السبت، 25 سبتمبر 2010

أمريكا تعيد العالم الى الطور الديني!

 أمريكا تعيد العالم الى الطور الديني!
الدين و السياسة هل من ثمه تجاوز ؟
عبد العزيز الخاطر
2006 / 8 / 22
ثمه فرق بين توافق الدين مع السياسة وبين أن يكون الدين حلاً سياسياً ، توافق الدين مع السياسة له بعد ثقافي ومجال أرحب ويتطلب عقلاً منفتحاً يعي الأبعاد السياسية والواقع المعاش بمعنى أنه يتطلب ثقافة ولا يتطلب حدية العقيدة كما يفهمها البعض . أما أن يكون الدين حلاً لمشاكل العالم السياسية المتجددة فذلك مستحيل لأنه في ذلك الحال لم تعد هناك سياسة أصلاً في هذا التصور والسياسة في الحقيقة تقوم على الواقع ومعايشته في حين أن الدين في معظمه مطلق لدى فهم الأكثرية الإسلامية بالذات على الاقل. وتزيد من حدته في هذا الاتجاه ما يشهده العالم اليوم من آثار خطيرة للعولمة جعلت من الإنسان يفقد ذاته ويرتد الى مرجعياته الأولية في مواجهة طغيان المادة والشركات العالمية التي قد لا تمثل حالة ذات أبعاد إنسانية واضحة أمام هاجس وحمى الربح .
لذلك فالأمر يتطلب منا كمسلمين التنبه الى هذه المحاور بشكل أكبر فخلاصة ما يريده العدو هو أن يجعلنا نتمركز حول فهم معين لديننا يتمثل في اتجاه المطلق الذى لا يحتمل العصر المعاش إلا على صورة واحدة ماضوية سابقة ويجعل من همنا الأول والأخير ليس النظر الى الأمام بقدر ما العودة الى الوراء . حرب لبنان الأخيرة هذه كشفت أن للأمة قدرة على المقاومة والصمود مجتمعة وتحت شعار يحتضن الجميع .
من الاجدر للأمة إن تحارب تحت شعارات إنسانية لا دينية ضيقة حتى لا تنكمش التفسيرات العقائدية لدى النفوس الى أقصى درجة لتبدو وكأنها حالة خلاصية فردية . فمن يغتصب الأرض يجب أن يقاوم ومن يعتدي على الحقوق ولا يعمل معياراً للقيم الإنسانية يجب أن يوقف ومن يقتل الأطفال والشيوخ والنساء يجب أن يقاوم ويحارب . حرمة الدم والعرض والمكان وحرية المعتقد جميعها مسلمات إنسانية تتوافق معها جميع الديانات بلا استثناء .
يجب التنبه الى أهمية خروجنا الى العصر بثقافة تتعامل معه بثقة بل وتتجاوزه لا الى سحب العصر الى ما نعتقد أنه خاص بنا دون غيرنا وهو ما تقوم به إسرائيل وستفشل في ذلك حتماً لاحقاً . اليوم المسلمون بالذات أمام اختبار كبير يتمثل في تريب أو تشكك البعض في صلاحية دينهم للعصر وهو يشاركون مع الأسف في ترسيخ ذلك في فتحهم لجبهات داخلية تشققيه تاريخية كان من المفروض تجاوزها . فالمسؤولية كبيرة أمام الله لأن الشعار الإلهي واضح وضوح الشمس " ان هذه أمتكم أمة واحدة " ومدلولاته كذلك ، لقد ابتلي الإسلام بنا كمسلمين نريده كسباً في دنيا فانية . ان التيقن بأن الدين الإسلامي كثقافة يحتمل السياسة بأبعادها ولذلك جاء النص القرآني حمال أوجه وذو طبقات للفهم واحدة فوق الأخرى فالحلول اليوم دائماً سياسية ويحتملها الإسلام لأنه دين الإنسانية تبقى مسألة القوة والضعف فالمسلمون اليوم ضعفاء وقد أضعفوا الإسلام كذلك فهذه المعضلة حياتية تتطلب ثقافة دنيوية ذات أبعاد دينية وليس العكس بمعنى أن تكون هناك ثقافة إسلامية واحدة تحتضن الجميع تقوم على حب العمل والانجاز والريادة في الدنيا والآخرة ، لا أن تتطاحن المفاهيم والمذاهب داخل الدين الواحد من أجل أهداف ومكاسب دنيوية . ثمة أمل للمسلمين داخلياً إذا ما سادت ثقافة التسامح الإسلامية بينهم واعتقدوا بأن تنوع المذاهب نوع من الثراء للهدف المشترك الإنساني بالضرورة نحن كمسلمين مجبرين أن نصل الى نقطة التقاء تنبذ العنف فيما بيننا لنواجه بالتالي إرهاصات العصر الجديدة المتنوعة فالإدارة الأمريكية اليوم تعيد الى العالم الطور الديني التاريخي لما قبل الحداثة فاذا كانت الحداثة في احدى تجلياتها زياحة سلطة الدين كمرتكز وسيادة العقل وما بعد الحداثة تزيح العقل وتسيد العدم فإن ما تقوم به الإدارة الامريكية اليوم هو نفي النفي بالتعبير الماركسي وإعادة العالم الى نقطة البداية من جديد ولكن من محاسن العملية الديمقراطية الغربية أو النموذج الغربي منها فقط أنها لا تؤبد الأشخاص والإدارات أكثر مما يجب وهنا يكمن الأمل ولكن بعد صياغة العالم الإسلامي لبنيته الداخلية بشكل يجعل منه قادراً على مواجهة تقلبات العصر وإرهاصاته.

موجز البيان فى الحرب على لبنان

موجز البيان فى الحرب على لبنان
عبد العزيز الخاطر
2006 / 8 / 14
مهما تكن النتائج السياسية المترتبة على انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان ، فثمة نتائج واضحة وضوح البيان وثمة دروساً لا يعتريها الشك تجلت من ذلك وثمه انقلاب في المفاهيم الفكرية والعقيدة العسكرية احدثتها مثل هذه المواجهة غير المتكافئة أصلاً ، لتنقل الدول بشكل عام من مرحلة الى مرحلة أخرى لها صياغاتها الجديدة في عالم لم يسبق له أن تشكل بمثل هذه السيادة لقطب واحد وحيث أن المقاومة هي في الأساس رد فعل على تهديد خارجي كان أو داخلي فهي بالتالي إفراز طبيعي لابد من وجوده وإلا مات الجسد وترحمنا عليه . الحرب الإسرائيلية القائمة على لبنان اليوم لها خاصية مختلفة عن حروبنا السابقة معها وبالتالي نتائجها ستكون مختلفة عن سابقاتها بلا شك . فهي حرب بين دولة وقوة عسكرية متفوقة وتدعي تفوقها على المستوى العالمي كذلك في مواجهة مقاومة لا ترتقي الى مستوى الدولة ولا تملك من الأسلحة إلا ما يحمله الرجال على ظهورهم أو ما يمكن حمله من جهة الى أخرى . ثمة دروس آنية يمكن استنتاجها سأحاول هنا تلخيص بعضها لما لهذه المواجهة التي فتحت أفقاً جديداً في دياجير اليأس الذى يلف شعوب أمتنا العربية حتى أن منظر استعراض الأنظمة لجيوشها النظامية المتقاعدة أصبح مثير الاشمئزاز لدى المواطن العربي من المحيط الى الخليج .
أولاً : أن الهزيمة حالـــة فكرية فالشعوب لا تهزم إلا إذا اعتقدت هي ذلك ، قد يتقهقر الجيش النظامي ولكن الشعب في ساعة المصير يتحول كله الى جيش .
ثانياً : عدم اختراق العدو للبناء الداخلي عامل أساسي في تحقيق الثبات والنصر ، حروبنا السابقة كنا في معظمها مخترقين من الداخل ، قوة حزب الله تمثلت في عدم اختراق إسرائيل له فهي لا تعرف عنه شيئاً لذلك كان التدمير في البناء التحتي للمدن والقرى عظيماً كتعويض ولذلك جاءت بيانات إسرائيلية متناقضة حوله وحول قوته .
ثالثاً : أن الإرادة هي ما يحدد مصير المستقبل للشعوب وليست القوة المادية وحدها ، إرادة الحياة اليوم في لبنان أقوى من أي مرحلة في تاريخه فإرادة الحياة اليوم في لبنان تنبثق من جوف الموت المحقق للأطفال والشيوخ والنساء .
رابعاً : أن البناء الخارجي السياسي والطائفي والديني لدى فئات الشعب يختفي في الأزمات لتقوم بدل عنه وحدة المصير وعظمة لبنان اليوم في تكاتفه مع بعضه البعض برغم محاولات إسرائيل المكشوفة لإحداث الفرقة وتغليب فئة على أخرى
خامساً : قلبت هذه الحرب التصور السائد لدى المواطن العربي بأن مواجهة إسرائيل ومخططاتها هي مسؤولية الدول العربية الكبرى فلبنان أصغر الدول العربية يواجه إسرائيل وحده الآن وفي أطول حرب إسرائيلية عربية في التاريخ ومع ذلك لم ينهزم .
سادساً : إمكانية النصر مع شمولية التدمير للمدن والقرى ، لأن التدمير الشامل الأعمى لا يعني النصر بقدر ما يعني اليأس ، فهتلر دمر لندن ومدن كثيرة ومع ذلك انهزم .
سابعاً : أن الانجاز السياسي يحتاج الى انجاز عسكري على الأرض وصمود ومقاومة أولاً والانجاز السياسي المتحقق اليوم في رغبة المجتمع الدولي في إيقاف الحرب وانسحاب المعتدى دون أن يحقق أغراضه وأهدافه كاملة هو نتيجة صمود المقاومة الباسلة ، نتيجة لم تكن متوقعه البتة لدى الجانب الإسرائيلي ولا الامريكي كذلك .
ثامناً : أن إسرائيل قوة عسكرية جبارة في جسد نفسي ضعيف لا يحتمل الخسائر البشرية كثيراً لحساسيته أمام فكرة الموت ذاتها فهم أقرب الى النزوح من قراهم ومدنهم من غيرهم من العرب الذين يفترشون الصحراء ويسكنون الجبال على الرغم من وجود ملاجئ لديهم وتكفي لمعظم سكان إسرائيل . بل وحتى من " أرض الميعاد " ككل اذا ما استمر التهديد .
تاسعاً : أن نقطة الضعف لدى إسرائيل هي الداخل وليس المواجهة الحدودية هذا لم نكن نحتسبه في مواجهاتنا السابقة .
عاشراً : عامل الزمن حاسم لدى إسرائيل فهي لا تقوى على المواجهات الطويلة وحرب الاستنزاف في أواخر الستينات خير مثال وحربها اليوم على لبنان مثال آخر فهي تريد إنهاءها في اقصر مدة ممكنة لأن بقاءها لا يحتمل غير ذلك
أحد عشر : أن الحروب قيادة وتكتيك بمعنى أن تعرف نقاط قوتك مهما كانت إمكانياتك ونقاط ضعف عدوك مهما بلغت وتعاظمت إمكانياته وهذه سياسة طبقها حزب الله خير تطبيق سواء عسكرياً أو سياسياً .
هذه من دروس الحرب الإسرائيلية على لبنان التي اختارتها إسرائيل وفي اعتقادي أنها ستمثل مفصلاً هاماً في تاريخ المنطقة وستغير من نمط التفكير لدى النخب والشعوب كذلك . فنحن بحاجة الى تغير نمط التفكير لتتغير بعد ذلك طريقة وإمكانية العمل والتخطيط . أن هذه الحرب هي على وشك نهايتها بشكلها الحالي فلم يعد العالم يتحمل غطرسة بهذا الشكل ولا تجبراً بمثل هذه الحماقة الإسرائيلية والأمريكية المتمثلة في إرادة بوش .
وكلي أمل أن تمتد نتائجها لإحداث فتح جديد في معركة العالم العربي والإسلامي مع نفسه في الداخل بحيث تصبح أولويات جديدة مصيرية قائمة بدلاً من سابقاتها الفئوية والطائفية والطبقية .
انه الجهاد الاكبر.

هل يكون الدم اللبناني ثمناً لتطهير الأمة من آثامها

هل يكون الدم اللبناني ثمناً لتطهير الأمة من آثامها
عبد العزيز الخاطر
2006 / 8 / 4
هل يمكن أن تنقلب الضارة إلى نافعة ؟ هل يمكن أن تكون هذه الحرب المدمرة التي أتت على المدنيين أولاً بداية لعلاج أمراض الأمة المزمنة ؟ هل يمكن أن تكون أرواح الشهداء والأطفال والنساء والمسنين هي ثمن تقارب أطياف الأمة واستشعارها جميعاً لأهمية المصير المشترك الذي يحتوي جميع نتاقضات واختلافات الأمة في أيام الاسترخاء ؟
إن الأمم الواعية لا تترك أزماتها واختلافاتها الداخلية سبباً في انهيارها .إن الأمم الواعية هي التي تفرق بين مسألة الوجود ومسألة كيفية هذا الوجود .
لنر الآن كيف يتعامل العرب مع هذه الأزمة المتمثلة في الاجتياح الإسرائيلي للبنان وتدمير بنيته الأساسية والتحتية بعد استبعاد جميع الحجج والتي لا يمكن القبول بها مقارنة بالنتائج المدمرة المشهودة .
أولى الملاحظات على هذه الرؤية هي :- اختلاط السياسي بالديني بمعنى أننا سياسياً مع المقاومة ولكننا لسنا مع (( حزب الله )) هنا يفرض الخلاف الإسلامي الأول نفسه وكلا الطرفان يتحملان جزءاً تاريخياً مهماً من المسؤولية ومثل هذا الموقف حرم الأمة من الاجماع.
وهو جزء نازف من الجرح الأم في العراق حاليا المتمثل في الصراع السني الشيعي الطائفي البغيض فالأمر يحتاج إلى معالجة تاريخية من الجذور ليبدو الإسلام ديناً للجميع .

الملاحظة الثانية :- انفصام القاعدة عن الرأس وهو أمر متكرر الحدوث ولكنه اليوم يبدو أكثر بشاعة والحالة الأبوية للأنظمة أكثر وضوحاً حيث هي التي تعرف ما يريده الشعب وتعرف مصلحته أكثر منه شخصياً كذلك وهي حالة فريدة في تاريخ الحروب العربية والإسرائيلة إن ما لم تعهده الأمة هو أن تشعر اسرائيل بحاله من الدفء من الجوار العربى فى الوقت الذي تقاتل فيه بعضها بعضا .
الملاحظة الثالثة:- غياب القيادة أو القائد في ظل غياب الديمقراطية أصـــــلاً وهذه حالــــة لم تشـــــهدها أياً من الشـــعوب المناضلة عبر التاريــخ ولم ينتصر شـــعب دون وجود قائـــد أو (( حالة قيادة )) وفي ظل غياب الديمقراطية كما أشرت فلابد من وجود أحد طرفي المعادلة دائماً لتحقق النصر .
من هذا كله يمكن الاستنتاج بأن محصلة هذه الحرب المدمرة سيكون فيها الايجابي لامحالة فيما يتعلق بالبعد الفكري والتاريخي اللازم لصياغة وتبلور مفهوم الأمة لأي من الشعوب والذي يأخذ اليوم فى حالتنا أبعاداً أخرى من التشتت لم تشهدها الأمة حتى بعد انشقاقها حول نفسها بعد كارثة اجتياح الكويت فإسرائيل حالة خاصة دائماً في تاريخ الأمة وإمكانية الانسحاق والذوبان أمامها تطرح اليوم أمام الوعي العربي والإسلامي للمرة الأولى في تاريخه .

فالتنائج الإيجابية برغم مأساوية الموقف التي يمكن التنبؤ بها إذا صدقت النوايا وأيقن الجميع مصيرهم المشترك الذي لا يفرق بين عربي ومسلم ولا بين سني وشيعي يمكن الإشارة إليها بالتالي أن ثنائية سني – شيعي ستبدو وبشكل آخر في عالمنا العربي والإسلامي بعد هذه الأزمة وبحكمة العقلاء من الجانبين حيث إمكانية الانتقال إلى حالة إسلامية أفضل ستكون من المؤمل من نتائج هذه الحرب إذا كان لهذه الأمة عقل يفكر .
النقطة الثانية :- إذا لم تدرك الأنظمة العربية خطورة انفصالها عن قاعدتها فالإيام القادمة ستكون لها نتائج مدمرة عليها كأنظمة وحتى اليوم إذا ما سمح الله وتوسعت هذه الحرب على أكثر من نطاق فربما تواجه الأنظمة شعوبها لتبدو حالة انفجار العالم العربي من الداخل أكثر قرباً وتصوراً من ذي قبل .
الملاحظة الثالثة :- مبادرة الأنظمة العربية الى الشروع في التحول الديمقراطي وبارادتها لتحمي نفسها وشعوبها لأن الخطر لا يكمن اليوم في القوة العسكرية فقط فالصورة اليوم هي سلاح ضد الأنظمة كذلك ، فالمجازر والقتل المفتوح وما تبثه وكالات الأنباء والقنوات الفضائية كل هذا الانفتاح الإعلامي والحرب المرئية كلها أدوات ضد الأنظمة غير الديمقراطية . ما يحرك الشعوب اليوم هي (( الميديا المرئية )) علينا أن نفهم ذلك، فهي سلاح الغير وإن كنا نبرع في استعماله ولكن إلى حين لأن الحقيقة ستظهر عاجلاً كان أم آجـــلاً كل هذه الآثام التاريخية القديم منها والجديد يحتاج إلى تكفير فهل يكون الدم العربي هو الثمن .
الأيام القادمة حبلى بالأحداث فاللهم اجعلها لصالح عبادك الموقنين .


