الأحد، 3 أكتوبر 2010

طبيعة العقيدة والتداول الانساني

بنية الطائفية
طبيعة العقيدة والتداول الانساني
26 -9 -2010
عبدالعزيز الخاطر
الخروج بالعقيدة من نطاق الذات الى دائرة الغير مكلف وخطير وهو  مصدر الصراع الطائفي الذى يتزايد يوما بعد آخر, حتى داخل الدين الواحد .  صراع العقائد خطير وليس فيه منتصر كالنار تأكل بعضها بعضا . من المفروض أن يكون اتجاه العقيدة الى أعلى وليس الى أسفل. من المفروض أن تتصل بالمصدر لا أن تحتدم  فى الواقع  المتعدد . و حيث انها لا تقبل النقاش فهى بالتالي يجب أن تتماهى فى المطلق لا أن تتكدس  فى النسبي وهو الحياة. أدرك الغرب ذلك بعد الحروب الدينية التى امتدت لما يزيد عن العشرين عاماً والتى اتجهت العقيدة عنده بعد ذلك الى السماء والمطلق وتركت الواقع والنسبي للادارة المدنية البشرية , ليست القضية قضية فصل الدين عن السياسة كما  قد يتصورها البعض بقدر ما هو فهم لطبيعة العقائد . ان محاولة الزج بالعقيدة كيفما اتفق واعتبارها محور الاتصال البشري الانساني أمر غير سديد وفهم ضيق للدين. بل إن تحميل الدين ما يجب أن يقوم به المجتمع كتجمع انساني يطلب السلم والتعايش وضع لا يستقيم وطبيعة الدين والدنيا, نطلب من خطيب الجمعة مثلا  أن يقوم بما من المفترض أن تقوم به المجالس المنتخبة من مطالبة بما فيه خير المجتمع ورخائه كما نطلب من عالم الدين أن يتجرد ليخدم الناس بشكل يعفيهم من القيام بدورهم أو بما هو دور المجتمع المدني أساسا ! وهذا فى حد ذاته  تكريس للعقيدة على أرض الواقع استعداداً للتصادم اذا ما ادركنا الاختلاف الطبيعي وتعدد العقائد ذاتها داخل المجتمع الواحد وهروب أيضا من الاستحقاق الحضاري للأمة بل إن ذلك  يدعو بالتالى الى اخضاع العقائد وادخالها فيما هو نسبي ويتطلب اجتهاداً بشرياً يماشي العصر. كنت حتى وقت قريب أرى فى خطبة الجمعة باعثاً لابد منه لحث وتغيير المجتمع , وأدركت بعد ذلك أننا نرتبط بحالة نفسية أو سيكولوجية مع الخطيب أو مع الداعيه الشيخ ، يمتص من خلالها ما نعاني منه من شكوى ونحتاج بعد ذلك الى جرعات مماثلة كل فترة وأخرى بالضبط كالقائد الكاريزمي أمام شعبه وجمهوره , مع انه من المفروض أن يكون ذلك مسؤولية المجتمع المدني أو السلطة المدنية للمجتمع بما يحقق الأمن والأمان والاستقرار له كتجمع بشري انساني يقوم على حرمة دم الانسان وكرامته وحريته بمعنى أن تناقص الدور المدني للمجتمع يزيد من الدور الديني ورجاله ونفوذهم دونما فائدة تذكر لأسباب عدة منها الشخصي ومنها العام المترابط.
الخطورة اليوم تتزايد بقدر ما يتزايد انفصال العقيدة عن الواقع الانساني بل قيامها بديلاً عنه من المستحيل أن يختزل المجتمع فى العقيدة , لقد اعتنقت الامبراطورية الرومانية العقيدة المسيحية بعد فترة طويلة وجاء الاسلام للعرب فى شبه الجزيرة وتغلغل بسماحته لا بحديّته وانتشر بل إن انتشاره تاريخياً كان كدين “ليّن” كما يشار أحيانا أكثر من انتشاره كدين “صلب”.
فالأصل أولا فى الذات الانسانية وكرامتها واحترامها لجميع العقائد والأديان. ان محاولة السب والطعن واتهام العقائد الأخرى بالمروق ومهاجمة ما يعتنقه ويحترمه الآخرون ليس من الدين فى شيء  بل هو داء الأمة الذي لم تستطع معه انفكاكاً وهو ما يؤدي الى  ما نعانيه من استمرار  لتغلب السياسة وأبعادها ومن التحام بينها وبين من يخدم مصالحها, لماذا ؟ لأننا جعلنا من العقائد وسيلة وأسكناها في غير موضعها وبدلنا من اتجاهها الطبيعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق