الأحد، 3 أكتوبر 2010

التاريخ الهجين

التاريخ الهجين
عبد العزيز الخاطر
2009 / 5 / 16
تزاوج الرأسمالية والاقطاع...نشاز تاريخي
النقطة الحرجة بين القبول بالتحول الديمقراطي كطريق للمستقبل وبين حصول ذلك عنوةً وبتكلفة روحية ومالية كبيرة يتحملها المجتمع ،هي في الإبقاء على امتيازات الطبقات المسيطرة بشكل يمكن معه التحرك سلمياً في اتجاه ذلك التحول في مقابل قبول هذه الطبقات بالتنازل عن امتيازاتها الاقطاعية كما تتصوره في الملك والحكم الى ما شاء الله دونما ضوابط دستورية واضحة . التقاء القبول من جانبها وبقاء بعض امتيازاتها بموافقة الشعب هو المنحنى الآمن للخروج بعالمنا العربي من الحلقة المفرغة التي يعاود إنتاج أزماته داخلها . إن الاستفادة من التاريخ وحوادثه وتطوره هوما يجب التعويل عليه لا إعادة تكراره أو ربطه بمخرجات العصر دون وجود جذور حقيقية تجعل من الثمرة نبتة أصيلة لنواتها القائمة عليها . التحول الدموي الذى انتهى بالديمقراطية كأساس للحكم لا يجب الحث على تكراره والدفع باتجاهه من أي جانب كان . ان الامتيازات المتعاظمة لأولئك النخب والتي تزداد يوماً بعد آخر يشكل عائقاً في سبيل التحول الآمن باتجاه الديمقراطية وهي ما اتفقت عليه حضارات العالم المعاصر بشقيها الغربي والشرقي كوسيلة لابد منها لاستمرار السلم والرفاه العالميين ما نشهده اليوم من انكسار وتهشم للحكم الشمولي والسلطوي هنا وهناك دليل دافع على عدم اكتمال دورة الحياة في هذا النمط من الحكم لاستعلائه على الناس والغريب أن مثل هذا الحكم سواء كان في الدول الغنية أم تلك الفقيرة لـه نفس المكانيزم وهو تكديس الثروة الطائلة والفرق الجوهري بينهما يكمن في إطالة ذلك الحكم في الدول الغنية عنه في الدول الفقيرة المتكدسة سكانياً ولكنهم يلتقون لا محالة في النهاية المعروفة وهي الانتقال الدموي للسلطة في معظم الحالات . والمنهج الخلدوني يبرز دورة الحكم العصبوي المتمثلة في النشوء ثم القوة ثم الضعف والانهيار لعدم قدرته على تجديد نفسه . وحيث أننا نعايش بدايات قرن جديد وقد تكدست للفكر السياسي تجارب لا تُعد ولا تحصى كما أثبتت هذه التجارب باليقين الواضح أفضلية الحكم الديمقراطي على الرغم من علله ومثالبه التي يمكن تخطيها وتلافيها حيث انه نتاج فكر بشري ولا يجب التسليم به كعقيدة على جميع أشكال الحكم الأخرى مهما استمدت مرجعيتها من جوانب تاريخية أو دينية أو غيرها . ليس من المطلوب من شعوبنا العربية إعادة التجربة الغربية في إنتاج الديمقراطية ومن يدفعها الى ذلك يكون ارتكب إثما في حق الأمة والتاريخ . والاتجاهات الديمقراطية التي تدخلها أنظمتنا العربية في مجتمعاتنا يجب أن تشمل القضاء على مظاهر ماقبل ظهور الديمقراطية من رحم الرأسمالية . ثمة توافق وفصل تاريخي سبق ما حققه الغرب من تطور فيما يتعلق بهذا المجال , ثمة اختلاف فى تناول مناهج التاريخ ودراسته بين الجانبين فنشوء مدارس حديثة لتفسير التاريخ لدى الغرب من أشهرها مدرسة الحوليات والنظرية الماركسية وغيرهما لم يقابله تقدم من جانبنا وبقيت مدرسة النقل التراكمية والتى تزداد تراكماً هي السائده فأصبح تاريخنا عبارة عن تراكم لا فاصل بينه وخليط مشوه يزيدنا ضبابية وعسر رؤية .