الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

مجتمع على صفيح ساخن

مجتمع على صفيح ساخن
span>
عبد العزيز الخاطر
2008 / 6 / 23
عندما أعلنت الحداثة سيادة العقل و مركزية الانسان فى هذا الكون لم تكن مجتمعاتنا قد تهيأت لمثل هذه الخطوة المفصلية حيث كانت ولاتزال مربوطة من حبلها السري بالمرحلة السابقة لتلك وهي مرحلة الوصاية لقوى كثيرة خارجية تخضع الانسان لارادتها ووصايتها فهى بالتالي ظلت تابعة وليست سيدة لقرارها ومصيرها. مجتمعنا القطري الصغير يعاني كغيره من المجتمعات العربية خصوصا والنامية عموما من عدم مروره تاريخيا بتلك المرحلة العقلانية التي تسمى مرحلة الحداثة. ما يشهده العالم اليوم كما يشير كثير من ذوي الاختصاص هى مرحلة لاحقة لتلك أو مرحلة ما بعد الحداثة , انسان هذه المرحلة بعد تشبعه بمرحلة الحداثة العقلانية أصبحت لديه القدرة فى التحليق بعيداً عن جميع المرجعيات بما فيها العقل باحثاً عن معان جديدة لوجوده واشباع رغباته وتمثله لسيادة الكون فهو انسان سوبرمان أو يبحث عن تلك الصفة كما أشار نيتشه الذي يعتبر أحد فلاسفة مابعد الحداثة ودعا اليه. فهى مرحلة يسود فيها انسان خاص دون غيره لا بشروط العقل وانما بشروط القوة والانجاز التاريخي.الآن جميع ما تسعى اليه مجتمعاتنا قد تحقق سابقاً فى مرحلة سيادة العقل الحداثية من ديمقراطية واصلاحات اقتصادية واجتماعية الا أنه عصي على مجتمعاتنا حتى اليوم. الشعور العام بالاختلال ناتج عن التحرك في هذا العصرالمابعد حداثي كما أشرت بمرجعيات ما قبل الحداثة العقلية نفسها في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لذلك تثير مواضيع قد أصبحت من المسلمات. كثير من اللغط والخصام وربما الاقتتال فى مثل هذه المجتمعات انظر كم يثير موضوع التركيبة السكانية للمجتمع القطري من تساؤلات وتخوف وموضوع آخر كقانون الانتخابات كذلك الذى وصفه البعض بالقنبلة الموقوتة وبرامج الاصلاح الاداري المتعثرة لماذا؟ لأنه جرى التعامل معها بعقلية ما بعد الحداثة مجاراةً للعصر؛ عصر مصلحه الانسان الأرقى الذى يستمد مرجعيته من تلك المصلحة فقط. فهذه المجتمعات تعيش لذلك على صفيح ساخن, ثمة ارتباط واضح وتأكيد وتركيز بين وجود المرجعيات التقليدية لمرحلة ماقبل الحداثة وافرازات مرحلة مابعد الحداثة فى حالة القفز على مرحلة الحداثة أو عدم المرور بها.
الآن ما يهمنا هو الاشارة الى بعض الأمور العقلانية التى قد تؤسس وتربطنا بمرحلة الحداثة فى مجتمعنا القطري بالذات حتى ولو كان الوقت إن لم يكن قد مضى فإنه يوشك على ذلك. أولا: لا يوجد إصلاح اقتصادي حقيقي دون إصلاح سياسي حقيقي كذلك فجميع روشتات الإصلاح الاقتصادي من خصخصة وبرنامج البنك الدولي وغيرها ذهبت أدراج الرياح فى جميع الدول التي لم يتحقق فيها إصلاح سياسي حقيقي واستغلتها أقلية على حساب الأكثرية.
ثانيا: يجب التعامل مع مكونات المجتمع الحقيقية لا القفز عليها واغفالها نعم يجب تطويرها أما الاستيراد فهو مفهوم اقتصادي ولكنه اجتماعياً كارثة أكثر منه حلاً .
ثالثا: التركيز أكثر على الفلسفة وعلوم المجتمع لتأسيس نظرة عقلانية لدى الأجيال الشابة فيما يتعلق بالمناهج الدراسية أو الندوات والمسابقات والابتعاد عن الطروحات غير العقلانية والتى تؤسس لمفهوم الانسان الأعلى كشعر المديح المبتذل.
رابعاً:اعتماد مبدأ التراكم بدل البتر فى عملية الاصلاح الاداري وعدم التفريط فى الكفاءات .
خامساً: التغيير سمة حسنة وضرورية وهناك وصف محلي جميل لكرسي المنصب يشبهه بكرسي الحلاق لتداول الجالسين عليه الا إنه عندنا صعب التحقق لايمان الحلاق بامتلاكه شخصياً على ما يبدو.
 سادسا: اللغط حول القبيلة وصعوبة تطور المجتمع مع وجودها لغط غير صحي وغير حقيقي فالقبيلة مكون أساسي للمجتمع القطري ومرجعية أولى أساسية لا يمكن تجاهلها والتعامل معها ، يأتي من خلال ايجاد مرجعيات ثقافية أخرى لأفرادها من خلال مؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات والنقابات وحتى الأحزاب فبذلك تتحقق ذات الانسان الثقافية ووجودها الأعلى وقد رأينا ذلك فى الانتخابات الكويتية الأخيرة عندما اختار العديد من أبناء القبائل الدخول فى جمعيات وتكتلات سياسية مع احتفاظهم بانتمائهم القبلي.
 سابعا: استشعار المصير المشترك دائما حكاماً ومحكومين والعمل دائما على اعادة الترابط بين أفراد المجتمع وتعزيز هذا الترابط وهو ميزة طالما تميز بها مجتمعنا القطري دون غيره. تلك على ما أعتقد من أهم النقاط التى يجب التركيز عليها لاعادة المجتمع ووصله بمرحلة الحداثة الضرورية لأنه فى حالة القفز عليها لن يبقى التعامل مع هذا المجتمع داخلياً وخارجياً على أساس أنه مكون من بشر وأفراد بل على أساس أنهم مجرد أشياء هذا هو منطق ما بعد الحداثة فالعمل على ربط المجتمع بطور الحداثة أولوية ضرورية وبادرة من الحكمة أن تتخذ. ما بعد الحداثة يمكن تحقيقه بسهولة فى علوم وفنون كثيرة إلا أن تحققه فى الانسان فكراُ وممارسة يتطلب مروره بمرحلة العقل وبشعوره بمركزيته أولا فى هذا الكون كما ذكرت, فالقطري اليوم يعايش مرحلة ما بعد الحداثة جسمانياً على أمل أن يعيشها ويستشعرها روحاً ومعنى.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق