الجمعة، 26 أكتوبر 2018

" أزمة" أم لحظة إستئناف الإنسان


"ندوة مركز إبن خلدون" أزمة الخليج وآثارها

 من الواضح الآن أن الحصار  لم يَعد أزمة  بالمفهوم الدقيق لهذة الكلمة , يبدو أنه اقرب الى حركة التاريخ المتواصلة نحو الحرية  وإنعطافة ضرورية  للإنتقال من مرحلة الى أخرى, أعتقد أن ربيع الانسان الخليجي قد بدأ مع الحصار , كان التاريخ قبل الحصار تاريخ الدولة الكليانية , أصبح اليوم  تاريخ الانسان , تمظهرات الحصار  ذات أطياف شتى كلها تبرز الاتجاة نحو تاريخ الانسان في هذة المنطقة آخرها حتى الآن زوبعة إغتيال خاشقجي  وهي تدل بشكل لايمكن إنكاره عن بداية تاريخ الآنسان في هذة المنطقة  وبداية  تفكك وإنصهار الدولة بشكلها الكلياني  كذلك فيها , كان التفكير قبل الحصار في الدولة كونها أداة تسلط , الآن بدأ تفكير العالم حول مصير الآنسان في هذة المنطقة من العالم , لولا الحصار لما كان الاغتيال  ولما أصبح الإنسان قضية في هذا الجزء من العالم , هذا هو منطق التاريخ المنطلق نحو الحرية في كل بقاع العالم مهما حاولت بعض الدول سد المنافذ والابواب وبناء السواتر الحديدية , لايجب أن نفكر في الحصار كأزمة , بل يجب أن نفكر فيه كسياق  وإتجاه لحركة التاريخ نحو بلوغه لأهدافه , أنظر ماذا فعل الحصار في دول الحصار ناهيك عن الدولة المُحاصرة لتدرك  أنه حركة تاريخ بأدوات بشرية , التاريخ يبحث عن الاغبياء لكي  يكرس مسيرته واستمراريته , لأن الاذكياء يفهمون  حركته مسبقاً وإتجاهه , أنظر كيف مُلئت سجون دول الحصار بأصحاب الرأي  وأصحاب الفكر والمعتدلون من شيوخ الدين في جميع دول الحصار بلا إستثناء , أنظر كيف فعل في الشعب القطري المُحاصر وكيف أبرز إرادةٌ من فولاذ لم تكن لتظهر لولاه , أنظر كيف أفرز مساحة للرأي والرأي ألاخر في هذا المجتمع لم يكن هناك متسع لإظهارها قبل ذلك ,  , الحصار ليس أزمة إلا في ساعته الاولى , أما بعد ذلك فهو إستئناف  للإنسان  بعد فترة غياب طويلة , الحصار ليس أزمةٌ إلا في بياناته الرسمية فقط أما بعد ذلك فهو إنكشاف عن بنية الدولة الكليانية البشعة المتحكمة في هذة البقعة من العالم , وبقدر ماهي كليانية إستبدادية بقدر ماكانت إجراءتها بشعة ضد الغير بل وضد شعبها ,ما يجري في السعودية والامارات والبحرين   من إعتقالات على الهوية بعد إرتكابهم  لجريمة الحصار لشعب شقيق  في لحظة  غباء  تاريخي شكل من أشكال البشاعة  التي يحركها التاريخ في إتجاهه حول حرية الإنسان مهما كانت محاولات هذة الانظمة للهروب من استحقاقاتها التاريخية , لولا الحصار لكان خاشقجي كاتباً عادياً  في سياق الصحافة السعودية , لولا الحصار وتمرده على أوامر الكتابة ضد قطر وحصارها دونما إقتناع منه بذلك  لما لوحق وأُغتيل مكراً ومكيدة , ليصبح سياقاً إنسانياً يتدفق  ليغرق معاقل الاستبداد ويوقض بنيان الطغاة, الحصار لم يعد أزمة لا لا لا أنه سياق إستئناف  بلاشك , إستئناف للإنسان في هذه المنطقة من العالم بعد أن أتى عليه حيناً من الدهر  لم يكن شيئاً مذكورا.