علينا أن ندرك أن هناك اختلافاً جذرياً بين التاريخين العربي والغربى فيما يتعلق بالتحول الى الاصلاح ومن ثم التخلص من معوقاته واحدة بعد الأخرى ففي حين كان ثمة قطع وفصل فى أرجاء التاريخ الغربي اتجاهاً نحو تطوره بحيث أن المرحلة التى ذهبت لا تعود فالتاريخ هناك هو عملية تطور مستمرة نرى أن تاريخنا هو تاريخ الثبات وخلط المراحل يتداخل فيها الحاضر بالماضي بل وربما يقوده وفى أحسن الحالات تجرى عمليات توفيقية بين المراحل تؤدي الى تشوهها وازدياد تركز سلبياتها ففي حين قامت الرأسمالية هناك بعد القضاء على نظام الاقطاع نرى لدينا رأسمالية مشوهة طفيلية عبارة عن توكيلات مالية وعقارية غير انتاجية وقائمة أصلا على النظام الاقطاعي وليست نفياً له والأمر يتكرر فى جميع المجالات السياسية والاجتماعية والدينية نتيجة لتمازج الرأسمالية كإحدى افرازات التطور العالمي مع الاقطاع القائم فى مجتمعاتنا فنحن مجتمعات نصفها التحتي لا يزال فى مرحلة الاقطاع وصورتها الخارجية رأسمالية استهلاكية قشرية وحيث أن الديمقراطية والرأسمالية تاريخياً وجهان لعملة واحدة فأفضل ما قد نتحصل عليه هو ديمقراطية شكلية أبعادها وجذورها اقطاعية المنشأ والتربية. لذلك فإن الاصلاح قد يبدو مستحيلا لأن التاريخ لا يعود الى الوراء وصعوبة تحديد وضعنا تاريخياً ففي أي مرحلة نعيش من مراحل التاريخ ؟
هل هي مرحلة الرأسمالية الليبرالية التى تتردد على أسماعنا فى كل لحظه أم نصدق أعيننا حيث النظام الاقطاعي يخطف الأبصار ولا ترى عنه حولا. اشكالية وجودية فى الأساس .ان معالجة المرحلة الاقطاعية هي فى اعتقادي ما يجب أن يأتي أولا وعن طريق ادخال مزيد من المشاركة الشعبية لأن العصر لا يحتمل بقاء الاقطاع طويلاً على جميع المستويات فهو نوع من الاحتكار المذموم لا يقبله الفرد ولا المجتمعات , فضلاً عن انه ، اليوم ، و مع تسيد النظام الرأسمالي الجامح يمكن أن يذهب بمكتسبات الشعوب والأفراد بما فيهم الاقطاعيين أنفسهم ويلحقهم به كأجزاء منفذة لارادته وليس ككيانات انسانية حقيقية لها حقوق وعليها واجبات . . أقول ان مجرد القبول بأسلوب المشاركة وتوسيع حجم الطبقات الوسطى والتقليل من الأسلوب الاحتكاري النخبوي خطوه جبارة في طريق الاتجاه الى التحول الديمقراطي وكذلك مجرد القبول بانتقال خيوط السلطة الى أكثر من يدٍ واحدة لهو تطور يوفر على الأمة وأجيالها مالاً ودماً وجهداً لا يعرف سوى الله مقداره .
لقد أنجبت هذه الأمة أمثلة حية " ولكنها جميعها فردية " على عبقريتها ولكنها لم تبرز في جهدها الجماعي على أي صعيد فإذا كانت أوروبا أحدثت المنهج الديمقراطي ودخلت به العصر بعد أن طال نزيفها فهل تستطيع أمتنا أن تدخله بطريقة أخرى غير تلك التي شهدته أوروبا مع تناظر الأسلوبين وتشابههما من حيث الركائز والمبادئ العامة ، طريقة تثبت معها عمق الاستفادة من التاريخ والتجربة لا يمكن التفاؤل كثيراً فالتاريخ أيضاً يثبت أن المرور بالتجربة أمر ضروري في أغلب الأحيان أما الاستفادة من تجارب الآخرين فهو أمر استثنائي يدركه أولو البصائر والنهى أولئك الذين يدركون أهمية القبول بالشروط التاريخية التي يفرضها العصر والواقع ولا يكابرون، جعلنا لله وقادتنا منهم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق