عندما ذكرت في مقالات سابقة أن الحرية تأتي قبل الهوية . رفض الكثير ذلك وقال بأن الهوية تأتي قبل الحرية وإنه من خلال هويتي أمارس حريتي , هنا يبدأ الخلط لديهم بين الحرية كأفق ,الحرية كممارسة, كنت أتحدث عن الحرية كأفق وليس كممارسة, فالحرية كأفق هي مايجعل الانسان مسؤولاً عن ذاته قبل أن يكون مسؤولاً عن الاخرين, بهذا المعنى الحرية لاتقاس بمدى ماتفعله بل بمدى تنفتح عليه كإنسان قادر على الاختيار والفهم والتجاوز, بمعنى ان الافق يتيح الامكان بينما الممارسة تُجسد الامكان فالحرية هنا مسألة وجود قبل ان تكون حقاً بل شرط ان يكون الانسان "أنا" حقيقية فالمجتمعات التي لم تنتج ذاتها كأفق حر تكون ممارسة الحرية فيها مجرد تقليد بدون روح حقيقية , كالديمقراطية في مجتمعاتنا العربية, فنحن نمارس شروط الديمقراطية بإفق غير حر قادم من الهوية الدينية أو القبلية أو الطائفية, لكن أفق الحرية أن تجد نفسك منفتحاً أمام جميع الامكانات ثم تشرع في ممارسة حريتك انطلاقاً من هذا الافق وما تختاره من إمكان وتعدم غيره من إمكانات, لايمكن لمجتمع ان يمارس حريته قبل ان يؤمن بها كأفق داخلي للذات , الحرية كأفق أن يحضر الوجود أمامك قبل أي ممارسة , فالحرية إذأً هي أن نكف من أن نطلب الإذن في أن نكون وهي بالتالي تحرير الذات من الوصاية بأي شكل من الأشكال , من هنا ندرك لماذا هي تأتي قبل الهوية على الرغم من صعوبة تصور ذلك لدى الكثيرين