني منه واللاديني أو ما التبس بقماش وبردة الدين منه. عقلية الخطيب لاتدل على تعافي لأنها أبوية المنشأ وواحدية لا ترضى لها شريكا بينما الحوار ثنائي الطبيعة اجتماعي المنشأ يحتمل الرد ويقبل بالبديل.خيار الأمة واضح ولكن تطبيقه دونه صعاب الا اذا ما نُقي دين مما علق به كما ينقى الثوب الاسود من الدنس.



تحولات السلطة من القمع الى الضبط والتنظيم

تحولات السلطة من القمع الى الضبط والتنظيم
عبد العزيز الخاطر
2010 / 5 / 11
وجهان لعملة واحدة
يعتقد البعض أنه حتى صيرورة التحول الديمقراطي وانتقال المجتمع الى ممارسة العملية الديمقراطية بشكلها الموجود فى العالم المتقدم هو فى حقيقته ليس الا تحول لشكل وطبيعة السلطة نفسها , بمعنى أن النظام الديمقراطى الحديث لم يقو على التفكيك كونها علاقة اخضاع وقهر بقدر ما هي أدوات فرض تلك العلاقة . يشير ميشيل فوكو الى أن الاعتقاد سابقاً بأن المعرفة هى ما ينتج السلطة قد دُحض الى حد بعيد حتى أصبحت السلطة نفسها منتجة للمعرفة وهو الأمر الذى قلب القاعدة وحوّل عنف السلطة الى تنظيم وضبط. لم تعد الحاجة ملحة الى سجون بقدر الحاجة الى مستشفيات للمجانين والمعتوهين ومصحات عقلية ونفسية لمرضى العقل والنفس , وكل ما في الأمر وصم المعارض أو المكبوت أو المقهور بأحد أوصاف نزلاء تلك المستشفيات والمصحات ومعاملتهم كذلك. أصبح أسلوب العنف والاقصاء مكلفاً بعد تطور العالم اتصالياً فضاقت مساحة ما يمكن اخفاؤه وطمسه بعيداً عن عيون الرأى العام , والتقدم التكنولوجي الكبير والمتسارع في أنظمة الاتصال الحديثة جعل من المشاهدة لكل ما يجرى فى العالم أمراً ممكناً بفضل اليوتيوب والنقابات الأهلية والتجمعات الاجتماعية التي أثرت الفضاء بمواقعها بعيداً عن صرامة السلطة وشدتها السابقة. كل تلك الأمور جعلت من الأهمية بمكان تغير أسلوب السلطة والتحول فى ادراكها من القمع الى التنظيم , الأمر الذى يبدو فى ظاهره الرحمة الا انه يخفي فى باطنه العذاب. لذلك يبدو التعامل مع الواقع خياراً ذا حظ كبير بعد أن كان شعار رفضه فى السابق أمراً بديهياً لدى الشعوب, فى حين تبدو بعض الشعوب التى وصلت الى نقطة الصفر وبدأ العد السلبي لاتزال أو لا تجد محيصاً اعتماد التغيير الراديكالي كما حصل فى قرغيزيا مؤخرا, لذلك يبدو الكي آخر العلاج. لا أعتقد أنه من ذكاء أي سلطه كانت الانتظار الى بداية العد العكسي وهو أمر ربما مؤجل قريب أو بعيد الحدوث في الدول الثرية أو الغنية. لقد حذر أحد أقطاب مدرسة فرانكفورت للعلوم الاجتماعية ماركيز الى خطورة الركون حتى الى النظام البرلماني الحديث الذى يسمى بالديمقراطي لأنه فى النهاية وسيلة تنظيم مع الوقت سوف تمارسها السلطة لصالحها ! هنا تبدو اشكالية العلم الحديث الذى إن لم يكن نفياً مستمراً لا يستطيع أن يكون حلا دائماً لتغير الانسان والزمان وتعدد أطياف الحرية وألوانها مع تغير حاجات الانسان وما ينتج من أدوات تقفل أبواباً لتفتح أخرى.

