الأحد، 3 أكتوبر 2010

من نقد السلطة الى شيطنتها

من نقد السلطة الى شيطنتها
عبد العزيز الخاطر
2009 / 5 / 5
تجليات اليأس العربي من الاصلاح
تتفتق الذهنية العربية وباستمرار عن مظاهر تدل على مدى وعمق الأزمة التي يعاني منها المجتمع العربي, وهي أزمة فى جوهرها هيكلية حيث لا توافق ولا رؤية لإمكانية انتقال المأمول الى الواقع ولا توافق كذلك بين الأقوال والأعمال ففى حين يجري اطلاق العنان للفكر للتعبير عن ذاته يجرى تثبيت الواقع وشلّ ارادة الفعل اللازمة لتحقق طيف الأفكار بحيث يبدو الانفصام واضحاً لكل ذي بصيرة. فمثلا يطرح شعار النقد البناء كتوجه ويطالب به كممارسة ولكنه لا يتحول الى وسيلة فاعله ذات تأثير وانما يتخذ شكلاً فوقيً فتكون النتيجة انتقاله الى مرحلة أخرى متقدمة بعض الشيء وهي مرحلة جلد الذات فيتكور المجتمع حول نفسه فيصبح ذاته الضحية والجلاد وربما ينتقل الوضع الى ما هو أسوأ كما نشهد فى العديد من المناسبات حيث الانتقال الى مرحلة أكثر قتامة وسوداوية تنبىء عن حالة من اليأس من اصلاح أمراض المجتمع وعوارض السلطة وهي مرحلة  الشيطنة وهي الحالة الوحيدة التى يجوز فيها الشتم أو حتى اللعن التي قد تتحول من الحالة الفردانية الى الحالة العامة كالانقضاض على التاريخ وتمزيق أوصاله تراثاً كان أم مبادىء عامة أم تقاليد ترسخت عبر السنين نهاية ربما بالعقائد والاديان . وهي عرض دال بلا شك على الثبات المذموم المنافي للفطرة السليمة.
لقد مرت الأمة عبر تاريخها بمحاولات عديدة انبرى لها العديد من أبنائها ومثقفيها اتخذت من هذه الأنماط البكائية الثلاثة مابين النقد وجلد الذات والشتم مرتكزاً أو محوراً ثابتاً خاصة فيما يتعلق باشكالية التراث والحداثة كجذر وانتهاءأ بالسلطة كقمة لجبل الجليد الدال على أزمة تاريخ هذه الأمة وعدم سريانه كما الحال لدى الغير من الأمم. فمنهم من رأى بالمزاوجة ومنهم من رأى بتجزئة التراث وتبيين غثه من سمينه وآخرون رأوا بالقطع مع الماضي واعادته الى المتاحف التاريخية للزيارة فقط والاتعاظ بالماضي لا أكثر. وللحقيقة فإن أعلى درجات تناول هذا الموضوع يتصل بالسلطة بلاشك فهي من امتلك ولا يزال يملك زمام الأمور منذ فجر تاريخ هذه الأمة وبالتالى أي شكل من أشكال هذه الانماط البكائية التى أشرت اليها هى فى الأساس موجه الى السلطة بشكل غير مباشر وان كانت مواضيعها تحتمل أبعاداً أخرى داخل المجتمع وأوصاله حيث الدم الذى يجري فى هذه الأوصال هو فى الأساس مكون سلطوي.في المجتمعات الصحية يتحول النقد البناء عبر آليات معينة الى جزئيات هامة وضرورية للاصلاح والتطوير, عبر القنوات المتعددة القانونية المتاحة بما فيها البرلمانات ومجالس الاصلاح وبناء الاستراتيجيات. فالأصل فى النقد أن يكون ذا هدف وله قنوات وليس حالة ضبابية تسير على غير هدى , فالمجتمع الذى لا يمتلك آليات استيعاب مظاهر وعوامل التغيير والتعبير عن الرأي لا يستطيع بالتالى ادعاء الحرية والديمقراطية , فالخروج بالحرية من تعريفها العام فى مجتمعاتنا عبر التاريخ حيث توضع فى مقابلة مع العبودية الى معان أخرى جديدة تحتمل كل أبعاد الانسانية والفردانية أمر هام وضروري وملح للخروج من اشكالية الوصول بالحالة الى مرحلة شيطنة السلطة وربما المجتمع وبالتالي استباحة شتمهما وربما الخروج الدموي عليهما.
لقد استعاضت كثير من الأنظمة عن ايجاد الآليات المناسبة لتأكيد معنى الحرية هذا بما توفر من وسائل تقنية جديدة فى مجال الاتصال عن طريق القنوات الفضائية والهواء المفتوح وحيث أن الطبيعة العربية أساساً تعاني من الكبت منذ قرون فكان فى مقدمة ما جرى ويجري تناوله وبتركيز مستهدف مكبوتات النفس العربية من جنس وسياسة ودين وأينعت ثلاثية النقد وجلد الذات والشتم . هذه فصول طويلة من ألفاظ وكلمات ومصطلحات شكلت قواميس يتغذى منها مع الأسف الجيل الجديد. وفى نفس الوقت ترفعت السلطة عن ذلك وادعت بأنها تسمح بالحرية و بكل أشكالها لمن هم دونها بحيث لا يصل الأمر أفقيا إليها, وهذه بالذات صورة جديدة من صورالهجاء وهو من أهم أغراض الشعر والادب العربي وإن كان بتقنية جديدة أكثر تشويقاً وألمع صورة , ان ضغط التحولات على جسد الأمة يجعل منها عرضة للتشويه وليست صورة حقيقية لقضيتي التمدن والتقدم اللتين يشهدهما العالم , فاحتكاك كل ذلك الحديث بقديمها البالي وفى مقدمته السلطة يخرج مسخاً مصاباً بجميع الأمراض النفسية والعقلية ويجعل من قديمها جديداً في الشكل فقط وليس المضمون أو المحتوى. للخروج من حالة الشيطنة التى تبيح المحرمات الى حالة الانسنة التى ترقى بالانسان كأعظم المكرمين فى الكون لابد من اعادة النظر فى جميع ما وضع فوق النقد بشراً كان أم فكرا وعلينا كذلك الارتقاء بمفهوم النقد واخراجه من مفهومه الضيق الذى نعهده الى اعتباره اصلاحاً وكشفاً واضافة وعدم اعتباره بحثاً عن العيوب بقدر ما يكون فتحاً لآفاق ورؤى جديدة. لقد آن لثلاثية البكاء العربية من نقد وجلد للذات وشتم والمرتكزة على مفهوم الشيطنة أن تختفي بشكلها المعهود ويصعد بصعودها المجتمع العربي بما فيه سلطته الى الحالة الانسانية التى لا تضع أحداً فوق النقد والمساءلة تاريخاً كان أم بشراً .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق