الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

مصر والبحث عن الذات الدور العربي وآلام الفقد

مصر والبحث عن الذات الدور العربي وآلام الفقد
عبد العزيز الخاطر
2008 / 12 / 31
فى السياسة لا يوجد فراغ دائم ,عندما سقط الاتحاد السوفيتي أخذت الولايات المتحدة حصته كاملة,وعندما تلاشت بريطانيا تقدمت أمريكا لتسد الفراغ وعندما انكفأت مصر داخل مصريتها بسطت اسرائيل هيمنتها على المنطقة , وعندما تضاءل الدور العربي واضمحل فى المنطقه تصدت الاجندة الاسلامية كاسرة الترابط بين الدورين لتأخذ زمام المبادرة بخصوصية لا تضع بالضرورة المصلحة العربية في أولوياتها. هذا هو التاريخ من يتنصل عن دوره التاريخي المنوط به عليه أن يتحمل النتائج . لا يخفى على أحد التجاذب الاقليمي فى المنطقة وبروز قوى جديدة تبحث عن دور أكبر لها في المنطقة وخفوت وتراجع لقوى أخرى في مقدمتها الدور العربي وتضاءل دول أمام مستحقات الدور التاريخي فى مقدمتها مصر وما لجوء مصر لتركيا الى مثال واضح لتراجع دورها وفقدان لمصداقيتها ضمن اطارها العربي ولا أعني هنا الشعب المصري بل القيادة المصرية , ولا يخفى على أحد كذلك أن ما قامت به اسرائيل من ابادة للشعب الفلسطيني فى غزة وارتياحها لذلك واعتدادها باستمراره والتلذذ بذكر ايجابياته ما هو إلا رقص على هذا التجاذب الاقليمي وملء لفراغاته وفجواته, فغاية ما يرجوه " المتواطئون" والساكتون ضمنا عن مثل هذا العدوان السافر هو تحجيم الدور الايراني خوفا من تكرار نموذج حزب الله على الجهة الأخرى من المنطقة , ومع ذلك فهناك عدة أمور لابد من ايضاحها حول ما يجرى وموقف الأطراف والمنطقة ككل حتى تكتمل الصورة.
اولا: لا يمكن لأي عربي مهما كان توجهه أو انتماؤه ولا يمكن لأي نظام يدعى عروبته أن يبرر المجزرة التي يتعرض لها قطاع غزة وأن يضع عبارات مثل "حذرنا " ونبهنا" كتبرير أو أن يفتح ملفات أخرى قبل العمل الفورى والفعال لوقفها, انها ابادة جماعيه فوق أي مصطلح أو خلاف سياسي أو اقليمي.
ثانيا: علينا التنبه أن ما تقوم به ايران يصب فى تيار مصلحتها الاقليمية كدولة كبرى في المنطقة لها أولوياتها واستراتيجيتها ولا يمكن تعقبها على ذلك طالما أن هناك فرصة وفراغاً أو تنصلاً للبعض من دوره جعل من الوضع أكثر تهيئة وأكثر جهوزية لها لأن تقوم بذلك.
ثالثا: فلسطين كانت دائما قضية العرب الأولى ولكنها لم تعد فعليا كذلك بعد كامب ديفيد واذا استمر الشعار مرفوعاً فثمة انفصال وشرخ بين الأنظمة والشعوب جرى بعد ذلك وخاصة بين النظام المصري والشعب المصري والدليل أن أكبر مقاومة للتطبيع مع اسرائيل تأتي من الشعب المصري نفسه وبعد مرور كل هذه السنين وبالتالي شعرت اسرائيل بعد ذلك بنوع من الارتياح والخروج من الحصار المضروب حولها وشعرت الانظمة العربية الأخرى بنوع من الحل من الالتزام القومي جراء ذلك.
رابعا:أين الدور العربي وركيزته مصر ؟ ان تحول مصر من دولة مواجهه مسوؤلة الى دور وسيط بين العرب واسرائيل ترك فراغاً عربياً كبيراً فى قضية العرب والمسلمين الكبرى أمكن للغير اتيانه من البوابة الاسلامية حيث انها قضية المسلمين الأولى كذلك طالما أن الدور العربي انكمش ولم يعد رأس الحربة فى ذلك.
خامسا: لا قيمة لمصر فى المنطقة إلا من خلال الدور العربي فهى لا تمثل بعداُ آخر غير البعد العربي ، والكلام عن فرعونيتها كلام تاريخي ليس له من مجال اليوم فى عالم السياسة.
سادسا: أين الاجندة العربية حتى نلوم الآخرين بالتدخل وتمقص أدوارنا؟ لا يملك العرب أجندة واضحة تجاه أي قضية وما الكوارث التى حلت وتحل بالأمة من حرب الكويت الى غزو العراق الا بعض الأدلة على فقدان العرب لأجندة واضحة وهذا لا يمنع من القول بأن الانظمة العربية لها أجندات خاصة بها وفي مقدمتها توارث السلطة والثروة.
هذه الايضاحات أراها ضرورية وأساسية لكي ندرك ما نراه من مناظر ومشاهد يصعب علينا تصديقها وتفاجئنا بين الفينة والأخرى فالأزمة هيكلية فى بنية النظام العربي ولا يكفى تناولها دبلوماسياً وسياسياص بشكل سطحي . علينا الوعي بأن الدور العربي فى القضية الفلسطينية دائما كان دوراً مقاوماً ورافضاً ومتى ما تخلى عن ذلك فقد ذاتيته وبقائه . ان حماس ضحية غياب هذا الدور العربي المقاوم وضعف قدرة الانظمة العربية على استحضار الدور الاسلامي وتحمل تبعاته ونتائجه لقد تم الفصل و التلاحم بين الدورين بالأخص فيما يتعلق بقضية فلسطين المقدسة عربيا واسلاميا. ان مصر اليوم وهى تفقد أهم صادراتها وهو الدور المصري الفاعل انما تتنكر لذاتيتها وتاريخها العظيم ولا يمكن استرجاع ذلك سوى بعودتها لممارسة دورها العربي والاقليمي بكل تبعاته ونتائجه انه من المخجل أن تلجأ الى تركيا وتنضم تحت اجندتها لايجاد مبادرة لتحفظ ماء الوجه المسكوب.
لا لا لا ليست هذه مصر ولا يستحق الشعب المصري العظيم ولا الجيش المصري الباسل ولا تاريخه المشرف كل هذا الهوان مصر !! ستعود مصر ! لا شك فى ذلك فالكربة عامة وشاملة وليس لها من دون الله كاشفة.

الى غزة .. أشكو العروبة أم أشكو لك العربا

الى غزة .. أشكو العروبة أم أشكو لك العربا
عبد العزيز الخاطر
2008 / 12 / 29
الى غزة الصامدة
"أشكو العروبة أم أشكي لك العربا"

المؤتمر الصحفى للرئيس الفلسطينى ووزير الخارجية المصري الذى عقد في القاهرة بعد وأثناء العملية الاسرائيلية العسكرية الغادرة فى قطاع غزة وتصريح المندوب المصري في الأمم المتحدة أو في مجلس الأمن والذي جرت فيهما الاشارة من الجميع الى مسئولية حماس عما حصل ويحصل بالقطاع تلميحاً تارة وتوضيحاً تارة أخرى ولم يذكر أحد اختراقات اسرائيل المتكررة والحصار الذي يعاني منه القطاع لا لشيء إلا لكونه اختار قيادته ورضي بها.يدل بما لا يدع مجالا للشك بأن الوضع العربي يعيش الهزيمة حتى قبل حدوثها وأن الانظمة العربية مضروبة فى ارادتها وروحها المعنوية وقابليتها للمقاومة سوى ما يمس الحفاظ على وضعها كأنظمة حاكمة وعروش قائمة والمفارقة لدينا نحن العرب هي فى كون النظام هو الأمة بمعنى آخر هو أن ما يريده النظام لابد وأن يسري على الأمة كرهاً أو طوعاً . لم تأت حتى اشارة واضحة أو ادانة شديدة أو تهديد لاسرائيل في هذا المؤتمر ولا في المؤتمر السابق لليفني والذى تعهدت وتوعدت فيه قبل بدء العملية العسكرية و برغم بشاعة العملية الاسرائيلة ودمويتها إلا أن الوزير المصري ظل يتكلم عن اتصالات لسفيره فى تل ابيب للنظر فيما يجب عمله . مصر أكبر شريك عربي لاسرائيل وأكبر دولة عربية ولكني أعتقد بأن وضعاً نفسياً جديداً أصبح مسيطراً بل وتحول الى وسواس قهري لا يمكن الفكاك منه بدأ كاستعداد وتهيؤ نفسي مع زياره السادات للقدس فى عام 77 وهى مفارقة بكل المقاييس ذهاب المنتصر للمهزوم بعد حرب 73 وهى نصر مادي بكل المقاييس بالمقارنة بهزيمة 67 منذ تلك اللحظة بدأت ثلاثية التحدي للأمة ولكل أمة "الاراده , الروح المعنوية , المقاومة " بالترنح والاهتزاز وتحول هذا الاستعداد بعد السادات الى سمت وصفة دائمة للنظام العربي ومصر فى مقدمته وإن كنت أشك بأن الرئيس السادات ، لو استمر به الحال ، أن يستمر هكذا بدون روح مصر وعروبة وتاريخ مصر وتضحيات مصر دون أن يحرك ساكناً لما عرف عنه من تقلبات ومفاجئات. لقد هزم العرب هزيمة مادية نكراء فى 76 ولكن ارادتهم لم تهزم واحتلت اسرائيل أجزاءً من ثلاث دول عربية ووقف دايان ينتظر قرب الهاتف اعتراف عبد الناصر بالهزيمة كما أشار فى مذكراته فإذا بالجواب اغراق ايلات مفخرة الاسطول البحري الاسرائيلي فى حرب الاستنزاف المجيدة التى أرهقت اسرائيل أيما ارهاق حتى طلبت التدخل من جانب الولايات المتحدة ووزير خارجيتها روجرز فى حينه .الهزيمة المادية يمكن تلافيها والسيطرة عليها والأهم ألا تهزم الأمة نفسياً ومعنوياً وهو مابدا كما أشرت كاستعداد بعد زيارة السادات للقدس واستمرأه وشربه حتى الثمالة النظام المصري بعد ذلك بل أصبح سمة من سماته .كانت القمم العربية مزلزلة فى نتائجها وكلنا يذكر قمة الخرطوم بعد الهزيمة واعادة بناء الجيوش والاستعداد للمعركة القادمة. كل تلك مؤشرات على حيويه الأمة حتى حرب لبنان الأخيرة 2006 لم نأخذ منها الدرس لقد حاكم الشعب الاسرائيلي قياداته وأدانهم لاستشعاره بمدى الهزيمة النفسية التى لحقت به وبجيشه من مقاومة لا تملك مايوازي قدراً من جيشه . واليوم يدفعون بأبطال غزة المحاصرة الأبية بمواقفهم وتصريحاتهم وشمتهم لأن تعلن هزيمتها النفسية ويحملون أبطالها ثمن عجزهم وتواطئهم , اتهموا العروبة مرة والتنادي بها كرباط يعلي ويوحد الأمة بأنها وراء نكساتنا المتكررة واتهموا الاسلام مرة أخرى بمعاداة العصر ودعوا الأمة باسم الواقعيه الى الرضوخ والقبول ومع ذلك لم تسلم للامة قناة ولا الشعوب حياة يعشش الفقر فى جنباتها وهى أغنى أمم الأرض وتذهب خيراتها مناصفة دون الشعوب. لقد دخل رئيس وزراء اسرائيل السابق" بيغن" فى حالة نفسية اكتئابية حتى وفاته وبشعور بالذنب عجل بمرضه واكتئابه بعد مقتل 500 يهودى جراء اجتياح لبنان 1982 وظل يعاني الأمرين من ذلك !!
انه شعور القيادة تجاه الشعب والقرارات المصيرية حتى من أعدائنا لا نتعلم اليوم صور الجثث المتراكمة حتى لا تخلو بقعة منها فى غزة لا تحرك فينا ساكناً ولا تستحث منا قراراً بل أن هناك من يرى بعدم جدوى القمة العربية وأن الأمر قد لايحتاج الى ذلك, حرموا حتى آذاننا من أن تلامس نداءات الكرامة والعزة.
 أين الله أكبر فوق كيد المعتدي " أين "أخي جاوز الظالمون المدى" الانسان لا يحيا فقط بما يمتلكه وانما بما ينبعث من داخله من احساس وشعور فإذا أصبح خواء لم ينفعه عتاده الذى بين يديه ولا كل الأسلحة المكدسة فى مخازنها , هل كنا خارجين عن القانون يوم نادت قياداتنا برفض الهزيمة وباللاءات الثلاث هل كنا غير واقعيين يوم أن وقفت قياداتنا وأوقفت النفط عن الغرب هل كنا مبالغين يوم كانت قياداتنا ترفض التطبيع الا بعد حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة؟؟ فالهزيمة النفسية لم تجعل منا فقط مرتهنين الى الغير بل أصبحنا ندافع عن حقوقهم حتى على حساب حقوقنا فاليوم غزة تغتال أمام أنظارنا والدماء الزكية تسكب وصيحات الاستشهاد ترفع الى السماء ثقافة الاستشهاد لا يحبونها لكنها لأصحابها حياة أخرى دائمة فالمنظر مربك ومحرج لهم وسيظل يلاحقهم كما لاحقت أرواح الاسرائيليين" بيغن "حتى قبره . اللهم نشكو اليك ضعفنا وقلت حيلتنا وهواننا على الناس.










الكيمياء القاتلة التطرف بين الذات الانسانية والعقيدة الدينية

الكيمياء القاتلة التطرف بين الذات الانسانية والعقيدة الدينية
عبد العزيز الخاطر
2008 / 12 / 20
كيمياء التطرف تتمثل فى تماهي العقيدة مع الذات بحيث تصبح هي الذات ويصبح بالتالي تعاطي أي نقد أو مخالفة لهذه العقيدة يتم على أساس انه موجه الى الذات. فالمتطرف لا يرى تلك المسافة الضرورية التى تفصل بين الذات الانسانية المتمثلة فى خلق الله أجمعين وبين العقيدة التى يتبناها هو وقد لا يتبناها غيره من الناس, بل من الواقع جدا ألا يعتنق الجميع العقيدة الواحدة نفسها لأن سنة الله تقتضي الاختلاف . فتراه يثور عندما يحاور أو يسمع لمن يخالف عقيدته أو لا يضمر انسانية لمن يرى أنه يعتنق عقيدة أخرى فيصبح الأمر لديه قضية وجود , ولأن قدرته على التحمل أو معايشة أصحاب العقيدة الأخرى ضئيلة ولأنه يرى فى ذلك فناء لذاته وتلاشياً لها فإنه يسعى الى إلغاء الآخرين وحقهم فى الاختلاف بشتى السبل المتاحة, فيقصي اذا أمكن الاقصاء ويسفك الدماء اذا تطلب الأمر ذلك.
فناء الذات فى العقيدة هو كيمياء التطرف التى يجب ايقاف تبلورها او اشتعالها أو على الاقل تفكيك جزئياتها بشكل أو بآخر . ثمة وسائل عديده لانجاز ذلك منها أو من أهمها اللجوء الى الأسبقية التاريخية لوجود كل من الذات والعقيدة والتركيز على ان الذات هى الأساس أو هي صاحبة الأسبقية ثم يأتي تبني الانسان للعقيدة بمعنى آخر هو أن يولد الانسان ذاتاً ومن ثم يتبنى العقيدة أو المنهج التى يقتنع بها أو به وللعوامل الاجتماعية والثقافية وحتى الجغرافية تأثير فى ذلك فالانسان منتج اجتماعي كما يرى البعض.
وبالتالى للذات الانسانية صفات تميزها عن غيرها من الذوات الأخرى المخلوقة فهى انسانية الطابع أي انها تقبل التعايش وإن كان ثمة اختلاف فى اللون أو في اللسان أو الشكل ولكن الطابع الانساني جامع لما تحته من خصائص اختلافية صغرى. فمن الضرورة أو من مستلزمات الوعي الطبيعي ألا تغير العقيدة المتبناة من هذه القابلية الانسانية للتعايش. بمعنى آخر أن تحافظ هذه العقيدة على انسانية الذات وحريتها فى الاختيار وأن بنت فوقها رؤيتها المختلفة وتصورها للكون ولها كل الحق فى الدفاع عن ذلك والاستماتة في ذلك أيضا بشرط ألا تفرط أو تغفل عن الأساس فى حرمة الذات الانسانية وأحقيتها فى الوجود والتواجد وحرية الاختيار.

التراكم والفهم التاريخي الذى أدى الى فناء الذات فى العقيدة هو الكيمياء التي يخرج بها المتطرف من المختبر فيرى العالم بشكل أحادى وضيق فلا انسانية دون ما يعتقده ولا عقيدة غير تلك التى تخرج مع أنفاسه, والعالم بالنسبة اليه بؤرة ضيقه لا تحتمل غير المختلف. ان اشكالية التطرف هي فى كونه يبدأ بالبعيد ثم يأتى على القريب, فذوات الآخرين تنكمش باستمرار لينفرد المتطرف وحده ذاتاً وعقيدة, كنت أرى ولازلت أن عملية التدريس يجب أن ترتكز على أكثر من مستوى يأتى فى مقدمتها المستوى الانساني ومن ثم المستوى الديني والاجتماعي فاختلاف المدارس والمناهج على أشكالها من الضرورة ألا يخرج عن ذلك فلا يأتى أصحاب مدرسة بعينها بأولوية خاصة بها تجعل من المستوى الديني يلغي ما بعده أو يلغيه أو أخرى ترى فى البعد الاجتماعي الطبقي أو الاثني أولوية على المستوى الانساني مثلا. لا انفكاك من خطورة التطرف الا بادراك المسافة بين الذات الانسانية التى كرمها الله والذى امتلك وحده اعادتها اليه وبين ما تعتقد به أو تتبناه وأن بداية تطرفها يبدأ فى تماهيها مع ما تعتقد بشكل ينسيها أصلها الانساني أو قاسمها المشترك مع سائر البشر وقد يجنح بها ذلك الى شاطىء الاقصاء الذي يرى في الآخرين ذواتاً لا تستحق الحياة لا لشيء إلا كونهم مختلفين وفى ذلك تجنٍ على ما جاءت به جميع الاديان والرسالات بل وتمرد على أمر الله بتكريم الانسان وحريته فى الاختيار وبيان قدرة الله وعظمته فى خلق هذا التنوع والاختلاف حيث لو شاء سبحانه لجعلنا أمة واحدة ولكن حكمته أكبر من أن يحتويها أو يدركها عقل مخلوق أو بصيرة بشر.

الحج والبعد الانساني

الحج والبعد الانساني
عبد العزيز الخاطر
2008 / 12 / 15
جماعة " الصحبة " التنظيم الفعال والضمير المستيقظ
آذان الله للناس بالحج دعوة انسانية عظيمة تسحق تحتها كل تجزئة وتفرق أو تميز وأمره سبحانه وتعالى للناس بشهادة منافع لهم جراء ذلك تدل على تعدد منافع وايجابيات هذه الفريضة العظيمة حيث الأمر أبعد من مجرد الأداء الآلي دونما اغتسال الروح وتعاليها وتجردها فوق الماديات والمحسوسات. انها مقابلة مع الله قبل خروج الروح من البدن فى بيته وحول مشاعر حبيبه صلى الله عليه وسلم أما علم السنين والحساب فهو واضح فى التوقيت وترادف المشاعر وتكرار ذلك سنويا عدد ما تغيرت الأجيال وتبدلت الأحوال.
لقد منّ الله عليّ بأداء فريضة الحج لهذا العام وقدر لي أن أشهد توحد الجانب العملي بالجانب الروحي وآلية الأداء بروحانية الدعاء ولم يكن ذلك شيئا سهلاً أو متيسراً لولا توفيقه سبحانه لي بأن أكون أحد أعضاء جماعة" الصحبة " لهذا العام والتى دأب صاحباها الأخ عبدالله بن أحمد المهندي " أبو احمد" والأخ محمد حسن نقي " أبو جاسم" منذ أكثر من عقد على تنظيم رحلات للحج تقوم أساسا على أهمية اقتران الجانبين لهذه الفريضة العظيمة وليس هذا فقط وانما الحرص كل الحرص على أن يستفيد الحاج معهما من كل دقيقة من دقائق تلك الأيام القلائل المشهودة الى جانب ارساء مفهوم الصحبة بين المجموعة وما يمثله من بعد انساني هام برغم فروق السن فيصبح الأمر لقاء من أجل الله وفى محبته رسوله الكريم كل ذلك دون أي سعي لأي مكسب مادي أو دنيوي بل أن مايزيد من تكلفة هذه الصحبة أو الرحلة يعود للجماعة لاقتسامه بعد ذلك معظم حملات الحج ينتهي دورها بعد وصول الحاج الى المشعر ونقله بعد ذلك الى مشعر آخر وكم شهدنا وقتا ضائعاً لدى الكثير ولغواً شائعا فى غير مكانه ولا زمانه نظراً لعدم توافر النظرة التكاملية للعديد من حملات الحج لهذه الفريضة ذات الطابع الخاص والمتميز فى تاريخ البشرية كلها وعدم الاهتمام بتنظيم هذا الوقت الثمين وربطه دائما فى ذهنية الحاج بأنه قد لا يعود عليه وهو فوق التراب فيستشعر بالتالي عظم ما قد يفرطه فى حق نفسه وجسامة ماقد يضيعه فى حق الله ومساءلته له. أجزم هنا بأننا فى جماعة " الصحبة" هذا العام لسنا استثناء لولا برنامجنا المزدحم  المتمثل فى اقامة الليل وقراءة القران والتفاسير والتكبير وأذكار الصباح والمساء والتى حفظها البعض من كثرة تكرارها حتى في الحافلة على الطرق حيث التنقل من مكان الى آخر والمتابعة والحرص الدائمين من جانب الأخوين الكريمين أبو أحمد وأبو جاسم على ابقاء هذا البرنامج المزدحم والذى يقدم بطريقه انسانية واعية ومنظمة تقرن بين أداء الشعائر والتاريخ وتجرد النفس خاصة وأن الرحلة تشتمل أيضا على زيارة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومواقعها الفاصلة في تاريخ الأمة وقبور رجال الاسلام الأوائل من الصحابة والتابعين .كم كانت نظرات الأخ أبو أحمد تلاحق الغافل منا حتى ينتبه ويعود من تلقاء نفسه الى الذكر وقراءة القرآن كيلا يبدو خارج المكان والزمان , كم كانت أسئلته تشحذ المتكاسل ليستذكر ما قد نسي من أحاديث أو ذكر , كم كان دعاء الأخ أبو جاسم مؤثراً فينا حتى بكى له الصغير قبل الكبير فى عرفة حيث فجر التاريخ للانسانية جمعاء أو في" منى" حيث مشهد الحشر مصغراً عند رجم الشيطان وهوى النفس, لقد منّ الله عليهما بالقدرة على امتصاص تمرد الشباب وتوجيهه بصورة أكثر فائدة حيث العدد الأعظم للمجموعة من الشباب الغض وكذلك حسن استماعهما للكبير وملاحظاته وادماج الجميع في جو أخوي حميم من الحوار النافع. لم أشهد حج السنين السابقة ولكنني أستطيع أن اقول بارتياح أن نجاح أي عمل يحتاج الى عاملين اثنين أولهما نستطيع تسميته بالظرفي أو الخارجي والآخر يمكن الاشارة له بالعامل الداخلي أو الشخصي وفيما يتعلق بموسم الحج هذا العام فإن العامل الخارجي أو الظرفي المتمثل فى الجهود العظيمة والجبارة التى تبذلها حكومة المملكة العربية السعودية جعل من هذه الرحلة الايمانية فى منتهى اليسر والراحة فالتسهيلات حيث مشيت وحيثما استقررت وإن كان ثمة قصور فهو فى جهل من يحج بفقه الحج وعدم التزامه بشروط السلامة من نظافة وتطهر وتمثل لروحانية الحج فى ذاته . أما الجانب النفسي أو الداخلي كما أشرت فهو ما يحرص عليه أصحاب جماعة "الصحبة " الأفاضل من العمل بالارتقاء بالحج الى مستوى الروحانية والتنظيم برغم آلية أداء المشاعر .ان عملية تنظيم وقت الحاج فى منتهى الاهمية واشاعة روح الاخوة بين الحجاج تأخذ بيد المتكاسل وتنبه الغافل وترتفع بالأداء بما يعود بالنفع على الجميع.
لقد عدنا أكثر تنظيماً أو تقبلاً للتنظيم فى حياتنا بعد هذه الرحلة الفاصلة فى تاريخ الانسان المسلم, ابتعدنا عن الرسميات لنعود أحباباً نلتقي فى حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام, ابتعدنا عن الألقاب لنصبح أكثر قرباً وانسانيةً لبعضنا البعض, تركنا زخرف الدنيا على أمل أن يصغر في أعيننا يوما بعد آخر فلا نستبدل الأدنى بالذى هو خير , تبددت الهموم وتلاشت الأحزان واضمحلت الفوارق فلا تسمع الا حمداً لله وثناء على رسوله الكريم, لقد كان بيننا صاحب المركز ورجل الأعمال والمهندس والطالب والكبير والصغير وذو الجاه ولكن لم نستشعر ذلك كله أمام تسامي انسانية الاسلام ومركزية الانسان فى الكون ووقوفه مجرداً خاوياً من أحمال الدنيا وزخرفها الزائل أمام خالقه.ان فلسفة الحج تقوم على استشعار المساواة ووحدة المصير, فكرة التميز فكرة دنيوية خالصة يجب أن تخف حدّتها وقوتها بعد أداء الانسان لهذه الفريضة , لقد لبسنا أكفاننا يوما أو بعض يوم ونزعناها وليس ببعيد أن نلبسها متى ما شاء الله بل ذلك حتماً مقضياً لتذوب معنا فى قبورنا التى ندعو الله أن تكون روضة من رياض الجنة.
ان هذا المقال ليس تزكية لأحد بقدر ما هي مشاعر عائد من أداء هذه الفريضة العظيمة والذى استشعر أهمية ليس فقط أداؤها بل طريقة هذا الأداء وتنظيمه فهذه الأمة في حاجة ماسة للتنظيم لتحقق أهدافها وغاياتها.وليس تنظيم وقت الحاج وربطه ببرنامج بما يخدم الهدف الأسمى للحج سوى حجر الأساس لذلك.
جزى الله الأخوين  أبو أحمد وأبو جاسم" صاحبي جماعة" الصحبة" خير الجزاء وجعل عملهما خالصاً لوجهه سبحانه وأورثهما الجنة يتبوءان منها حيث يشاءان انه على كل شيء قدير وتحياتي وأمنياتى الطيبة لجميع الأخوة فى الجماعة الذين سكنوا القلب والضمير وكيف لا وقد مشينا وتآلفنا في أعظم مكان مشت له قدم وأسمى هدف التف حوله بشر.


مجتمع على صفيح ساخن

مجتمع على صفيح ساخن
span>
عبد العزيز الخاطر
2008 / 6 / 23
عندما أعلنت الحداثة سيادة العقل و مركزية الانسان فى هذا الكون لم تكن مجتمعاتنا قد تهيأت لمثل هذه الخطوة المفصلية حيث كانت ولاتزال مربوطة من حبلها السري بالمرحلة السابقة لتلك وهي مرحلة الوصاية لقوى كثيرة خارجية تخضع الانسان لارادتها ووصايتها فهى بالتالي ظلت تابعة وليست سيدة لقرارها ومصيرها. مجتمعنا القطري الصغير يعاني كغيره من المجتمعات العربية خصوصا والنامية عموما من عدم مروره تاريخيا بتلك المرحلة العقلانية التي تسمى مرحلة الحداثة. ما يشهده العالم اليوم كما يشير كثير من ذوي الاختصاص هى مرحلة لاحقة لتلك أو مرحلة ما بعد الحداثة , انسان هذه المرحلة بعد تشبعه بمرحلة الحداثة العقلانية أصبحت لديه القدرة فى التحليق بعيداً عن جميع المرجعيات بما فيها العقل باحثاً عن معان جديدة لوجوده واشباع رغباته وتمثله لسيادة الكون فهو انسان سوبرمان أو يبحث عن تلك الصفة كما أشار نيتشه الذي يعتبر أحد فلاسفة مابعد الحداثة ودعا اليه. فهى مرحلة يسود فيها انسان خاص دون غيره لا بشروط العقل وانما بشروط القوة والانجاز التاريخي.الآن جميع ما تسعى اليه مجتمعاتنا قد تحقق سابقاً فى مرحلة سيادة العقل الحداثية من ديمقراطية واصلاحات اقتصادية واجتماعية الا أنه عصي على مجتمعاتنا حتى اليوم. الشعور العام بالاختلال ناتج عن التحرك في هذا العصرالمابعد حداثي كما أشرت بمرجعيات ما قبل الحداثة العقلية نفسها في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لذلك تثير مواضيع قد أصبحت من المسلمات. كثير من اللغط والخصام وربما الاقتتال فى مثل هذه المجتمعات انظر كم يثير موضوع التركيبة السكانية للمجتمع القطري من تساؤلات وتخوف وموضوع آخر كقانون الانتخابات كذلك الذى وصفه البعض بالقنبلة الموقوتة وبرامج الاصلاح الاداري المتعثرة لماذا؟ لأنه جرى التعامل معها بعقلية ما بعد الحداثة مجاراةً للعصر؛ عصر مصلحه الانسان الأرقى الذى يستمد مرجعيته من تلك المصلحة فقط. فهذه المجتمعات تعيش لذلك على صفيح ساخن, ثمة ارتباط واضح وتأكيد وتركيز بين وجود المرجعيات التقليدية لمرحلة ماقبل الحداثة وافرازات مرحلة مابعد الحداثة فى حالة القفز على مرحلة الحداثة أو عدم المرور بها.
الآن ما يهمنا هو الاشارة الى بعض الأمور العقلانية التى قد تؤسس وتربطنا بمرحلة الحداثة فى مجتمعنا القطري بالذات حتى ولو كان الوقت إن لم يكن قد مضى فإنه يوشك على ذلك. أولا: لا يوجد إصلاح اقتصادي حقيقي دون إصلاح سياسي حقيقي كذلك فجميع روشتات الإصلاح الاقتصادي من خصخصة وبرنامج البنك الدولي وغيرها ذهبت أدراج الرياح فى جميع الدول التي لم يتحقق فيها إصلاح سياسي حقيقي واستغلتها أقلية على حساب الأكثرية.
ثانيا: يجب التعامل مع مكونات المجتمع الحقيقية لا القفز عليها واغفالها نعم يجب تطويرها أما الاستيراد فهو مفهوم اقتصادي ولكنه اجتماعياً كارثة أكثر منه حلاً .
ثالثا: التركيز أكثر على الفلسفة وعلوم المجتمع لتأسيس نظرة عقلانية لدى الأجيال الشابة فيما يتعلق بالمناهج الدراسية أو الندوات والمسابقات والابتعاد عن الطروحات غير العقلانية والتى تؤسس لمفهوم الانسان الأعلى كشعر المديح المبتذل.
رابعاً:اعتماد مبدأ التراكم بدل البتر فى عملية الاصلاح الاداري وعدم التفريط فى الكفاءات .
خامساً: التغيير سمة حسنة وضرورية وهناك وصف محلي جميل لكرسي المنصب يشبهه بكرسي الحلاق لتداول الجالسين عليه الا إنه عندنا صعب التحقق لايمان الحلاق بامتلاكه شخصياً على ما يبدو.
 سادسا: اللغط حول القبيلة وصعوبة تطور المجتمع مع وجودها لغط غير صحي وغير حقيقي فالقبيلة مكون أساسي للمجتمع القطري ومرجعية أولى أساسية لا يمكن تجاهلها والتعامل معها ، يأتي من خلال ايجاد مرجعيات ثقافية أخرى لأفرادها من خلال مؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات والنقابات وحتى الأحزاب فبذلك تتحقق ذات الانسان الثقافية ووجودها الأعلى وقد رأينا ذلك فى الانتخابات الكويتية الأخيرة عندما اختار العديد من أبناء القبائل الدخول فى جمعيات وتكتلات سياسية مع احتفاظهم بانتمائهم القبلي.
 سابعا: استشعار المصير المشترك دائما حكاماً ومحكومين والعمل دائما على اعادة الترابط بين أفراد المجتمع وتعزيز هذا الترابط وهو ميزة طالما تميز بها مجتمعنا القطري دون غيره. تلك على ما أعتقد من أهم النقاط التى يجب التركيز عليها لاعادة المجتمع ووصله بمرحلة الحداثة الضرورية لأنه فى حالة القفز عليها لن يبقى التعامل مع هذا المجتمع داخلياً وخارجياً على أساس أنه مكون من بشر وأفراد بل على أساس أنهم مجرد أشياء هذا هو منطق ما بعد الحداثة فالعمل على ربط المجتمع بطور الحداثة أولوية ضرورية وبادرة من الحكمة أن تتخذ. ما بعد الحداثة يمكن تحقيقه بسهولة فى علوم وفنون كثيرة إلا أن تحققه فى الانسان فكراُ وممارسة يتطلب مروره بمرحلة العقل وبشعوره بمركزيته أولا فى هذا الكون كما ذكرت, فالقطري اليوم يعايش مرحلة ما بعد الحداثة جسمانياً على أمل أن يعيشها ويستشعرها روحاً ومعنى.



مهرجان مزايين الديمقراطية

مهرجان مزايين الديمقراطية
عبد العزيز الخاطر
2008 / 8 / 29
العدوى المطلوبة
مهرجان "مزايين" الديمقراطية
تستقطب مهرجانات مزايين الابل فى منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية بشكل عام جماهير غفيرة من مختلف الطبقات فى المجتمع .ولقد سبق للخيل ان احتلت ولا تزال بؤرة الاهتمام فيما يتعلق بهذا المجال ويبدو أن الابل الآن آخذة هي الأخرى نصيباً مماثلاً , من يعرف طبيعة التاريخ والجغرافيا العربية لا يستغرب ذلك البته, فهذان المخلوقان هما اختزال حقيقي لذلك التاريخ وتلك الجغرافيا فهما رمزان مجردان للعربي وشجاعته وصبره, عليهما غزا وبهما انتصر ومن أجلهما ربما خاض الحروب وأشعل الفتن, بل هما رديفان لشعره وأدبه فأجمل بيوت الشعر ما تغنى بهما أو باحداهما ولولا ذلك لأصبح الشعر العربي يعاني من النقيصة خاصة فيما يتعلق بباب الوصف .اشتغال العربي بهما ربما أنساه نفسه الى درجة أنه أصبح يعيش لهما بعد أن كانا مسخرين لخدمته ,جميل أن يكرم ويمتدح الحيوان والأجمل ألا يسبق بذلك الانسان فتكريم الانسان خطاب إلهي ومفهوم التكريم هنا لا يمكن اختزاله زمنياً ولا جغرافياً وانما هو خطاب مفتوح طالما بقي هناك انسان على وجه تلك البسيطة وخيارات الانسان هي فى صلب كرامته واحترامها هو جوهر تكريمه ولب شعوره بانسانيته.
هناك مهرجانات للديمقراطية تطنطن لها دول المنطقة ولكنها مع الأسف لا ترتفع الى مستوى مهرجانات مزايين الابل مثلاً و ببساطة لأن ليس فيها أصلاً مزايين فلا المجتمع لديه القدرة لفرز ذلك ولم تساعده الحكومات على ايجاد آلية فرز مدنية ولا لجان التحكيم لديها من الانصاف ما لدى لجان مزايين الابل فلا غرو أن تتفوق مثل هذه المهرجانات الحيوانية على مهرجانات الانسان الخليجي المصيرية اقبالاً ومشاهدة وعرضاً اعلامياً وجوائز مالية ومكانة اجتماعية.
مأساة الانسان الخليجي أنه نسي أو نسي نفسه وكل ما يمارسه من احتفالات ومهرجانات بعيداً عن خياراته وارادته هي أقرب الى مهرجانات مزايين الابل ففى معظم دولنا الخليجية ما عدا الكويت الى حد ما فإن ركيزة كرامة الانسان وهي حريته واحترام خياراته غير متوفرة ولا تسعى لها الحكومات بالصورة المطلوبة والضرورية للعصر بل إن تكريس التبعية والزبونية والنفاق السياسي جارٍ على قدم وساق وبشكل متطور ويظهر منها بوضوح برامج مسابقات الشعر التى تتوج الوضع الراهن فائزاً بكل الميزات والفضائل ولاتستشرف المستقبل ولا ترقى حتى باللغه ذاتها ومنها كذلك مهرجانات مزايين الخيل والابل حيث مواكبة الشعوب لقياداتها ورموزها تماثلاً ومحاكاة على الرغم من بون المسافة المادية والمعنوية بين الطرفين.
الشعوب بحاجه ماسة الى الانتقال الى مرحلة جديدة تتوّجها مالكة لخيراتها وهي التى أثبتت على مر العصور ولاء تاريخياً لقياداتها ولذلك ومن أجل أن يستمر مثل ذلك الولاء ويتوّج مشاركة فى صنع مستقبل الأوطان لابد من العمل على انتقال المواطن من ذهنية التقليد والمحاكاة الى ذهنية الابداع التى تتطلب شخصية قوية على ابداء الرأي والجهر به وايجاد القنوات السياسية والاجتماعية المطلوبة والضرورية لتحقيق ذلك وهي موجودة ولكن يجب أن يسلط الضوء عليها وأن يجري تقنينها كذلك. اننا فى حاجة الى مهرجانات ديمقراطية على جميع المستويات أكثر من حاجتنا الى مهرجانات المزايين الآخذه بالانتشار السريع و في اعتقادي أن ذلك تسرباً خطيراً للكوادر والطاقات قد يؤثر على الاقتصاد في المستقبل خاصة اذا اعتبرت مناسبات لاثبات الوجود والمكانة فبذلك ستنجذب الطاقات والامكانيات إليها تاركة مفاصل الاقتصاد والتنمية للغير من غير أبناء الوطن. بل اننى أعرف مهندساً شاباً يحمل شهادة ماجستير من احدى جامعات امريكا المرموقه هجر وظيفته ليصبح " مضمراً" للمطايا والمضمر بلغة أهل الخليج من يعتني بالابل ويعدها للسبق .
على أصحاب القرار التنبه الى أن الشعوب التقليدية كشعوبنا مولعة بالتشبه والتقليد والمحاكاة لرموزها أملاً فى التقرب والمنصب والجاه وما الى ذلك خاصة بعد أن اختزل العلم فى شهادات تباع وتشترى فأصبح اضافة قد يتطلبها الأمر عند الضرورة فلا أقل من أن يملي عليهم ضميرهم وواجبهم تبنى معايير انسانية جديدة تبني الأوطان وتحترم الانسان وتعلو بالعلم وأهله والمخلصين والشرفاء من أهل الوطن.


بناء الشخصية الوطنية.. كيف؟

بناء الشخصية الوطنية.. كيف؟
عبد العزيز الخاطر
2008 / 7 / 1
ربط المصير بدولة القانون واستقلال القضاء
القطري وبناء الشخصية الوطنية.. كيف؟
كان تشرشل زعيم الانتصار البريطاني فى الحرب العالمية الثانية يسأل عن استقلالية القضاء عندما يزور أو يتحدث عن أي دولة أو مجتمع ينوى زيارته أو تقييم وضعه ومكانته بين الأمم . لا يسأل عن أي شيء آخر سوى استقلالية القضاء ليدرك بعد ذلك مصير ومستقبل تلك الدولة وذلك المجتمع. بنية المجتمع المدني الحديث تقوم على ذلك وغياب تلك الاستقلالية يصل تأثيرها الى بنية الشخص النفسية والعقلية كذلك.
عندما لا يواكب الأطر القانونية والادارية والتشريعية بصفة عامة تطور حقيقي في بناء شخصية انسانها أو مواطنها وذلك ينتج عن أمور عدة  سوف أشير الى بعضها لاحقاً يحدث خلل كبير فى عملية التنمية المرتجاة لا يساعد على تطور هذه الأطر وتلك التشريعات الى الأفضل أو باتجاه المواطن كهدف ومبتغى من وضعها أساساً . بمعنى آخر ألا تكون هناك تغذية نقدية راجعة من جانب المواطن تساعد على تطويرها وتعديلها بل يغلب خصائص النفسية المضطربة على الردود ويسود الصمت عدا ومضات من الهمس الخفي هنا وهناك. خطورة ذلك أنه يعطي مؤشرات خاطئة لصاحب القرار ومصدره بأن الأمور جميعها على ما يرام ولا تحتاج حتى الى مراجعة فينتفي عن العملية حتى بعدها الانساني الخطّاء وتفتقد عملية التفاعل الايجابي اللازمة بين متخذ القرار من جهة والمتأثرين به من جهة أخرى فتصبح الخسارة على المجتمع ككل.
ان بناء الشخصية الوطنية الحقيقية التى تجعل من الوطن ومصلحته بؤرة اهتمامها أمر هام وضروري وأساسي لبناء المجتمع المترابط الفعال والمتفاعل فى نفس الوقت فالمطلوب أولاً عملية تفكيك نفسية لشخصية المواطن واعادة تركيبها بشكل آخر يستبعد منها أهم عاملين مسؤولين عن توترها وعدم تفاعلها بايجابية وهما: الخوف وعدم الثقة ومن مظاهر هذين العاملين ينتج تشوهاً حقيقياً يجعل من المواطن يقول ويمارس شيئا وهو فى السلطة أو المنصب ويتحدث ويمارس نقيضه تماماً بعد خروجه من المنصب أو السلطة اذا جاز لنا تسميتها فالنقد لدينا ليس حالة ثقافية وانما حالة كيدية فالخوف أثناء المنصب تحول الى نقيضه دون اتزان حتى فقد وظيفته وجرى الاستهانة به تبعا لذلك .ومن مظاهر هذين العاملين أيضا التمسك بالمنصب حتى على حساب القناعة وهى ظاهرة خطيرة أي أن يعمل الانسان ويمارس دوراً لا ترتضيه قناعاته ولا ضميره كذلك نتيجة الخوف وهي أقرب الى الجاسوسية وعدم الثقة فى بناء الدولة التنظيمي. ومن مظاهرها كذلك تشويه نمط العلاقات الانسانية بين أفراد المجتمع فالعلاقة مع صاحب المنصب فى منصبه شىء وبعد خروجه من ذلك شيء آخر مما يساعد على تفكيك المجتمع ويزرع الشكوك والهواجس بين أفراده.
الآن كيفية الخروج من هذه الحالة المرضية تتأتى بزيادة جرعات المجتمع المدني فى شرايين المجتمع التى من أولوياتها كما أشرت فى المقدمة استقلال القضاء وبناء هياكل مجتمع مدني حقيقية تنبع من داخله ومن وسطه الاجتماعي وبمحض ارادته. فالمواطن العربي اجمالا ما لم يتحرر من الخوف المتوارث داخله والذي نعت بأنه وصفة مطلوبة ومبتغاه خوفاً من المجهول والشرور القادمة وجرى تأبيده بناء على ذلك. لم يثمر أمناً من الشرور ولا سلامة من المجهول بل تمظهرت أعظم انجازاته فى تأليه الزعيم والقائد حياً وانتقاده الى درجة تعريته من ثيابه ميتاً
ولقد سبق للزعيم الراحل أنور السادات أن وضع شعاراً لمرحلته تحت مسمى " لو كان الخوف رجلا لقتلته ليأمن شعبي" ولكن مجتمع الشعارات أيضا مظهر من أخطر مظاهرغياب المجتمع المدني الحقيقي لأنه يجري الاكتفاء بها دون العمل من أجل تحققها فعلياً على أرض الواقع وهى كذلك حضن دافىء للخائفين من غياب آليات المجتمع المدني ومؤسساته الحقيقية. يلتحفون بها طالما هى مصدر آمن وينزعونها متى أصبحت عبئاً ثقيلاً وخطراً ماثلاً ولو كانت من صلب العقيدة والمعتقد. تبدو كذلك أهمية ربط الانسان العربي بصور تاريخه الانسانيه منها أمرا مطلوبا ما عدا ما يتعلق بالنظام السياسي أو السلطة السياسية فيجب العمل على تحريره من تأبيدها وربطه بالحاضر لانها سلطة مدنية متحركة ترعى مصالح الانسان المرتبطة بشرع الله.

نحو مواطن أقل هذيانا

 
 
  
 
وحده المجتمع المدني القادر على ايقاف هذيان المواطن وتحويله الى طاقة عمل وبناء. لو استقرئنا التاريخ لوجدنا أن التغيير الراديكالي وما قد يصاحبه من سلبيات هى نتيجة عدم الاكتراث بهذيان المواطن الذى قد يأخذ شكلاً آخر عندما تصطدم آماله وطموحاته بما لا يطيقه أو يستطيع التعبير عنه فقد انتقل دور الدولة عموما من علاج هذا الهذيان جذرياً الى كيفية التعامل معه ومن ثم تنفيسه.المواطن العربي "والقطري جزء لا يتجزأ منه" مريض بالهذيان والاكتئاب يخلط الماضي بالحاضر والدين بالدنيا يهذى بأمجاد الأمس ولا يملك حاضره وليست لديه القدرة على استشراف مستقبله, يتكلم عن الحرية وهو أول من يحرمها على غيره, يتحدث عن النظافة ليلقي بأوساخه فى الشارع وأمام البيت, يتأسف على ضياع الأمانة ليمارس النفاق سراً , يدعو الى النظام ليفتخر بتجاوزه بعد ذلك, يبكى على الديمقراطية الغائبة لينحاز الى العرق والطائفة والقبيلة حتى الرمق الأخير, يطلب الانتخابات ليكون أول المتنصلين من نتائجها, يقول شيئا فى العلن ليضمر شيئا آخر فى السر, يمارس التقية ويدعي صفاء النية. المواطن العربي هنا ضحية أكثر منه جان لكل تلك المثالب ، هي تمظهر حقيقي لغياب المجتمع المدني الحقيقي الذي يرفع الشخص الى مستوى الايمان بالفكر الذى يميز الانسان عن غيره من الكائنات والذى يعطيه الحق فى الدفاع عما آمن به والقوة فى قول ما اقتنع به كذلك.المجتمع المدني وحده القادر على انتشال المواطن من بؤرة التكور حول الذات لحمايتها الى مجال الحوار الانساني البناء والثقة بالنفس والانتماء المهني والفكري اللازم لبناء الوطن والأمة. لن تكون الدولة أية دولة على هدى وبصيرة وهى لا تحمل فى ثناياها بذور مجتمع مدني حقيقي, هو بوصلتها الحقيقية نحو بر الأمان هو الحد الفاصل بين رشدها وغيها. لقد ظلم المواطن العربي غير مرة , ظلم عندما صدق وعود الديمقراطية الآتية لا محالة ولم ير سوى شعارات ترفع وعبارات تردد, وظلم عندما دعي الى الانتخابات وهو فى غرفة نومه وبين أحضان عشيرته وقبيلته الأقربين وطلب منه أن يتنصل وأن يخرج بنتائج تتفق ووجود المجتمع المدني, وظلم ثالثة عندما فرغت الدولة مكونات المجتمع المدني من مضامينها والحقته بها فكان وبالاً على المواطن لاعوناً له فأصبحت تلك النقابات وتلك الجمعيات والأحزاب ليس لها من المجتمع المدني سوى الاسم كمسمى الديمقراطية المصاحب لاسم العديد من دولنا العربية التى لم تر الديمقراطية ولم تشتم رائحتها. وبعد كل هذا وباسم الواقعية والظروف والتطور يطلب من المواطن أن يكف عن الهذيان وعينه لا ترى سواه عياناً.
 انكم تطلبون المستحيل !!

المواطن بين الفرقة الناجية واليتم الاجتماعي

المواطن بين الفرقة الناجية واليتم الاجتماعي
عبد العزيز الخاطر
2008 / 4 / 13
هاجسان يسيطران على المواطن اليوم لم يستشعرهما من قبل ولم يحسب حسابهما ؛ الهاجس الاول هو هل سيكون من الناجين أصحاب الحظوة الذين ستحملهم سفينة نوح وتعلو بهم على يم العرم السكاني المتزايد يومياً وستحميهم مادياً أيضا مظلة الامتيازات الأرضية من توحش حمى الأسعار وارتفاعها. والهاجس الآخر خوفه الكبير من السقوط فى ملجأ اليتم الاجتماعى لمن لا تصيبه تلك الحظوة وتلك الامتيازات . المجتمع عندنا ابن شرعي للدولي. طبيعة الدولة , ونمط قيامها, وعقدها الاجتماعي, ونمط اقتصادها يقول ذلك. على كل حال فإن لهذين الهاجسين بعدهما التاريخي داخل العقلية العربية , فحديث الفرقة الناجية المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم أسس لركيزة استئصالية ضمن الذهنية العربية والاسلامية لا تقل خطورة عن خطورة ادعاء الجميع بأنهم- دون غيرهم - من يعنيهم ذلك الحديث وبالتالي يؤسس لعقلية الغنيمة التى أشار اليها الجابري فى تحليله لبنية العقل السياسي العربي ؛ تلك العقلية الفئوية ذات طابع الخلاص الفردي . أما اليتم الاجتماعي فبعده التاريخي يتمثل فى تسلط النخب على الأوطان فينزاح الاقتصاد بالتالي الى الجزء على حساب الكل فى حين تبدو المعركة معركة الكل, ونظراً لما للاقتصاد الريعي من أثر حاسم فى عدم تبلور تحول ديمقراطي حقيقي , تصبح تلك النخب هي من يشكل طبقات المجتمع وهى من يتخذ القرار نيابة عنه وهي من ينجو على حسابه. الآن ما يجعل هذان البعدان أشد أهمية وأكثر استفزازاً عنهما فى السابق هو تحول المنطقة من دول وطنية الى أقرب الى الأسواق شكلاً والسكان من مواطنين أو مشروع مواطنة الى مستهلكين أو أعداد من المستهلكين, والحلقة الأضعف والحال هذه هي تلك المجتمعات التي تغيب أو تختفي فيها قوى المجتمع المدني وأطيافه وتكتلاته وتتضاءل فيها المشاركة الشعبية فهي بالتالي موطن خصب للتفكير بمنطق الفرقة الناجية وأرض معطاء للشعور باليتم الاجتماعي. لا أقول بأن الامور قد وصلت الى مراحلها القصوى فى هذا الشأن, بل ان النظام الاجتماعي فى قطر على مر العصور هو الأفضل خليجيا لأسباب عديدة لا تخفى على أحد ولكن مجرد التوجس والاحساس يدل على حالة من التبدل والتغير قادمة أرجو ألا يدفع ثمنها المواطن البسيط, خاصة مع تحسن الدخل القومي وارتفاع سعر برميل النفط وظهور موازنات تاريخية لن تستغل بأفضل مايكون اذا لم تعمل على توسيع حجم الطبقة الوسطى فى المجتمع وبالتالي يتسع مفهوم الفرقة الناجية وتتضاءل مساحة اليتم الاجتماعي . ان التفكير بمنطق الدولة يتطلب اقامة نظام تعليمي جيد ومتيسر للجميع ونظام صحي متطور مجاني ومتاح لجميع أبناء الوطن وكذلك سياسة ضمان اجتماعي تحمي المواطن من غوائل الزمن, فالمواطن لايمكن أن يبدع وهو يخاف غوائل الزمن , نعجب كثيراً من حجم تبرعات الغربيين الأثرياء منهم فى جميع المجالات حتى لايكاد أحدهم يبقي لنفسه شيئا لسبب بسيط وواضح هو أنهم آمنوا ووثقوا بأنظمتهم ومكتسباتهم التاريخية والاجتماعية فلا تراجع عنها , فى حين أن أثرياءنا يكنزون الذهب والفضه خوفاً من نكران الوطن لهم أو ربما خوفاً من اختفائه من على الخريطة فالخسارة هنا مركبة عليهم وعلى أوطانهم برغم الوازع الديني الذى قد يفتقده غيرهم. ان العالم اليوم بأكمله وفى مقدمته الولايات المتحدة الامريكية يتجه الى الرأسمالية الاجتماعية التى تقوم أساسا على الدعائم التى ذكرت من نظام صحي وتعليمي وضمان اجتماعي تملك فيه الدولة هذه الانظمة وتطورها بشكل أفقي وتترك للقطاع الخاص مجالاته الأخرى دون تدخل. ان وجود الدولة أية دولة يتطلب وجود مواطن فليس هناك خيار غير ذلك يمكن أن تتطلع اليه ، وتلاشيه بداية واضحة لانقراضها وتلاشيها بالتالي. على كل حال أشعر بأننا أبناء هذا الوطن فى أيدٍ أمينة ان شاء الله , وأطرد مثل غيري هواجس تلوح بي كلما رأيت برجاً جديداً يرتفع يذكرني بهاجس الفرقة الناجية أو وجدت نفسي بين كتل تموج من البشر بلكناتهم الغريبة على أذني فى أحياءنا وبين دورنا تذكرني بهاجس اليتم الاجتماعي الذى لم نشعر به من قبل.



قطروالسعودية..التاريخ يتحدث والجغرافيا تشهد

قطروالسعودية..التاريخ يتحدث والجغرافيا تشهد
عبد العزيز الخاطر
2008 / 3 / 20
يصعب على الاستثناء أن يصبح قاعدة عندما تكون تلك القاعدة مشبعة بثقل التاريخ بحيث يصبح من المستحيل تجاوزها أو الاتفاف عليها , يصعب عليه أن يصبح قاعدة عندما تبدو الجغرافيا من الثبات بحيث يصبح اغفالها نوعا من العمى فى العين وفى البصيرة. العلاقة بين قطر والسعودية علاقة جسم بشرايينه انه نهر من الدم الواحد يتدفق من شواطىء البحر الأحمر عابراً صفرة الرمال ليصب فى زرقة مياه الخليج الدافئة , لم و لن تستطيع السياسة مهما كانت توجهاتها وتقلباتها أن تغير من ذلك شيئا, فهى علاقة خارجة عن جميع التنظيرات السياسية والاعلامية المعهودة فى مثل هذه الحالات من الخلاف بين الدول , انها علاقة فوق التاريخ , لذلك فانسانها يمشي واثق الخطوة مطمئناً من عدالة التاريخ ومن ثبات الجغرافيا تحت قدميه لايخاف الاختلاف مهما بلغ ولا الخلاف مهما طال لأنه يعي تمام الوعي بأنه ذاته الانسان فإن كان ينام فى الدوحة فنصفه الآخر يتمدد فى الرياض فهو هو وإن اختلفت الأوراق الرسمية لايمكن لفيروس المرض أن يتوغل فى الجسد السعودي دون أن يكون قد اخترق أولاً وأصاب نظيره أو نصفه القطري ولايمكن أن يهنأ النصف السعودي بنوم طالما ظل طرفه الآخر القطري يعانى السهر والحمى , لذلك نرى أن العود دائما أحمد ! بُعيد كل سحابة صيف تعبر . انها الروح الواحدة المحركة للتاريخ الواحد لا يجدى معها مكر الماكرين ولا حقد الحاقدين , انظر معي كم أثلجت زيارة ولى العهد السعودي الأمير سلطان قلوب القطريين قادة وشعباً , تامل معي حرارة اللقاء ودفء المشاعر وصفاء القلوب ! انها ذروة الحقيقه الساطعة وقوة البصر الحديد عندما يكشف عنه الغطاء, كم سعدت قيادتنا بهذه الزيارة وكم سعدنا نحن أبناء الشعب القطري بها كذلك بل كم بدا سموه الملكي مسروراً وهو يلتقى بسمو الأمير المفدى وسمو ولى العهد ومعالى وزير الخارجية وبأطياف من الشعب القطرى المحب كذلك , كم صغرت الخلافات حتى تلاشت, كم ذابت الفروقات حتى اضمحلت, كم أشرق الامل حتى تبدد اليأس , كم علت الابتسامة الشفاه حت نسيت معها التجهم والعبوس. لقد كانت الفترة السابقة استثنائية بمدلولاتها السلبية بجميع المقاييس , كنا نعرف انها لن تستمر وان طالت لبعض الوقت فلا يمكن لأحد أن يمكر بالتاريخ الى الأبد ولايمكن لأحد أن يعبث بالجغرافيا دون أن تحترق يداه . أن يستمر الخلاف بين قطر والسعودية أمر فى اعتقادي مناف للفطرة بحيث يمكن تصور قطر بدون الامتداد السعودى والسعودية بدون الحنين والود القطري. نحن نعرف ان المزايدين سيخسرون , نحن ندرك بأن المراهنين على غير رغبة الشعبين سيدحرون , كنا ننام ملء جفوننا فى عز الأزمة ثقة بالتاريخ وايماناً بالجغرافيا وبحكمة القادة, لم تؤثر فينا الاشاعات ولم ترهبنا التأويلات ايمانا وادراكا بالحقائق التى ذكرت, عندما يصبح المصير واحداً تذوب الخلافات وتنتهى النزوات, فالمنطقه مهولة بتغيرات كبيرة تجعل من النظر الى الصغائر أمراً لايستقيم وخطورة الوضع المحتمل . إن شعبينا فى قطر والمملكة ينتظران ويتوقعان خيراً من هذه الزيارة الحميمة لولي العهد السعودي ينعكس بالتالي ويترجم أولا الى مايرفع مستوى معيشة المواطن فى كلا البلدين , ومن ثم الى الأبعاد المصيرية الأخرى . مرحبا بك يا سمو ولى العهد مرحبا بك يا سلطان المجد عند حمد الخير فى ظلال الدوحة الوارفة وشعبها المحب والوفي.



العلمانية فى العالم العربي

العلمانية فى العالم العربي
 الغياب الذى نتصوره حضورا
عبد العزيز الخاطر
2008 / 2 / 9
حول المفهوم : -
في اعتقادي أن مفهوم العلمانية هو أكثر المفاهيم غياباً وحضوراً في نفس الوقت في فضائنا العربي لا يكاد يمر يوماً دون أن يعرض على الأذن العربية ولا يمر يوم كذلك دون أن تبعد المسافة بينه وبين تضاريس أرض الواقع العربي والإسلامي المعاش . ففي الوقت الذي يتلقفه البعض بلسماً ودواءً يشفي الأمة من أمراضها ، يمتعض البعض الآخر من ذكره وتشمئز النفوس من الاتيان به لتوجهه الشديد - كما يعتقد ذلك البعض - الى بؤرة المقدس داخل النفس ومحاولة النيل منها وتفكيك بنيتها . وهو يشترك في ذلك مع كثير من المصطلحات أو المفاهيم التي جرى استيرادها ونقلها من بيئتها ومحاولة غرسها في بيئة أخرى عجزت عن الاضطلاع بدورها التاريخي في إنتاج آليات ومكونات ثقافتها من ذلك مثلاً مصطلح الديمقراطية الغربي حيث لا يمر يوم لا تقام فيه له ندوة أو مؤتمر أو تجمع فتحول من كونه منتجاً ثقافياً تاريخياً يمكن لكل المجتمعات أن تنتجه بما يتناسب وظروفها ومعطياتها وبمسمياتها الى أيقونة تُعبد يخرج بعدها الكل وكأنهم قد أدوا واجباتهم الدينية نحوها . فالمصطلح أو المفهوم العلمي الاجتماعي بالذات يتكون عبر صيرورة تاريخية يصبح من الصعب بعد ذلك إلغاؤه أو التخلص منه وفي نفس الوقت يصبح من الصعب كذلك غرسه في بيئة غير بيئته التي شهدت عملية تفاعله في شكل صيرورة تاريخية لما لها من خصوصية وتفرد ، فلذلك حتى في الغرب نفسه وهو من أنتج هذين المفهومين ؛ العلمانية والديمقراطية نرى تفاوت في فهم وتطبيق كليهما واختلاف بلد عن آخر في درجة ذلك بل وفي ثبات ذلك فدولة مثل فرنسا لا يزال مفهوم العلمانية فيها مثار بحث ونقاش بين الحين والآخر حتى أن الرئيس السابق شيراك قد شكل لجنة منذ عدة أعوام للبحث في مسألة العلمانية . لذلك فإن من يتشائم لمستقبل العلمانية في عالمنا العربي والإسلامي ليس على حق لأنها لم توجد بعد كصيرورة تاريخية وانما كل الذي يثار اللغط حوله هو إكسسوارتها المستوردة فقط التي لا جذور لها أساساً لأنها لو ولدت كصيرورة فسوف تستمر بحيث لا يمكن التراجع عنها ودفع التاريخ الى الوراء إلا إذا افترضنا أنه بالإمكان اعادة دولة المواطنة في الغرب الى ما قبل ذلك . ان الصيرورة التاريخية تتطلب مراجعات فقط حيث ليس من قبيل المنطق والواقع إلغاؤها . ثم ان الإشكالية الأخرى مع هذا المفهوم تتمثل في صعوبة تحديد معناه أو ما يراد به من جانبنا على الأقل ، ولعل أصعب ما يقع على الأذن العربية والإسلامية تعريفه بأنه فصل الدين عن الدولة وهناك من يخفف من حدة هذا التعريف بأنه عدم فصله عن المجتمع وانما عن الدولة فقط وآخر يرى استبداله بمفهوم أو مصطلح الديمقراطية وثالث يرى الاكتفاء منه بحيادية الدولة أمام الأديان وعدم تدخلها في تفضيل أو محاباة دين على آخر والبعض يرى أنها الانتقال من حالة التمركز حول القيم الأخروية الى التمركز حول القيم الدنيوية لتدبير شؤون الحياة الدنيوية المعاشة الى ما غير ذلك من التفسيرات لهذا المفهوم - الصيرورة حيث أنه نابع من بيئة أخرى لها خصائصها وهو حصيلة تاريخ لم تعشه الأمة العربية والإسلامية ونظراً لاختلاف هذا التاريخ ومكوناته عن تاريخنا العربي والإسلامي من حيث تحولاته وتعرجاته ومفاصلة التاريخية التي أمكن معها تقسيمه وتحديد مراحل تطوره الأمر الذى أدى الى عملية تراكم وبناء وتأصيل للعديد من المفاهيم والمصطلحات التي أصبحت اليوم ثقافة إنسانية وتراكم حضاري انساني وفي مقدمة تلك المفاهيم مفهوم أو مصطلح العلمانية ولو نظرنا لوجدنا أن هناك ثلاثة مفاصل رئيسية للتاريخ الغربي أدت به لأن يصبح صانعاً للحضارة بجزئيها المادي والمعنوي ( الثقافي ) وتلك المفاصل تتمثل في كل من عصر النهضة والإصلاح الديني ومن ثم عصر الأنوار فالثقافة الغربية نتيجة لذلك التراكم من تلك العمليات أو المفاصل التاريخية الثلاث وعندما يجري إسقاط منتوجها الفكري أو الثقافي بعيداً عن أرضيته على تاريخ آخر صلد لم يعرف التقسيم أوالتحقيب التاريخي المنتج وليس سوى الاجترار التاريخي وكل ما يتغير هو آلية اجتراره فقط فبالتالي يصبح ذلك المنتج مشوهاً ولا يعني حقيقته ولا يدل على معناه كما أشرت سابقاً .
المقاربة العربية التاريخية للمفهوم :-
حاول الكثير من المصلحين والمثقفين العرب بعد ما عرفوا داء الأمة وسبب ضعفها إيجاد أسباب ووسائل لخلق تاريخ جديد للأمة يقوم على مركزية العلم والدين معاً من خلال التجديد في فهم الدين من خلال توافقه مع العلم ونزع الفهم الأسطوري عنه وكان من أبرز ذلك الرعيل فيما يتعلق بتيار التجديد في الدين رفاعة الطهطاوي ، والأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي . أما فيما يتعلق بالتيار الليبرالي فهناك شبلي شميل وفرح انطون وغيرهما . وبعد سقوط الخلافة الإسلامية في أوائل عشرينيات القرن المنصرم وقطع الطريق على أي استخدام جديد من جانب السلطة للدين انبرى الشيخ علي عبدالرازق في كتابة " الإسلام وأصول الحكم " محدداً الفرق بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية كما حاول طه حسين تطبيق منهج الشك الديكارتي على الشعر الجاهلي العربي وطالب بضرورة ربط مصر بأوروبا وهناك من كذلك نادى بهوية مصر الفرعونية لا العربية كسلامة موسى وبالداروينية العلمية بدلاً عن الدين وللتخلص من التراث نادى البعض بالقطيعة معه أو إهماله إلا أن الكثير منهم عاد واعترف بصعوبة ذلك بل باستحالته مع أمة يحتل فيها التراث مكان القلب من الجسم كطه حسين و زكي نجيب محمود و حسين هيكل . لم تفلح محاولات أولئك المثقفين في اقامة كتلة تاريخية حاملة لفكرهم بل اتهموا مرة بالتغريب وأخرى بالزندقة والخروج من الدين . وفي الجانب المضاد ظهر تيار )الاخوان المسلمون) في محاولة لسد فراغ سقوط الخلافة الإسلامية . وبعد خروج الاستعمار سيطرت نخب سواء أكانت عسكرية أم عشائرية أم قبلية على مقادير الشعوب والدول وكان تعاملها مع التيار الديني بالذات نظراً لقوته وخصوصيته في مثل تلك المجتمعات دون غيره من التيارات يأخذ أحد بعدين أما احتواؤه والتحالف معه أو عزله ومحاربته ورمي رموزه في السجون والمعتقلات . وفي نفس الوقت استولت الدولة على المجتمع وأجهضت أي محاولة لقيام مجتمع مدني يؤمل منه قيام فكر سياسي جديد يتعدى مرحلة الولاءات الأولية .
ومع مرحلة المد القومي دخل العرب في مرحلة عاطفية جديدة غلبت فيها النظرة النوستالجية الى الماضي . وبالرغم من إيماني بأن القومية رابطة علمانية ترتقي في المستوى على الروابط الأخرى الأولية العشائرية أو القبلية أو الطائفية إلا أن شمولية الفكر والحكم المطلق واستخدام العنف والديكتاتورية لم تجعلها تؤدي دورها بالشكل المطلوب في حين يجرى استثمارها في أجزاء أخرى من العالم بشكل يجعل منها رابطة ثقافية وديمقراطية في نفس الوقت .
أما بعد الهزيمة بالطبع كان لابد من أن تذهب القشرة ويظهر قاع المجتمع العربي والمرجعية الأقوى فيه ألا وهي الدين ليأخذ المبادرة السياسية وينطلق كأيديولوجيا جديدة تسترجع ما جرى قطعه أو بتره من فكر تكفيري بعد مقتل سيد قطب في منتصف الستينيات زاده غزو أفغانستان والإجماع على تعزيز فكرة الجهاد لإخراج الكافر الملحد من أرض الإسلام التي حظيت بالتأييد العربي والغربي كذلك ، أما الأحزاب العلمانية التي قامت في دولنا العربية سواء قبل الهزيمة أو بعدها فأنها باتت ضعيفة وغير مقنعه وتعيش حصاراً بين الدولة وبين التيار الإسلامي الكاسح حيث تستمد إيديولوجيتها من الخارج وتفتقد الى الأرضية الجماهيرية المؤثرة في الشارع والدلالة على ذلك أن معظم الانتخابات النيابية في معظم أن لم اقل في جميع الدول العربية من المحيط الى الخليج كما تشير دراسة نشرت مؤخراً من معهد كارينجي للسلام في أمريكا تؤكد ضآلة تأثيرها الى جانب الأحزاب المتأسلمة . هكذا نرى أنه كانت هناك محاولات لمقاربة مفهوم العلمانية من جوانب عدة أساسها فك الارتباط بين الدين والاستبداد السياسي ومحاولة لتجديد فهم الدين والأخذ بالعلم الوضعي والابتعاد عن الفكر الأسطوري المتلبس بالدين الى ما غير ذلك ولكن تأثيرات تلك المقاربات كانت قليلة وغير مؤثرة وسرعان ما تختفي لتضيع بين سندان الاستبداد السياسي ومطرقة التعصب أو الأصولية الدينية كون أصحابها لم يمتلكوا رؤية أو برنامج عمل للتجاذبات التي تتعرض لها قضية العلمانية سواء جاءت على يد القوى الرسمية الحاكمة التي تستخدمها كذريعة لمنع الانفتاح السياسي أو على يد المعارضات المختلفــة ( كما يشير برهان غليون ) وبسبب غياب وجود المجتمع المدنى المستقل ولكن لابد من الإشارة الى أن هناك فارقاً كبيراً بين ما يشهده العالم الغربي من رد اعتبار للدين وظهور التيارات السياسية التي تعتمد الدين وتأويلاته بالذات كالمسيحية اليهودية وأربابها من المحافظين الجدد وبين ما يشهده عالمنا العربي من اجتياح للفكر الديني الأصولي بالذات . فالأول يقع ضمن إطار اللعبة الديمقراطية التي تخدم خيارات الشعوب ويمكن بالتالي يمكن إزاحته عندما تتبدل تلك الخيارات أو الرغبات أما في عالمنا العربي والإسلامي حيث لا إطار أصلا للعبة السياسية ولا مجال لخيارات الناس فيجرى حمل الأمة والشعوب فوق ما تحتمل كما شهدنا ذلك في حالة صعود التيار القومي أو التيارات الأصولية حالياً ؛ فالسياسة لا وجود لها أساسا في عالمنا العربي وكل ما يجرى هو خارج ذلك الإطار علمياً حتى داخل إسرائيل الدينية يمكن للدين أن يصنع سياسية ولكنها قابلة للمراجعة من قبل التكتلات والأحزاب الأخرى هذا هو الفارق القاتل بين صعود التيار الديني على الجانبين وآثاره المستقبلية على الطرفين .
صعوبة توليد المفهوم عربياً :
يصر العديد من الليبراليين العرب على ضرورة قيام العلمانية بمعنى فصل الدين عن السياسة بالذات إذا كان هناك ثمة مستقبل يرتجى لهذه الأمة ولمنع أس الداء المعضل الذى أدى الى تدهورها وتراجعها بين الأمم وهو تحالف المؤسسة الدينية مع النظم السياسية الاستبدادية منذ فجر التاريخ العربي حتى يومنا هذا نرى ذلك من خلال كتابات العفيف الأخضر وشاكر النابلسي وبرهان غليون وغيرهم وفي نفس الوقت هناك ثمة إقرار بخصوصية هذه المنطقة دينياً وخصوصية الإسلام كدين يتجدد باستمرار في نفوس أصحابه من خلال ربطه الدائم بين ثنائية الدنيا والآخرة ولما لهذه الثنائية من قوة ميتافيزيقية تكاد لا توجد في غيره من الأديان . ولم يتحول بعد كما يدعي البعض الى ظاهرة فوقية في حياة الإنسان كما يدعي الماديون وكل محاولة تتجه الى تهميشه تبوء بالفشل لا محالة قديماً وحديثاً . فلذلك يأتي الربط دائماً بين العلمانية والديمقراطية كشرط أولى لقيام الديمقراطية في المنطقة ربطاً تعسفياً لا يخدم القضية العامة وهناك من يؤمن بأن الدول العربية تمارس علمانية في بعض مجالات الحياة كالاقتصاد مثل وجود البنوك الربوية الى جانب البنوك الإسلامية إلا أنها ترفضها في مجال السياسية عندما تصبح فصلاً للدين عن السياسية . بل أن هناك دول عربية علمانية أساسية لكنها ديكتاتورية كالعراق وسوريا ومصر وكل هذه الأمثلة تدل على أشكال من العلمانية الناقصة أو المزيفة لأن العلمانية في مراحلها المتقدمة هي بالضرورة ديمقراطيــــة ( شاكر النابلسي ) . في حين يصر الأصوليون بأنه لا مكان لهذا المفهوم في دنيا الإسلام مطلقاً فالإسلام دين ودنيا ولا يمكن التفكير في دولة تقوم فيها حيادية بين الكفر والإيمان . وكان العديد من المفكرين والباحثين قد دعوا الى إحلال مصطلحات إسلامية محل المفاهيم الغربية إذا كانت ستؤدي في النهاية الى نفس الغرض كمصطلح الشورى القرآني مكان مفهوم الديمقراطية الغربي لتجاوز مثل ذلك الإشكال إلا أنه فيما يتعلق بمفهوم العلمانية فلا يبدو الأمر سهلاً إلا إذا أمكن نزع ظلال الشيطنة الذى يحيط به داخل النفس العربية والإسلامية المتزمتة بالذات على الرغم من وجود العديد من الآيات القرآنية الصريحة في حتمية خيار الإنسان لوضعه الديني في هذه الحياة ولخيارات المجتمع فى هذه الحياة ، ولا يبدو كذلك أن هناك ثمة إمكانية لإعادة انتاج تاريخ الغرب يمكن تمثلها في مكان آخر من العالم لتجاوز مثل هذه العقبة .
فإشكاليتنا اليوم ليست فقط مع عدم إنتاج عناصر وآليات النهضة الذاتية ولكن حتى في استيعاب ما تنتجه الحضارات الأخرى بشكل يجعلنا لا نتوقف ونتأخر " تركيا تبدو استثناءاً لذلك " فكثير من الحضارات تماثلت مع منتجات غيرها سواء الثقافية أو المادية منها والمعضل أكثر اليوم هو فى سرعة تحول المنتجات الى مدخلات فالديمقراطية والعلمانية اليوم بعد أن كانتا منتجات أصبحتا اليوم مدخلات في عملية أكبر هي ظاهرة العولمة التي تغطي الأرض بأكملها . فكيف يمكننا التعامل مع الكل فيما نحن في تضاد مع الجزء . لذلك يصبح الارتداد وعدم التطور دائماً هو القاعدة وليس الاستثناء .
الخاتمــــــــة :
لكيلا تموت المفاهيم والنماذج القيمية لابد من انتاجها أو إعادة إنتاجها محلياً . هل شهد العرب مفهوماً دالاً على أساس الحكم والغلبة والسيطرة في عالمهم العربي من الأزل حتى يومنا المعاش أدق من مفهوم " العصبية " العربي ؟ الذى انتجته الأدبيات الخلدونية لابد اذن من اطعام القوالب الجاهزة التي نستوردها من الخارج من بنات هذه الأرض حتي تستقوي ويشب عودها . متى نعي أن استيراد المفاهيم الثقافية ليس كاستيراد التكنولوجيا الصماء ؟ حيث أنها بحاجة الى تغذية من نوع خاص لكي يقبلها الجسم المراد غرسها فيه . لم ينضب تاريخنا ولا تراثنا كأي تاريخ أو تراث إنساني من الحلول لمشاكل الإنسان بصفه عامة ولكن الفرق بين من يستلهمه ويطوره وبين من يقف أمامه أما مقدساً إياه أو طالباً التخلص منه . أنا على يقين أن العديد من معاني مفهوم العلمانية وتفسيراتها التي نتخاصم حولها اليوم تختبئ في أحد زوايا وأطراف وحواشي تراثنا بشكل أو بآخر تحت اسم أو أسماء أو صفات أخرى قد تغنينا عن كثير من الصراعات الجانبية لو استطاعت أعيننا المتجه والمبهورة بالآخر المنتصر من الإيقاع بها واستخراجها والتعامل معها بشكل يريح البلاد والعباد .




