السبت، 25 نوفمبر 2017

إن كنتم تحبون الناصحين



هذا الحصار الغاشم على دولة قطر في طريقه الى الزوال  طال الزمن أم قَصرُ, لايهمني  ما يدبرون بقدر ما يهمني  ما يهمني كيف  نستجيب  نحن داخليا لأمر قد أصبح واقعا , وأهمية هذة الاستجابة ترتبط في ذهني بما نفكر فيه مستقبلا , الحالة الطارئة لها مقتضياتها , لكن المستقبل  لايؤخذ على أنه حالة طارئة  وإنما يؤخذ على  أنه تجاوز لأخطاء الماضي  وعدم عودة  لشروط سابقة لم تكن من الكفاءة والشمولية بحيث  كانت لسبب أو لآخر جزءا من معاناة الحاضر  وانسداد الافق وضيق الرؤية, لن أتكلم  عن إنجاز الحالة الطارئة التي نعيشها كبلد محاصر , سواء على صعيد الافراد أو الحكومة أو السلطة العليا وفي ذروتها سمو الامير حفظة الله , فقد أدهشت قطر العالم كله  شعبا وحكومة وقيادةً في مواجهة هذة الهجمة الغاشمة الظالمة الى درجة الانبهار  بل وحولت الحصار الى رصيد لها  يسجل في المحافل الدولية اقتصاديا واجتماعيا  وانسانيا, لن أتحدث عن ذلك كله , فقد تكفل بذلك  العديد من   الفعاليات الاجتماعية والاعلامية  في التلفاز والصحف  وغيرهما من وساءل الاتصال الاجتماعي , لكنني سأتحدث عن المستقبل في نقطة واحدة واضحة  من المفترض أن تكون  خلاصة تجربتنا من الحصار والأزمة الت نعيشها اليوم مع جيران وجغرافيا  وتاريخ وهذة  النقطة تتمثل في  ربط السلطة السياسية بالسلطة الثقافية , من حسنات الحصار إصلاح الجيش وتحسينة وتقويتة , من حسنات الأزمة إصلاح الدولة  وتجديد مفاصلها , لكن التاريخ يحكي أن ذلك لايكفي وحدة, وفي حالات تاريخية كثيرة يحدث الانفصال   والتناقض بين الدولةوالمجتمع أو الشعب  بعد تجاوز الحالات الطارئة  حينما تستتب الامور يظهر التناقض بين الدولة كنظام للسلطة والمجتمع   لإهمال السلطة السياسية للسلطة الثقافية,أو لتجييرها واحتكارها  بحيث يختفي الفرق بين الجانبين  وتظهر "كليانية" بشعة ,من الضرورة الملحة أن ترتبط الدولة بمجتمعها المدني الذي يمثل سلطة ثقافية حقيقية رافدة , فنصيحتي الاعتناء بإيجاد مجتمع مدني أو ترك  بذورة تنمو  ورفد هذه البذور  بحيث يكون درعا ثقافيا أمام الاختراقات التي أوجدها الفراغ  لغياب المجتمع المدني الحقيقي  والتي شهدنا نماذج منها في أزمتنا هذه  حيث غابت السلطة الثقافية الحقيقية وتسلق البعض  ممن أعطتهم الدولة دورا ثقافيا وإجتماعيا لايليق بهم ولابإنجازهم في المجتمع, لولا إرتباط السلطة السياسية بالسلطة الثقافية مثلا  لما رجعت الكويت بعد الغزو , العسكر  يحققون انتصارا عسكريا  لكن لايستطيعون أن ينشؤا مجالا ثقافيا عاما يساعد على الاستقرار  واشاعة السلام عليكم بإفغستان وغيرها كنماذج, الدولة تضع قوانين  وترسم خططا لكنها لاتستطيع أن تكسب ولاءً  دونما تفعل حر حقيقي مع المجتمع , نصيحتي أكررها ثانية , ساعدوا المجتمع المدني  ليقوم بدوره التاريخي  في حماية قطر  وحماية سلطتها السياسية  وقيادتها  الوفية,إن ماتعاني منه منطقتنا  ويجعلها  موضع تساؤل للمشروعية  من إجراءات تراها الدولة المتقدمة إمعانا في التخلف ومصادرة للحقوق مثل سحب الجوازات وإسقاط الجنسيات واستغلال الدين والمذهبيات, هي من  إشكالية إنفصال السلطة السياسية عن السلطة الشعبية وغياب المجتمع المدني اللاصق الطبيعي بينهما. لذلك يجد الفرد نفسه  عاريا أمام إغراء الجزرة  و سوط السلطة .إزرعوا بذور المجتمع المدني أيها السادة لن يحتويكم حصار مهما كان  ظالماً.., ولن يبتزكم  الخارج مهما حاول حيث الداخل ممتلىء  ولايمكن التسلل من خلالة لكل مرتزق أو آثم.

الخميس، 23 نوفمبر 2017

"شهقة" المنصب



هناك من يقضي سنينا في المنصب دون أن يصدق  أنه يحتل هذا المنصب؟ هناك من يريد من  يذكره دائما أنه لايزال وزيرا أو مديرا ؟ هناك من يقضي فترة المنصب كلها  وهو غير مصدق أنه فعلا  أصبح فيه,  وبالتالي هناك من يخرج من المنصب وهو لايزال يعتقد أنه لم يدخله بعد  شوقا إليه , وأن المستقبل ليس  الغد وانما هو أيام المنصب ولياليه الخالية, لاحظت عجبا وأنا اتأمل المناصب  وروادها  في بلادنا , شىء عجيب , هناك من يستقبل المنصب بشهقة  لايفيق منها  حتى آخر أيامه على كرسي المنصب , ينسى من حوله سوى من  عيَنهُ , لايتذكر من المسؤوليات سوى قرار تعيينه .إشكالية المنصب لاتزال قائمة  رغم قيام الدولة مما يقارب نصف قرن الآن, قلة فقط لايتجاوزن أصابع اليد  من كانوا خارج "شهقة" المنصب ,هذة الظاهرة أفرزت ظاهرة  ثانية  جاءت بعدها وهي ظاهرة "يتامى" المنصب , بعد ذهاب المنصب  كثير من اصحاب الشهقة  أصبحوا يعانون اليتم, لأن تاثير "الشهقة" عند إختيارهم للمنصب أعمى اعينهم عن موضوعية المنصب  ووقتيتهُ  وربما أخلاقياتهُ.  توابع شهقة المنصب  ذات طابع إجتماعي  بحت بعيدا عن المهنية المطلوبة , نشاهد صاحبها  يقدم الولاء للمسؤولين على حساب  ربما المواطنين ويعمل كذلك على تطويل أمد بقاءهُ في المنصب ,  على حساب جودة أداءهُ وحيادتهُ أمام مسوولية الوظيفة. وتفرز هذه الظاهرة بالتالي  ثقافة الشكر  والامتنان  من منطلق ديني بحت وكأنها عطاء رباني  أكثر منها حساب دنيوي  مبني على  قواعد  وأسس  وكفاءة يمتلكها  الذي وقع عليه الاختيار في المنصب. لاأعتقد اننا  سنتقدم إداريا طالما أن المنصب يُحدث "شهقة" في نفس من يتم إختيارهُ له  لايفيق منها  الى وقت طويل , لذلك تجد الفرحة بالمنصب كبيرة جدا والخروج منه حزن كبير وربما إختفاء وغياب  وكأن من خرج من المنصب  أساء للمجتمع ويخشى من تأنيب المجتمع له, في حين حينما تعين نُصبت له الخيام وتوافد له الحضور من المهنئين , أعتقد اننا لانزال في هذة المرحلة إداريا لانزال بين "شهقة" المنصب  و"يُتم" الخروج أولاعفاء منه. سبب ذلك يبدو واضحا وهو خلو المجتمع من التنظيمات المدنيه , وجمعيات  المجتمع المدني الوسيطة التي تملأ الفجوة بين المجتمع والمنصب  فيخرج منها المواطن للمنصب  بشكل تلقائي مليىء بالثقة ويعود اليها  بعد المنصب أكثر خبرة  وإتزانا. أعتقد أنه حال الأوان لاطلاق المبادرات الأهلية وقبولها  داخل المجتمعات من جمعيات ومنظمات أهليه  تعمل على شحذ قوى المجتمع , ولايستعاض عنها بالجمعيات الحكومية لأن الفارق كبير , الوسط الاجتماعي بحاجة ماسة  للإمتلاء بالارادة  الاهلية ولقد أثبت الحصار صلابة المجتمع ووفائه لقادتة , فليس هناك خوف  وليس هناك بديل عن قيادتنا ووقوفنا معها صفا واحدا لكل من تسول له نفسه الاضرار بقطر , فليس أقل من أن نبدأ في التصحيح  من أجل مستقبل أكثر ثقة  بالإنسان  وبالإرادة الحرة لبناء مستقبل يليق بالأجيال القدمة. 

الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

الأزمة ك"سياق" والأزمة ك"إلتحاق"



قليلٌ جدا من المثقفين من إعتبر  الأزمة الحالية أزمة سياق , معظم المثقفين المحليين بمافيهم الاعلاميين والكتاب على حد سواء , رأوا فيها فرصة للإلتحاق , الفرق بين مثقف السياق ومثقف الالتحاق, ان الأول يضع الامور في سياقها , بينما الثاني يرى  الامور  بشعاراتها  الكلية المطروحة, في كل وقت  وتحت أي ظرف. في حالة الانتصار لمثقف السياق  يحصل التطور  والاستفادة  التراكمية من الازمات , وفي حالة الركون لمثقف الالتحاق  تبقى الامور على ماكانت عليه قبل الازمات .المثقفون هم الاسمنت العضوي  الذي يربط البنية الاجتماعية بالبنية الفوقية السياسية, كلما كانت لديهم القدرة على رؤية السياقات التي يمر بها المجتمعات, كانوا اكثر قدرة على التأثير والدفع بالمجتمع الى التطور وهو أمر ليس بالسهل  نظرا  لمقاومة الاوضاع الراهنة لأي عملية تغيير  حتى ولو استدعت الظروف , فكرة السياق تقوم على أن هناك حدث  أو سياق داخل المجتمع  أدى الى بروز سياق آخر  مقاوم له , قد يخلو المجتمع من السياق وما يقابله   لسبب أو لاخر , ولكن لايمنع أن يظهر سياق خارجي مقاوم له , حتى  يحدث التغيير , قد يعيش المجتمع عشرات السنين  بلاسياقات  تتفاعل تعمل على تطويرة , ولكن في النهاية يحدث التغيير  بظهور سياق مضاد له  داخليا او خارجيا, المجتمع الشمولي  يقاوم تعدد السياقات ويحبب فكرة الالتحاق  حتى تستوفي شروطها كاملة  ليحدث بعد ذلك الانهيار, مثقف الالتحاق  جندي جيد  يدافع  لكن يفتقد القدرة على التطوير  بينما مثقف السياق  يطرح بدائل  لأنه يرى الامور  بشكل ثقافوي  الاسباب والنتائج والبدائل , أنا اعتقد أنه حتى الآن الانتصار لمثقف الالتحاق  وقد تبرر ذلك الظروف القائمة والهجمة الشنعاء التي تتعرض لها الدولة , لكن لامحيص  بعد ذلك من الاخذ بيد مثقف السياق  واستيعابة في اروقة الدولة حتى يرى  الامور بشفافية ويحذر من عواقبها بنزاهة على شرط أن يُستمع له  إنطلاقا من  الايمان بأن الجميع مخلص للوطن وللقيادة  وبالتالي قضية الوطنية ليست مطروحة للنقاش , وكما أنتج  المجتمع لمثقف الالتحاق   أوصافا , كجلاد الحصار وسيف الحصار وبطل الحصار , في حالة اعتماده لمثقف السياق سينتج أوصافا من قبيل  تجاوز العقلية التي أدت الى الأزمة, أو عقلية مابعد الحصار  أو نسبية أمتلاك الحقيقة  للإنتصار على من يدعي إمتلاكها من دول الحصار , إذا نظرنا الى الأزمة كسياق أمكننا أن نتجاوزها  وأمكننا بالتالي إيجاد أرضية للتطور, أما إذا نظرنا اليها  من منظور الالتحاق  , قد يكون هناك مبررا لذلك في البداية, إلا أن إستمرارها  لمدة طويلة  من  خلال هذا المنظور  الاستاتيكي , فإننا  أمام عسكرة  تدافع بشكل جيد لكن  لاتملك  مكان الهدم شيئا  تقدمه سوى أن تعيش على أنقاضه.

الأحد، 19 نوفمبر 2017

"ابطال" في الظل


 

طيلة فترة الحصار كنت أرقب حركة المجتمع  وحركة الاوساط الاجتماعية فيه,كانت ردود الافعال  على الحصار متباينه من حيث نوعية الخطاب المُنتج, الذي  أخذ حيزا كبيرا وصيتا عظيما  هي الفئة التي كانت قادرة على انتاج خطاب إعلامي  يدافع عن قطر  ويهاجم الحصار الجائر ويكشف الاعيبه وتزويرة , على الرغم من أن جُله كان خطابا تستدعيه الظروف  ومقتضياتها وليس الثقافة  وتحليلاتها, إلا أنه أبلى بلاء حسنا على كل حال. لمست اثناء ذلك خطابا وطنيا صامتا وتحليليا رائعا  لم يصل الى وسائل الاعلام , خطاب يفيض حماسا ودفاعا عن الوطن وعن قيادته وعن أميره الشاب, وهو في إعتقادي واسع وويشمل قطاعات واسعة  من الاوساط الاجتماعية بلا إستثناء, نوعٌ من التفاني  والتضحية يحمله الجميع الكهول والشباب والمرأة والرجل على صعيد واحد.ذكر لي "محمد" وهو  أحد أبناء قطر الذين عاصروا اجيالا وشهدوا أزمات " اننا في قطر على مر التاريخ  لانتخلى عن قيادتنا مهما كان الخطب كبيرا , فلا تستمع للإذاعات  ولا تهتم بالحليلات كثيرا نحن أهل فعل ولسنا أصحاب كلام", وحدثتني "أم ناصر" وهي أم قطرية كبيرة في السن قائلة"لقد عشنا العسر كله وشهدنا اليسر وأيامه والدنيا ياإبني بين عسر ويسر " كما حدثني "علي" وهو شاب صغير قائلا "لايعرفني الامير لكنني أعرفه وأحبه,  أعرف قطر وترابها , وأعشق ماءها وسماءها  ليس أسمى عندي من الموت في سبيلها"

هذة الجبهة الداخلية التي يُعتمد عليها , هذا هو الوسط الاجتماعي الذي يُراهن عليه , حيث يتحدث بصدق  وبإيمان وبعيد عن الاضواء  والحذلقات الكلاميه , كثيرون هم الذين إرتسمت الازمة على محياهم إصرارا وعزيمة,   ذكرت "أم محمد" أنها تشعر بأن عليها أن تقدم شيئا للوطن  وليس لديها أغلى من أبنائها فهم جميعا جنودا في جيش قطر وخلف تميم المجد, وأشار لي "أبو محمود" جئت الى الدوحة صغيرا ويشرفني أن أموت  دفاعا عنها لو لزم الامر فخير إكتافي  منها ومن شعبها الكريم".

هناك الكثير من الابطال في الظل ,  في الحياة البرلمانية هناك  دائما حكومتان , حكومة  الفعل وحكومة الظل , وكلاهما يعملان معا من أجل الوطن والمجتمع , وكلاهما يتناوبان الشمس والظل , فإن أبرزت الأزمة شمسا مشرقة  فإن الظل كذلك يحمل أنفسا  تهيم حبا  وشوقا وإخلاصا لقطر وشعبها وأميرها الشاب.