الأحد، 3 أكتوبر 2010

مفهوم المصالحة وآثامه على الشعوب

مفهوم المصالحة وآثامه على الشعوب
عبد العزيز الخاطر
2009 / 4 / 1
أجندة خاصة
مفهوم" المصالحة" وآثامه على الشعوب
فى مفارقة معاكسة لحركة التطور التاريخي الذى تمر به الشعوب قاطبة حيث يتولد النظام من رحم الشعوب ويستمد آلياته ومكوناته وشرايين حياته من بنيتها الاساسية وجيناتها الطبيعية , نرى النظام العربي على غير ذلك تماما. أولوياته تسبق أولويات الشعوب , شروط بقائه مقدمة على شروط بقائها واستمرارها حتى مفرداته هى من تخضع لها الرقاب وإن لم تكن بذات علاقة ولا أهمية بل ولا وجود لها أساساً بين الشعوب حيث الأمر على شاكلة أخرى.على الكثرة أن تتلاءم ومطالب القلة فى مخالفة واضحة لأهم بنود الدستور الديمقراطي اللازم لقيام دولة المواطنة المدنية , سنترك الحديث عن آليات هذا النظام النشاز وسنأتي فقط على البعد الثقافي اللغوي فى أحد أجزائه ومفرداته وهى لفظه "المصالحة" التى لا تترك الأذن العربية برهة من التردد عليها وطرق طبلتها حتى أصاب هذه الأذن الصمم من جراء ذلك.أين يمكن تموضع هذه الكلمه أو المفهوم داخل الشعوب العربية وما علاقتها به؟ وهل تنازعت الشعوب لكى تتصالح ؟ ولم تحتاجه الانظمة بل بعض الأفراد فيها ولا تحتاجه الشعوب وعليها تحمل تبعاته برغم ذلك أليس فى الأمر مفارقة وتساؤل حول قيام الدولة ومشروعيتها فى عالمنا العربي ؟ لو استطعنا قياس الوقت والزمن والثمن أيضا الذى تستنزفه هذه اللفظة أو المفهوم جريا للحصول عليه وهو مفهوم أصلا سراب لا يفتأ يظهر حتى يغيب اذا ما اقترن بالحالة الفردية ومزاجيتها ورؤيتها الضيقة لادركنا عظم الخسارة وفداحة الخطب الذى تتحمله الشعوب والمجتمعات العربية. منذ ما يزيد على العقد والامة تسعى وتهرول لتمسك بالمصالحة وتستنفر كل قواها وميزانياتها لذلك وما أن تتحقق حتى تظهر من بعد وزاوية أخرى. هل سمعتم بمصالحة بين النظام الانكليزى والنظام الفرنسى مثلا داخل البيت الاوروبى أو النظام الامريكى والكندى داخل الحظيرة الامريكية الشمالية ؟ بل بين الانظمة الامريكية الجنوبية الأقل تقدماً لا تحظى المصالحة بمفهومها العربي المثبط والمجحف بأي وجود . مفهوم غريب نستعيره من ذاكرتنا التاريخية ذاكرة داحس والغبراء دلالة عن عدم نضجنا وتخلفنا العقلي وتشوه وعينا حتى أصبح خليطا من الدين والسياسة وعقلية الغنيمة والاستئثار رغم امتلاكنا لثروات الدنيا لكنها لم تخلق وعياً حقيقاً دون انصهار ما قبله وتحلله وتحوله الى وعي مغاير يجعل من الانظمة مولودا حقيقا أصيلا لشعوبها. ثمة دلائل يمكن لي أن اسوقها هنا استدلالا على بقاء هذا المفهوم " المصالحة" مزمنا فى الذاكرة العربية وسيبقى كذلك حتى يأتى الله أمرا كان مفعولا .
اولا: تحول النظام العربي الى طبقة وهو أصلا طبقي منذ العصور الأولى إلا أن ازدياد الثروة حوله الى طبقية حادة متكورة حول ذاتها ومتأصلة داخل شرايين المجتمع كله.
ثانيا: غياب الزعامة ذات الرؤية الشمولية المتصالح حولها والمتفق عليها حول الأمر الى مصالحات جزئية قصيرة حيث تعدد المراكز والرؤوس.
ثالثا: عدم وجود المشروع العربي الواضح كما كان فى السابق جعل الانظمة العربية عرضه للاستقطاب من دول المشاريع القائمة والواضحة فتراها بالتالى أقل مناعة وهشاشة حيث لا تملك مشروعاً تلتف حوله وتؤمن به.
رابعا: عدم مسايرة العصر بامتلاك مقوماته السياسية "الانظمة الديمقراطية", أو العسكرية" أسلحة ردع حقيقية" بما فيها السلاح النووي, أو الاقتصادية" التكتلات والاقتصادات المشتركة" جعل الانظمة زائغة البصر خائفة من مجرد حتى الاختلاف .
خامسا: عدم تطابق بعض الانظمة مع مقدرات وامكانيات شعوبها جعل من هذه الامكانيات مهدورة وغير مستغلة وبالتالي تضيع ورقة تفاوضية حاسمة فى يد الأمة حول قضاياها المصيرية. ويجعل من هذه الانظمة عرضه للنقد والاختلاف مما يستوجب المصالحات بين الفينة والأخرى.
سادسا: العمل على اسباغ نوع من القدسية على النظام بطريقة تدريجية ومع مرور الوقت ونظرا لطول فترة النظام العربي كل على حدة مقارنة بالدول الاخرى ينتهى الأمر الى وجود هالة قدسية كاملة ومتأصلة حوله تمنعه من الاعتراف بارتكاب أي أخطاء أو حتى قبول النصيحة حتى ولو أورد الأمة مدارك حتفها وانتحارها. فأكثر ما يمكن بالتالي أن يقدمه حول التصالح مع نظرائه والبطش بمخالفيه داخليا.

هذه فى اعتقادي بعض الامور التى جعلت من شيوع مفهوم " المصالحة " وبقائه مستمراً على حساب مفاهيم العصر المعاشة وجعل الأمة تفرغ من حمى مصالحة لتبدأ الاستعداد لمصالحة أخرى والحبل على الجرار فتسعد الانظمة لتشقى الشعوب معادلة قائمة ومستمرة كمن يمشي على رأسه بدلا من قدميه هذه حال الأمة طالما ظل هذا المفهوم شغلها الشاغل وديدن أمين جامعتها يهرول وراءه من قُطر الى آخر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق