الخميس، 2 يناير 2014

في وداع القطري "الأخير"

هو أخير لتفرده في قطريته ، هو أخير لتوهمه أن تدفق الريع سيشمله مدى حياته وبعد مماته ، هو أخير لاعتقاده بأن حضن الوطن كفيل بحمايته الى الأبد ضد تقلبات الزمن وأهله ، هو أخير كذلك لأنه كان قادراً على معرفة أبناء مجتمعه وعلى تعدادهم فرداً فرداً فاللحمه لاتزال قويه والايثار كان نبراس الحياه، هو أخير لأنه اتكأ على التاريخ واسلم له أمره فالتاريخ لا يعرف الغدر ولا المكر لدية فآمن به كحافظ دائم ومستمر لمكتسباته ، هو أخير لأنه ظن أن التعليم الحكومي الموحد هو النبع الصافي لبناء الوطنية وصيانة الأمة ، هو أخير لأنه أفترض أنه لن يأتي اليوم الذى سيبحث فيه عن عمل في وطنه فلا يجده ، هو أخير لأنه لم يفكر ولو لبرهة أن موقعه سوف يتسع لغيره ولو كان على حسابه ، هو أخير لأنه وثق بأن المال لا يمكن له أن يسبق القيم الإنسانية ، هو أخير لان أعتقد أن جغرافية الوطن لا يمكن لها أن تتمدد الى الدرجة التي يصبح معها لا يرى بالعين المجردة ، هو أخير لأنه ظن أنه عملةصعبه لا تتدهور قيمتها بمرور الزمن حتى ولم يتدخل البنك المركزي لإنقاذها وهو لم يفعل بالطبع ، هو أخير لأنه أراد للحلم الجمعي أن يستمر ولم يدرك أن الأحلام كذلك أصابها التخصيص فالزمن أصبح فردي الطابع والإيقاع ، هو أخير لأنه كان يرى ويطمئن بأنه لاثمة حاجة للطلب على أي شئ فكل ما يريده يأتيه جاهزاً وناجزاً حتى الديمقراطية وهي ثمرة تاريخ طويل والدستور وهو ثمرة اتفاق عام يأتيانه دونما جهد أو عناء منه ، هو أخير في تصوراته وأحلامه نحو وطنه وأمته ولم يدرك بأن التاريخ حقب وكل حقبه تحمل في طياتها شروط بقاءها الخاصة بها دون غيرها ، هو أخير لأنه كان يرى التاريخ خطاً مستقيماً يمكن البناء عليه فأطمئن إليه وبنتائجه مستقبلاً ، هو أخير لأنه راهن على عدم زوال أو اختفاء الطبقة الوسطى ولم يدرك أن أمراض الرأسمالية المتوحشة تصيب الأطراف بدائها حتى رغم عدم توفر شروط وجودها فيها ، هو أخير لأنه آمن بأن الأرض لا تزال تتكلم عربي ولم يدرك أن اختبار " التوفل " تفوق على فصاحة وحكمة أبا الطيب المتنبي وعبقرية المعري وأن تراث بغداد والقاهرة والكوفه وغيرهم تعادله مكتبه صغيرة في أحدى جامعات الغرب ، هو أخير لأنه آمن وصدق شعارات المصير المشترك ولم يع الىِ أن البقاء للأقوى في عالم اليوم وأنه من " سبق لبق " هو أخير لأنه اعتقد أن المكانة الاجتماعية والجاه الاجتماعي التاريخي لهما الأسبقية دائما وخيولا تحرسهم وجنود . هو أخير لايتكرر لانه يمشي في جنازته ,فزمانه قد رحل قبله انه بلا زمن اليوم فشروط حقبته التاريخية انتهت فثمة قادم جديد يتخلق ليس له من وطنه سوى الاسم والوثائق الرسميه فلذلك هو أخير في كل شئ إلا في حبه لوطنه وتفانيه وإخلاصه لقيادته .فالزمن في هاتين سرمدي يختزل الأجيال ويطوى صفحات التاريخ .