الخميس، 28 يناير 2016

"قطر الإعدادية" الالتقاء بالمدينه



ضواحي الدوحة في السابق كانت تمثل مجتمعا هادئا, يعيش مدرسته وملاعبة وإرتباطه بالدوحة كان مقتصرا بذهاب الاباء صباحا للتسوق في سوق الخضار والاغنام والاسماك والعودة الى الضاحيه والفرجان خارج الدوحة, أذكر أننا كنا نملك أكثر من ملعب في الريان جميعها تشهد تمارين ومباريات عصر كل يوم, وفي الصباح ننتظم جميعا في المدارس ومن أهمها مدرسة الريان القديم الابتدائيه ومدرسة اخرى في الريان الجديد, الجميع يعرف الجميع في الضاحيه أو الفريج, في إمتحانات النهائيه للشهادة الإبتدائيه , ذهبنا الى مدرسة أبي بكر الصديق الملاصقه لإستاد الدوحة الرياضي المقابل للصحة المدرسيه. حيث كانت الامتحانات لجميع مدارس قطر. على الناجحين الانتقال للدراسة في الدوحة , في مدرسة قطر الإعداديه التي لم يبنى مثلها في البلاد, مترامية الأطراف كثيرة الملاعب , ساحتها مزينة بخريطة للعالم العربي, إاتقينا فيها بشباب من جميع أنحاء الوطن من الشمال والشرق ودخان والوكرة والدوحة, رميلة , البدع , شكلت تلك المرحلة تمازجا فريدا لابناء الوطن , طابور الصباح كان كبيرا قياسا بطابور المدرسة الابتدائيه , كان عالمنا العربي يعاني من نكسة أو هزيمة حزيران , الروح المعنوية رغم ذلك عالية بأمل الخروج من تبعاتها, الاستاذ فتحي البلعاوي يخطب صباحا في الطلبة مذكرا بأمجاد الأمة وتاريخها النضالي وصمود الشعب الفلسطيني, , ذهب نقاء الضاحية وبدا تنوع المدينه , مطعم الفول , والمطعم الصومالي , الهروب من الحصص حيث البيئة المناسبة نظرا لكبر المدرسة وتنامي أطرافها, الشللية بدأت تظهر , بدأت المدينة تطل بأطرافها وبدأت تؤثر ثقافتها على البيئة التعليميه مقارنة بمدرسة الفريج في الضاحية , بدأت بوادر العصيان والاستهتار بالمدرس والرد علية تظهر ,لم تكن الأمور كذلك لو كثرة النماذج والصور التي كنا نعيشها ونتأثر بها.كانت صور المتذمرين والباحثين عن الإنتماء تنطبع في ذاكرتي , تجمعات هنا , وتجمعات هناك, لم تكن تلك التجمعات تحمل أفكارا سلبية ضد مجتمعها , وإنما كانت إستجابة طبيعية لأوضاع الأمة في ذلك الوقت, كانت المدينة في تلك الفترة تحمل معنى آخر عما تحملة اليوم , كانت المدينة صورة مصغرة من عالم عربي كبير , والضاحية صورة مصغرة لمجتمع يعيش آمال الأمة وأحلامها.

الأربعاء، 27 يناير 2016

الشهاده الثانويه المغدور بها



كانت الشهادة الثانويه ذات قيمة كبيرة في السابق لعدة أسباب وجيهة, فهي الأساس للأبتعاث الحكومي لإستكمال الدراسة الجامعيه , كما أنها تشكل تمام نضوج الطالب لقوة المنهج المتبع آنذاك وشموليته , إستمدت الشهاده الثانويه في السابق قيمتها وقوتها من قوة وزارة المعارف ووزارة التربيه والتعليم سابقا, الذي كان جل إهتمامها تخريج دفعات من الشباب المتحصل على تنوع ثقافي يقوم على ركيزتين أساستين هما اللغة العربيه , كلغة وفكر, وعلى التربية الاسلاميه التي ترى الاسلام هوية لجميع أفراد المجتمع, كثير من خريجي الثانويه في فترتي الستينيات والسبعينيات , إلتحقوا بمجال العمل الحكومي وأبدعوا أيما إبداع.والكثير منهم إلتحق بجامعات الشرق والغرب فأبدع كذلك وعاد يحمل أعلى الشهادات. كان طالب الثانوية في تلك المرحلة يعيش أياما عصيبة قبل الامتحانات وبعد الامتحانات التي كانت تبعث الى جمهورية مصر العربيه للتصحيح وتستغرق وقتا طويلا يصل الى الشهرين حتى تعود لتعلن على الملأ من المذياع والمجتمع يعيش ترقبا واضحا بجميع فئاته لتلك اللحظة , لينطلق بعدها الناجحون بدعم من وزارة التربيه والتعليم الى آفاق أخرى, تميز خريجوا الثانويه في تلك الفتره بلغة عربية قويه وبإنتماء قومي متجذر , وبهوية إسلامية جامعة وبأمل في العمل والبناء .فكرة الشهادة الثانويه فكرة هامة حيث منها يبدأ الانطلاق , وتركيز الدولة واضح في ذلك وإهتمامها مشهود من مناهجها الواضحة المعالم ,أنا اعتقد أننا غدرنا بقيمة الشهادة الثانوية بعد ذلك , غدرنا بها منهجا وإعتبرناها مجرد جسر للعبور بحثا عن هوية هنا أو هناك. غدرنا بها عندما عددنا المناهج دون رؤية واضحة , غدرنا بها حينما خصصنا مدارس تحت هوية دينيه , فأصبحت الشهادة الثانوية الحكومية وكأنها في تقابل مع تلك التي تحمل الشعار الديني والاخرى التي تحمل الشعار الغربي أمريكية أو إنجليزيه أو غيرهما. نحتاج الى رؤية تعيد للشهادة الثانوية روحها التي تبني الانسان المتكامل دينا ووطنا. نريدها أساسا وقاعدة وهوية يعيش فوقها المجتمع ليختلف رأيا وليس ليتصارع خلافا وشقاقا, خريج الثانوية اليوم يحمل شهادة , لكنه هائم في بحر من الهويات المتصارعة.

الثلاثاء، 26 يناير 2016

الضابط عيد البرديني

كل من إمتلك رخصة قيادة للسيارة خلال الفترة من آواخر الستينيات حتى أوائل الثمانينات وربما أكثر يعرف أسم عيد البرديني, أو الضابط عيد كما كان يكنى إختصارا. لم تكن رخصة قيادة السيارة بهذه السهولة والانتشار الذي نراه اليوم , مدارس تُخرج وتلقي بأنصاف السائقين في الشارع. كانت رخصة القياده هم كبير وشغل شاغل لجيلنا السابق .فيما أتصف البعض بالتشدد الغير مبرر , إتصف عيد البرديني بالتعامل السلس مع الكبار والصغار , كان أسمه يتكرر كثيرا على مسامعي , عند أهل قطر شاكرين له مساعدتهم , ميزة عيد البرديني أنه فهم طبيعة ونفسية المجتمع القطري , وحبه للتعاون , فكانت إدارة المرور في عهده من اكثر الادارات الحكوميه شعبية , مع الحرص والدقه والانضباط في إصدار الرخص وتنفيذ التعليمات بما فيها لوحة تحت التعليم التي تعلق فوق السيارة اثناء الاختبار , ومنحدر قصر المرمر المشهور والذي كان يشكل هاجسا لجيلي وضرورة التحكم في السيارة أثناء إجتيازه سواء إلى الأمام أم العودة إلى الخلف. ساعد الضابط عيد في أداءه لمهامه بنجاح عملي وإ جتماعي لافت للنظر , كونه قادم من بيئة مشابهة لبيئة المجتمع القطري المحافظ والمتعاون , قَدم عيد البرديني من قطاع غزة الفلسطيني , وكان الاخوة الفلسطينين من أوائل من قدم الى جميع دول الخليج للعمل , فهم من أكثر الجاليات فهما لطبيعة المجتمع, ساعدهم في ذلك ظروف المرحلة التي كانت تمر بها الأمة العربيه من إستشعار لقضيتهم التي كانت ولاتزال قضية العرب الأولي , رغم ما يعتري الوضع من ضباب كثيف يكاد يزيع بالوعي بعيدا عن ذلك كما يتمنى أعداء الأمة .كان أبو محمود يتفهم إتصال الشيخ الكبير ويحترم قدوم الشاب الصغير , ينزل الجميع منزلا من الاحترام والتقدير, فأحبه الجميع , وأحب هو كذلك قطر وأهلها وقد قدم أبو محمد شرحا تاريخيا مفصلا عن قصته وقصة المرور في دولة قطر في برنامج جميل أذاعه تلفزيون قطر منذ أعوام قليله مضت , تحدث فيه عن أو ل لحظة لمست قدمه تراب قطر , وكيف تسرب حبها إلى قلبه ووجدانه حتى أصبح أحد أبنائها . عندما أنشئت الادارات الخدميه في قطر إحتاج أهل قطر وكبار السن منهم في ذلك الوقت الى من يساعدهم ويتفهم طبيعة سؤالهم المباشر ونفسياتهم الصريحه , فكان أبو محمود من أوائل أولئك المتفهمين والمقدرين لذلك, حينها لم أستغرب عندما ألَم به وبعائلته منذ سنوات مضت مصابٌ جلل , وجدت أبناء قطر وشيوخها معه في مصابه في جمع مهيب يلفت النظر تقديرا لما زرعه في قلوبهم من محبة وإخلاص. أجد لزاما علىَ أن أذكر نماذجا عربية قَدمت لتخدم وتعمل في قطر لتحتضنها قطر بعد ذلك بكل حب وتقدير إعترافا بالجميل ووفاء لطبيعة أهلها المضيافه, جيلنا الجديد اليوم عليه أن يتمعن وأن يعىَ , أن المحبة هي أساس العطاء, والعطاء هو أساس الثناء وغاية الوجود الانساني الموصل لمرضاة الرب. قصة أبو محمدو قصة نفس محبه قبل ان تكون قصة سعى لإدراك وظيفة , كم يتوالى على الوظيفة من خلق , ولكن من يجنيها حبا , قبل أن يتقاضاها راتبا , هذا هو سؤال الغاية من الوجود الذي يجب أن يسمعه الجميع ,أطال الله في عمر الضابط عيد ومتعه وابناؤه وذويه بدنيا تفيض سعادة ورخاء.