الخميس، 28 نوفمبر 2024

" الخيرية" حينما تتجسد إنساناً... مؤسسة سمو الأمير الوالد إنموذجاً

 هل الخيرية  في الإنسان  طبع أم تطبع ؟

تداعى الى ذهني هذا السؤال حين سمعت عن إشهار مؤسسة سمو الشيخ حمد بن خليفة الأمير الوالد الخيرية, أدركت أن الخيرية لا يمكن إلا أن تكون طبعاً متأصلاً في الانسان , لكن عمل الخير قد يكون تطبُعاً وليس طبعاً متأصلاً  .الفرق بين الخيرية كطبيعة جُبلت عليها  النفس وبين غيرها هي في طبيعة  من يسديها  ويمارسها عفوياً ويقدمها للناس وللمجتمع , وهل ثمة حاجة من وراء ذلك ؟ وهل هناك نقصاً يراد منها أن تقوم بإخفائه , أو حاجة للذكر والشهرة  أو تعريفاً للمجتمع من خلالها , هل تبدو منقطعة أم هي استمرارية تكاد لاتنقطع .. مثل هذة الاسئلة راودتني , وجدت ان مبادرة سمو الامير الوالد ذاتية حتى النخاع بعيدة عن كل إدعاء , بل استجابة لخيرية جبلت عليها نفسه  فسموه  جدد بناء الدولة وأقام أركانها  الى ماوصلت اليه من رخاء وخير  يكفيه ما قدمه ولايزال يقدمه  لشعبه  من دعم مستمر وأعمال جليلة ومساعدات متواصلة  سواء مباشرة أو عن طريق حكومة سمو الأمير المفدى الشيخ تميم بن حمد, لكن الخيرية في داخله إناء لاينضب وهاجس لاينام فالخيرية منبعها سمو الأمير الوالد  حمد حفظة الله وأطال عمره, فبالاضافة الى العديد المؤسسات الخيرية  في الدولة الحكومية منها والخاصة , أنشأ سموه مؤسسة جديدة بأسمه حفظه الله جاء في بيان اشهارها  انها لدعم المحتاجين  وتحسين مستوياتهم المعيشية  في قطر وخارجها وتوفير الرعاية الاجتماعية  والدعم المالي والمعنوي لهم  في مجالات التعليم والصحة وجميع قطاعات  التنمية الاجتماعية, هل ثمة أعظم من هذا الهدف ؟  

عندما تصبح الخيرية هاجساً لاتتوقف عند حد معين , وانما تصبح نمط حياة مستمر يعيشه الانسان ويتنفسه كالهواء الطلق , سمو الامير الوالد حفظه الله  غير من شكل الحياة الاجتماعية في قطر  ومع ذلك يعمل باستمرار في سد الفروق بين جميع الطبقات إيماناً من سموه بأن المجتمع يحتاج الى الجميع , الجميع القادر على العمل والانتاج , الجميع الذي ينعم بالامان والاستقرار, الجميع الذي يحصل على مستوى من الخدمات يكفل له الحياة الكريمة والمناسبة, لو قدر لنا أن نعمل استفتاء  لما قدمه سمو الامير الوالد   من أعمال ومساعدات ودعم مادي ومعنوي  لوجدنا أنه أحيا أجيالاً من الرمم, وبعث الامل في أجيال أخرى من ابناء قطر قد نسيها التاريخ  وكادت ان تدفن وسط مرور الزمن  وتزايد السكان , أسأل الله أن يمد في عمر سموه ويستمر نبراساً للخيرية المتأصله في  حكام قطر منذ المؤسس طيب الله ثراه , أكاد ألمس  دعاء أهل قطر له  لمساً وليس سمعاً فقط  عند الاعلان عن هذة المؤسسة  فالخيرية ليست عمل الخير فقط وانما استمراره  لدرجة  أن من يترقبه لايكاد ينسى اسم فاعله لكثرة تكراره  وليس هناك أروع من أبيات  لزهير بن أبي سلمى يمدح فيها  أحد اكرم رجال عصره  تصف  كرم وخيرية الأمير الوالد حفظة الله وادام بقاءه:

