الاثنين، 22 مايو 2023

الافكار تتغير بالممارسة والنقد

يذهب كثير من الكتّاب والباحثين إلى أن من أهم أسباب ضعف الحداثة السياسية والثقافة الديمقراطية والليبرالية في المجتمعات العربية هو أولا، ضعف الرغبة في قيام إصلاحات سياسية فعلية وعاجلة.وثانيا، وجود بنية اجتماعية وثقافية تقف عقبة أمام التحديث والتغيير ومتطلباته.وثالثا، ضعف أو غياب مؤسسات مدنية تخلق مناخا عاما من الاستنارة مواتيا للتحديث والإصلاح.رابعا، أن مناهج التعليم لدينا ما زالت محدودة الأثر في مجال الإصلاح الديني وتقديم قراءات عقلانية للنصوص الدينية.وهذا كله في النتيجة يُبقي الفكر الديمقراطي والليبرالي ضحلا أو هشّا في ثقافتنا ووعينا وممارستنا السياسية .وإذا كان طابع المحافظة و”الممانعة” إزاء التحديث والإصلاح يشمل قطاعا واسعا لدى النخبة السياسية والطيف الأكثر انتشارا من فئات المجتمع، حيث لا يشكل احترام الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان، ومحاربة الفساد والمحسوبية، أمرا حيويا لديها. لذلك يبدو التركيز على الأسباب الداخلية، واعطائها الأولوية في الإصلاح وليس على العوامل الخارجية و”المؤامرات أمراً لامفر منه”، كما أنه لا يحمّل المسؤولية لطرف واحد بل لأطراف متعددة، ما يمنح هذه المقاربة مزيدا من الصدقية والموضوعية. .ورغم أن هذه المسألة(العائق الثقافي)تنطوي على درجة عالية من الصواب ودقة التوصيف،فإن وجه الاندهاش هو تصوير هذا الخلل في مجتمعاتنا وكأنه”جينات” للانغلاق والتخلف وغياب التسامح، ليس لنا أمامها أيّ فكاك أو مهرب. الفهم يتوافر على”قدَريّة” في التوصيف لا تلتفت إلى أمرين مهمين:أولا، أن الأفكار تتغير وتتحول بالممارسة والنقد، وأن العوائق الثقافية التي نتحدث عنها منتجة تاريخيا ويمكن تحويلها، عن طريق ممارسة المجتمع لحقوقه ،وليس هناك شعب تحوّلت ثقافته السياسية مرة واحدة قبل أن يحقق نظام حكم أفضل. الأمر الثاني، أن ذاك التوصيف”الذي يجعل مستقبل المجتمع أمراً قدرياً ” يدين النخب أساسا، فهي بكلامها هذا تتصرف وكأنها ليست جزءا من هذا المجتمع، أو كأنها في طبقة متعالية عليه ما يولّد انعزالها وإغراقها في تنظير(لا شك أنه مهم وضروري) لا يجد طريقه للناس، أو لا يثير جدلا يحلحل بعض الأفكار الراكدة ويفككها، كما أن التوصيف المذكور يدين هذه النخب من حيث غياب أو ضعف ثأثيرها في مجتمعاتها.