مجتمعات الدهشة

 
 
تكون الدهشة فاعلة وايجابية حين يعقبها سؤال حيث انها فى الأساس تمظهر لجهل وتعبير عن عدم معرفة , والتطور الانساني عموما جاء لازالة الدهشة عن حياة الانسان , الاديان ذاتها أزالت دهشة الانسان وكشفت له عن أجوبة لأسئلة الوجود. الدولة المدنية والتطور السياسي قلّص من أسئلة الدهشة عند الشعوب بتحويلها الى أسئلة تجد لها اجابات عند مؤسساتها وأفرادها. عندما يشعر المجتمع بأن الدهشة سمة يومية فثمة خطأ فى حياته وثمة توعك فى مسيرته وخطاه.
البرلمانات وجدت للإجابة عن أسئلة الدهشة لدى المجتمعات, الانتخابات وجدت لاظهار وابراز من يستطيع الاجابة عن أسئلة الدهشة المتكررة . المعضلة كما أراها ليست فى الدهشة الايجابية ذاتها أي تلك القادرة على طرح الاسئلة للتخلص من دهشتها ذاتياً , المعضلة فى الدهشة السلبية التى لا تقوى على طرح الأسئلة لسبب ما. عندما يعجز المجتمع عن معالجة دهشته لا يتطور بل يتكور ويستلب. المجتمع المندهش مجتمع معوق لايستطيع فرض رؤيته ولاتحقيق مطالبه , المجتمع المندهش دائما يمسي على شكل ويصبح على شكل آخر , المجتمع المندهش عبارة عن بصّامة rubber stamp
يبصم حتى على شهادة وفاته دون أن يدرى, المجتمع المندهش دائما كحاطب ليل لايعرف مكانه وماذا يلامس أحطب كان أم أفاعٍ, المجتمع المندهش كمن يحمل داءه فى ردائه , المجتمع المندهش مريض نفسياً لأن عدوى الدهشة السلبية تجعله شاكاً حتى فى نفسه, المجتمع المندهش يقول نعم فى النهار ويعقبها بلا خفيفة في الليل بين الجدران, أفراده لا يمكن أن يتغلبوا على فرديتهم لصالح مجموعهم , نزواتهم أولوية وشعارهم الفردية , تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. لا يعرف التاريخ شعباً كالشعب العربي عانى ولم يزل يعاني من الدهشة تمر العقود عقداً وراء آخر, ودهشتهم تزداد مع سرمدية القائد الملهم , وأيامهم تفنى مع الوعود البراقة بالديمقراطية والانتخابات النزيهة , الآباء يرحلون على أمل لا يستطيع الأبناء تحقيقه فتصبح الدهشة مركبة لدى الأحفاد بعد ذلك . حتى المؤتمرات لم تفكك من خيوط دهشتهم المستمرة , أين أسئلة الهزيمة ؟ أين ملفات المسؤولية؟ ومن يتحملها؟ عجزت الشعوب عن طرح أسئلة الدهشة التى انتابتها , فاستمر الاندهاش واستمرأته الشعوب حتى صار ديدنها فاستحقت بحق شعار مجتمعات الدهشة بجدارة . الدهشة فى ذاتها بداية الفلسفة والانجاز فهى التى تحرض على السؤال وهي المقدمة الأولى للخروج من النمطية التاريخية وتفكيك سيطرة الماضي المنقضي على الحاضر الجديد , الدهشة فى مجتمعاتنا عبارة عن مشروع للإجابة فقط وهذا سر عجزها , حتى الاختيارات المتعددة فى الإجابة كما فى الامتحانات المدرسية لا تجدى ولا تمثل مخرجاً أو حلا لانعكاس وضعية السائل والمجيب وتلك مفارقة تاريخية تجعل من الشعوب مصدراً للإجابة فى حين انها من المفترض أن تكون هي من يطرح السؤال.




الاقتصاد الريعي والفرصة التاريخية

الاقتصاد الريعي والفرصة التاريخية
عبد العزيز الخاطر
2010 / 5 / 3
يعزو المحللون عدم التطور السياسي لدولنا الى طبيعة الاقتصاد فيها والقائم على الريع بدل الانتاج الأمر الذى يحول البنية السياسية فيها الى الطبيعة التوزيعية التي لا تفرض مشاركة حقيقية وبالتالى يمكن الاستغناء عن العملية السياسية واستبدالها بنوع من التحالفات التقليدية التى توفر الاستقرار بفعل أنصبة التوزيع الريعية وتبقى تلك الدول على تخلفها السياسي برغم وجود تنمية أو نمو بالأحرى يمكن أن يشاهد لكل ذي بصيرة على الرغم من انه قائم على أساس هش انحيازي. والسؤال كيف يمكن العمل على حيادية الريع اذا كان من الصعب تحويله الى اقتصاد انتاجى لاسباب عديدة. تشكل بداية قيام الدولة نقطة مفصلية تفاوضية لذلك يشكل المجتمع وطبيعته حينذاك نقطة تحول ولكن لا يمكن تصور ما قد سيحدث مستقبلا والحالة تلك على ما هى حيث أن ظهور الدولة فى حد ذاته وعطاءاتها انجاز كبير ساعتئذ. الأمر الآخر ان اقتصاد الريع فى حد ذاته عرضة على مر الزمن للخضوع أو التعرض للمجاذبة بحسب تغير قوى المجتمع وتبدل الأوضاع بشرط اغتنام الفرصة التاريخية المؤاتية لخلق تسويات سياسية تجنب المجتمع مستقبلا كثيراً من المشاكل والاختناقات .
 بالطبع يعتمد ذلك على وضع المجتمع قبل قيام الدول, فمجتمع التجار قبل النفط مثلا يختلف عن مجتمع الرعاة مثلا من حيث قوته التفاوضية, حتى بعد تشكل الدولة يبقى اقتناص أو اغتنام الفرصة التاريخية مدخلا لتصحيح اعوجاج اقتصاد الريع وانزياحاته بشرط الوعي بأن ذلك فى صالح المجتمع ككل (وهذا ما سبق ذكره ) حتى وإن كان يفتقد القوى الحقيقية الفاعلة والضاغطة . قد تأتى الفرصة التاريخية من فوق كما حصل فى الكويت فى عهد عبدالله السالم الذى أوجد الدستور وسبق فيه المجتمع فى ذلك .
 الامارات العربية المتحدة كذلك تبدو نوعاً من الاقتصاد الريعي القائم على التسوية السياسية . ما أود الاشارة اليه هنا هو عدم الاستدلال بالحتمية التاريخية بمعنى الركون الحتمي لطبيعة الاقتصاد ، والتسليم بها كقدر لاسبيل للتعامل معه الا بالتسليم به وبمخرجاته. فالدخول فى عالم اليوم يفرض معالجات جديدة لاقتصاديات الدول يتشابك فيها الاقتصادي مع السياسي والاجتماعي.فاقتصادات الريع أكثر هشاشة للاستغلال من الاقتصاد الانتاجي وأكثر عرضة للتقلبات لسهولة اتخاذ القرار السياسي فيها دون تعقيد يذكر الأمر الذى له جوانب سلبية أكثر من جانبه الايجابي خاصة تحت الضغوط وعدم التنبه لاهمية المصير المشترك للمجتمع. على كل حال , يمكن تصور الفرصة التاريخية التى تقلل من أحادية الاقتصاد الريعي اذا عجز المجتمع عن فرضها لسبب أو لآخر فى التالي:
1- التنبه بأن العصر المعاش عصر الشعوب والعمل وبالتالي على توسيع مساحة المشاركة السياسية.
2- الايمان بخطورة بقاء الاقتصاد توزيعياً الى ما لانهاية مع ازدياد الكثافة. السكانية نتيجه ازدياد المشاريع التنموية فقد يفقد قيمته الارضائية والتوافقية.
3- خطورة الاتكال على منتجاته من بشر أو مادة لعدم قدرته طبيعياً على احتساب الكفاءة والقدرة الانتاجية واهماله لعنصر التعليم أو بالأحرى الاستغناء عنه .
4- التنبه الى انه لا يستغل قوى المجتمع بالشكل المطلوب فيمثل بالتالي هدراً ونزيفاً للمجتمع وقدراته ومواهبه وضياعا للقوى الحية فيه .
5- يشيع ثقافة النفاق والاسترزاق بعيداً عن الانتاجية والعمل طالما أن العملية توزيعية لا تتطلب سوى نوع من الثقافة الشفوية .
هذه بعض الأمور التى تحتم العمل على الخروج من ثقافة الريع بتعديل مكوناته وأساليب معالجته حتى وإن لم يقتنص المجتمع فرصة عمل ذلك أو لم تتوفر لديه مثل تلك الفرصة فى الماضي فلا أقل من مواكبة العصر ومتطلباته فتاريخ تلك الشعوب واحد ومصيرها واحد وكينونتها واحدة فبالتالى من يبكي اليوم كمن سيبكي فى الغد اذا كان ثمة بكاء قادم لا محالة.