الاثنين، 27 سبتمبر 2010

الوضع العربي بين الإصلاح وحُسن إدارة الفساد


    

أعراض الوضع العربي الراهن يمكن أجمالها في عدة مظاهر هي استبداد السلطة ، غياب الديمقراطية وآلياتها ، تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للغالبية العظمي من أبناء الشعوب العربية، بروز طبقيه واضحه,قيام راسماليه مشوه لايصاحبها اصلاح سياسى حقيقى استولت على محصلاتها نخب معينه, تراجع مكتسبات الأمة وضياع حقوقها وجميع وصفات العلاج بدون استثناء ومهما كان مصدرها اجتماعياً أو دينياً أو ثقافياً كانت تؤكد على أهمية إصلاح الوضع مع اختلاف درجة وحدة هذا الإصلاح سواء كان راديكالياً أو تدريجياً ورغم ذلك وصل بنا الوضع الى ما نحن عليه .
وفي اعتقادي أن افضل المداخل لمعالجة الوضع العربي الراهن في صورته الحالية يبدأ من الجهة المقابلة لعملية الإصلاح أي من حُسن إدارة الفساد الموجود نظرا لتعقد عملية الإصلاح ذاتها بعد ذهاب الأيديولوجيات ومأزق الاستخدامات السياسية للدين وحضور المصالح بصورة طاغية في عالم اليوم ، فثمة ثقافة عالمية سائدة للفساد لا يمكن إنكارها وتسقط معها التصنيفات السابقة التي تضع الأمور ضمن خطوط تحكمها الأيديولوجيات والأخلاقيات والمبادئ ولها محدداتها الواضحة التي تبين الخطوط الفاصلة بين الصلاح والفساد كمصطلح الخيانة والرجعية والوطنية والمروق عن الدين ... ... الخ ، كل حسب أيديولوجية خاصة مع بروز ثقافة العولمة التي هي في الأساس انسياب متدفق لمعطيات الثقافة الغربية المتمثلة في انفتاح الأسواق المالية لاقتصادات ضخمة وسيطرة كاملة لشركات هذه الاقتصادات في ظل جمود معطيات الثقافات الأخرى فهناك عملية اجتياح واضحة وشرسة لا تحمل اعتباراً لخصوصيات هذه المجتمعات والثقافات بالتالي هناك عولمه واضحة للفساد . لقد ذهبت مرحلة الوصفات العلاجية الطوبائية التي بشرت بها المذاهب السياسية والأخلاقية على أشكالها ، لذلك يجب التعامل اليوم مع الأوضاع القائمة من جانب كلا الطرفين الأنظمة والشعوب على أن لا يصل الفساد القائم – هذا ليس تبريراً للفساد – الى مراحل قد تدفع الى تبني العنف والإرهاب لخطورة ذلك على الجانبين لما تمثله القوى الكبرى الطامعة والمتحفزة لإيجاد المبررات تلو الأخرى لبسط وتأكيد نفوذها يوماً من آخر .
من النقاط التي يمكن الأخذ بها اعتماداً على هذا المدخل البديل.
أولاً : تخفيف وطأة الاستبداد الظاهر عن طريق توسيع المشاركة بجميع أشكالها حتى مع عدم اكتمال الدائرة الديمقراطية المتمثلة في تداول السلطة .
ثانياً : توسيع رقعة الاستفادة من المال العام لجميع طبقات الشعب في جميع البلدان العربية .
ثالثاً : تأكيد وإعادة الاعتبار لرموز المجتمع التاريخية الفاعلة في ظل الاجتياح الرأسمالي الحالي والذى يمجد فقط صاحب رأسمال بعيداً عن أية اعتبارات أخرى .
رابعاً : إعادة الاعتبار للقيم الإنسانية المتضائلة أمام موجات الفساد المالي والسياسي .
خامسا: ضرورة الاستعجال فى تدارك ثروات الامه من خلال مطالبة الشعوب بقيام ادوات رقابيه على هذه الثروات وان لاتترك لخيارات نخبويه لاتضع الصالح العام فى بؤرة اهتماماتها
سادسا: عبر تاريخ هذه الامه كان لغياب الرقابه اثر كبير فى الذهاب بخيراتها قديما وحديثا والرقابه رغم بيروقراطيتها فى عالمنا العربى الا انها الحل الانسب لمواجهة فكر الغنيمه المتأصل فى العقليه العربيه واعنى هنا الرقابه الشعبيه من خلال المجالس والبرلمانات المنتخبه مهما كانت افرازاتها الا انها فى الاخير ستعمل على تاصيل مبدأ الرقابه عبر الزمن وقد جسد شاعر العربيه الكبير المتنبى ثنائيه الرقيب والمتربص بالمال العام بالناطور والثعالب بعد ذهابه الى مصر فى زمن كافور الاخشيدى . ونتيجة نوم الرقيب عن ثعالب المال العام.
هذه بعض البدائل المتاحة وهي في الحقيقة إصلاحات ولكنها نظراً لموجة الفساد المتعولم الحالية قد يكون من الصعب مقاربتها من هذا المدخل لصعوبة البدء من نقطة الصفر > وقد يبدو من الانسب العمل على حسن إدارة الوضع الراهن والمتدهور بشكل يمكن معه زيادة جرعات التغييرات الإيجابية وتقليل فوائض الفساد ما أمكن . لأن هناك قدر من الفساد يمكن احتماله كما يحتمل الجسم السليم قدراً من السموم يتحرك داخله بحرية دون أن يؤذيه .

الأحد، 26 سبتمبر 2010

فى نعي العربي الأخير

فى نعي العربي الأخير
عبد العزيز الخاطر
2007 / 12 / 29
الوعي الزائف لجيل الأمس
هو أخير لتفرده في عروبته ، هو أخير لتوهمه بأن ذلك سبيله الوحيد حيث مصيره ومستقبله يبدأ منها ليعود اليها فلا مجال لأنصاف الحلول ، هو أخير لاعتقاده بأن حضن العروبه كفيل بحمايته الى الأبد ضد تقلبات الزمن وبنى جلدته ، هو أخير كذلك لأنه كان قادراً على معرفة أبناء مجتمعه وعلى تعدادهم فرداً فرداً ، هو أخير لأنه اتكأ على التاريخ وأسلم له أمره فالتاريخ لا يعرف الغدر ولا المكر لدية فآمن به كحافظ دائم ومستمر لمكتسباته ، هو أخير لأنه ظن أن التعليم العروبي الموحد هو النبع الصافي لبناء الوطنية وصيانة الأمة ، هو أخير لأنه افترض أنه لن يأتي اليوم الذى سيبحث فيه عن هويته في وطنه فلا يجدها ، هو أخير لأنه لم يفكر ولو لبرهة بأن موقعه سوف يتسع لغيره ولو كان على حساب عروبته ، هو أخير لأنه وثق بأن المال لا يمكن له أن يسبق القيم الإنسانية ، هو أخير لأنه أعتقد بأن جغرافية الوطن لا يمكن لها أن تتمدد الى الدرجة التي يصبح معها لا يرى بالعين المجردة ، هو أخير لأنه ظن أنه عملة صعبة لا تتدهور قيمتها بمرور الزمن ما لم يتدخل البنك المركزي النخبوي لإنقاذها وهو لم يفعل بالطبع ، هو أخير لأنه أراد للحلم الجمعي أن يستمر ولم يدرك أن الأحلام كذلك أصابها التخصيص والزمن أصبح فردي الطابع والإيقاع ، هو أخير لأنه كان يرى ويطمئن بأنه لا ثمة حاجة للخوف من المستقبل فإيمانه بعروبته وبتاريخه وبأنظمته كفيل بأن يوارى سوءته ونقصه ، هو أخير في تصوراته وأحلامه نحو وطنه وأمته ولم يدرك بأن التاريخ حقب وكل حقبة تحمل في طياتها شروط بقائها الخاصة بها دون غيرها ، هو أخير لأنه كان يرى التاريخ خطاً مستقيماً يمكن البناء عليه فاطمئن إليه والى نتائجه مستقبلاً ، هو أخير لأنه راهن على عدم زوال أو اختفاء الطبقة الوسطى اللتى حملت وتحمل رؤاه وتطلعاته ولم يدرك أن أمراض الرأسمالية المتوحشة تصيب الأطراف والوكلاء بدائها حتى برغم عدم توفر شروط وجودها ، هو أخير لأنه آمن بأن الأرض لا تزال تتكلم عربي ولم يدرك بأن اختبار " التوفل " تفوّق على فصاحة وحكمة أبي الطيب المتنبي وعبقرية المعري وأن تراث بغداد والقاهرة وغيرهما تعادله مكتبة صغيرة في احدى جامعات الغرب ، هو أخير لأنه آمن وصدق شعارات المصير المشترك ولم يع ِ أن البقاء للأقوى في عالم اليوم وأنه من " سبق لبق " هو أخير لأنه اعتقد بأن مكانته لدى أنظمته وحكوماته لها الأسبقية وخيولا تحرسها وجنود . هو أخير لأنه آمن بأنظمته وشعاراتها ولم يع بأن النظام قد يتخلى عن دوره ليصبح وكيلا يصرف البضائع كيف ما يُملى عليه, هو أخير لأنه آمن بأن العروبة والاسلام جناحان لطائر واحد فاذا بالشعوبية والعصبية والقبلية تحولانهما الى شيع وفرق وطوائف لاتكاد تحفظ اسماؤهم من تعددهم وكثرتهم.
هو أخير لأنه يمشي في جنازته برغم أنه لم يمت ولكن زمانه ورجال ذلك الزمان ماتوا فشروط حقبته التاريخية انتهت خيارا لا قصرا، ما يتخلق الآن فى رحم العروبة الثكلى اليوم هو عربي من جنس ثالث مطواع لكل أمر لا يحمل من العروبة سوى جلبابها فهو هوان على الدنيا بأكملها لأنه فقد هويته وما التاريخ سوى هوية ومغزى وهدف فهو يعيش اليوم فى ملاجىء الأيتام ينتظر من يتعرف عليه أو يتبناه .يا لها من فداحة تسطرها يد الأحفاد فى حق التاريخ وفى حق الآباء. فلنقم سرداق العزاء ولنتقبل أحر العزاء في وفاة العربي الأخير اذا كان ثمة ما يعزي أمة أضاعت بوصلتها بمحض ارادتها.

أبعاد الهوية واشكالاتها

أبعاد الهوية واشكالاتها
عبد العزيز الخاطر
2007 / 12 / 25
(1)
الهوية طبقات وليست طبقة واحدة ، وحدها الظروف التي تفرض أولوية طبقة على أخرى . قد تكون الهوية الاثنية هي الأولى في ظروف تنازع الاثنيات وتقاتلها . وقد تطفح الهوية الدينية لتحتل الصدارة مع بداية تشكل الدولة الدينية وغياب المواطنة وقد تأتي الهوية القومية مع ظهور الدولة - الأمة لتعتمد البعد الثقافي لتتجاوز بذلك الهوية الاثنيه والدينية ولكنها لا تتجاوز سلبيات ذلك إلا فيما ندر .
تلك الطبقات في أحسن حالاتها تكون ثنائية بمعنى أما اثنية تقابل اثنيات أو دينية مقابل أديان أخرى أو قومية في مقابل قوميات أخرى . لكنها قد تحمل بذور صدامها مع أجزائها بدرجة أكبر من صدامها مع الآخر المقابل أو المضاد . فيصبح واقع التجزئة الصغرى هو الفتنة الكبرى التي منها يفر الجميع. في أثناء الحروب والأزمات الأهلية يجرى البحث عن أجزاء الهوية وتتصدر تلك الأجزاء الأولوية على غيرها ، وينقلب بالتالي الجزء على الكل فلا يجري البحث عن المسلم مثلاً ولكن من أي طائفة هو ولا عن الاثنيه ولكن الى أي قبيلة ينتمي ولا عن المواطن ولكن من أي منطقـــــــــــة ( جهوية ) يتحدر . وحدها الدولة المتخلفة التي تجزأ إنسانها بحيث يمكن اعادته الى صلصاله الأول ولا تعترف بنموه ولا بمدنية القوانين ، فالإنسان فيها محكوم بتراتبية سابقة عليه لا يملك معها حولاً ولا قوة فعليه فقط أن يجاريها فالأمير أمير والخفير خفير .

(2)
الخوف من غياب الهوية ليس خوفاً مدنيا وانما خوف أولي يشترك فيه الإنسان مع غيره من المخلوقات ، الانقراض خوفاً يهدد الجميع ، ذهاب الهوية في أبعاده انقراض بلا موت . لماذا تحافظ المدن القديمة على شكلها وطابعها منذ قرون ؟ لماذا يتوافد أهل المدن الحديثة لزيارة المتاحف والقصور والمدن والأزقة القديمة بأعدادهم الهائلة ؟ للتاريخ عبقه ورائحته والإنسان كائن تاريخي يستمد بقاءه أولاً من حكايات التاريخ السابق عليه . المواطن الامريكي أو الاسترالي عندما تسأله يذكرك بأصله ومن أين جاء ولا يكتفي بكونه امريكياً أو استرالي الهوية دائماً في الذاكرة . ولكن هناك فرق بين الهوية كمعول للقتل وبين الهوية كمرتكز للحياة . والهوية في عالمنا المتخلف أحياناً قاتلة والجميع قد يعمل على إخفائها وإن لم يكن  كل الوقت ولكن لا يضمن أحد أن يأتي وقت لا يتحتم ذلك . انتشار النفاق اذاً في عالمنا ليس عملاً اعتباطياً ولكنه عمل براجماتي ونوع من أنواع تلون الحرباء وتغير لونها لكي تتأقلم مع الطبيعة التي تسكنها .
عندما ترتبط الهوية بإبعاد دينية تصبح بالتالي هذه الأبعاد هي المحرك لها عبر  التاريخ و تصبح درجة ما وصل إليه الدين من فهم حقيقي في نفوس أصحابه المؤمل الوحيد للتعامل معها . فإذا كان ذلك الفهم إقصائياً كشعب الله المختار والفرقة الناجية أصبحت الهوية تتطلع الى بؤر محرقية في الماضي تعمل على اعادتها فيصبح بالتالي المجتمع في أبعد حالاته عن الاتجاه نحو النضج والديمقراطية . بذور الشك تنتشر في جميع أرجاء مجتمع الهويات المجزأة وخطوط كثيرة وهمية قد تؤطر علاقات أصحابه وتفصلهم عن بعضهم البعض وتجعل من مفهوم الفتنة مرتعاً تحوم على أطرافه الأمة توشك أن تقع فيه مع أنه ليس قدراً مكتوباً عليها .
(3)
عندما نتناول هوياتنا الجزئية ونقاتل من أجلها ، ننسى أن الهوية الإنسانية هي المخاطبة إلهياً حتى عبر هويات أصحاب كل دين على حدة . فلا يذكر كتاب ديني هوية أصحابه إلا من خلال ربطها بالأبعاد الإنسانية مثل الخيرية وشروط تحققها فيهم . التكنولوجيا وحدها بصفتها الصماء اليوم تسعى لخلق هوية الإنسان العالمي الذى يتعامل مع معطياتها دون شروط مسبقة فلا تجعل للدين وزناً ولا للطائفة مقاماً ولكن أصحابها وملاكها في نفس الوقت منحازون للهوية بشكل طاغ فيما يتعلق باكتمال نمو وعقلانية من يستحق حيازتها . الذين تتصدر الهويات الدينية والطائفية والقومية أو الاثنيه جداول أعمالهم ، لا يستحقون حيازتها حتى يكتمل نموهم ويرتفع عن ذلك . أعينهم اليوم على باكستان وسلاحها النووي فالهويات الناقصة تقترب من اقتناصها وتهديد العالم بها وأعينهم كذلك على إيران في محاولة لاقصائها عن التمكن من الحصول على التكنولوجيا النووية وإلباسها الثوب الديني الطائفي لتحملها صواريخ الحسين وفجر وغيرهما .
 عالمنا بحر من الهويات المتلاطمة ولكل حقبة زمنية هويتها الخاصة بها . المهزوم دائماً مهزوز الهوية ينزع بالتالي الى الهويات الأولى ليختفي بين جنباتها . لحظات القوة في تاريخنا قليلة لكنها خصبة يانعة سمت بالهوية بعيداً عن أزقتها الضيقة الى رحاب أوسع ففي لحظة تاريخية مليئة بالقوة أصبح عنترة بين شداد " العبد " رمز القوة والتضحية وفي مراحل لاحقة أصبح سلمان" الفارسي" من آل البيت وصهيب" الرومي" صحابياً جليلاً وقبلهم السموأل "اليهودي" شاعر الحكمة . ثمة علاقة وارتباط بين الهوية والقوة فالهوية في تجلياتها الإنسانية الكبرى قوة ، والقوة عند امتلاكها تصبح هوية تفرض نفسها وإن كان بها خصاصة .

فاتورة الفوات التاريخي

فاتورة الفوات التاريخي
عبد العزيز الخاطر
2007 / 11 / 30
فاتورة " الفوات التاريخي "
الدولة : شركة خاصة والشعوب : زبائن
نتعجب كيف تُورث الجمهوريات في عالمنا العربي وكيف ينحاز الاقتصاد لطبقة على حساب الطبقات الأخرى وكيف يزداد عدد الجامعات والمدارس في عالمنا العربي أيضاً ويزداد معدل الأمية فيه كسراً للقاعدة العكسية بين الطرفين والأعجب من ذلك أنه كلما ازددنا استهلاكاً للتكنولوجيا ارتفعت بالتالي كمية التعصب والتطرف داخل أطرافنا . ثمة مرحلة من عدم التوازن وعدم التجانس وكأن الأمــر خليط من الأزمان والمراحــل داخل بوتقة الحاضر المعاش . انه " الفوات التاريخي " فالانسداد التاريخي ضمن مرحلة واحدة من التطور وعدم قيام التغيرات المطلوبة داخل بنى الدولة العربية واكتفاؤها أو وقوفها فقط ضمن مرحلة النشوء الأولى في الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي أي مرحلة " ما قبل الحداثة " أدى بالتالي الى ظهورها بالمظهر المشوه الذى نراه ونلمسه بأيدينا وأحاسيسنا لقد كان من المنتظر أن تحدث تغيرات داخل هذه البنى إذا لم تكن في ساعتها فلابد أن تكون في مراحل متأخرة ولكن ضمن الدائرة الواحدة للتطور العالمي ، لقد استغرقت مرحلة الحداثة فترة طويلة وارتكزت على معايير وقيم طالت جميع أبنية هذه المجتمعات وربما ليس آخرها إسقاطات وتأثيرات ما يسمى بالعولمة التي تحولت معها القيم الى رموز والأنظمة الى تحالفات للقوى الاقتصادية في المجتمع في مرحلة ما بعد الحداثة كما يسميها البعض ، لقد كان واضحاً أن هذه الإفرازات ما كانت لتتم لو لم تحقق هذه المجتمعات الحداثة أولاً وهي كما تجلت سياسياً في مجتمعات التعدد والليبرالية واقتصادياً في قيام الدولة الضريبية والاقتصاد الحر واجتماعياً في الفصل بين الماضي والحاضر أي المعاصرة ، لذلك كان من السهل عليها وبهذه البنية التحتية القوية أن تتعامل مع فوضى ما بعد الحداثة بأقل الخسائر والتكلفة حيث تغيرت بنية الأحزاب الحاكمة هناك ولم تعد تحكمها الأيديولوجيات السياسية فقط حتى مع احتفاظها باسمائها التاريخية ولا يخفى على أحد أثر كارتلات الشركات العملاقة العابرة للقارات في صياغة الفعل السياسي تبعاً لمقتضيات مصالحها في شتى الأحزاب ولكن دور قيم الحداثة لا يزال قائماً وملموساً على أية الحال وهو ما يشكل هيكل الدولة هناك في حين يشكل الامتداد الاقتصادي ودور الشركات العملاقة المتزايد في العملية السياسية مرحلة ما بعد الحداثة .
فثمه ارتكاز وتراكم تاريخي لـه القدرة في التحكم بإفرازاته والتعامل معها ولكن ما هو الحال لدينا ؟ قفزة كبيرة وعبور مخيف لمرحلة الحداثة دون المرور بها وبتأثيراتها واضطرار حقيقي لمواكبة إسقاطات ما بعد الحداثة التي يمر بها عالم اليوم. هنا حصل تشوه حقيقي حيث الانتقال من مرحلة سابقة للحداثة الى مرحلة ما بعد الحداثة فتحولت الدولة مضطرة للتعامل مع هذه الكارتلات الاقتصادية الضخمة الى شركة خاصة لتسويق منتجات تلك الكارتلات يديرها النظام وتحولت الشعوب الى زبائن لدى الدولة ( الشركة ) بحكم دورها الاستهلاكي نظراً لعدم قيام الأسس الحديثة للمجتمع المدني الحقيقي في عالمنا العربي فالأمر يبدو أشد مأساوية نظراً لعدم وجود مرجعية حقيقية تاريخية يمكن لهذه الشعوب أن تلجأ إليها عند شعورها بالضيم والإجحاف فالمرجعيات أما قبلية أو دينية أو طائفية في حين أن مرحلة ما بعد الحداثة خاصة في أبعادها الاقتصادية تواجه مقاومة ضارية لدى نقابات العالم المتقدم الحريصة على بقاء البعد الإنساني في جميع الحالات واضحاً ومؤثراً وهو كما أشرت في ثمرات تحقيق مرحلة الحداثة السابقــة . فمرجعيات تلك الشعوب الحديثة لا تزال قائمة وإفرازاتها منجزات لا تستطيع أن تتخلى عنها أما الدولة في عالمنا العربي فهي في مأزق حقيقي بين فترة قيامها وانقطاعها عن التطور وانتقالها بالتالي الى مواجهة تلك المرحلة المتقدمة جداً من الحداثة دونما وجود للأسس الحقيقية اللازمة لاستمرارها بشكل طبيعي وانتقالها من مرحلة أخرى بشكل أكثر انسيابية دون أن يلحق ذلك بالمجتمع أي أذى أو كارثة . ولنا أن نتصور عمق المشكلة حينما ندرك إن سقوط الدولة ( النظام ) في عالمنا العربي يعني سقوط المجتمع وسقوط المجتمع يعني بالتالي الرجوع الى الحالة الطبيعية الأولى أي مرحلة الاقتتال من أجل البقاء وفي الوقت الذى يعبر فيه العالم الى مرحلة متقدمة من الفكر السياسي تقوم على تأسيس حقيقي للقطاع الثالث من المجتمع وهو القطاع الأهلي ومؤسساته ونقاباته للموازنة مع القطاعين الحكومي والخاص نجد إعادة إنتاج " الملك العضوض " وتجميل صورته مستمرة تحت دعاوى كثيرة ليس أقلها التمسح بالديمقراطية وقيام المجتمع المدني بينما الواقع عبارة عن إعادة إنتاج لصفحة مظلمة من تاريخنا كأمة.






