السبت، 21 فبراير 2015

إستراتيجية"القلايل" للقضاء على الفساد



أصدر مكتب مكافحة الفساد التابع للنيابه العامه إعلانا رائعا تحت مسمى ساعدنا للوصول إلى الفساد وإلى كل فاسد عن طريق السمع أوالرؤيه ومن ثم الكلام أو الابلاغ عنه.. أعجبني هذا الاعلان أو"البوستر" كثيرا وأخذت ابحث فيما وفيمن أعرف , لم أجد فاسدا , اخذت استرجع ذاكرتي مع من عملت وأين اشتغلت , لم أتذكر مشهدا للفساد قد رأيته نسمع ,,نعم لكن يقال لنا بعد ذلك أن ماسمعنا عنه لايدخل ضمن مايسمى فساد , سألت من أعرفهم هل رأيتم فاسدا يوما بالمعنى الذي تريده النيابه العامه , لم يقدموا لي جوابا ,إسترجعت أرشيف الحكومه في ذاكرتي , هل إستوجب احد المسؤولين أو الوزراء سياسيا أو نيابيا بتهمة الفساد؟ , هل إستدعى مجلس الشورى وزيرا أو وكيلا حول قضية فساد في وزارته أو مؤسسته؟رأينا الشركات التي تولد عملاقه , وترصد لها الأموال الطائله, ثم ماتلبث حتى تصاب بفقر الدم والهزال ثم الموت ويتم بيعها للحكومه لتبقى في غرفة العنايه المركزه عن طريق انبوبة أكسجين الحكومه , ونسأل عن السبب ويقال لنا إعادة هيكله وعن المتسبب فلا نجد إجابه. نحن مجتمع لايعرف الفساد , ولايعرف الفاسد. نحن مجتمع يعرف تأهيل الفاسد أكثر من معرفة الفاسد نفسه. معرفة الفساد تتطلب تعريفه مسبقا , وطالما نحن نتكلم عن الدوله فنحن نتكلم عن المال العام , كل هذه الأمور ليست واضحه في ذهن المواطن بصوره تجعل منه فاعلا اكثر منه خائفا لأنه يشعر بأنه فردا وحيدا ,نحن مجتمع لايعرف الفساد بقدر ما يعرف تبريره اجتماعيا أو دينيا. لذلك كل مافهمته أو أفهمه من إعلان النيابه العامه لي كمواطن بسيط أن أراقب السوبر ماركت القريب من بيتي وأرى إذا كان هناك ثمة استغلال من قبله او زيادة في الاسعار يمارسها لأبلغ عنها يعني "راقب الفساد اللي على قدك". بمعنى ليس هناك منظومه عليا واضحه لمكافحة الفساد هنا بعض الملاحظات أود لو أوضحها :
أولا: هناك فرق بين محاربة ثقافة الفساد بصورة عامه وبين محاربة الفساد بصوره انتقائيه حسب الضروف وحسب الطلب سواء كان متجليا في اشخاص بعينهم دون غيرهم أو وقت محدد وزمان معين دون باقي الوقت .

ثانيا: الفرق بين الاثنين كبير وآلياتهما مختلفه كل الاختلاف , "بوستر" النيابه العامه معني هنا بالجزء الثاني الذي يدعو المواطن بالتربص بالفاسد وبمكافحة الفساد كحاله فرديه والابلاغ عنها , وهو يعرف امكانيات المواطن سواء كان موظفا او مسؤولا صغيرا هذا الجزء يصبح تضحيه اكثر منه مسؤوليه وطنيه في ظل عدم وجود نيه صادقه لمكافحة الفساد كثقافه عامه تكتسي المجتمع كله مع الأسف.

ثالثا:"بوستر" النيابه العامه يصبح بلاقيمه إذا لم تفعل أو يتم العمل على ايجاد آليات مكافحة الفساد كثقافه التي منها , ديوان محاسبه فعال, هيئة شفافيه فاعله, مجلس شورى لدية صلاحيه كامله بالرقابه ومساءلة السلطه التنفيذيه.

رابعا: كما نرى كان حال ديوان المحاسبه افضل كثيرا في السابق , اليوم يلمس الجميع تآكلا واضحا وغيابا ملحوظا له على جميع الاصعده, كذلك هيئة الشفافيه التي استبشرنا بها , لم تترك حتى اثرا في الرمال ولا في الغبار الذي يلف المجتمع اداريا وماليا قبل أن يكون غبارا رمليا من الطبيعه, مجلس الشورى في حالة سبات لم يشهدها من قبل. هذه ادوات محاربة الفساد كثقافه وهي المدخل الحقيقي.

خامسا:موقف المجتمع السليم من الفساد موقف ثقافي , استطاع الفساد ان يفصل المجتمع اخلاقيا ودينيا عن ثقافته التى نشأ عليها أخلاقيا وتربى عليها دينيا, وهذه كارثه كبيره , لأنها خسارة إنسانيه للمجتمع وخيانة لقيمه وللاجيال الاولى التي عملت على تكوينه قبل الثروه . اليوم المجتمع يحتفل جهرا بمن يصمهم بالفساد سرا ويتسابق للتجمهر والسلام عليهم في المناسبات العامه , واذا انتهت المناسبه يرجع ويذكرهم بما فيهم من فساد إنفصام حقيقي. اليوم يوصف المسؤول المخلص الذي عمل بكل شرف وأمانه بأنه" ما نفع نفسه" أو لو فيه "خير كان نفع نفسه" بمعنى لو سرق او ارتشى كان انتظم مع المنظومه الاخلاقيه للفساد المعتبر اليوم في المجتمع كواجهه وكمظهر احترام..