الديكتاتور أصله طيب

الديكتاتور أصله طيب
عبد العزيز الخاطر
2010 / 4 / 20
يذكر التاريخ أن نابليون اشتكى مرة من أن الناس يعطونه من السلطة أكثر مما ينبغى وبعد ذلك يصفونه بالديكتاتورية , الديكتاتور يولد على الفطرة فمجتمعه أو شعبه (يدكتره) ويؤلهه ثم بعد ذلك يجعل منه أضحية أو مشروعاً لأضحية. والخلاص؛ فكرة الخلاص الأبدى وغسل الخطايا والذنوب الدينية هى فى الأساس رؤية سياسية فى مجتمعاتنا لذلك يصبح صنعها وتيرة دائمة ووجعاً قائماً لا يمكن تصور الحياة بدونه وإلا تجردت من الرؤية الأخروية القائمة على غسل الذنوب والخطايا والتكفير عنها استعداداً لحياة جديدة بلا ذنوب أو خطايا سرمدية الطابع. الديكتاتور ينشأ بين ظهرانينا , يلعب معنا, يدرس فى صفوفنا, يأكل على موائدنا, يتزوج منا, هو طيب فى الأساس لا يختلف عنا ! من يجعله يختلف هى رؤيتنا له بعد ذلك , عقليتنا المتضاربة تصعد به دون ذنب ارتكبه سوى أن ساقته الأقدار ليتبوء مقعداً زائلاً جعلنا نحن منه دائماً وأزلياً, عقليتنا المتضاربة ما بين الديني والدنيوي تخلط الاثنين لتخرج لنا ما يفسد الأرض والعباد.صناعة الديكتاتور انسانية الطابع, سريعة العطب عند شعوب,سرمدية البقاء عند أخرى. الديكتاتور نفسه يتفاجأ بكونه ديكتاتوراً ولكن بعد حين , لا أحد ينبهه , الكل يصلي له ومن أجله, يجهل أمره ليصدق ما اتفق عليه الناس,ويتصور نفسه إماماً بعد ذلك بعد أن كان قائداً عسكرياً أو سياسياً, يصدق بأنه مرسل من السماء لانقاذ شعبه أو موح اليه بذلك.يضيق الشعب به وينسى أنه من نصبه وألّهه, يشتكى الناس من جوره وبطشه وينسى الناس أنهم من أهدى سوط العذاب له وأمسكه بيده. الديكتاتور كان طيباً فى المدرسة وفى صباه وشبابه الأول بل كان وطنياً وقائد اللمظاهرات ضد الاستعمار بل وشارك فى حروب الاستقلال وحروب الأمة ولكن كان عليه الا يخرج من جلباب أمته الحاضن والمفرخ لصناعة الديكتاتور والا ضاعت عليه مكتسباته السابقة. الديكتاتور كان انساناً طيباً رومانسياً يعيش هموم أمته ويتغنى بأمجادها السابقة وبأغانيها الوطنية ولكن تاريخنا لا تسطره الرومانسيات وتبادل الرأى والاخذ بالتى هى أحسن برغم المرويات والنصوص , الديكتاتور كان طيباً مع الجميع ولكنه اليوم يختص بأهله وبأقربائه ومن حوله ففى بؤرة وعيه أن هناك فقط فريقاً وحيداً مؤهلاً للنجاة دون غيره. الديكتاتورية عبء عند البعض ونزوة وشهوة عند آخرين. قلص شيراك فترة حكم الرئيس المنتخب فى فرنسا, بينما البعض لدينا يرى القرن مدة غير كافية للبدء بالاصلاح الموعود ليعطى مبررا لاستمراره حاكماً من قبره أو فى صورة ولده أو من يرثه. الديكتاتور صناعة عربية خالصة فكيف نبكي من شيء صنعناه ؟ الحريه قيمة أضعناها فكيف نبكي على شيء أضعناه ؟ الديكتاتور باختصار هو ذلك الصنم الذى يصنعه العربي من التمر قبل الاسلام ليعبده ، وليأكله بعد أن يجوع !
قرأت مرة أن أقدم ديكتاتور فى التاريخ هو من صنع عصا ووضع فى رأسها جزرة ووضعها أمام الحمار الذى ركبه وظل الحمار ماشياً وراءها ليلحق بها وظل الراكب الديكتاتور على ظهره يسير به ولم يصلا الى الآن. انه أقدم ديكتاتور لأقدم شعب فى التاريخ.




