السبت، 2 مايو 2015

المثقف والوظيفه ومفهوم البيعه




أولاً: من هو المثقف/ مثقف السلطة/ مثقف الصالونات (مثقف المهنة كالطبيب أو المهندس مثقف النسق القائم أو الثقافة القائمة)
أو (من يستطيع التفكير أو من يفكر خارج الأنساق) وهو في نظري صيغة لا تكتمل (صيروره) ثقافيه.

ثانياً: الإبداع: القدرة على إقامة علاقات متجددة دائماً من الأشياء. الثقافة في مجتمعات أصلاً في أزمة (ثقافة للسلطة "الشيوخ") وثقافة المجتمع. العلاقة بينهما مشدودة بقوة باتجاه ثقافة السلطة لمحاكاتها أو التمثل بها.
ثالثاً: الجهاز الإداري: جزء من الثقافة السائدة أو انعكاس لها وهي ثقافة نسقية محددة مسبقاً في إطارها السياسي والاجتماعي فبالتالي نحن نتكلم عن "مثقف نسقي" ضمن الوضع القائم. مع اعتقادي إن المثقف هو بالضرورة مبدع إلا أن في ظل هذه الثقافة ينفصل الإبداع لأن الإبداع رؤية وابتكار وقدرة عالية على التخيل.
رابعاً: التعليم لم يتحول إلى قيمة بعد في مجتمعاتنا.والشهادات أصبحت مجرد واجهه
انعكس الريع عليه فتحولت الشهادات العلمية لتعزيز المكانة الاجتماعية، فأصبحنا أمام ريع ثقافي وانصهرت الشهادة العلمية داخل العمل الإداري والحكومي القائم فأنتجت لنا ظاهرة "الفداوي المعاصر" يتبع الريع ومن يملكه بعيداً عن قناعاته.
فأصبحت الشهادات العليا بالذات "الدكتوراه " رهن الوظيفه والمنصب , فسمعنا عن سرقات لجهود الغير واستغلالا بشعا لانظمة التعليم في الدول التي تعتبر العلم قيمه لها أخلاقياتها, تعاملنا مع التعليم والثقافه على طريقة سباقات الهجن ,فأنتجنا"مضمرين" يحملون شهادات دكتوراه في فلسفة السباق نحو الجائزه.
وأنا شخصياً لاحظت، أن الأطباء الذي يأتون للعمل في مستشفياتنا يكتسبون اتجاهات جديدة بعد فترة كالتمييز بين أفراد المجتمع في إعطاء المواعيد وفي أولوية العلاج. بل إن بعضهم التحق بالحياة الاجتماعية أكثر من التزامه بالحياة العملية فمنهم من تحول إلى تاجر والآخر بدت عليه آثار السمنة والترهل من كثرة ما يتردد على الولائم عند الشيوخ وقسم ثالث توقفت معلوماته ودراسات واتجهت اتجاهات اخرى للكسب تكتسى برداء الطبيب فقط.
أعتقد أن الإبداع الوحيد الذي يمكن أن يقدمه المثقف في مثل هذه البيئة الإدارية هو العلاقة الإنسانية المميزة لأن مجال الإبداع العملي ضيق جداً بمعنى أن يكون إنساناً في تعامله مع الناس بعيداً عن أي اعتبارات أخرى أياً كان شكلها اجتماعية كانت أم اقتصادية.
أما الصعوبات التي تجعل المثقف لا يتوافق مع الوظيفة الحكومية فأشير إلى بعض الأسباب منها:
أولاً: أن الثقافة فضاء مفتوح وتفكير حر بينما الوظيفة قيود قانونية، والتزام فالفيلسوف مثلاً لا يمكن أن يكون موظفاً ناجحاً لأنه خارج السياقات عندما يفكر إلا في مجال البحوث والدراسات المستقلة.
ثانياً: البيئة العربية عموماً طاردة للإبداع ومحاربة للتفكير العلمي وتعتمد على اللغه الى حد كبير للتمايز فالمثقف المطلوب مثقف "عنده لسان" شاعر أو خطيب فاللغة غاية أو هدف في حد ذاتها هذا النمط دون غيره من الانماط يتفاعل مع البيئة الادارية بصورة أكثر فاعلية من غيره أما من يفكر او يكتب خارج خارج السياق قد يتهم بالشذوذ الثقافي أو الفكري.
ثالثاً: ثقافة الريع هادمة للثقافة إلا ثقافتها، مما يجعل الحراك الاجتماعي لا يقوم لا على العلم ولا على الثقافة وإنما على من يكون داخل تخوم المربع وتأثيره
كانت الثقافة السائدة قديماً هي أن الشيوخ لا يعملون في الوظائف فهي لأفراد بالمجتمع إلا إن هذا تغير اليوم ووضع "سلم أفضليات" جديد عند التقدم للوظيفة.
في السابق كان الشيوخ لا يهتمون بالحصول على الشهادات فوجد أفراد المجتمع فرصة للتقدم في هذا المجال وتحسين مراكزهم الاجتماعية ولكن الشيوخ اليوم تفوقوا على الموظفين في الحصول على أعلى الشهادات فكانت الأفضلية للشيخ المتعلم على المواطن المتعلم رغم الاستثناءات إلا أن هذا هو الوعي السائد (ثقافة ريعية).
خامساً: العلاقات العمودية على حساب العلاقات الأفقية/ العلاقات الأفقية في المجتمع تدل على توازنه أما العلاقات العمودية فقد تدل على توتره ويعاني من قوة جذب مغنطيسية لا يستطيع معها إنفكاكا والمقصود هنا أن العلاقات الاساسية الهامة والاستراتيجية هي السلطة وشيوخها فتجد النظام الإداري مُكرس ولا يمكن أن يكون بيئة لأي إبداع ثقافي.
سادساً: الاقتصاد الريعي السريع الكسب والذي يتطلب أساليب معينة وثقافة خاصة لا علاقة لها بالثقافة كمفهوم إنساني أبعد المجتمعات عن الاهتمام بها وحولها إلى "ترف" فلا حاجة للمجتمعات به فلذلك تخلو قاعات المحاضرات والندوات من المواطنين إلا ما ندر.
سابعاً: المجتمعات الشمولية تتطلب التماثل ولا تحبذ الخروج عنه ولا عن المألوف فالمثقف في الإدارة الحكومية يشعر بأن التماثل والسير مع التيار أفضل له. ولذلك تجد التخصصات متشابهة ومكرره وتجد تكدس في الخريجين في تخصص معين في حين هناك ندره في تخصصات اخرى اكثر اهمية كما أن مثقف المهنة كطبيب النساء في مجتمع لا يحبذ ويمنع أن يكشف رجل على امرأة مثلاً خارج نطاق الاعتبار فتقل بذلك الخيارات أمام الأفراد أو كيف يبدع فنان تشكيلي في مجتمع يحرم أو لا يحبذ الرسم.
ثامناً: وجود حياة نيابية حقيقية في المجتمع تتداول من خلالها كل شئون المجتمع تفعل دور المثقف وتقويه لأن من آليات الثقافة التدوال والتحاور.
تاسعا: الثقافة تضحية بالفرص البديلة في مجتمعاتنا، وكم مرة سمعت "إذا بتستمر في الكتابة كشكل من اشكال الثقافة بتموت جوع" فالمثقف اساسا هو موظف ولو يترك الوظيفة الحكومية لما يستطيع العيش باستثناء مثقف السلطة وبعض الامثلة القليلة جدا التي استطاعت أن تعيش في المنفى. فالنظام الاداري هو القيم على المثقف ومصدر رزقه ولقمة عيشه. فالتوافق مع العمل الاداري قد يكون على حساب الثقافة وغالبا ما يكون.


عاشرا: عدم تشكيل هوية وطنية موحدة/ يجعل الهويات الصغرى في المجتمع تتصارع على جميع الأصعدة والنشاطات بما فيها العمل الإداري، فهذا "قبيلي" وهذا "هولي" وهذا ما "عنده جواز" وهذا حاصل على الجنسية للتوّ وإذا كانت الهوية طائفية فالأمر أدهى وأمر. كذلك عدم وجود مجتمع مدني أو محاولات إعاقة تشكله أو إلحاقه بالدولة كل هذه الاسباب تخلق عائقا أمام تفاعل المثقف مع بيئته بشكل يستفيد الطرفان.
أخيرا اليوم تواجه مجتمعاتنا أزمة وجود, تتمثل في الانتقال السلمي للسلطه من جيل الى جيل, وهذه العمليه لايمكن أن تتم بعلاجات موضعيه على الأمد الطويل مفمهوم البيعه القائم حاليا والتوريث المباشر كلاهما فعلان قاصران لايمكن أن يستمرا طويلا , لانهما يتمان داخل بيوت زجاجيه مفرغه من الهواء, وبنخبويه تسقط وجود المجتمع كله وتضع مفهوم المثقف والتعليم خارج هذا الاطار ,الوضع الذي يعمل على تفكيك المجتمع , كما نرى ونلاحظ جيل بعد آخر , فالاعتماد على الخيار البيولوجي ينتهي مهما إستمر , بينما الخيار الثقافي هو البديل الذي أخذت به الدول المتقدمه فأستمرت , لأن جينات الثقافه خيار إنساني بينما الخيار البيولوجي خيار صدفه , لو أخذ بيد المجتمع مره بفعل التقوى , فسيدخله في نفق مظلم في المرة القادمه فلايمكن الاعتماد على الطبيعه البشريه دائما دونما رقيب أو حسيب.