الخميس، 23 يوليو 2015

"القطريه" بين طموح المواطن وإستفزاز المجتمع


في إحدى سفراتي من دبي عائدا الى الدوحه وبعد تأكيدي للحجز أكثر من مره على الدرجه الاولى, فوجئت وانا على باب الطائره بأنه لامكان لي في الدرجه الاولى وسألت عن السبب فقال أن جميع كراسي الدرجة الاولى محجوزه , قلت له وأنا حاجز ومؤكد الحجز قبل يومين , قال لي, طرأ حجز جديد , فرفضت الرجوع للدرجة الثانيه , فقال بعد خمس دقائق سيغلق الباب , وأجاب أخيرا راجع شركتك ماأنا سوى موظف , فقلت هل هناك من هو أكثر تأهيلا إجتماعيا مني ليحظى بمقعد حجزته قبله, فضحك وقال لاتسحب رجلي , راجعهم في الدوحه علشان يعوضونك" لم أعطى ولم أُسئل .تحاملت على نفسي وركبت في السياحيه وليس في ذلك انتقاصا سوى أن الاستفزاز في السماء أشد قسوة من الاستفزاز على الارض .عاصرت "القطريه منذ إنشائها على يد الشيخ حمدبن على بن جبر "صقر الخليج" الذي كان وكيلا لإدارة الطيران المدني قبل ذلك , لاشك انها حملت إسم قطر في كل مكان من نيويورك الى استوكهولم الى بكين , كان الهدف من انشائها سياسيا طموحا , تعطى أحسن الاسعار التنافسيه في الاسواق العالميه , المجتمع القطري الصغير كان ينظر الى هذا العملاق يتمدد يفرح لذلك , لكنه يكتوى منه ويحترق إذا إقترب , أنا شخصيا أخاف من مفاجئات القطريه ولايهدأ لي بال حتى يغلق الباب , اخاف على مقعدي من الانتزاع في أي لحظه, لااعاني من الخوف اطلاقا عند سفري على أية خطوط جوية أخرى , القطريه رغم نجاجها السياسي والتجاري ألا إنها تمارس استفزازا للمواطن القطري ذو بعدين, الاول إقتصادي يتمثل في الاستنزاف المالي نظرا لغلاء سعر التذاكر الفاحش ومحدودية البدائل والتحكم في السوق , والثاني إجتماعي وهو الاخطر ويتمثل في أنك مسافر درجه أولى تحتمل النزول الى الدرجه الثانيه في أية لحظة إجتماعيه تتحرك فيها قوى المجتمع ومرجعياته الاولى , بل أنه من الممكن أن لاتسافر البته وتعوض بتذاكر مجانيه إرضاء لك , كما حصل لقريب لي ينتظر صعود الطائره في صالة كبار الزوار فإذا بها تقلع بدونه بعد أن سُطي على مقعده . نجاح القطريه يسعدنا وهي التي تحمل اسم بلدنا الغالي في كل مجال , لكنني اعتقد أنه حان الآوان للإنتقال من الاستفزاز الى الإطمئنان, في إعتقادي أن الهدف السياسي من إنشائها قد تحقق بشكل كبير , حان الآوان أن تقدم خدمة للمجتمع أو أن توجد خدمة للمجتمع يتفق مع تسميتها "الناقل الوطني" السيد أكبر الباكر شخصية عملية جاده وطموحه يستفزها المجتمع وتستفزه. اليوم هناك حملة امريكية واوربيه على ناقلات دول الخليجيه الجويه بتهمة دعم الدولة لها بما يخرق قانون المنافسه وفي حالات متقدمه قد تفرض إجراءات عقابيه , مايهمني هنا هو إسم "قطر" وصفة"الناقل الوطني" وإحترام المواطن قبل أن يشتري التذكره وبعد أن يستلقي على مقعده وقد دفع من حر ماله استحقاقها, ينتظر الاقلاع ليفاجأ بانه ليست هناك مسافات قانونيه تفصل بين حقه وبين رغبة الاداره في إعطاء مقعده لآخر ترى أنه اكثر استحقاقا اجتماعيا منه , خوفا أو طمعا أو من خللا تعاني منه أو فقدانا للثقه المتبادله بينها وبين المجتمع..

