الجمعة، 13 مايو 2011

ثورات الوعى الخالص



الملاحظ أن الثورات العربيه الحاليه , هى ثورات وعيا خالصا بإمتياز. بمعنى أنها  قامت وولدت  قيصريا  بسبب  الإستبداد الشديد ووصول الحاله الإنسانيه إلى مرحلة  لايمكن معها  إستمرار النفس البشريه  فى التعايش مع الظروف  فإستوى بالتالى عندها الرحيل  والبقاء, وهى نقطة تعادل بقاء الروح أو خروجها  على خط سواء. لذلك الحديث والمؤشرات على  إرتدادات  وعراقيل وتراجعات وارده بلا شك ,لأن الوعى وحده لايستطيع أن يدفع أكثر من ذلك , لايستطيع أن يستمر وعيا خالصا  يلتزم بقيم خالصه  ,  ثمة فرق بين الوعى الخالص والوعى الممارَس , الأخير أكثر ثبوتا من الأول  وأكثر تاسيسا منه. الثورات عادة قامت  على الوعى الممارس  وليس الخالص , فالوعى الخالص  وعَى رسولى  يأتى به الانبياء والرسل , أما الوعى الممارَس فتأتى به الشعوب والمجتمعات. ثوراتنا  وعى رسولى  بلا نبوه أو رُسل  لذلك مهمتها عسيره وشاقه والمحافظه على قوة دفعها وتقدمها الى الامام أكثر مشقه وصعوبه. الوعى الممارس يكون نتيجة لتحولات فى بنيه المجتمع الإقتصاديه والإجتماعيه تتلوهما ثوره مؤسسه على رؤيه جديده  كخلاصه لهذه التحولات  قد يرتد المجتمع ولكن لايتراجع وأنما  هى اشبه بالتوازن المطلوب لأن  التغييرات السابقه للثوره ذاتها أسست  لإستمرارها وثبوتها  كما حكى لنا التاريخ عن نمو البرجوازيات الوطنيه والطبقه الوسطى  ودورها  , وما إلى ذلك من أدبيات الثورات التاريخيه الكبرى.    وهو ما نفتقده  فيما حولنا اليوم من ثورات لذلك نرى المعالجات  والتوسطات  ومحاولات التوافق تقوم على تعديل شروط الوعى الخالص  لسبب بسيط كونه لايقوم على تحولات حقيقه فى البنيه الاقتصاديه والاجتماعيه تجعل منها"أى هذه التحولات" أساسا مكاسب غير قابله للتراجع. فالحديث اليوم والخوف من بقايا النظام خوف مشروع وحقيقى  لأن البنيه لاتزال موجوده , والدليل صعوبه  الرؤيه السياسيه وضبابيتها  للدوله القادمه فى كل من مصر وتونس  فما بالنا بالغير, لو أن الثورات ثورات وعًى ممارس لوضحت الرؤيه السياسيه  ولتشكلت ملامح الدوله  مبكرا, لايزال هناك من يخاف الارتداد للدوله الدينيه  عندما يختطف الدين الوعى الخالص  ويعمل على تديينه, لايزال هناك من يخشى من العوده  الى الطائفه والعائله والقبيله لأن إستمرار  الوعى خالصا دون تشكل أمر قد يستحيل, لانه  أساسا لحظه تاريخيه لها شروطها ترنو بنظرها الى بؤر وقيم  إنسانيه مثاليه تقوم على قوة الدفع  ولكن ينقصها التماسك مع الوقت . الصعوبه التى ستقابلنا كيفية إرساء الممارسه بعد  الوعى  ونتيجة لشروطه  وهى حاله إستثنائيه رسوليه كما سبق وأن أشرت . يبدو أن هذه المنطقه لها خصوصيه دينيه  ليس فقط فى كونها مهبط الاديان  ولكن حتى فى طريقة خلاصها من الإستبداد  هذا على إفتراض أن الإستبداد هو الأصل  وأن الثوره هى الإستثناء.

ثورات تُسيرها مكبوتات



بودى لو لم تسمى هذه الجمعه بجمعة الحرائر فى سوريا, الجميع شركاء  والجميع على إستعداد للتضحيه, بل أن هذه التسميه  تحيل إلى رمز آخر  تُدمغ به الشخصيه العربيه كمحرك لها  وهو "الجنس"بالاضافه الى الرمزين الاخرين وهما الدين والسياسه , جرى إستخدام الرمز الاول وهو الدين  بعد قيام الثورات  لإسلابها واليوم تستخدم المرأه كرمز  محرك  ودال على المكبوت  داخل هذه الشخصيه وغدا تتنازعها السياسه العربيه بمكبوتاتها مثل القبيله والطائفه والعائله. فى حين أن  هذه الثورات جاءت تجاوزا  لذلك جميعا , جاءت إنعتاقا من أغلالها ورموزها , ولكنه يبدو  حتى مع ثورة التوتر والفيس بوك  وبراعة الجيل الحالى  إلا أن هناك من يريد أن يعيده  الى  نمطية العقليه العربيه السائده قبل  الثورات , ويبدو الوضع  يعانى من مراوحه كبيره الى الوراء ومقاومه عنيده للإنعتاق  من أغلال ثقافة سادت وتأبى أن تبيد. من المفروض أن تنتج هذه الثورات مفاهيمها الجديده والدافعه الى الأمام. وتخلص العقليه العربيه  مما علق بها  من مثبطات , جعلت من الأوضاع  بين واقع مؤلم ومستقبل مظلم وأغلال  من الوهم  ترى فى إعمال العقل محظورا , وفى التفكير فى المنقول  حراما  وذنبا. لانريد لثوراتنا أن تسيرها مكبوتات الأمه , التى حرصت الأنظمه على مرً التاريخ  على تركيزها فى ذهنيه الفرد العربى والمسلم  لإدراك هذه الأنظمه أن مثل هذه المكبوتات  تعمل  بشكل غير مباشر على  إدخال النظام نفسه  داخل دائرة الممنوعات والمحظورات, فإقتلاعه إطلاقٌ للشيوعيه الجنسيه وسفك لشرف النساء, والثورة عليه تجنيا وخروجا على الدين وتعاليمه ,  والمناداه بإزالته  خروج عن الشرع والسياسه العامه. هكذا يحمى الإستبداد دائرته. لذلك يجب الحرص على نقاء هذه الثورات كما بدأت بعيدا عن محظورات  ومكبوتات الشخصيه العربيه التى ذكرتها, لأنها كما أشرت جاءت تجاوزا عليها, فهى ثورات تهدف للصالح العام , للإنسان عل هذه الأرض , للديان  فى هذه المجتمعات, للحريات  المكفوله , هذه هى شموليتها  وهذه هى أبعادها  فلا تدخلوها مرة أُخرى الى جحر الضب  الذى إختاره وزينه لنا الاستبداد . عليكم بإختيار الحريه أيها الساده  ولاتركنوا للماضى  إلا بقدر مايخدم الحاضر, ولا بالمفهوم من الدين الا إذا كان دافعا  للكرامه , ولا على المرأه الا بكونها رمزا للمواطنه على قدم المساواه مع أخيها الرجل, لقد كا لنا فى ميدان التحرير مثالا لتجاوز هذه المكبوتات الخانقه والمؤبده لأنظمة الاستبدادو فأجتمعت الأديان, وتشارك الرجال والنساء , وبرزت السياسه التوافقيه فى أزها حللها. فلم العوده الى الوراء  والأمه تنظر وتنتظر المستقبل القادم, لماذا التجزئه , أطردوا دعاتها ومروجيها , قبل أن تعود المياه إلى مجاريها  دون تقدم ملموس فيما يتعلق  بالفكر  والثقافه  لأنهما  هما  من يعوُل عليه  فى التغيير.

الأحد، 8 مايو 2011

كيف نحكم على المفاهيم؟



حول مقالة الأخ الدكتور عبدالحميد الانصارى  المنشوره فى الوطن بتاريخ 9-5-2011 والمعنونه" بن لادن مجاهدا أو شهيدا لطفا بالمفاهيم"  أود أن أشير الى بعض الملاحظات :
أولا:  أن لكل ثقافه مفاهيمها  الخاصه بها فمفهوم الشهاده والجهاد من مفاهيم الثقافه الاسلاميه مثلا , كما أن مفهوم الطبقه العامله أو البروليتاريا   من مفاهيم الثقافه الماركسيه. ومفهوم البرجوازيه من آثار الرأسماليه.
ثانيا: إستخدامات هذه المفاهيم  ليست جامده وهى تأويليه حتى داخل الثقافه الواحده وتفرعاتها  خاصة فى الثقافه الإيمانيه.فمن بعتقد البعض بإنتحاره , قد يعتقد البعض الآخر بأنه شهيد. ومن يسمى بطلا وزعيما , قد يصفه الحزب بالخيانه لاحقا.
ثالثا: المفاهيم   فى الأساس هى من إنتاج" الكهف" العقائدى الذى يسكنه الفرد,فلذلك الحكم بصحتها أو ببطلانها, حكما    ليس معرفيا لأنه  قد يأتى من "كهف" أو خندق آخر له بالتالى مفاهيمه.
رابعا: بإلامكان الارتقاء بفكرة صنع المفاهيم من خلال إخراجها من الكهف العقائدى الى الكهف "السياسى"  وهى حاله يرتقى معها الوطن ,  فمفهوم الشهيد مثلا أو الجهاد فى هذه الحاله, لايصبح مفهوما  يحتمل الاجماع  أو الاقتناع به أو مهاجمة من يقول به , لأنه ليس مفهوما سياسيا وإنما إيمانيا يحكم به الفرد من خلال كهفه  الذى يعيش فيه.
خامسا: إيجاد مفاهيم وسطى جامعه ليست إيمانيه وإنما براجماتيه واقعيه  , وهو ما يؤمل عليه ويتفق حوله , كمفهوم المجتمع المدنى ,أو المواطن , العيش المشترك أو المصير المشترك ...الخ.

سادسا: مهاجمة المفهوم الإيماني فى ذاته هى مهاجمة لأتباعه ومن يؤمن به , بالضبط كمهاجمة العقائد بعضها بعضا بلا نتيجه لأنها إيمانية المنشأ, مما يؤٌأزم ويعقد عملية بناء الأوطان.
سابعا: القضية ليست كََون بن لادن شهيدا أو مجاهدا, فهو فى عين أصحابه وأتباعه كذلك, القضيه  هى كيف  الإرتفاع بهذه المفاهيم الإيمانيه إلى السقف  وإعتبارها إيمانا يخص الفرد ذاته , من دون إيجاد  مفاهيم بديله يستطيع الفرد معايشتها  وتحقيقها, بل ويحقق من خلالها  مفاهيمه الإيمانيه بطرق مشروعه ومدنيه تبنى ولاتهدم.
ثامنا: إذا كان من الصعب  بل من المستحيل إخراج الدين من الحياه,  فلا أقل من الإبتعاد عن  الإقتتال حول مفاهيمه. فيرى البعض بن لادن شهيدا وليرى البعض الآخر غير ذلك , ولكن السؤال المطروح هنا إيضا, مالعمل مع من يريد  إجبار الآخرين على تبنى مفهومه الايمانى أو للإيمان  بصفه عامه؟ , هنا يجرى التعامل مع الطريقه وليس مع المفهوم . وهو بعد آخر. لذلك لاأرى خللا من إستخدام البعض للمفاهيم طالما لم تصل الأمور الى مرحله  تحوله الى عملية فرض  أو تطبيق على الآخر.
تاسعا: العمل على إستبعاد عوامل التشرنق للعقيده داخل النفوس لتتحول مفاهيمها الى  أسلحه فتاكه, من خلال إنتاج المفاهيم الوسطى والتأكيد عليها, لعل الغرب لايعى فعلا  طبيعة العقيده الاسلاميه وكتابها المنزل  وإحتمال تفسيراته وتأويلاته الكثيره . فالثورات العربيه الحاليه  هى من جهه تعمل على  تفكيك الكثير من المفاهيم لتبنى أخرى بديله  وما تفككه أصلا هى مفاهيم إيمانيه بالضروره  كالقائد الملهم والزعيم الأوحد  ووالد الجميع ورب الأسره وصاحب الضربه الأولى.... إلخ  , لذلك هذه الفتره حرجه جدا وجاء مقتل بن لادن كذلك أثناءها, فالتعامل الثقافى مع  ذلك يجب أن يكون إعلائيا  وليس هجوميا والتشديد على أن هذه الثورات  ثورات مدنيه وطنيه لكى تنتج مفاهيمها الوسطى الضروريه.أما إذا ما عوملت إيمانيا  فقط ومن خلال المفاهيم الإيمانيه , فلن تخرج الأمه من أزمتها وسنظل نقتتل فى السماء معلقين  فى حين أن مهمة المسلم إعمار الأرض.  

المبادره الخليجيه: حًل ممكن أم خروج على منطق الثوره؟

  

يبدو أن وضعنا العربى من الكآبه والقنوط بحيث يمكن البحث عن حلول له  حتى  فى المستحيل منطقيا. المنطق يقول بمعاقبة المسىء, المنطق يفرض الإدانه لمن أدان , المنطق يشير الى أن لكل جريمة عقاب. تعودت شعوب هذه الأمه على الصبر والإحتساب, جُبلت هذه الأمه على الإيمان  بان الطغاه حسابهم عند ربهم, لم تتعود هذه الأمه على محاسبة المستبدين والطغاه وهم أحياء, كان هذا هو سمتَها العام. طوال الأجيال التى خلت. كانت الجزاءات الدنيويه  للطغاه تأتى من أمثالهم  , وبالتالى تستبدل الأوطان طغاة بطغاه. ولكن  و بعد مانشهده اليوم من ثورات شعبيه هائله, ومنظمه رأيناها  فى تونس ومصر واليمن  لم يسجل مثلها تاريخنا تنظيما وسلمية  وسموا فى الشعار والمطلب, والثوره السوريه قادمه هى الأُخرى  على نفس المنوال, بعد كل هذا لايمكن الإستمرار  ضد منطق العداله  التاريخى  الذى شهدته جميع  ثورات العالم قاطبه. اليوم بن على مطلوب للمحاكمه ومبارك على أبوابها رغم توسلاته, فى ظل هذا كله تأتى المبادره الخليجيه على أهميتها  وبياض نيتها معاكسه تماما لمنطق الثوره ومنطقه العداله بعد قيامها. تأمين خروج الرئيس من السلطه وعدم ملاحقته قضائيا بعد حكم تعدى عامه الثانى والثلاثون ,يسأل فيها وأثناءها عن وقت شعبه ومصدر رزقه فيما أفناه , وعن ثروة بلده فيما أنفقها, وعن دماء شبابه فيما ولماذا أُزهقت. هل يعقل أن يكون هناك عمل دون حساب ؟ منطق الدنيا قبل الآخره  لايجيز ذلك. نعم الكرب عظيم  والثمن قد يكون باهظا وهو كذلك , ولكن المبادرة الخليجيه على حسن نيتها, تتعارض ومنطق الثوره, كان من الممكن النظر والاعتبار فى منطقها والأمور  لم تصل بعد الى حد الثوره, منطق الثوره أيها الساده  ينطلق أساسا من الإحساس  بوقع الجريمه الشموليه وينطلق أساسا  بإتجاه  تحقيق العقاب. بمعنى أن الشعب اليمنى اليوم  يهمه جدا أن تكتمل ثورتة  بمحاكمة المسؤول  عن وضعه البائس الذى دفعه للثوره وتقديم قرابينها من دماء أبناءه وشبابه.  ضمان عدم ملاحقة المسؤول أو المسؤولين عن الثوره , يعنى عدم مشروعيتها ضمنيا. لنا أن نتصور أن هذا المنطق  قابل للتطبيق فى عالمنا العربى من أقصاه إلى أقصاه وخروج كل هؤلاء الطغاه  بعد كل ما خلفوه من دمار نفسى ومادى للشعوب خروجهم  بضمان عدم الملاحقه فأين تأتى العداله إذن؟ هل يمكن للعداله أن تتجاور مع الإستبداد, وهل يمكن للثورات , أن تكتفى بإبعاد الاستبداد لاإستبعاده وإستئصاله؟ هذا الاستثناء العربى  يؤكد إستثناء عربى آخر يأتى الكلام عنه  عند الحديث عن الديمقراطيه. بهذه الاستثناءات , قد يقبلنا التاريخ كإستثناء  على صيرورته  ومنطقه. فيدفع بمصطلح الاستبداد الشرقى  كإستثناء قال به ماركس وهيغل  أورؤية البابا الحالى حول  تخلف الاسلام والمجتمعات الاسلاميه  وتفوق التراث المسيحى الذى أنشأ أوروبا وتقدمها وديمقراطيتها  . المبادره الخليجيه إذا ما طُبقت وقُبلت وأنا أشك فى قبول المجتمع والثوره اليمنيه بها, ستكون إضافه   جديده    تؤكد الاستثناء السلبى العربى  فيما يتعلق بمفهوم الثوره ذاته, حيث ستنزع عنه فكرة الخلاص من الظلم  وتستبدلها بفكرة التعايش معه أوقبوله , الأمر الذى سينفى ويستبعد  قيامها أصلا.