فخ الديمقراطية صندوق الانتخابات وغزو الدهماء

فخ الديمقراطية صندوق الانتخابات وغزو الدهماء
عبد العزيز الخاطر
 2007 / 11 / 22
الخوف على الديمقراطية لا يأتي من خارجها دائماً وانما من بين أضلعها كذلك حين تنعدم المواءمة بين بعض إجراءاتها ونتائج تلك الإجراءات . ثمة ارتباط ذهني لدى الكثيرين بين صندوق الاقتراع العام أو الانتخاب ، وبين تحقيق الديمقراطية . مبدأ الاقتراع العام لا يؤدي بالضرورة الى ديمقراطية تمثيليـة . بل أن الكثير من المختصين يرون أن هناك تنافراً وعدم تجاوب بين مبدأ الاقتراع أو الانتخاب وبين فكرة الديمقراطية ، وتاريخياً كان ثمة احتراس من ذلك فاقتصر مبدأ الاقتراع على فئات معينة دون غيرها في مراحل تاريخية معينة ودائماً كان هناك احتراس أيضاً من فتح أبواب الديمقراطية على مصراعيها دون حذر أو ترقب خوفاً من انعكاس الوضع أو تراجعه الى نقطة الصفر أو البداية ، وبمشروعية ديمقراطية هذه المرة . الخوف من القوى غير الموزونة اجتماعياً كان هاجساً لرواد الفكرة الديمقراطية في مهدها الأوروبي كذلك لأن هذه القوى قد تعيد انتخاب الحكم الملكي المطلق أو على العكس من ذلك قد تطالب بالمساواة والحرية الكاملة التي قد لا تقيم وزناً للأخلاق أو الآداب العامة . وكان الرأي السائد في تهذيب مبدأ الاقتراع العام خوفاً من اقتحامه من قوى الدهماء , فاقتصرت هذه الممارسة في عهود تاريخية على دافعي الضرائب أو على طبقة معينة دون غيرها مثلاُ خوفاً من ذلك . فثمة ارتباط بين التوفيق بين فكرة الاقتراع أو الانتخاب العام وبين الديمقراطية التمثيلية حتى تكون أكثر تمثيلاُ للواقع . فصندوق الانتخاب كما يقال أعمى وينحاز دون هوادة للأكثرية وليست دائماً الأكثرية ديمقراطية فلذلك ثمة نوع من التنقيح أو التلقيح بين الديمقراطية كإجراءات وبين مفاهيم جديدة تخفف من حدة لكي يتواءم او يتوافق مبدأ الاقتراع العام مع فكرة الديمقراطية نفسها ومن هذه المفاهيم او الاضافات؛ الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية التوافقية كذلك ، الأولى تحفظ حقوق الأقليات وتراعيها وتركز كذلك على الحرية الفردية والأخرى تبدو حلاً لمجتمعات يغلب عليها الطابع الاثني أو الطائفي أو الدينى.
خطورة الفكرة الديمقراطية أن الجميع معها ولكن حسب ظن هذا الجميع وما تحققه له من منفعة أو نفع ، فهي ان تركت هكذا لإجراءاتها فقط دون وعي لتلك المواءمة بين مبدأ الانتخاب والمبدأ التمثيلي الحقيقي للديمقراطية سحبها الدهماء الى ملعبهم بأحقية صندوق الانتخاب الذى لا يجادل أحد في نتائجه . تلك الإشكالية عانى منها الجميع أو قد يعاني منها حتى الدول المتقدمة فصندوق الاقتراع قبل فكرة التحرز هذه أتى بالحزب النازي الذى قاد العالم الى الحرب العالمية الثانية من ألمانيا كما أتى بزعيم الحزب القومي النازي (على ما أظن) الى رئاسة الوزارة في دولة ديمقراطية دستورية كالنمسا ، لولا الانتباه والتحرز كذلك لضرورة المواءمة بين الطرفين حتى بعد ظهور النتائج الأمر الذى تكرر مع التجربة الجزائرية في انتخابات بداية التسعينيات عندما اختار معظم الشعب الجزائري الاسلاميين لكن فكرة الاحتراز هذه لم تمكنهم من تسلم الحكم فعلياً وهو الأمر الذى يحتاط له مسبقا فى دولة مثل مصر مثلا.على كل حال ليست المسألة بهذه السهولة بالنسبه للتوفيق بين الجانبين فأخلاقيا يجب الالتزام بنتائج الانتخابات العامة وفى نفس الوقت كذلك يجب الحفاظ على تمثيل حقيقي للشعوب يحفظ للتاريخ مكانته وللأمن الاجتماعي دوره ولجميع القوى الاجتماعية في المجتمع أحقيتها في المشاركة والمساواة قدر الإمكان . أهمية الموضوع كونه يؤسس للفكرة الدستورية نفسها التى انتجت فى قمة تجلياتها الممالك الدستورية ومبدأ الفصل بين السلطات أي الدفع الى تحقيق أقصى الاستفادة من تراث الديمقراطية كفكرة وكممارسة.





لماذا يعجز الطرح الايديولوجي عن انقاذ الأمة؟

لماذا يعجز الطرح الايديولوجي عن انقاذ الأمة؟
عبد العزيز الخاطر
2007 / 11 / 16
تعج المكتبات والصحف العربية بالمئات من الحلول النظرية لمشاكل العالم العربي على اختلاف اتجاهات هذه الحلول . ومن الملاحظ نشاط أيضاً هذه الظاهرة المتمثلة في تنوع الطرح الإيديولوجي في مراحل الأزمات والنكسات وانخفاض أدائها بعد ذلك . أما على أرض الواقع فهناك نوع من الثبات النسبي لحال الأمة العربية المتردي الذي يزداد تردياً . فلا تصل تلك الحلول الى هذا الواقع ولا يرتفع ذلك الواقع ليلاقي أطراف تلك الحلول . وهنا نطرح سؤالاً : هل يمكن للايديولوجيا بمفهومها العام أن تصنع أو تغير الواقع أم أن الواقع المادي هو صانع الايديولوجيا ؟ من وجهة نظر الماركسية المعروفة فالواقع المادي هو أساس الايديولوجيا الفوقية المكونة من النظام السياسي والاجتماعي وهو ما أطلقت عليه اسم المادية التاريخية . قد يكون ذلك صحيحاً الى حد ما في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة حيث التقدم المادي الصناعي السريع يخلق له وسطاً ثقافياً وعلاقات مرتبطة به أما ما حدث في الاتحاد السوفييتي إبان نهضته فهو العكس تماماً حيث قادت الايديولوجيا اللينينية والستالينية مواقع التغيير فيه وكذلك غيرت الايديولوجيا القومية خلال فترة الخمسينيات والستينيات في عالمنا العربي أجزاء كثيرة من أرض الواقع ولو تطرقنا قليلاً الى العالم الغربي أو حتى بعض دول العالم الثالث لوجدنا أن معظم الأطروحات الإيديولوجية تصل الى أرض الواقع من خلال قنوات رسمية متمثلة في الأحزاب ولكل حزب إيديولوجية يسعى من خلالها الى الوصول للحكم وهذا غير متوافر في عالمنا العربي بالرغم من وجود الأحزاب في بعض الدول العربية إلا أنها شكلية الى حد كبير ، ويبقى الحزب الحاكم أو حزب الرئيس هو الايديولوجيا المسموعة وغير القابلة للتغيير ألا بتغيير الحكم نفسه وتظل الأحزاب الأخرى تدور في فلك ذلك الحزب . وإن كان لهذه الإيديولوجيات وجود حقيقي معترف به كبعض التكتلات في مجلس الأمة الكويتي ومجلس الشعب المصري إلا أن وصولها إلى الحكم بعيد المنال . إذن هناك عناصر لابد من توافرها لتجعل الايديولوجيا قادرة على إحداث التغيير ومتسقة مع بيئة المجتمع وتراثه الى حد كبير . ودعونا نسلم مسبقاً بإمكانية انضواء الطرح الإيديولوجي في عالمنا العربي أياً كان مصدره ضمن دائرة المفهوم الإسلامي والمبادئ العامة للإسلام وتحت شعار (كلنا مسلمون) ؛ كونه الهوية الأشمل لمعظم أفراد هذه الأمة وكونه استطاع إحداث ثورة في المفاهيم والقيم في البيئة العربية الجاهلية حيث أوجد التسامح كقيمة ضمت بين جناحيها المسلمين بالرغم من اختلاف أعراقهم وارتفع بقيمة التضحية فجعلها من أجل أهداف أسمى ودفع بنظر المسلمين الى مصيرهم المشترك بعد أن كانت أنظارهم لا تتعدى مصيرهم كأفراد وقبائل . هذه المفاهيم والقيم هي أداة التغيير المادي وعالمنا العربي يعاني حالياً غياباً مشهوداً لهذه القيم والمفاهيم فنحن في حالة ردة عن هذه القيم العظيمة نطرح الفكرة ونطلب منها أن تحقق نفسها بنفسها في أرض الواقع . فثقوب غياب هذه القيم والمفاهيم واضحة في قميص الإسلام الذى نرتديه . ويجدر بنا أن نتعرض لهذه القيم والمفاهيم التي هي أساس تحقق الطرح الإيديولوجي في الواقع المعاش . بل انها الأرضية التى لابد من التوافق معها لا نفيها أو اغفالها.
قيمة التسامح :
ففي حين تسعى جميع الدول العربية لزيادة الرقعة الخضراء في عالمنا العربي . إلا أن هناك عنصراً آخر أعتقد بأنه يجب أن يحظى بالأولوية وهو زيادة مساحة التسامح داخل العقلية العربية والإسلامية ، فبالرغم من أنه من أعظم القيم التي نادت بها الديانات السماوية إلا أنه لا يحتل إلا اليسير في عقلنا العربي المعاصر في حين يحتل الجزء الأكبر منه ضيق الأفق والتعصب بأدواته من تكفير وزندقة وخيانة الخ فالتسامح هو أساس الحضارة الغربية الديمقراطية بالرغم من أنه وُلد إسلامياً إلا أننا تنكرنا له في حين تبناه الغرب ، وحيث أن الإيديولوجية القهرية التي كانت سائدة في بعض البلدان وخاصة العالم الشيوعي سابقاً لم تعد في سياق مع العصر بل ورفضتها الشعوب فإن الحياة النيابية هي ما تستلزم وجود مثل هذه القيمة كوسيلة للتعايش السلمي بين الإيديولوجيات المختلفة .
قيمة التضحية :
قيمة أخرى عظيمة غائبة تجعل من الطرح الإيديولوجي غير ذي معنى فالتضحيات هي أداة التغيير انظر كيف استطاعت هذه القيمة أن تغير واقع الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب العالمية الثانية بعد أن تبنتها الإيديولوجية الستالينية فكانت النتيجة ظهور الاتحاد السوفييتي كدولة عظمى على أنقاض ما يقارب العشرين مليون قتيل ذهبوا ثمناً لذلك ، وفي تاريخنا القديم كيف استطاع المسلمون بتضحياتهم أن ينشروا الدعوة وأن يصلوا بها الى أطراف اوروبا الشمالية بل تمثل هذا أيضاً بين المسلمين أنفسهم من أنصار ومهاجرين . فانسحاب هذه المفهوم من حياتنا وهروبنا منه جعلنا أمة متلقية للضربات ذليلة من أجل " حياة " كما وصفها القرآن لا تتمكن من الوقوف حتى تسقط مرة أخرى .
المصير المشترك :
هذا مفهوم جلل يدفع الأمم الى الكفاح والتضحية لا نستشعره ألبته ، فمفهوم الأمة الواحدة غائب كلياً عن أذهاننا ومن هنا تبدأ المشكلة . فلكل أدواته للخلاص ويسعى إليه بمنأى عن الآخرين . يجب أن نعي أننا نُعامل كشعب واحد عربي مسلم من قبل شعوب وأمم العالم وليس على حسب نوايانا الفردية فبيننا من هو أشد تعلقاً بالغرب من أبناء الغرب نفسه ، ولكنه في وعي تلك الشعوب عربي شرقي مسلم حتى لو أنكر إسلامه فأنه لا يستطيع أن يخلع جلباب العروبة بسهولة داخل تلك العقول فكم توسلنا وحاولنا التقرب من غيرنا وبشتى السبل ولكن ذلك لم يغير من واقعنا شيئاً . فليس أمامنا إلا قبول التحدي الذى تواجهه الحضارات في مراحل تدهورها كما أشار " توينبي " فإن هي قبلت هذا التحدي وواجهته مؤمنة بقوتها ومصيرها المشترك نهضت من جديد وإن انهزمت ولم تستطع ذلك فهي أمة مهزومة ما تلبث أن تندثر ويتشتت تراثها فالحقيقة أن الايديولوجيا لم تفشل كما يتصور البعض ولكن لابد لها من وعاء لكي يمكن ممارستها على أرض الواقع وهو ما يثبته العصر المعاش حينما أصبح السوق هو ذلك الوعاء وأكبر مثال على بقائها برغم تغير لونها وطعمها هي إيديولوجيا السوق وخدمة الأطراف للمركز وانصياع السياسة والأخلاق كذلك لها .
يبقى أن نشير الى أنه لكي يتمكن الطرح الفكري الإيديولوجي من المساهمة بصورة فعالة داخل المجتمع لابد له أولاً من أن ينطلق من خصوصية المجتمع وعليها يبنى تطوره لا أن يستورد المفاهيم من بيئات أخرى ويحاول غرسها غرساً في غير تربتها وهو ما دأبنا على عمله طيلة عقودنا السابقة فلم يستقم مفهوم القومية لأننا استوردنا نسخة الغربية الشمولية ولم يتجذر مفهوم الديمقراطية الغربي أيضاً في أرضنا برغم جميع المحاولات والمساعي والمؤتمرات وغيرها لأننا أردناه محاكاة لإفرازات مجتمعات أخرى . ومن الأهمية بمكان التثبت بأن مكونات المجتمع الأصلية هي مادة البناء الوحيدة لقيام مفاهيمه وقيمة وتطلعاته ، كيف نحول القبيلة الى مؤسسة والدين الى حركة والولاء الأولي الى مواطنة هذه بعض اللبنات التى يجب تطويرها لا تدميرها أو هدمها ثم لابد من قنوات رسمية يستطيع من خلالها الطرح الايديولوجى أن يكشف عن محتواه وذلك كما قلنا ضمن المفهوم الإسلامي الواسع الذى ينص على حرية الرأي والمشاركة ولا بأس من تعدد الآراء ضمن الدائرة العربية الإسلامية المحيطة بالمجتمع ككل مع إتاحة الفرصة لهذه التيارات للوصول الى الحكم وطرح برامجها السياسية . ثم ان هناك نقطه أخرى هامة تتمثل فى تسييس الطرح الايديولوجي أيا كان نوعه بمعنى أن لا ينطلق من مفاهيم مطلقة لا تحتمل الخطأ  وعلينا أن ندرك كذلك أن خطورة سد الطريق أمامه للتعبير عن محتواه سلمياً ليس حلاً حكيماً لأن البدائل الأخرى حتمية وقاتلة كذلك . هذه باختصار أهم الرؤى والتطلعات الضرورية لجعل الطرح الفكري الإيديولوجي عملاً نافعاً وليس مجرد إثراءً مكتبياً يفقد قيمته خارج إطار المكتبة أو بعد الفراغ من قراءة الجريدة ، فبدون امتزاج هذه القيم والمفاهيم بالطرح الإيديولوجي بحيث يصبح المصير المشرك هدفه والتضحية أداة لتحققه وقبول الفكر الآخر منهجه ، وبدون وجود قنوات مشروعة لممارسة هذا الفكر ضمن هوية المجتمع يبقى الطرح الإيديولوجي عملاً فوقياً طوباوياً لا طائل منه . تبقى نقطة أثارها بعض المفكرين وتتطلب معادلة دقيقة تتمثل في سلطنة المثقف أو تثقيف السلطة ، والمسافة بينهما لم نتمكن من إيجادها في صورته المثلى حتى الآن.