مشيرب "المشروع" هل يعوض مشيرب"التاريخ"؟


وقوفك عند تقاطع شارع مشيرب -- شارع عبدالله بن ثاني. سابقا , تكون بالفعل في قلب مدينة الدوحه, خلفك دوار البنك العربي وسوق واقف والنجاده , أمامك تقاطع"الكيبل-وايرلس" وإمتداد شارع الكهرباء, عن يسارك فريج عبدالعزيز والمنتزه , عن يمينك امتداد شارع عبدالله بن ثاني وقصر الشيخ سحيم , ومن خلفه الديوان الاميري , ثمة تناسق طبيعي غير مصطنع يمتد من سواق واقف الى شارع مشيرب مرورا بشارع عبدالله بن ثاني حتى شارع الكهرباء , ثمة كثافه سكانيه , لايخرج نطاق تسوق المجتمع آنذاك عن هذه المنطقة الوسطى التي شكلت ثقلا سكانيا وتجاريا , مايميز تلك المنطقه في السابق التي يستعاض عنها اليوم بمشروع تجاري ضخم , أنها تمثل نداء إجتماعيا مع كونها في أحد جوانبها مشروعا إقتصاديا, خلف كل محل تجاري هناك بيت لعائلة قطريه , امتزاج الاجتماعي بالتجاري يؤكد أصالة المنطقه , ويؤكد حيوية المجتمع ويربط بين الاوساط الاجتماعيه على اختلاف مستوياتها, كنا حين نعبر من شارع الكهرباء الى شارع عبدالله بن ثاني نمر بعشرات البيوت من بيوت أبناء تلك المنطقه , عندما نزور الدول بمافيها الدول الغربيه نحظى بمشاهدة العاصمه القديمه أو مايسمى بالمنطقه القديمه في العاصمه ببيوتها وبمتاجرها وساحاتها , حيث وجودها يعطي قيمة ومعنى للجديد المستحدث, منطقة وسط الدوحه مشيرب وماحولها تمثل أصالة الدوحه التجاريه , أين يذهب من يريد أن يرى دوحة الماض بمتاجرها واسواقها وسكيكها , سوق واقف ليس كافيا وامثاله موجوده في غير دوله , كذلك كانت هذه المنطقه تحظى بما يدل على توجه قطر العربي والعروبي كذلك , فهناك مكتبة العروبه وبقالة الجمهوريه العربيه المتحده , ومخزن الشرق , اليوم أقف عند المشروع لأجد ضخامة وامتدادا اسمنتيا هائلا في كل اتجاه , لا بأس لعله نظرة تحديثيه , لعله مشروعا تحديثيا مستقبليا , لكن كان بودي أن يلتقي التحديث مع التاريخ , كما نرى في عواصم العالم الموغله في القدم , هل تصدق أن عاصمة"القوط" في القرون الوسطى"براغ" لاتزال قائمه ويمكنك اليوم زيارتها ؟ العاصمة تاريخ وليس بناء جديدا الا بما يحقق ويدعم ويحافظ على بقاء هذا التاريخ , الاسماء التاريخيه لها مدلولات وشواهد , لايمكن أن يبقى الاسم وليس له مدلولا وشاهدا تاريخيا على اصالته ووجوده, انفصام الاسم عن المسمى أو الدال عن المدلول عرض خطير أخشى أن يعاني منه الجيل القادم الذي لم يرى أصلا مدلولا على الدال , أو مسمى يدل عليه أويشير اليه الأسم.