تبدد رأس المال الاجتماعي وسطوة العنف الرمزي-مجتمات الخليج مثالا-

تبدد رأس المال الاجتماعي وسطوة العنف الرمزي-مجتمات الخليج مثالا-
عبد العزيز الخاطر
2010 / 4 / 14
مواطن بين ثقافتين
تبدد رأس المال الاجتماعي وسطوة العنف الرمزي
رأس المال الاجتماعي هو مجموع ما ينفقه الانسان على نفسه لتحسين وضعه الاجتماعي أو تموضعه داخل المجتمع ، والانفاق هنا ليس ماديا فقط وانما سلوكيا ومعنويا كذلك. اما العنف الرمزي فهو ما يمارسه البعض على البعض نتيجة تمايز وضعهم الاجتماعي أو الطبقي كأن يركب أحدهم سيارة فخمة وسط قرية لايمتلك أهلها الا الوسائل البدائية كوسيلة للمواصلات فتأثير ذلك عليهم يندرج تحت ما يسمى بالعنف الرمزي والامثلة كثيرة فى هذا المجال.
المواطن الخليجى والعربى بشكل عام موضع جلي لتمظهر هذين المؤشرين على شكل معادلة معكوسة تتمثل فى اضمحلال رأسماله الاجتماعي داخل مجتمعه وازدياد سطوة العنف الرمزي عليه من جهة أخرى من خلال بروز أشكال وتصرفات وأخلاقيات مادية ومعنوية تدل بشكل واضح على حالة من الاستعلاء فى مقابل حالة من الضعف وقلة الحيلة , بينما الوضع الطبيعى هو العكس حيث من المفروض أن يزداد وضع المواطن الاجتماعي ثراء وتتناقص بالتالى حدة سطوة العنف الرمزي الموجه اليه لو أن هذه المجتمعات تسير فى الوجهة الصحيحة لها. حتى فى المجتمعات التقليدية كمجتمعاتنا الخليجية التى تعتمد على الإرث التاريخي للعائلة أو القبيلة أو الأفراد كرأس مال اجتماعي لم يعد ذلك واضحاً وانما الواضح أن ذلك فى انحسار وليس سبب ذلك تطور البنى التقليدية للمجتمع بقدر ماهو سياسى الطابع وأمني الانضباط وتبعا لذلك يأتى طرف المعادلة الآخر وهو تزايد العنف الرمزي بأشكاله المختلفة وهو عنف كما قلت يؤذى نفسياً وقد لا يؤذى بدنياً ويأخذ شكلاً أوضح حيث يبدو التمايز فج الظهور ويتجه المجتمع بالتالى الى الانقسام أو الانشطار الى طرفين رويدا رويدا. استطاعت مجتمعاتنا في السابق من الاحتفاظ بوضع اجتماعي جيد لمواطنيها بعد ظهور النفط يجعل منه رأسمال حقيقي لهم والمعروف أنه قبل النفط كان الجميع على قدر ومسافة واحدة من الثروة والجاه الاجتماعي الأمر الذى هوّن من الاختلال المادى بينهم كأفراد وعوائل ومع الوقت كان المعول لهم هو رأس المال هذا فى تبنيهم لقضايا مجتمعهم حيث المكانة المميزة لهم جعلت الكفة تميل لصالحهم على جميع الحسابات والمعايير المادية التى قد يعبر عنها رأس المال المادى والحقيقي وبالتالى كانت مظاهر العنف الرمزي أقل بكثير مما هى عليه اليوم فكلما ازداد حجم رأس المال الاجتماعي للأفراد" المكانة الاجتماعية وتأثيرها" كلما خف تعريضهم للعنف الرمزي الذى يكشف تباين المجتمع حيث تعريض أو تعرض الشرائح الكبري فيه للالم النفسي والشعور بالدونية وبانعدام التأثير
أود أن أنبه هنا الى ضرورة المحافظة على رأس المال الاجتماعي للأفراد وأهل البلد بالشكل الذي لايضع الحاضر فى مقارنة أو مواجهة مع الماضي لأن الحاضر أغنى وأوفر وأكثر ثراء الأمر الذي سيؤدي بالتالي الى اضمحلال أشكال العنف الرمزي التى بدت تظهر وتبدو أكثر وضوحاً من ذى قبل. مواطن العنف الرمزي مواطن منهك لا ينتج ووطن العنف الرمزي وطن بلا مستقبل. لقد عاشت أجيال لا تملك سوى مكانتها الاجتماعية كرأس مال , كانوا أغنياء به واليوم هناك من يملك كنوز الدنيا ولكن لا رأسمال اجتماعي له داخل وطنه وصوته لايكاد يصل أذنيه. خطورة هذه المعادلة بين هذين المؤشرين انها تعكس صحة المجتمع نفسياً واجتماعياً اذا كانت فى وضعها الصحيح بازدياد رأسمال المجتمع الاجتماعي وبانخفاض نسبة تعرضه لأشكال العنف الرمزي أما اذا انعكست تلك المعادلة فنحن أمام مجتمع يذبل رويدا رويدا وقد ينتهى الى وضع يصبح من الصعب اطلاق صفة المجتمع ذاتها عليه.