الخميس، 23 أكتوبر 2014

"حول الإنسان وذاكرة المكان" وقت"الصفره" وقت الشياطين- الوعي البسيط قبل الافتتان بالمايكرفون


لم يكن في وعينا ونحن اطفال أو شباب في مقتبل العمر , نلعب في أطراف الفريج , اهمية تذكر للوقت بالمعنى العام,سوى وقت أذآن"المغرب". هذا الوقت بالذات نهاية كل نشاط , مهما كانت اهميته , تتوقف المباراه حتى لو لم يكتمل وقتها المحدد , يقفل المذياع ولو كانت نشرة أخبار هامه , أنه وقت "الصفره", لآذان المغرب خصوصيه مجتمعيه في ذلك الوقت , حيث يتدخل المجتمع في حالة عدم الالتزام بوقت "الصفره" وايقاف كل نشاط , عن طريق مايسمى اليوم ب"المحتسب"الذي يقوم بدور المجتمع نيابة عنه , , وإذا أراد "الشيبان" أن يتهموا افرادا أو مجموعة ما , وصفوهم بأنهم يلعبون "وقت الصفره", مما يتيح للمجتمع بعد ذلك التدخل لإيقافهم. وأذكر مرة أننا كنا في مباراة لكرة القدم بين فريقنا وفريق "الغرافه", والمباراة على اشدها ومع دخول وقت"الصفره" وجدت الجميع يهرب تاركا ثيابه ودراجته"السيكل", حيث فوجئنا بالشيخ عيد بن محمد رحمه الله يعترض الملعب ومعه نفر من اتباعه وبيده خيزران, فتركت الكره وهربت تاركا ثوبي و"سيكلي""دراجتي" وعدت الى بيتي بقميض و"شورت" اللعب. وكان الشيخ "عيد بن محمد "رحمه الله من أشد الناس حرصا على إقامة الصلاه والالتزام بوقت "الصفره" وعدم اللعب فيه , في حين الاستماع الى الغناء في هذا الوقت يعد ذنبا لايغتفر ويدل الى قلة إيمان الشخص. كان يعتقد كما قيل لنا مراراأن وقت المغرب"الصفره" هو وقت نشاط الشياطين , وكل من يمارس نشاطا أو يستمع الى غناء أو أي شكل من اشكال اللهو هو بالضروره يشارك الشياطين أو يبدو وكأنه أحدهم. ما يهمني أكثر هو " تدخل أهل "الفريج" فيما يظنون أنه خطرا على أولادهم سواء كان هذا الخطر ماديا أو ثقافيا. كان مسجد "أحمد بن يوسف الجابر " رحمه الله , في الريان القديم كان هو سجل حضور الابناء اليومي للصلاه وخاصة صلاة المغرب و المتغيب عنه يثير علامات استفهام و تحتاج الى متابعه ونصيحه ومن ثم جزاء وعقاب, واحمد بن يوسف الجابر رحمه الله, من اعيان الريان وقطر في ذلك الوقت فهو الشاعر والاديب , ومن شدة تواضعه رحمه الله أنه ذكر في مقابلة له استمعت اليها عندما وصفه المذيع بانه مثقف ذلك العصر أنه قال "العور"الأعور" على العميان باشا". السمعة الحسنه للشخص اساسا في ذلك الوقت تتأتى عن طريق محافظته على الصلاه ولايزال هذا قائما ولكنه كان في السابق نمطا اجتماعيا سائدا بشكل اكثر وضوحا ورسوخا نظرا لتجانس المجتمع بشكل كبير, من يحافظ عليها , يكتسب احترام اهل الفريج ولوكان جديدا عليه , والعكس صحيح ,من "لايصلي ", لايحبذ الاقتران به او التقرب اليه مهما كانت مكانته او وضعه الاجتماعي. واذكر أن إمام مسجدنا"مسجد احمد بن يوسف الجابر" كان شيخا كبيرا في السن يدعى "عبدالله " ثم تلاه اماما آخر من اهل فارس يدعى"عبد الملك " وهم اقرب الناس الى طبيعة أهل قطر في ذلك , كانت لديهم القدره على التكيف مع طبيعة المجتمع , وفي أيام تاليه جاءنا شيخ ازهري يدعى الشيخ "عبد المعتمد" فاطال في الخطبه ,وركز على استخدام مكبر الصوت في مسجد صغير , حتى ان بعض المصلين من شيبان الفريج كانوا يتسائلون عن مغزى والهدف من تلك"اللجه" كما أسموها, رحمهم جميعا. فدخلنا بعد ذلك في حقبة المايكرفون ورفع الصوت في غير مواضعه , فأصبح الوقت كله"صفره" وخوف من الشياطين أو خيالاتهم , لم يبق من مسجد احمد بن يوسف الجابر شيئا يذكر , ولم يبق من رواده الاوائل الا بعض ابناءهم واحفادهم, ولكن يبقى وقت "الصفره" وأهميته في ذهنية أهل قطر كدليل على نقاء العقيده , قبل ان تلوث بشياطين الدنيا وعشاق بريقها الآفل.