تعَود بسط الكف حتى لو أنه

ثناها لقبض لم تطعه أنامله

تراهُ إذا ماجيتئه مُتهللاً 

كأنك تُعطيه الذي أنت سائله

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

الرزق ... دعاء أم إرادة؟

إعتماد الأمة على الدعاء بشكل يقزم الارادة  ويجعل منها شيئاً ثانوياً ليس برنامجاً سياسياً أو إجتماعياً يمكن ان تنهض به الأمم, أمة برنامجها  السياسي  الدعاء فقط عرضة للإبتزاز , أمة بهذة السلبية في إدارة شئون حياتها ودنياها المعاشة  عرضة  للأمراض  والعدوى من داخلها قبل الخارج, لاغرابة أن تعشش فيها مفاهيم  خارجة عن عقلانية العصر , كالزعيم الخالد, والرئيس مدى الحياة, إنها إفرازات متصوره  للدعاء   المنقطع عن الارادة, وفي حالة الفقد  تنفجر الأمة في بكاء وعويل إنتظاراً لمنقذ ترسله السماء.

مفهوم "الرزق" الذي أتى به القرآن العظيم والسنة النبوية الصحيحة, جرى استخدامه عبر العصور بفهم سقيم, فأستخدمه القوي لاستدامة قوته, ولجأ إليه الضعيف لتبرير ضعفه وتعطيل إرادته" فهذه قسمة الله.إرادة الله هنا لاتعني تعارضاً مع إرادة الانسان وفاعليتها, فأستبد القوي بقوته كونها رزق  ورضيَ الفقير بفقره  كونه  ما قٌسم له من الرزق., مثل هذا النمط من التفكير يقتل الطموح  ويعطل الارادة ويمنع الحراك الاجتماعي في أواسط المجتمع ذاته, لماذا لم يكن ديغول مثلاً رزقاً لفرنسا ويستمر رئيساً لها حتى يموت؟, لماذا أسقطه الطلاب في ثورتهم في نهاية الستينيات  لو لم يمتلكوا إرادتهم  في تحديد مصيرهم؟ مانديلا أيضاً المناضل الاسطوري في العقلية الدينية ربما هو رزق  من السماء لتحرير بلاده من الفصل العنصري, لكنه في النظرة السياسية البراجماتيه هو برنامج عمل له مدة معينة وترك الرئاسة بمحض ارادته , فهمت هذه الشعوب ان الارادة الانسانية هي الفاعلة  في هذة الدنيا رغم ايمانهم باديانهم على اختلافها سنن الهية كونية لجميع البشر  هناك من يفهمها وهناك من يسىء فهمها كما هو حاصل في أمتنا العربية  والاسلامية , نريد من هذة السنن أن تتبدل من أجلنا فقط , فنكتفي بالدعاء دون عمل , لاحظ العديد من الخبراء الاقتصاديين أن هناك خلطاً بين مفهوم الرزق  ومفهوم العمل , أن الرزق يأتي اليك بلاعمل  فهو مكفول لك " وفي السماء رزقكم وما توعدون" وهذا خلط واضح وسوء تفسير وقطع  وقراءة إقتباسية  للتبرير والقران يفسر بعضه بعضاً " وقل اعملوا فسيرى عملكم ورسوله والمؤمنين" هاتين الايتين  يستخدمان باستمرار أحياناً  للإتكال على السماء  وأحياناً للسعي في الارض والمشي في مناكبها بحثاً عن الرزق,أيضاً هناك مفهوم البطانة الصالحة  يشمله دعاء الرزق بإستمرار بينما هي إختيار واع  من قبل صاحب الأمر, علينا أن نعيد مفهوم الرزق الى وضعه الطبيعي كثمرة لعمل جاد  مع الدعاء بإستمرار بالتوفيق في السعي لتحقيقه , لايكتفي أن نردده في المسجد دعاءً  ولانمارس حيثياته التي يتطلبها لكي يتحقق في الحقل والمنصب والمصنع وكل مجالات العمل المباحة, الدعاء  ملائكي بإمتياز بينما العمل وارادة العمل  بشرية , فالربط بين ملائكية الدعاء وبشرية العمل هي التوليفة التي  تنتج الرزق سواء كان فردياً أو جماعياً للأمة بأشملها.