الخميس، 13 نوفمبر 2025

الوجاهة معنى أم مبنى؟

أخذنا ويأخذنا المبنى بعيداً عن المعنى يوماً بعد آخر , يسرق  حقيقة المعنى من دواخلنا  ليضع مكانه  زيف المبنى وفراغ المعنى,في عهد سابق كان المعنى في الانسان لا في المكان , كانت الوجاهة إنسانٌ يحمل معنى وليس بنيان يبحث عن وجود لصاحبه وثقةٌ كادت أن تُنسى.
اتذكر مجالس الفريج  البسيطة  والمفتوحة بلا زخرف ولا ألوان لكنها ممتلئة بالروح وبالانسان , أتذكر وجهاء الفرجان , ليس ثراءً ولكن قيمة واحترام وبيان, في كل فريج من فرجان وأحياء ومناطق  قطر رجال أعلام ووجهاء قوم لازالوايحتفظون بمجالسهم القديمة ايماناً وثقة بأن الوجاهة ليست صكاً يشترى ولا   درعاً يُهدى, ليس في التجديد حرج لكن ألاعتماد على البنبان  في غياب المعنى فقفز على كثير من معايير الوجاهة   كثيرون اولئك الذين أرادوا  ان يقفزوا الى الوجاهة قفزاً من خلال التعالي في البنيان الزائد  بينما رصيده   من الوجاهة , وجاهة المعنى لايملأ الفنجان, تعجب من كثرة المجالس في بقعة محدودة من الارض  ولاتجد  الا فراغاً يسكنه الصمت  وصرير النوافذ, الوجاهة لاتشترى هي تأتي هكذاً بركة من السماء وتضحية من الانسان  ومعان يحملها القلب ابعد من الشخصانية واقرب الإيثار,  في وقتنا الحالي أصاب مفهوم الوجاهة كثير من العوار والشطط, تملق , الحاح  , زيف مشاعر , نفاق, تصوير, حرص واصرار مستمر وتباهي لالزوم له   , لم يكن هذا شائعاً من قبل, ذهبت البساطة  التي كانت أرضية صالحة للوجاهة , نفد الصدق وحل محله النفاق , حتى مفهوم الكرم أصيب في مقتل , كانوا لايملكون شيئاً وينفقون, الكرم أن تنفق وانت محتاج , لاأن تذبح خروفاً  والناس يعانون من السكر والتشحم والدهون,  رحم وجهاء الامس وحفظ الله ماتبقى من وجهاء كانوا ولازالوا على سمتهم القديم لم تأخذهم الدنيا بزخرفها  خلقاً وصدقاً بلا تزلف أوإنتفاخ  أعيدوا للوجاهة المعنى  ولاتنظروا للمبنى مهما تطاول , دعوا الوجاهة تنبت تلقائياً  لاتضيفوا عليها ما يجعلها تغرد بعيداً عن أرضها  فيخسر المجتمع  بوصلة إتزانه  وقدرته على تجديد اصالته  

الاثنين، 10 نوفمبر 2025

في الفريج كانت الذات أولاً

 في ستينيات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينيات منه, كانت الفرجان في قطر مكاناً رائعاً لممارسة الهوية كسرد,أو رواية, في الريان حيث كنت اعيش  كانت جميع عوائل قطر وقبائلها تقريباً اجزاء منها تقطن هذه المنطقة التاريخية  من قطر , بمجرد أن تخرج من بيتك  أنت في علاقة أفقية مع الآخر المختلف عائلياً وقبلياً في جوف الفريج ننشىء علاقة مع الاخر الاجنبي , صاحب الدكان الايراني , وراعي القهوة الهندي  وصاحب الكراج الباكستاني ناهيك عن كثير من الاخوة العرب من مدرسين واطباء ومهندسين , اصغر أبناء الفريج يحكي قصة الفريج تماماً كما يحكيها الكبار , اتصال أفقي جميل ومريح ,كنا نتقهوى في مجلس أحد الشيبان ونتعشى على "دجة" آخر من عائلة أخرى هكذا بكل تلقائية وفي المجلس  المجتمع كله يلتقي  نظراً لهذا التنوع الموجود في الفريج, لانعرف القبلية , ناهيك عن الطائفية, العلاقة قائمة على الالتقاء  لاتكاد تحس بالعمق بقدر ما تستطيع أن تلمس وتحس باللقاء وحرارته, الذي جعل الفريج خالياً من الغموض الذي يُربي الخوف وينشأ الستار بين الافراد , هذا الاختلاف الجميل جعل من الحياة هوية  لم نكن في تشابه من حيث  الانتساب لقبيلة واحدة او لعائلة واحدة , لم نكن ننتسب الا الى قطر من حيث تاريخ التواجد فيها أولاً كان ذلك أو لاحقاً, لم نكن جميعاً على مستوى  واحد من حيث مستوى المعيشة أو ومسافة واحدة من السلطة , إلا اننا جميعاً لانحس بالفروقات  الدولة وحب الوطن والقيام بالواجب كان  مبثوثاً في كل مكان نلتقي بالمسؤولين  واعضاء العائلة الحاكمة الكريمة أو الوجهاء من أهل قطر ,الالتقاء شبه اليومي   والتشاور والتناصح  والتدوال المستمر لمشاكل الفريج  بين مكونات الفريج كان  ملموساً في جميع فرجان وأحياء قطر,هذا التمازج اوجد هوية سردية تعيش وجودها بقدر تواجد الاخر , هذا الاغتناء أوجد قطرياً يعي ذاته  بقدرالوعي  بوجود الاخر الغير قطري ,كنا  ذواتاً قبل أن نكون هوية.