السبت، 23 يناير 2016

داود فانوس



في سبعينيات القرن المنصرم كان إسم"داود فانوس" يحدث صدى مدويا داخل أروقة الاداره الحكوميه في قطر بالأخص عند كوادر الخريجين القطريين سواء حديثي التخرج أو من سبقهم في الالتحاق بالسلك الحكومي., الجميع إما قادم من مكتبه أو ذاهب للقائه في مكتبه بما فيهم وزراء التشكيلة الأولى من وجهاء دولة قطر. كان فردا بحجم إدارة , وإدارة بحجم وزارة , كانت الدولة في وهج نموها وتطورها الاداري بعد الاستقلال داخليا وخارجيا, والادارة العامة لشئون الموظفين التي يرأسها السيد داود فانوس هي الادارة الرئيسيه التي تتعامل مع كل المتغيرات التي تتطلبها تلك المرحلة, كان بحق رجل تلك المرحلة إداريا, قدرة على التصرف , كفاءة في الاداء , سرعة في الانجاز, إخلاص في العمل , كل هذا سمعته مرارا من كفاءات قطرية كانت عنوانا لتلك المرحله وشهداء على ذلك العصر من تاريخ الادارة العامة في قطر, "عندك تظلم أو شكوى إداريه إذهب الى داود فانوس وإشرح له وضعك" عبارة سمعتها من أحد الاخوة عندما التحقت بالعمل بعد حصولي على الشهادة الثانويه وقبل إلتحاقي بالجامعه." صدره وسيع ومستمع جيد وسيساعدك وسيرشدك الى الافضل بالنسبة لوضعك" عبارة أخرى لاتزال في تراود مسمعي., تدل عن االانطباع الذي تركة الرجل في وعي وضمير المجتمع.
في إعتقادي أن فترة داود فانوس الاداريه فترة مركزيه هامة لايمكن تجاهلها أو إسقاطها من تاريخ تطور الادارة الحكوميه في قطر, في إعتقادي كذلك أنه رحمة الله كان نموذجا من نماذج الكفاءه والاخلاص والأمانة التي تقبلها المجتمع بصدر رحب ورحلت دون أن تخدش الجدار الاجتماعي أو الاقتصادي للمجتمع أو تتوغل خارج نطاق عملها وما كان موكلا بها. ينتابني شعور متناقض عندما أستمع للبعض قائلا"أن الفترة الذهبيه لإدارة شئون الموظفين هي فترة داود فانوس" وليس ذلك الا دليلا وشهادة للرجل حتى وإن إختلفت الظروف وتعقدت الأمور. فالأثر يقفز دائما عندما يصعب الحكم الدقيق لضبابية الوضع.
حدثني أحد الشخصيات القطريه الجميله مستذكرا شخصيا إشادة سمو الأمير الأب حفظه الله بكفاءة وإخلاص وأمانة السيد داود فانوس.
الدرس الذي يجب أن تتعلمة الاجيال من تاريخ التجربة الادارية القطريه منذ الاستقلال حتى اليوم هو أن الناس شهود الله في أرضه , وإن ماتزرعة في النفوس أعظم وأبقى مما تضعه في أيديهم تحقيقا لرغبة آنيه.
رحل داود فانوس رحمة الله منذ أكثر من ثلاثين عاما , ولاتزال ذكراه تعيش حية حتى اليوم في أروقة الادارة الحكومية في دولتنا الفتيه, وبقيت له بنتا هي السيدة ليلى فانوس ملحقا إعلاميا للدولة في لندن على ما أعتقد, أرجو أن تكون بخير

الثلاثاء، 19 يناير 2016

مجتمعنا الجميل



على الرغم من عملية التحديث النشطه في مجتمعنا القطري وتبعاتها الاجتماعيه , لاتزال الشخصيه القطريه الاصيله محافظه على جمال الروح الذي جُبلت عليه , نعم أصبح المجتمع يدفع تكلفة إجتماعيه أكبر من ذي قبل نتيجة طبيعية للتغير والتطور في طبيعة المجتمع وفي دور الدولة كذلك عما كان في السابق. هناك بقايا طيبة من الآباء تدرك الابناء وتصلهم بتراثهم الاجتماعي التوافقي, كثير من الشباب الذين نتعامل معهم يوميا , لانعرفهم شخصيا ولكن نعرف آباؤهم أو أقراباؤهم الاكبر سنا الراحلون منهم أوالذين لايزالون على قيد الحياة, فتشعر بحرارة العلاقة القديمه وقد تجددت مع هذا النشء الصغير, وكأنك تعيش عصر والده الذي عاصرته.تميز المجتمع القطري عن غيره من المجتمعات الخليجيه بوجود المجالس ذات الطابع الاجتماعي بالذات بعيدا عن السياسيه أو الايديولوجيا, مجالس تقوم على تنقية السلوك الاجتماعي للأبناء بشكل يجعل من التوافق سبيلا وخيارا متاحا لجميع أفراد المجتمع, أنا أعتقد أننا أمام تحد كبير للإحتفاظ بجمالية مجتمعنا القطري المتمثله في علاقاته مع بعض البعض , حيث لم يعد ظاهرا منها اليوم سوى الالتقاء في مناسبات الزواج ومناسبات العزاء , حيث تجد حضورا كبيرا وشوقا متلهف للقاء وكأننا نعيش في مجتمع تفصله مساحات هائله عن بعضه البعض. المهم أن لايشعر المجتمع بالغربة عن ذاته, ميكانزمات التواصل الاجتماعي لم تعد متوفره بالشكل السابق الذي يخلق روحا حميمية نتيجة التواصل اليومي , لذلك قيمة جيلنا الحالي في نقل ذلك ولو شفاهة الى النشء الجديد الذي ابصر النور مع بداية التحولات التي أتت على طبيعة المجتمع الماديه التي تشكل ذاكرة هامه للبعد المعنوي لأفراد المجتمع, لايزال المجتمع القطري جميلا بأفراده , لايزال جميلا بمجالسه , لايزال جميلا بطيبة أهله , لايزال جميلا بعلاقاته التي يمكن أن يقيمها ببساطة بمجرد استذكار الماضي المشترك. روح المجتمع الساريه حتى الآن يجب المحافظة عليها , كنت في زيارة أخ عزيز بمناسبة زواج أحد أبناءه , وجدت المجتمع عنده, مباركا وفرحا, وفي مناسبة حزينة لصديق آخر , عزيته , وجدت المجتمع عنده معزيا وحزينا. هذا هو المجتمع القطري الجميل , وهذه هي روحه الساريه عبر الزمن, اللهم أحفظ حاضرنا كما حفظت ماضينا ويسر لنا مستقبلنا بدعاء الضعيف منا.

الاثنين، 18 يناير 2016

قلوب كبيره خدمت أهل قطر



إرتبط مجتمعنا القطري خلال تطوره الاداري منذ انشاء الوزارات ., وتنظيم الديوان الاميري , خلال حقبتي السبيعينيات والثمانينيات من القرن الفائت إمتداد حتى اليوم, بأجهزة وإدارات تنظم العلاقات بينه وبين السلطه العليا المتمثله في الديوان الاميري وبعض الوزارات الهامه كوزارة الخارجيه على وجه الخصوص, هذه الاجهزة والادارات هما بالذات إدارة التشريفات الاميريه , وإدارة المراسم في وزارة الخارجيه .كانت ولازالت مصالح المجتمع وحاجاته تمر من خلال هذين الجهازين الهامين, وكان الانطباع الأولي الذي يتحصل عليه المجتمع مباشرة من تفاؤل أو تشاؤم يأتي من أسماء وشخصيات من يشغل المناصب الرئيسيه في هاذين الجهازين , تشريفات الديوان الاميري , وإدارة المراسم في الخارجيه.
هناك اسماء لايمكن للمنصف أن يتخطاها ونحن نمر في مرحلة تحول سريعة يطفو غبارها على كل شىء ليتساوى الغث والسمين , على الجيل الجديد وتختلط الامور فلا يجد ذاكرة تشير أو تلمح لمن خدم المنصب ومن خدمه المنصب ولم يخدم أحدا.
لماذا هاذان الجهازان مهمان, التشريفات والمراسم ,بروتوكوليا, يمكن الاجابه على ذلك بسهوله , لكن مايهم هنا إجتماعيا وهو طبيعة المجتمع, المجتمع القطري كغيره من مجتمعات الخليج إرتبط مباشرة بحكامه وشيوخه قبل التنظيمات الاداريه الحديثه, مما خلق علاقه ودية وعاطفيه بين الطرفين يصعب التنكر لها بسهولة.
لايمكن لمنصف أن يتجاهل أسما كأسم يوسف النعيمي مدير التشريفات الاميريه في حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم , ذو التعامل المرن والابتسامه الدائمه للكبير وللصغير,ولاأسما كأسم أحمد جاسم الملا مدير إدارة المراسم في وزارة الخارجيه لما يزيد هن الربع قرن من الزمان والذي كان يخدم القطريين في كل مجال يمكنه خدمتهم فيه وليس إقتصارا على عمله الرسمي في وزارة الخارجيه. وكان هناك أيضا إبراهيم المالكي ذو خلق وإحترام وغانم الكبيسي , وفي الخارجيه إبراهيم الفضاله رحمه الله, هؤلاء كانوا الرعيل الأول مع دخول دولة قطر عصر التظيم الاداري الذي شهد إنطلاقته وذورة عطائه في السبيعينيات والثمانينات من القرن المنصرم. لايزال هناك من الاخوة الموجودين حاليا كوكبة رائعه في التشريفات الاميريه كالاخ الكريم عامر الحميدي والأخ طلال السليطي ونخبة من الشباب القطري الواعد, لكن لابد لنا من الاشاده بالرواد في كل مجال من باب الوفاء والتقدير. نحن بحاجة مستمرة للتذكير بمن خدم ويخدم مجتمعه , المنصب زائل , لكن ذكرى صاحبه هي المحك , هناك من يحمل المنصب معه بعد تركه له , لأنه يحمل المعنى الذي أنشأ من أجله المنصب , بينما كرسي المنصب هناك يتربع عليه غيره , كما فعل يوسف النعيمي وأحمد جاسم الملا .