سادسا: أحزن كثيرا عندما اتابع برامج القنوات الخليجيه الشقيقه الحواريه كل ليله و وأرى كم تقدم المواطن هناك في مواجهته للفساد , في الكويت , في السعوديه , هل تعلم ياعزيزي القارىء أن القنوات السعوديه بها مايزيد على عشرة برامج حواريه مفتوحه تعالج جميع مشاكل المواطن والتعديات على حقوقه , وملاحقة المسؤولين الفاشلين او المتهمين بالفساد, ناهيك عما في الكويت والبحرين وعمان .

سابعا: هذه البرامج هي التي تخلق ذهنيه لديها قدره على النقد والاستشراف ومواجهة الفساد , الدعوه لمواجهة الفساد ليست دعوه للإستيقاظ من النوم متوشحا سيفك للقضاء عليه عند مدخل البيت , هي ذهنيه لديها قدر من المناعه مدعومه من وعي المجتمع وثقة المواطن في نفسه وفي نظامه , كم برنامج حواري لدينا ؟ الاتوجد لدينا مشاكل تحتاج الحوار والنقد , التركيز على الاستدعاء للحديث في المناسبات الوطنيه فقط بأسئلة مبستره لايمكن الحياد عنها لايستقيم وتطور قطر الاعلامي التقني المشهود.

ثامنا:موقفي من مسابقة "القلايل" مزدوج فيه بهجه وفيه حزن , فيه بهجة للذين هم في سني ومن هم اكبر مني الذين عاشوا القلايل حقيقة , لانه ينشط الذاكره ويعيد أياما أوُل ذهبت كواقع . أما الحزن فينبع من استغراق هذا الجيل حتى الرمق الاخير في متابعتها بشكل يؤثر على مداركهم ونشاطاتهم الذهنيه الاخرى التي نحتاجها اليوم كمجتمع في طور النمو, مسابقة"القلايل " تفصل الشاب عن واقعه لأنها تخلق له واقعا افتراضيا هو لم يعشه وانما سمع عنه , فبذلك هي عملية تفضيل للماض على حساب الحاضر وللإجابه الجاهزه على التساؤل والسؤال , لذلك أننا بمثل هذه البرامج نخلق جيل اجوبهفقط أو تحمل أجوبه جاهزه , وهو ارض ممهده جدا لقبول الفساد وتبريره . هنا الفرق بين برامج الاشقاء وبرامجنا , لابأس من وجود مثل مسابقة القلايل, لكن ليس بمثل هذا التكرار اليومي , لابأس بها الى جانب برامج حواريه حيه , ليس المشكله اليوم كيف نصطاد الحبارى؟ بقدر ماهي كيف يمكن التعامل مع "هاي واي" 22 فبراير الذي يفاجئنا كل يوم بجديد وهو أكبر مثل واضح للفساد أمام أعيننا.

تاسعا:هناك اشارات واضحه عن نية لمحاربة الفساد شهدنا إغلاق العديد من شركات السيارات المتلاعبه في البيع والغش, واملنا في سمو الشيخ تميم أمير البلاد المفدى كبير, لكنني اركز على محاربة الفساد كثقافه أولا , ومن بديهيات هذا النهج كما نرى في العالم أجمع أن لاتكون هناك حصانه لأحد لا ذاتيه ولاتاريخيه هناك رؤوساء استدعوا بعد تركهم الرئاسه بعشرات السنين , هناك وزراء سجنوا بعد ان تركوا المنصب بعقود , حق الوطن والمجتمع لايسقط بالتقادم .

عاشرا: علينا أذا كنا نريد القضاء على الفساد كذلك ان نخرج من استراتيجية"القلايل" التي تريك المشهد في ابهى صوره واعظم لقطه واطرف منظر , وهو في الواقع تعب ونصب وجهد وعسر كابده الاباء , الى استراتيجة المكاشفه والشفافيه والحوار المباشر في ظل الاليات الاعلاميه والدستوريه المتوفره , لايمكن أن لانشهد مره مساءلة وزير مثلا أو مسئول في مجلس الشورى الذي هو من أقدم مجالس الشورى في المنطقه ؟لايمكن ان لانشهد محاكمة مسؤول عن فساد في ادارته؟ نسمع احيان نعم , ثم يطوى الملف , ثم نحتفي به في أقرب مناسبه إجتماعيه عامه, استراتيجية "القلايل" هذه لايمكن ان تساعدنا على محاربة ثقافة الفساد , كل مايمكن أن تقدمه لنا هو أن تدربنا على اصطياد ما يقدم لنا كمجرد"فريس" لكي يظفر البعض ب"الحبارى" الحقيقيه.
أحد عشر: ثقافة الفساد لها اشكاليه شموليه وهي عدم القدره على التخلص من الفاسدين تماما , وانما فقط بالعمل على اخفائهم عن الانظار وعن الواجهه فهناك "ستوك" كامل يوجد في الظل لان التخلص منه سيعرض الجميع للشمس واشعتها هذا لو بزغت شمس الثقافه الدستوريه يوما على مجتمعنا الجميل.

يبقى أن أشير إلى أنني بلغت رسميا عن فساد في هيئة البريد التي كنت أعمل فيها كنائب رئيس مجلس الاداره , واستدعيت وادليت بكل ما أملكه من معلومات ’ لأُحال الى التقاعد بعد ذلك , وهناك حالات مشابهه لحالتي " أعيدوا الثقه أولا ليصدقكم الناس