الأربعاء، 13 يونيو 2018

العيد في زمن "القله"


 


يمثل العيد لحظة تأمل وإعتبار للمعاني الانسانيه والدينيه , يلح عليك سؤال الوصل بالارحام , يشغلك  همُ السؤال عن الاهل والجيران والاحباب , تعود بك الذاكره لأناس  ذهبت بهم الدنيا  وفرقتهم الايام , لايزالون يملكون ناصية من قلبك , وجزءا من ذاكرتك . سؤال الوصل سؤال ديني وجودي  إنساني ,  قبل أي مناسبه وبعد أي مناسبه ,كان اقل إلحاحا في السابق عنه اليوم , البيوت متقاربه , الحاله متشابهه , المساحه الاجتماعيه لافواصل بينها ولاسواتر والصوره الذهنيه لاتكاد تغيب  , تملأ المكان , تتجه مباشرة الى غايتك , الى بيت من تقصده  لاتحتاج عنوانا ولايلزمك دليلا , سوى نحنحتك قبل دخولك للسلام على من تحب من أهلك وأقرابك , الزمن ثابت والجغرافيا مطمئنة  ساكنه , ذاكرتك مستريحه , تشعر بالقرب , لاتشعر بالانفصال  ولا  بالفجوة ولابالقطيعه , لامكان للقطيعه  الا لجاحد أو لجاهل , العيد لايمثل سوى تتويجا  للوصل القائم  أصلا .   حاولت جاهدا أن  أضع  قائمة بأسماء بعض الاقرباء والاصدقاء  لزيارتهم مهنئا لهم  بالعيد السعيد ,  حصلت على معلومات عن عناوينهم  ومكان إقامتهم ,   كانت إجازة العيد فرصة سانحه حيث لا زحام مروري ولاتكدس سيارات  أمام اشارات المرور , ولا تقاطعات تلزمك بتغيير اتجاهك قسرا  نظرا لذلك , وجدت أحدهم وسط غابة من البيوت الجديده  , سألته عن جيرانه قال لاأعرفهم , ولاأعرف جنسياتهم , فرح بزيارتي  وكأنني قادم من دولة أخرى,  بينما وجدت الآخر  جالسا  وحيدا في مجلسه الانيق وحلوى العيد وكنافته  في كل مكان , قال أنه ينتظر قريبا له قادم للسلام عليه , وسألته عن أقربائه وجيرانه في الفريج سابقا قال بعضهم إكتفى برسالة على الواتس أب , ذكر لي أن جيرانه من الاخوه العرب , بادرت في رمضان  بالاتصال بهم  عن طريق إرسال الطعام بين البيوت كما هو متعارف عليه عند أهل قطر فبعضهم  كان إيجابيا والبعض لم  يتقبل ذلك أو لم يتعود عليه . صديق ثالث , عبر لي عن حسرته  وشعوره بالوحده  لأن ثقافة الوصل إختفت مع إختفاء الفرجان في قطر ,  ذكر لي أن ظاهرة بناء المجمعات السكنيه بهذه الكثافه ظاهرة مخيفه , وهي أشبه بالمعسكرات  منها الى  المشاريع الاسكانيه حيث البوابه والتفتيش وساكنها الذي يحمل مع الوقت  بذور الشك في القادم الجديد . وأشار قريب آخر الى أن هناك , إزدواجية ثقافية آيلة للظهور بين ثقافة أهل قطر وثقافة الوافدين الجدد, والبقاء سيكون  لصالح ثقافة الاكثر عددا ,  وذكر لي عدة صور لذلك  حيث لاحظ  مظاهر صاحبت صلاة العيد و والاحتفال به  لم يكن متعارف عليها عند أهل قطر . التطور سنة من سنن الله في الكون  لاشك في ذلك , لكن مهمة الانسان  أن يشارك في صنعه بما يحفظ له مقاصد عيشه وهويته وأسباب وجوده .  وأنا عائد الى منزلي  طغت على  ظني فكرة "الانقراض" وأنها تبدأ أساسا  من التفكير في الذات  مستبعدة الذوات الاخرى أو على حساب الذوات الاخرى, الزمن لايعود القهقرى,  لكن أن نترك التغيير يحدث تلقائياً  بفعل التطور  أفضل بكثير من أن نسعى الى جره جراً قبل وقته وأوانه. كل عام وانتم بخير

الاثنين، 11 يونيو 2018

الدولة المجتمع والمجتمع الدولة


 

 

إفتقد المجتمع القطرى تاريخيا إلى تعرجات  ومسالك  تكون الطبقات الاجتماعيه , فالتاريخ القطرى  ليس  تاريخ مراحل بل هو تاريخ  القفزه أو الطفره, لذلك فالطبقه بالمفهوم الاقتصادي  فى قطر ليست تكَون تاريخى وإنما  صناعة  الدوله. الطبقه الوحيده فى قطر هى الدوله التى تفرز طبقاتها. قفز الاقتصاد القطرى من الرعى والغوص إلى النفط. وإستعاض لسد هذه الثغره الانتاجيه  بالعماله الاجنبيه الاسيويه بالذات بكثافه كبيره  وبإقتصاد التوكيلات التجاريه التى أصبح ملاكها فيما بعد يمثلون طبقه برجوازيه  حملت فى ثناياها بوادر  وامآل  طبقه وسطى هشه.  لم يمر الوعى الشعبى كذلك  بمرحله تصورات  لما قبل الدوله , الوعى السياسى الوحيد للمجتمع  هو وعى  الدوله نزولا إلى المجتمع. مجتمعات الخليج معظمها متشابهه فى هذا المجال إلا أن بعضها كالكويت مثلا كان للتجار دور كبير بل واصبحوا طبقه  وشاركوا فى بناء الدوله  مع الشيوخ . وأنفردوا بالتجاره مقابل الحكم للشيوخ  حتى عهد عبدالله السالم "عبداللطيف الدعيج. جريدة القبس الكويتيه"   . قطر لم تكن مركزا تجاريا فى أى نوع من أنواع الاقتصاد التقليدى كانت ممرا  للسفن  وتعانى من ندرة فى السكان وأهلها أهل  غوص وصيد وهذه المهن  لاتساعد على إقامة  طبقة التوفير والاستهلاك الذاتيه التى تكون بالتالى الاستقلاليه الفكريه والماديه. هناك بعض العوائل القطريه التجاريه إلا أنها محدوده وأرتبطت بتجارتها مع الدوله لضعف المجتمع وضعف موارده الماديه  وصعوبة استمرار تجارتها دونما إحتواء ومشاركه من الدوله. هناك اساسا تجار ولكن ليست هناك تجاره من دون الدوله وبموافقتها.هذا  الشكل السياسى لأولويه الدوله على المجتمع  أعطى الدوله فى قطر ميزه قد تفسر  ريادتها اليوم  وسرعة تحركها فى المحافل الدوليه والاقليميه. أن تقوم الدوله بتشكيل المجتمع وتنظيمه وادارته  ليس نمطا شائعا فى علم الاجتماع السياسى الذى  يشير إلا أن الدوله أساسا تمظهرا لإرادة المجتمع  وشكلا من أشكال وعيه السياسى. تحول إجتماع القطريين إلى مجتمع بعد قيام الدولة  دون المرور بتعرجات تاريخية نضالية ليصبح جزءا لايتجزأ من المعادلة السياسية     . إدماج المجتمع فى الدوله  بحيث تصبح دولة المجتمع وحصر جوانب التسرب فى العلاقه بين الطرفين وزيادة المشاركه وإرساء القانون  كمرتكز للدوله وللمواطن باستقلاليه,  كفيل مع الوقت لاصلاح الخلل  وقيام كل من المجتمع والدوله بدوريهما الفاعلين 

 

الأحد، 10 يونيو 2018

عقيدة " لكل سؤال جواب"


  

 ينطلق نظامنا التعليمي من أبوية واضحه لاتريده يخرج عن إطارها  وعن أجوبة مسبقة يدفع اليها الطلاب دفعا , تتحول معه دراسة التاريخ إلى "تأريخ" موجه , ودراسة السياسة إلى "تسييس" ممنهج , لذلك يتخرج اجيال  لاتحتمل العلم وإنما  تتعلق بالأيديولوجيا, نتكلم عن المنهج والمنهج ليس سوى طريقة في حين أن ماخلف المنهج عقيدة غير علمية وإنما تاريخية منقبضة صارمة , ليس المطلوب البحث إلا في إطارها  والمثقف ليس سوى أحد تجلياتها , ليس هناك أفق مفتوح للتفكير خارجها يجعل من المثقف حالة من الحراك والبحث المستمر , هرول "فوكو" الى إيران بعد ثورة الخميني باحثا عن فكرة جديدة  تتفجر هنا وهناك ,  النظام التعليمي الحيوى هو ذلك النظام الذي يخرج طالبا لا يقف أمام تفكيره وابحاثه وتطلعاته أُفق, يضع المسؤولين عن النظام التعليمي أهواؤهم  في اسئلة الامتحانات , وتضع الدولة رغبتها , ويضع النظام  ما يستحسنه  ويحافظ عليه وعلى بقاءه ويُطلب من الطالب ان يجيب على أسئله  حددت إجاباتها مسبقة. فيدرس الطالب مثلا أن سبب سقوط الاتحاد السوفيتي السابقه بسبب أنه "ملحد"  وتطرح جميع المواد بمافيها العلمية البحته من خلال الدين أو إنطلاقا من الدين  ويبحث في النص الديني  عن الانجاز العلمي  وليس في المختبر , وإن هذا العالم ملحد  فأجتنبوه, يتم نسف جميع الاحداث التاريخيه والسياسية , وأذكر أننا تخرجنا من قسم علم الاجتماع دون أن ندرس أو نمر على النظرية الماركسيه كأداة تحليل ولو بإيجاز  وهي من أهم نظريات التغير الاجتماعي على إعتبار أنها إلحاد وهي لاتزال فاعلة إلى اليوم وغداً وبعد غد , فإذا سئلت عن ماركس مطلوب منك أن تجيب عن عمر بن الخطاب , وإذا سئلت عن المقاومة مطلوب منك أن تتحدث عن حزب الله مثلا, وإذا سئلت عن الوطن عليك أن تتحدث عن النظام الحاكم فيه, يبدأ النظام التعليمي  مجالا للعلم لكن لايلبث أن يتدثر بالدين وبالقبيلة وبالطائفية , لذلك لا المختبر ينفع ولا النظرية تتطورو لذلك هناك اجوبة أكثر من الاسئلة ,فتصبح الامتحانات مادة دسمة على  دوغمايتها للإنتقاء في مجتمعات  الاصطفاف  دون اي أسئلة عن سبب ذلك ,ويصبح الجواب هو هدف النظام التعليمي وليس إثارة السؤال الذي يبدأ معه المنهج العلمي, سئلت أحد الاخوان المهتمين على مايبدو بالتاريخ عن  مصادره العلميه حول تاريخ قطر  فأنطلق يحدثني بإسهاب عن "العرضات" السنوية في اليوم الوطني كمصدر ومرجعية.