الأحد، 19 يوليو 2015

إستاد الدوحه وحفريات في الذاكره

خطت الدوله خطوات جباره في تطوير الرياضه وفي إبداع الإنشاءت الرياضيه من ملاعب وصالات وخلافه, نرى مشاريع عملاقه ودوري حامي الوطيس واسماء عالميه , لكن روح استاد الدوحه لاتزال تشتعل في ذاكرة الجيل السابق , ولاتزال تحدث دويا لمن يقرأ تاريخ الرياضة في قطر من الاجيال التاليه. لحظة دخول الشيخ جاسم رحمه الله في تمام الرابعة عصرا يترقبها الجمهور في مدرجات استاد الدوحه بفارغ الصبر ليعيش لحظات حاسمه من الصراع الكروي الجميل بين أندية قطر , لاتزال صورةأبوجبره وهو مستلقي بكامرته خلف المرمى ليقتنص فرصة تسجيل هدف لتنشر في اليوم التالي في مجلة العروبه في الأذهان , لايزال أبو أسعد بشنطته الطبيه واقفا على أتم استعداد للتدخل واسعاف اللاعب المصاب , عاهد الشنطي حكمنا الدولي وأول من اعطي "بيليه" إنذار لحظة مشهوده من تاريخ استاد الدوحه , خالد بلان وأخوه طالب , ومبارك وليد وعيسى محمود وصالح صقر وناصر سرور وخطاب عمر وخالد سلمان الخاطر و سلمان خليفه و"دقدق" حسن عثمان وابراهومه وصلاح دفع الله ومحمد غانم وسيف الحجري هؤلاء بعض نجوم استاد الدوحه في أوج تألقه وبريقه , إختفوا بعده وغاب الجمهور القطري مع تقاعد استاد الدوحه, كان التدافع مشهودا في لقاءات الانديه الاكثر شهره كالعروبه وقطر والريان والوحده والنجاح والتحرير, ولاحقا السد. كان استاد الدوحه ليس ملعبا لكرة القدم فقط كان يمثل ترجمة حقيقية لنشاط المجتمع الشبابي القطري وإهتماماته في ذلك الحين . كان عاكسا للروح القائمه بين ابناء الفريج الواحد سواء في الدوحه أو في منطقة شرق أو في الريان او الوكره او الخور , كان يمثل قمة الارتباط الاجتماعي بين هذه المناطق على شكل لقاءات كرويه ممتعه يلتقي ليس فقط الكبار وانما الاشبال كذلك في الساعة الثانية ظهرا ومع ذلك تجد المدرجات ممتلئه بالحضور, استطاع استاد الدوحه أن يشد حتى كبار السن وليس الشباب في ذلك الوقت , كنا نرى عددا كبيرا منهم حريص على حضور المباريات تجد عوائل أهل قطر ممثله كذلك في الانديه حيث تواجدهم سواء كلاعبين او اداريين , البعد الاجتماعي لإستاد الدوحه كان كبيرا ويعادل البعد الرياضى الذي أنشْ من أجله , دليلا على أن كرة القدم او الرياضه بصفة عامه لاحم اجتماعي هام عندما تكون بعيدة عن عامل الربح والخساره المادي , أوقل قبل أن تترسمل . كان ظهور الانديه في قطر بين رغبة الشباب في حينه وإمتناع المجتمع ممثلا في الاجيال السابقه مثار تحدي كبير وتضحيه , لذلك كان وجودها قضيه وليس ترفا , لذلك كان اللاعب القطري الجيد, فرصة لاتعوض , لذلك كان استاد الدوحه مسرحا للتألق , لذلك كان إهتمام المسؤولين في محله , اليوم نشكو من قلة حضور الجمهور رغم الملاعب الفاخره والاستعادات الضخمه, ونستعيض عنهم بقوالب جاهزه من هنا او هناك , هذا شىء طبيعي بعد اختلاف المعادله بين المجتمع والرياضه او كرة القدم بشكل خاص, فلم يعد الارتباط عضوي بين المجتمع وكرة القدم , وليس حتى بين المجتمع والمنتخب الوطني . الرياضه اصبحت سوبر ماركت تعرض فيه كل منتجاتها وهناك بائع ومشتري , لكن يبقى استاد الدوحه بطقوسه المتعارف عليها , مباريات الدرجه الثانيه ظهرا , دخول الشيخ جاسم الرابعه عصرا ,السلام الوطني , بدء المباراة الرسميه سواء بين فرق الدرجه الاولى القطريه أو مع أحد الفرق الزائره , لاتزال حاضره , والاجمل أن استاد الدوحه لايزال حاضرا , رغم غياب الطقوس واصحابها في مفارقه تاريخيه , حيث درجنا على تغيير الرسم وبقاء الاسم. لايزال صدى صفارة عاهد الشنطي يرن في إذنى وفلاش أبو جبرا في ذاكرتي وشنطة أبو اسعد في ناظري ورددوا معي ومع فوزي محسون رحمه الله"قديمك نديمك لو الجديد أغناك"

العيد في زمن الانقراض



يمثل العيد لحظة تأمل وإعتبار للمعاني الانسانيه والدينيه , يلح عليك سؤال الوصل بالارحام , يشغلك همُ السؤال عن الاهل والجيران والاحباب , تعود بك الذاكره لأناس ذهبت بهم الدنيا وفرقتهم الايام , لايزالون يملكون ناصية من قلبك , وجزءا من ذاكرتك . سؤال الوصل سؤال ديني وجودي إنساني , قبل أي مناسبه وبعد أي مناسبه ,كان اقل إلحاحا في السابق عنه اليوم , البيوت متقاربه , الحاله متشابهه , المساحه الاجتماعيه لافواصل بينها ولاسواتر والصوره الذهنيه لاتكاد تغيب , تملأ المكان , تتجه مباشرة الى غايتك , الى بيت من تقصده لاتحتاج عنوانا ولايلزمك دليلا , سوى نحنحتك قبل دخولك للسلام على من تحب من أهلك وأقرابك , الزمن ثابت والجغرافيا مطمئنة ساكنه , ذاكرتك مستريحه , تشعر بالقرب , لاتشعر بالانفصال ولا بالفجوة ولابالقطيعه , لامكان للقطيعه الا لجاحد أو لجاهل , العيد لايمثل سوى تتويجا للوصل القائم أصلا . حاولت جاهدا أن أضع قائمة بأسماء بعض الاقرباء والاصدقاء لزيارتهم مهنئا لهم بالعيد السعيد , حصلت على معلومات عن عناوينهم ومكان إقامتهم , كانت غجازة العيد فرصة سانحه حيث لا زحام مروري ولاتكدس سيارات أمام اشارات المرور , ولا تقاطعات تلزمك بتغيير اتجاهك قسرا نظرا لذلك , وجدت أحدهم وسط غابة من البيوت الجديده , سألته عن جيرانه قال لاأعرفهم , ولاأعرف جنسياتهم , فرح بزيارتي وكأنني قادم من دولة أخرى, بينما وجدت الآخر جالسا وحيدا في مجلسه الانيق وحلوى العيد وكنافته في كل مكان , قال أنه ينتظر قريبا له قادم للسلام عليه , وسألته عن أقربائه وجيرانه في الفريج سابقا قال بعضهم إكتفى برسالة على الواتس أب , ذكر لي أن جيرانه من الاخوه العرب , بادرت في رمضان بالاتصال بهم عن طريق إرسال الطعام بين البيوت كما هو متعارف عليه عند أهل قطر فبعضهم كان إيجابيا والبعض لم يتقبل ذلك أو لم يتعود عليه . صديق ثالث , عبر لي عن حسرته وشعوره بالوحده لأن ثقافة الوصل إختفت مع إختفاء الفرجان في قطر , ذكر لي أن ظاهرة بناء المجمعات السكنيه بهذه الكثافه ظاهرة مخيفه , وهي أشبه بالمعسكرات منها الى المشاريع الاسكانيه حيث البوابه والتفتيش وساكنها الذي يحمل مع الوقت بذور الشك في القادم الجديد . وأشار قريب آخر الى أن هناك , إزدواجية ثقافية آيلة للظهور بين ثقافة أهل قطر وثقافة الوافدين الجدد, والبقاء سيكون لصالح ثقافة الاكثر عددا , وذكر لي عدة صور لذلك حيث لاحظ مظاهر صاحبت صلاة العيد و والاحتفال به لم يكن متعارف عليها عند أهل قطر . التطور سنة من سنن الله في الكون لاشك في ذلك , لكن مهمة الانسان أن يشارك في صنعه بما يحفظ له مقاصد عيشه وهويته وأسباب وجوده . وأنا عائد الى منزلي طغت على ظني فكرة "الانقراض" وأنها تبدأ أساسا من التفكير في الذات مستبعدة الذوات الاخرى أو على حساب الذوات الاخرى, وترتكز كذلك على هرطقة إجتماعيه تنادي " أنا وبعدي الطوفان"