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

إشكالية النقد في مجتمع "مُنجز"


 

الفرق بين التعامل مع الواقع وبناء الواقع نفسه يحدد فى اعتقادى وظيفه النقد فى المجتمع, المجتمع الذى بنى نفسه يختلف عن المجتمع  المُنجز, الاول  شارك النقد فى بنائه  بينما الاخر  اكتفى النقد بالاشاره الى  عثراته  ومشاكله وتخبطاته واقصد بالنقد هنا حركة المجتمع ورؤيته حول  حاضره ومستقبله.يتسامر الناس هنا أن الصمت أفضل من الكلام  والسكوت أفضل من النقد مهما كان بناءً هذا مصدره أننا مجتمع "مُنجز"حيث النقد فى مجتمع الانجاز حركه بنيويه بينما فى المجتمع المُنجز  بنيه فوقيه قد تتعمق اذا ما سمح لها وقد تكتفى  بوضعها الفوقى وتؤأرشف  فى ادبيات المجتمع لاغير . يقوم النقد فى المجتمع الاول على المثقف العضوى  بينما ينتزع الصداره فى الثانى المثقف التقليدى وقد يعانى رديفه الامرين. فى المجتمع الاول " الذى بنى انجازه" الصحافه نابعه من المجتمع بينما فى الاخر  هى انعكاس  للمنجز ذاته. القانون فى الاول  يسرى فى اوصال المجتمع لايستثنى منه  وصل دون غيره بينما فى الاخر  هو ضمن مشاريع الخصصه التى تعج بها مجتمعاتنا المنجزه. السياسه فى المجتمع المبنى هى ديناميكيته  وحراكه بينما هى فى المجتمع المنجز رجس من عمل الشيطان. المواطن فى الاول لبنه  من لبناته بينما فى الاخر ضيف  ينتظر منه خفة الظل  والا الباب" يسع جمل", الكُتاب فى المجتمع الاول  عيون واذان بينما فى الاخر شله من المتطفلين  والزائدين عن الحاجه. الثقافه فى المجتمع الاول بناء وهيكل بينما فى الاخر  رداء قد يلزم وقد لايلزم. فى الاول الثروه وسيله بينما فى الاخر غايه وهدف  ,  فى الاول المستقبل يسكن القلب بينما فى الاخر الحاضراحلى ولاشىء غيره.  فى الاول يجرى التغيير بطريقه نقديه ذاتيه وكمراجعات بينما فى الاخر  يمارس النقد قصفا  فى بنيه صلده  ليس هو من اجزائها اصلا.  فى الاول  هو ذاتى الوجود بينما فى الاخر  هو مختلق  وربما من لوازم الشرعيه فى هذا العصر ايجاده. على كل حال  فالطريف فى عالمنا العربى انه حتى فى المجتمعات التى بنت انجازها كالجزائر مثلا وغيرها لم تستطع التعامل مع هذا الانجاز كجزء اساسى منه  فبقيت مع غيرها سواء بسواء , هذا يطرح سؤالا هاما حول طريقه بناء الانجاز ذاته ومن استغله دون الغير, فالمجتمعات التى كافحت لنيل الاستقلال   لم يخطر ببالها يوما انها بحاجه لاستقلال اخر من الداخل, فبالتالى  كانت حركة هذه المجتمعات الاجتماعيه قاصره  على الغير  دون اى تأثير فاعل  فى بناء داخلى والا لاستمرت هذه الحركات فى ديناميتها حتى اليوم   لان الوقوف عند نقطه معينه دون حراك  يجعل منها  كتله  ومع الوقت  لايمكن تجاوزها بسهوله ومثال الثوره الفرنسيه واضح  فى  استمراريتها  حتى اليوم. ان بناء المجتمعات عمليه مستمره  والفكر بما فيه النقد جزء من هذا الاستمرار فاذا اُنجز المجتمع  وغلقت حوله الابواب تحول الفكر بما فيه النقد  الا زوائد دوديه لاتضر الا اذا التهبت وليس لها دواء حينئذ سوى الاستئصال.

الخطاب الاخلاقي و"العار"



قدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطاباً اخلاقياً عالي المستوى حول ملابسات إغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية  في اسطنبول والذي كان مدار إهتمام العالم كله على  مدى الثلاثة  اسابيع الاخيرة منذ دخوله القنصلية في الثاني من إكتوبر الحالي , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً  في حين كان الكثير يتوقع أن يكون إستخبارياً  أو بياناً تفصيلياً جنائياً , وهنا تكمن عبقرية خطااب أردوغان  وهذة المساحة المتروكة  للذات وللأخلاق وللدين    حتى يترك حرية للتصرف بما يتسق والخروج بما يحفظ ماء الوجه ومن القرارات  ما يفي بالمتطلبات الانسانية في جريمة إهتز من تأثيرها ضمير العالم ,جاء خطاب أردوغان أخلاقياً  لأنه كان بصدد العار  الذي قد يلحق بالانسان في كل مكان جراء ماحدث , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً لأن ماتم على أرض بلاده يُعد عاراً في تاريخ العلاقات بين الدول , جاء خطاب أردوغان إنسانياً وأخلاقياً لأن الطرف الآخر المتهم فيه  بلدٌ  يتمنى كل عربي ومسلم أن لايكون مكاناً للعار , بلد الحرمين الشريفين  , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً لأن المُناشد هو خادم الحرمين الشريفين , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما  قدم نصيحة لحكومة المملكة العربية السعودية حول كفاءة ممثليها في الخارج , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما تجنب االتحديد وأكتفى بالشمول  , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما ناشد خادم الحرمين الشريفين أن يحاكم الجناة في تركيا حيث الجريمة أرتكبت  على أراضيها , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما أتسق مع دينه وذاته  وأشار الى أن الادلة الدامغة تقول أن الجريمة قد جرى الاعداد لها بشكل مسبق ودقيق, جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما طلب من السعودية  أن تعاقب مرتكبي هذه الجريمة الشنعاء  من أسفل إلى أعلى دونما تحديد أو لمز حتى تنجو من العار, عار الانسانية الذي  كان واضحاً أنه  على وشك ان يتلبسها  بشكل يندى له تاريخها  ويحز في ضمير كل عربي ومسلم ذلك ,حان للمملكة العربية السعودية أن تنجو من وصمة العار التي تكاد تلتصق بها منذ دخولها في مستنقع اليمن وحصارها الآثم للشعب القطري الشقيق  وإنجرارها بكل تاريخها وراء  من لايريد بالاسلام ولا المسلمين الخير , أردوغان كان أخلاقياً الى درجة كبيرة  وترك المجال مفتوحاً  أما محاسبة الذات قبل محاسبة العالم ,كان أردوغان معلماً أخلاقياً حينما طرح أسئلة مفتوحة وترك الأجوبة للدين والأخلاق والضمير والعدالة الدولية , لايمكن أن تدعي تقدماً وأصلاحاً والحرية لديك لم تتحول بعد الى فن للمشترك الانساني , لايمكن أن تجعل من نفسك مجدداً وأن تحاصر الرأي الآخر وتتصيده بإلإغتيال لايمكن أن تقنع العالم بأنك إصلاحي وأن تضيق بصحفي لايمتلك سوى قلمه, لقد كان خطاب أردوغان خطاباً عن رمزية العار  التي تمثلت في القنصلية السعودية التي ترفع راية لااله الا الله, هذا ماجعل خطاب الرئيس أردوغان متمهلاً ثقيلاً , لمثل هذا التناقض الفج الذي لايقبل به مسلم شريف على هذة الدنيا , أن تذبح نفسُ برئية  تحت راية التوحيد ,أدركتم كم كان أردوغان متألماً وصبوراً وأخلاقياً. رحم الله الشهيد جمال خاشقجي وأورثه الجنة  يتبؤا فيها حيث يشاء  والهم خطيبته وذويه الصبر والسلوان.

الأحد، 21 أكتوبر 2018

"الخاشقجية"



 ترك جمال  خاشقجي خلفه "الخاشقجية" كظاهرة صحفية في منطقتنا الخليجية  بالذات , ظاهرة الصحفي الانسان المقاوم الذي  لايبرر  سبب وجوده سوى مقاومته للظلم والاستبداد , احتكر موته الاصلي لايمثله أحد غيره  وحوله الى مشهد  كارثي  لايستطيع ان يفلت معه اي ظالم او أي نظام  متلون  يتاجر بالانسان,

خاشقجي هو أول صحفي خليجي  وربما عربي يذهب  الى حتفه بقناعاته الشخصية مع توفر جميع امكانيات  الخروج الآمن الذي يحفظ له شهرته ومكانته , وربما هو الاخير في ذلك , يطرح ملامح الصحفي الاخير  في مجتمع يضج بالصحفيين  المنتمين الى تيار الحياة  بصفتها  وجهة نظر السلطة  والمستبد , موت خاشقجي بهذة الصورة التراجيدية  أنتج " خاشقجية" ربما هي المستقبل لابناء هذا المنطقة  للانتقال بالسلطة من العالم اللاهوتي الديني الى  العالم التاريخي الانساني , المثقف بصفة عامة في مجتمعاتنا مثقف ديني لاهوتي يرى في السلطة دين  وفي المستبد وثن , هذة القيامة" التي أقامها خاشقجي بموته هي انبثاق  للخاشقجية الثقافية التي  سوف تنقل  الثقافة لدينا من الحالة الدينية اللاهوتيه الى الحالة الوضعية البشرية الانسانية.فنحن امام  صور متعددة للمثقف الاخير في مجتمعاتنا  وفقاً لدرجة حضور الوعي وانماط هذا الوعي لكن "الخاشقجية" طرحت سلاح المقاومة بالنقد البناء وليس  بحمل السلاح او إثارة الفوضى , أدركت الخاشقجية ممثلة في الصحفي الراحل أن  مجتمعاتنا في أزمة  لايشعر بها فقط الفقير والمغبون بل حتى المثقف المقرب والصحفي البارز , مثل هذا الوعي يغيب عن كثير من المثقفين والصحفيين في مجتمعاتنا طالما هم في عيش رغيد مع الاستبداد  فهم لايشعرون بالمستقبلل وبالكاد يشعرون بالانسان كقيمة بغض النظر عن انماط وجودة , أحدث جمال خاشقجي قطعاً مع هذا النمط من الصحفي والمثقف المنعم الذي يعيش بذخاً لكن يعاني صراعاً مع ضميره  ويؤلمه ما يحدث في بلاده من هضم للحريات وتضييق على الرأي الحار , الخاشقجية هي عودة الى الاصل أصل الانسان الذي يشعر والمثقف العضوي , كلنا في مرحلة ما قبل الخاشقجية  طالما نعيش في تضاد مع ضمائرنا , طالما نسوغ الاستبداد . هذة القيامة  التي أحدثها موت جمال خاشقجي  ليست سوى معنى جديد للشهادة  ليس في معركة قتال  ولكن في معركة  حرية ضمير , هو طراز من المثقفين الواقفون على شفا حفرة بين حب الوطن وبين الاخلاص لقيادته  بنصحها  لابنفاقها والتزلف اليها ضد قناعاته . ذهب جمال خاشقجي لكن الخاشقجية باقية, لم يكن جمال معارضاً أو شتاماً أو مهرجاً , نادى من أعلى منبر متمدن  في الصحافة العالمية بأنه يخشى على وطنه من الاستبداد وبأن الاصلاح يمر من خلال الانسان  لامن فوق جثته, أعتقد أن القاتل قد خدم خاشقجي  حيث قتله جسداً لتحى "الخاشقجية " رمزاً