الأحد، 3 أكتوبر 2010

مجنون ليلى بين الطب والأدب

مجنون ليلى بين الطب والأدب
عبد العزيز الخاطر
2009 / 4 / 6
استمتعت كثيرا بقراءة كتاب الدكتور حجر أحمد حجر البنعلي الأخير "مجنون ليلى بين الطب والأدب" لما له من أسلوب جذاب وسهل وممتع لغير المتخصص فى الطب, وجزالة فى اللفظ وارتقاء بالذائقة اللغوية تأخذ بيد غير المتخصصين في الأدب كذلك وتعلي من شأن الأدب ذاته.التقاء العلم بالأدب سواء أكان فكراً أم شعراً أم نثراً في معظمه يمهد لشخصية استثنائية لا يقتصر تأثيرها على المختبر معملاً أو على المكتبة بحثاً وقراءة. وظاهرة الطبيب الأديب ليست غريبة على المجتمع العربي الحديث على الأقل برغم ندرتها وعدم تكرارها نسبيا. كم منا يعرف أن ابراهيم ناجى شاعر الأطلال كان طبيباً ماهراً وكم منا يدرك أن مصطفى محمود الفيلسوف صاحب رحلة الشك الطويلة كان طبيباً متخصصاً في الأمراض الصدرية وعلاجها. اجتماع الأدب بالعلم يقلل من جفاف النظرية العلمية ويؤممها للعامة كما أن للعلم أن يكشف لنا خفايا نفس الأديب شاعراً كان أم  ناثراً أم فيلسوفاً ويفسر لنا سبب بروزه وتميزه وانعكاساته وربما شذوذه عن مجتمعه سلباً كان ذلك أم ايجابا.
لقد جاء كتاب الدكتور حجر عن " مجنون ليلى" خارج الإطار التقليدي سواء للطب أو للأدب فقد تعامل مع هذه القصة التى نسج الخيال حولها بيوتاً كبيت العنكبوت جاعلا من شعره أداة لذلك ومصدراً لتأويل أحداثها فهو "أي الكتاب" أشبه بالمزيج بين النفس والبدن والحالة الاجتماعية والربط بينهما بشكل علمي حديث. ففكك مصطلح الجنون لدى صاحبها ونزع الأسطرة عن قصة حبه وأنسنها ووضعها فى اطارها الانساني . كانت الصفة الغالبة لصاحب هذه القصة هى صفة الجنون الأمر الذى أفقد شعره قيمته الحقيقية كونه يصدر عن مجنون. يجرى التعامل مع الأسطورة فى العقلية العربية بشكل خام مما يزيدها غموضاً ومركزية للتأويل بعيداً عن حقيقتها وواقعها لذلك تأتي هذه الدراسة محاولة لكسر ذلك وتفكيكه واسقاط المعرفة العلمية المتحصلة اليوم على هذه القصة لتبرير سلوكها وادخالها فى نطاق المعقولية. لقد اتضح لنا بعد قراءة هذا الكتاب القيم بأن المجنون" ليس مجنوناً بالمفهوم العلمي للجنون أو الطبي وانما وصل الى مرحلة متقدمة من "العشق" تسمى بالجنون. وان السقوط فى ذلك خارج ارادة الشخص ويصعب تفسيره مفنداً كثيراً من النظريات النفسية كالفرويدية التى ترجع كل السلوكيات الى الدافع أو الرغبة الجنسية بل ان الحب الرومانسى لا علاقة له بالرغبة الجنسية وهدفه مختلف حيث يسعى الى الوصال العاطفي وغالبا ما يستمر فترات طويلة ولا يهدأ بالاتصال الجسدي كالرغبة الجنسية. وأوضح لنا كطبيب أعراض العشق العضوية كالنحول والهزال وشرود البال التى هى أساساً انعكاساً لحالة العاشق النفسية أو ما يسمى بالأمراض" السايكو سوماتك" وبأن الرجل مات متأثرا بتصلب فى الشرايين واختلال بالنبضات الكهربائية للقلب نتيجة لهذا العشق الذى يعتبره الطب النفسي اليوم مرضاً نفسياً قد يقود بصاحبه الى الجنون. ثم قدم شرحاً لحالات خليجية أكثر معاصرة شبيهة لما كان يعاني منه "مجنون ليلى" احداهما اشهر من نار على علم فى منطقتنا وأدبياتها وهو محمد بن عبد الوهاب الفيحاني الشاعر العاشق الذى مات متيماً بعشقه والآخر " لمجهول" عاصره الكاتب كصديق أعواماً عديدة. ثم و بأسلوب سلس تناول ما يحدث فى جسم العاشق من تغييرات فسيولوجية ونفسية نتيجة لافرازات كيماوية تقوم بها العديد من الغدد داخل الجسم نتيجة لحالة العشق لديه مثل هذه المعلومات يستفيد منه القارىء غير المتخصص دونما تعقيد وتزيد من تثقيفه بما يدور فى جسمه فنحن لا نرى سوى السلوك الظاهر ولا ندرك كيف تتعامل الحالة النفسية مع الحالة العضوية سويا وتبادلياً داخل أجسامنا لاظهار ما يسمى حالة مرضية.
فى اعتقادي ان كتاب " مجنون ليلى بين الطب والادب" للدكتور حجر كتاب مفصلي فى حياتنا الثقافية للأسباب الاتية :
اولا : انه يؤصل لدراسة الأسطورة أو ما أصبح أسطورة بفعل التراكم والنقل دراسة علمية وعدم تناولها خاماً وتصديرها للأجيال القادمة كذلك
ثانيا: انه دعوة لمشاركة أهل الاختصاص العلمي والبحوث العلمية فى الحياة الثقافية وألا تكون حكراً على أهل الادب وحدهم فيزيدونها تراكماً على تراكم.
ثالثا: انها دعوة لتقليل مساحة اللامعقول فى حياتنا من خلال اخضاع الظواهر الاجتماعية للدراسة العلمية والبحث العلمى المختبري ويكفى أن نعرف أن "المجنون" كما تناوله تاريخنا لقرون حتى اليوم لم يكن كذلك
رابعا: انه دعوة لايجاد لغة مشتركة بين العلم والأدب يستفيد منها العامة بحيث لا يبقى التخصص حكراً على أهله يختفي باختفائهم. نحن بحاجة الى تأميم العلم كما اننا بحاجة الى علماء يدركون ذلك.
خامسا: انه دعوة للتمسك بالتراث بعد تمحيصه وفرزه وباللغة العربية كوعاء جامع للأمة وبأهم روافدها وهو الشعر العربي والارتقاء بموضوعاته.
سادسا: المراجع الكثيفة العربية والانكليزية خلف كل فصل تنم عن عمق التجربة فى المجالين الطبي والأدبي هو ما نفتقده بشكل كبير فيما يسمى دراسات أو بحوث.
أخيرا أود أن أشير بعد قراءتي لهذا الكتاب الى تعاطفي مع صاحب موال قديم كنت أسمعه وأردده فى شبابي الأول:
لي فى محبتكم شهود أربع وشهود كل قضية اثنان
خفقان قلبي واضطراب جوانحي ونحول جسمي وانعقاد لساني
وأدركت بأن صاحبنا يعاني من أعراض عضوية أصلها حالته النفسية وبالتالي علاجه متوفر وشفاؤه محتمل. يبقى أن اشير كذلك الى سؤال يحتاج بالضرورة الى تلازم العلم والأدب معا كما فى حالة الدكتور حجر للإجابة عليه وهو
هل يمرض المجتمع مرضاً عضوياً أسبابه حالته النفسية ؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق