السبت، 6 فبراير 2016

مدرسة الاستقلال الثانويه وبروز "النخبه "العسكريه


عند افتتاح مدرسة الاستقلال الثانويه في بدايات عام ٧٢ من القرن المنصرم ، نقلت وزارة التربيه والتعليم إليها طلبة المناطق المحيطة والاقرب لها لإستكمال الدراسة فيها مع الطلبه الجدد في ذلك العام، فأنتقلت مع من إنتقل إليها بعد أن قضينا مايقارب الشهرين من تلك السنه الدراسيه ٧٢-٧٣ في مدرسة الدوحه الثانويه.
كانت مدرسة حديثه بمعايير ذلك الزمن، في منطقة جديده لم تكن البيوت قد وصلتها بشكل كبير، ،لم تكن المواقف قد هيأت بشكل جيد حيث كانت السيارات ملقاة هنا وهناك أمام المدخل الرئيسي على المساحة التي لم ترصف بعد. أذكر الاستاذ محمد بن عبدالله الأنصاري كأول مدير قطري خلال المرحلة الدراسية التي مررت بها، أذكر كذلك أنه في يوم من الأيام لاحظنا نشاطا كثيفا للطائرات الحربيه فوق
رؤوسنا، وماهو إلا وقت قصير حتى أذيع خبر تولي الشيخ خليفه بن حمد الأمير الأب مقاليد الأمور في الدوله، في إعتقادي أن التاريخ في حركته عبر الزمن يحقق أهدافا ويخلق فرصاعلى هامش هذه الحركه، فتولي سمو الشيخ خليفه بن حمد مقاليد الحكم في ذلك الوقت قد خلق فرصة جديدة ذهبيه لكثير من الطلبه الذين كانوا لايعولون على التعليم إما لأسباب ذاتيه مثل عدم الإجتهاد والإستهتار وفي أحسن حالاتهم سيتخرجون من الثانويه وإما لشمولية المناهج التي أضاعت عليهم الفرصه لإكتشاف
مايملكونه من موهبة لم تكتشف بعد لشمولية المنهج كما ذكرت، الفرصه هي في الإلتحاق بالقوات المسلحه، فحصل الملازم على نجمتين ليصبح نقيبا ، ،وأما خريج الثانويه فيحصل على رتبة ملازم أول مباشرة بعد نيله الشهاده الثانويه مباشرة، فألتحق عد كبير بالقوات المسلحه وبدا المستقبل مشرقا لهم برواتب مغريه حسب إمكانيات ذلك الزمان، فتشكلت "نخبه" عسكريه قطريه،
في جزء ليس بهين منها كانت تعاني من استكمال الدراسه،و"ليس جميها بالطبع " أو لم يكن بإمكانها لو واصلت الدراسه تشكيل نخبة من خريجي الشهاده الثانويه بمجاميع عليا تكفل لها الإستمرار، على كل حال، في مدرسة الإستقلال إختلف الوضع قليلا عن ما كان عليه في مدرسة الدوحه الثانويه،كان هناك تركيز على مناطق معينه من البلاد جغرافيا أكثر مما كان الأمر مفتوحا لجميع المناطق كما كان أيام الدوحه الثانويه ، لذلك إختفى إخوة لنا من أهل شرق حيث بقوا حيث كانوا.
أذكر الأستاذ مسعود الحسن مدرس اللغه الإنجليزيه، كما أذكر الإستاذ سليمان الستاوي مدرس الفلسفه إذا لم تخني الذاكره، وسمعت عن مدرس قطري عرفت لاحقا أنه السيد محمد الفهيد الذي أصبح سفيرا فيما بعد، كان هناك معهدين مقابلين للمدرسه على ما أذكر ، معهد الإداره ،معهد اللغات، كانت الشهاده الثانويه لاتزال تصحح في جمهورية مصر العربيه، وكانت اشاعات تسرب الإسئله قبيل الإمتحان في ذلك العام للشهاده الثانويه في المدرسه
قد بلغت عنان السماء، حيث فوجئت في منتصف أحد الليالي بمجموعة من زملائي يقفون أمام بيتي حيث أوصلتم الإشاعات إلى أنني أحد من حظي بالحصول الإسئله، ولا أدري حتى اليوم مدى صحة تلك الإشاعه ،ولم يقتنعوا حتى أقسمت لهم يمينا أنني لاأمتلك سوى مذكراتي وذاكرتي، عشنا أيام حرب أكتوبر في مدرسة الإستقلال بمعنويات تطاول الجبال علوا، أملا في عزة وكرامة أمتنا العربيه والإسلاميه.
كلما مررت بمدرسة الإستقلال في أيامنا هذه، وهي لاتزال صامدة حتى الآن ، أتذكر الروح والطموح لجيل بنى قطر في جميع المجالات تخرج جله من جامعات عربيه، إمتلك هويته وبنى عليها منهجا علميا عصريا.

الثلاثاء، 2 فبراير 2016

علي بن سعد الكعبي


لست بحاجة لكي تعرفه شخصيا , سيصلك علمه الطيب, لست بحاجة لكي تتعامل معه مباشرة , ستأتيك اخبار نبله وشهامته , علي بن سعد الكعبي رحمة الله من القلة القليله التي أجمع أهل قطر على محبته وذكر محاسن شخصيته الانسانيه الكبيره, الشخصيات التي تسكن قلب المجتمع شخصيات إستثنائيه , الشخصيات التي تتبوأ المنصب وتضفي عليه بعدا إنسانيا , شخصيات يمتد تأثيرها إلى مابعد المنصب , الذكرى الطيبه جزء من الخلود , ان تتعدى نطاق العائله أو القبيله أو حتى الطائفه لتسكن في قلب المجتمع بكل تلاوينه وأشكاله وتراتيبه , أنت إذا إنسانا مثاليا , بل طيرا من طيور الجنه, لايجتمع الناس على باطل , يوم وفاته رحمه الله عم حزن كبير جميع أنحاء البلاد , الذي يعرفه والذي لم يعرفه قط , عدوى الحزن اصابت الجميع, لسر إلهي أودعه الله في قلوب الناس محبة لهذا الرجل , شهد عزاؤه المجتمع كله بجميع أطيافه , المجتمع بطبيعته يستجيب للأمر ويستجيب للضمير و قد يستجيب للأمر السلطوي مكرها , لكنه لايستجيب الى نداء الضمير إلا محبا ومقتنعا , لذلك تراه دائما متواجدا عند من يلامس إحساسه ويلمس إنسانيته, علي بن سعد الكعبي أثناء عمله الرسمي في جهاز الشرطه , سمعت عنه قصصا إنسانيه كثيره , مساعدة لأهل قطر , حرصا منه على سمعتهم وحفاظا على بيوتهم, سمعت عنه تواضعا جما وهو سر البركة حقيقة , من تواضع لله رفعه. ما أريد أن أوكد عليه هنا هو علاقة متبوأ المنصب بالمجتمع , والنموذج المثالي الذي ضربه علي بن سعد الكعبي في ذلك , مجتمعنا يمر بمرحلة "تسليع" كبيره للعلاقة بين المسؤول والمجتمع , أيا كانت درجة ومكان هذا المسؤول أو ذاك, نحن بحاجة دائما لأن نذكر بأهمية بعد النظر لدى المسؤول ليرى مكانه في ذاكرة المجتمع بعد تركه المنصب أو بعد رحيله , إن النظره القصيره لدى الكثير من اصحاب المناصب , عزلتهم عن المجتمع أو جعلته ينظر إليهم بإستصغار وربما بإحتقار بعد أن أزيلوا من المناصب وهو أمر لايحتاج إلى التنبؤ بحصوله, نظرا لترفعهم عليه أو سوء أستخدامهم للسلطه بعيدا عن الذوق العام, امثال علي بن سعد الكعبي احياء وإن رحلوا جسدا , لأنهم يعيشون في ذاكرة المجتمع من جيل الى آخر, دعوة لكل مسؤول أو ضابط أو وزير , تذكر دائما أن أرشيف المجتمع ينتظرك سواء في حياتك بعد تركك المنصب أو بعد رحيلك عن هذه الدنيا, أما أن يضعك في مكانك الذي يجعل منك مفخرة لمن بعدك سواء من أهل وعشيرة أو حتى مجتمعا بأسرة كما حقق ذلك علي بن سعد الكعبي, أو يرمي بك في سلة المهملات , كانك كابوسا لايتمنى المرء تذكره بعد أن يستيقظ من نومه فزعا.

الدكتور رياض الزعنون


في ثمانينيات القرن الماضي, كانت عيادة الدكتور رياض الزعنون في السد بعد إن إنتقلت من شارع عبدالله بن ثاني تستقطب جل أهل قطر , بالرغم من عدم زحمة مستشفى حمد ولا العيادات الخارجيه الحكوميه ولا المراكز الصحيه في أنحاء الدولة في ذلك الوقت , كان المرضى ياتون باكرا وينتظرون خارج مدخل العيادة قبل أن تفتح بوقت طويل شهدت ذلك بنفسي , كسب الدكتور رياض ثقة أهل قطر خاصة كبار السن من أمهاتنا وآبائنا, وذلك أكبر نجاح أن يكسب الطبيب ثقة المريض , توسعت عيادة الدكتور رياض واكتملت بالاجهزه الضروريه , وبدأت تقدم خدمة طبيه متطوره , زاد على ذلك هدوءه وأهتمامه بالمريض وإستماعه إليه مما جعل المرضى يشعرون براحة نفسية حتى قبل تناول الدواء, أضاف الدكتور رياض الى عيادته طبيبين بارعين فلسطيني الجنسيه كذلك هما الدكتور عبدالمجيد الشريف الذي أفتتح عيادة خاصة به ولايزال يعمل بإخلاص وقناعة وإالتزام كما كان العمل إبان عيادة الدكتور رياض والدكتور وسيف الدين زعرب الذي سمعت أنه هاجر إلى كندا, كان الدكتور رياض الاشهر على مستوى الدوله كطبيب خاص , والحقيقة أنه كان موفقا جدا في أداءه وتشخيصه وعلاجه, لم يستغل شهرته برفع تكلفة العلاج بلا مبرر واضح , كما شهدنا ونشهد اليوم في عيادات تحولت من الطب إلى عيادات تجميل سعيا وراء المادة , أذكر أن والدتي رحمها الله كانت تطمئن الى زيارة الدكتور رياض ليتابع حالتها كمريضة سكر وتواضب على سماع نصائحه وتعليماته ومثلها الكثير من الامهات والاباء , الدكتور رياض لم يكن طبيبا بشريا فقط بل كان أيضا أخصائيا إجتماعيا يدرك ضعف المريض وحاجته إلى المدخل النفسي الصحيح الذي يساعد على رفع معنوياته أولا قبل التدخل الدوائي, لذلك كان المريض يقبُل عليه إقبالا لايدفع إليه دفعا, نجاح الدكتور رياض في مجتمع العلاج فيه مجاني ومتوفر وميسر بشكل كبير كما كان في تلك الفتره يدل على أن الطب مهنة إنسانية بالدرجة الاولى قبل أن تكون تكلفة ماديه مستحقه, رحل الدكتور رياض الى غزه بعد قيام السلطة الفلسطينيه واستلم باكرا ملف وزارة الصحة عند انشائها , وترك ذكرى طيبه في نفوس أهل قطر جميعا نظرا لما كان يتحلى به من علم وخلق وأمانة وإخلاص.

الاثنين، 1 فبراير 2016

مدرسة الدوحة الثانويه وأهل شرق



بعد أن تخرجنا من الاعدادية, لم تكن هناك مدرسة ثانوية في قطر سوى مدرسة الدوحة الثانويه في "رأس بوعبود" مقابل فندق الخليج سابقا "الماريوت " الآن , وأذكر أنه كان بقيد الانشاء حين التحقنا بها في عام 71م. كان المشوار طويلا لكنه كان سريعا , من الريان حتى رأس بوعبود, كنا نصل في الوقت المناسب وإلا تقفل المدرسة أبوابها , وضابط المدرسة أيامها محمد أبو دياب بعصاة الطويله وبقامته الممدوده يتجول في ساحة المدرسة يبحث عن متأخر أو متسلق ليدخل بعد قرع الجرس, طلاب ثانوية الدوحة في حينه يختلفون عن طلبة الدوحة الاعداديه , لأن الوصول الى الثانويه كان مصفاة يمر من خلالها المواظب والمجتهد, لذلك لمست تغيرا في النوعية , كثيرون تركناهم خلفنا في قطر الاعدادية بعضهم جذبتهم حياة العسكرية الناشئة للتو , وآخرين تسربوا الى الاقسام المهنيه كمركز التدريب المهني في غزة سابقا , "مدينة خليفة لاحقا". في الفسحة بين الدروس كانت هناك "صندقه" خارج بناء المدرسه نذهب إليها للتغذيه , كما كان هناك "مقصفا" داخل المدرسه للغرض نفسه, مرات عديده ذهبت مع بعض الاصدقاء الى بيوتهم في فريج الخليفات, مكان فندق "شرق" حاليا , فريج كبير يضم عوائل كريمة من الخليفات والسلطة, أهل قطر حيث الكرم والجَود , لازلت أذكر ملعب نادي التحرير "مسجد ابو بكر الصديق الآن, حصة الرياضه لأحمد المغني أو عاصم جلال, كانت تحظى بشعبية جارفه بين الطلبة حيث كان تأثير الاندية القطرية واللاعبين القطريين على أشده على عقلية ذلك النشءأذكر زيارة محمد علي كلاي لقطر التي أحدثت دويا كبيرا داخل المجتمع في تلك الأيام, أذكر الشيخ سعود بن أحمد بن علي ال ثاني نجل الحاكم الأسبق رحمهما الله وأصحابه الذين كانوا يجتمعون في زاوية من زوايا المدرسة في كل فسحة بين الدروس. أذكر الاستاذ فايد عاشور, والاستاذ عبدالرحمن القاسم والوكيل على ما أعتقد أحمد رضوان, كان الاول ثانوي مؤشرا لدخولك القسم الأدبي أو العلمي حيث إحتوى برنامجه الدراسي على الجمع بينهما, الدوحة الثانوية كانت المنفذ الوحيد للطلبة القطريين الى الدراسة الجامعية في الخارج في تلك الفترة, كانت القاهرة وبيروت حلما لكثير من طلبة ذلك الزمان , وكانت أمريكا مغالبة نفسية وقوة إرادة حيث كان الطلبة يقضون سنتين كاملتين دون العودة الى الوطن , وكانت بريطانيا صعبة والجميع يفر منها إلا القله, حزنت عندما أزيلت مدرسة الدوحة الثانوية, فقد كانت تمثل لجيلي ذكرى مجتمع متفائل وطموح, شاء القدر أن ننتقل إلى مدرسة الاستقلال التي بُنيت حديثا لأستكمال الدراسة فيها حيث كانت أقرب لمنطقتنا, لم أفرح كثيرا لأنني سأترك بعضا من رفقة طيبة جمعتنا بهم مدرسة الدوحة الثانويه, ومما زاد الأمر كآبة توافق ذلك مع غرق زورق "الريان" في شتاء عام72 في مياة الخليج الباردة وغرق ثلة كبيرة من أهل الريان وغيرهم من أبناء قطركانوا في طريقم الى بر فارس في رحلة للقنص.

الأحد، 31 يناير 2016

كراج "سعدات البطش"





لم تكن سيارات الستينيات من القرن المنصرم, بمثل ما هي عليه اليوم , كانت كثيرة العطال, تؤثر فيها الحرارة والرطوبة والبروده ,ناهيك عن تسريب للزيت وإنسداد"الكلبيتر"وما إلى ذلك من تبعات لازمت صناعة تلك السيارات في ذلك الوقت, وكثيرا ما كنا نرى على أطراف الطريق من الريان الى الدوحة سيارات متعطله على جانبي الطريق, مفتوحة "البانه" كما نسميها , كانت أهمية "المعلم" صاحب الخبرة في إصلاح السيارات في ذلك الوقت بقدر أهمية إمتلاك السيارة ذاتها, لم تكن الكراجات مزودة بالكمبيوترات والالات الحديثه , كان الاعتماد كلية ينصب على خبرة الميكانيكي في تشخيص العطل وإصلاحه, من أشهر وأمهر أصحاب الكراجات المعروفة في تلك الايام كراج سعدات البطش , أحد الاخوة الفلسطينين المهرة جدا واللطيف معشرا واخلاقا , كراجه كان يقع في منتصف الدوحة لا أعرف بالضبط أين, لكنني أتذكر أنني ذهبت مرارا مع والدي إليه , وبعد استيضاح الشكوى من أداء السيارة تأتي مهمته في تشخيص العطل وإصلاحه بمهارة فائقه, وكلما تعطلت سيارة وما أكثر العطل أيامها , أشار والدي بإرسالها إلى كراج سعدات البطش. لم يكن الاوتوماتيك ولا حتى "الكنديشن" قد وصل الى جميع السيارات. وكان كل شىء يدوي , وكانت السياره أداة توصيل وليست أداة ترفيه كما هو الوضع حاليا, حيث يكفي أن تضعها على الكمبيوتر لتعرف مابها وتدفع من جيبك الكثير, لذلك كانت الكراجات في ذلك الوقت فنا , والميكانيكي الجيد إسما يتردد , كان سعدات البطش من أهم هذه الاسماء وكراجه دائما ممتلىء بسيارات أهل قطر حيث يضفي على العمل جوا من الوَد والصبر وحسن التعامل يتفق وطبيعة المجتمع,أرى لزاما علىَ تذكير الناس بالبساطة التي كان يعيشها أهل قطر , قبل بريق المادة الآخذ بتلالبيب المجتمع حتى أصبحنا لاندرك مع من نتعامل , أبشرا هو أم كمبيوترا أم آلة حاسبة؟ السيد سعدات البطش ومثلة الكثير من إخواننا العرب الذين شاركونا البناء والعمل , لهم منا كل الحب والتقدير والامتنان, رحم الله السيد سعدات البطش إن كان قد توفى , وأطال عمره إن كان لايزال حيا يرزق , وكل التقدير لإسرته وأولاده الذين شاركوه حب قطر ومودة أهلها