ثنائية الدنيا والآخرة

ثنائية الدنيا والآخرة
عبد العزيز الخاطر
2006 / 12 / 27
ثنائية الدنيا والآخرة
مصادر توترها وعدم اتزانها
في اعتقادي أن مفصل الدين الإسلامي الذى ترتكز عليه حيويته وتجدده الدائم وصعوبة عزلـه عن تيار الحياة يقوم على ثنائية – الدنيا والآخرة – وارتباط تلك الثنائية ببعضها البعض بمعنى أن الأمر لا يتعدى كونه مرحلة انتقال من جانب الى الجانب الآخر – لا أكثر فهو دين أخروي بنفس قوته كدين للحياة الأولى فالمقابلة بين الدنيا والآخرة تظهر بلا شك طبيعية المنهج الإسلامي لحقيقة الكون والحياة فما بين بقاء وفناء وزوال وخلود يبدو الأمر انتقالاً لا أكثر وارتباطاً غير منفصم وأن بدأ غير ذلك بمجرد موت الإنسان .
يشير الإسلام الى أهمية الدنيا و ضرورة ألا "  ينسى " المرء نصيبه منها على الرغم من التوجه الى تتويج ذلك بالفوز في الآخرة ، نسيان المرء لنصيبه في الدنيا خطأ كبير وإنعتاقه عن العمل لآخرته ظلم عظيم . ان طبيعة الدنيا الآنية وسرعان مرورها وانقضاءها مقارنة لما للآخره من سرمدية وبقاء يجعل من النفور منها " الدنيا " واعتزالها أهون الأمرين . الإشكالية تبدأ انطلاقاً من تنوع فهم وكيفية الفوز بالرضوان في الحياة الآخروية من هنا تبدو كذلك أشكال الفهم الإسلامي المختلفة لهذه الثنائية المترابطة والفريدة في قوتها وتأثيرها والتي لا مثيل لها بين الأديان الأخرى .
افتقاد العدالة في التشريعات الدنيوية وشيوع الظلم على مدى واسع يضيف الى تلك الثنائيه أبعادا أخرى تقلب وسطيتها وتقلل من أهميه الحياة الدنيوية التى هى بالكاد و في أفضل حالاتها تساوي الشيء القليل ( جناح بعوضة ) كما الفهم الشائع ومن هنا كذلك تبدأ قابلية وشعبية الفهم الراديكالي لوسيلة الفوز بالرضوان في الحياة الآخروية عن طريق بتر تلك الثنائية وتزداد شعبيته ويتحول بالتالي الى سلاح " ذري " من هنا كذلك يبدو للبعض أن الأمر لايستدعى أكثر من الاختيار بين السرمدية والفناء المحتوم فافتقاد العدالة وانتشار الظلم يجعل من الشهيد " النموذج المفضل لمقاومته ومبادرته للظلم واستباحة المحرمات من هذه النقطة بالذات يمكننا تلمس حقيقة ومستقبل الاحتلال الأجنبي مهما كان نوعه وشكله في البلاد العربية والإسلامية وأنه وبلا شك سيظل في حالة استنفار دائمة لأنه يعمل على إخلال التوازن بين هذه الثنائية داخل المجتمعات العربية والإسلامية ويعرضها دائماً للالتهاب والتوتر ويقلل من أهمية نصيب المسلم في هذه الحياة الدنيا نظراً الى افتقاد المسلمين الآن لوسائل التمكين في هذه الأرض في الحياة الدنيا ، فالجهد يجب ألا ينصب على المستوى الثقافي فقط وانما على المستوى المادي أيضاً من العمل على تقليل الفروقات واختفاء الظلم وتقليل مصادر التوتر الخارجية من تواجد أجنبي وغيره ، أما إذا كان الصراع سيدور وهو دائر بين أشكال وأنواع الفهم لمحتوى التشريع الإسلامي بين المسلمين أنفسهم فالمستقبل ليس سيئاً فقط بالنسبة للغير وأنما بالنسبة لنا أيضاً كمسلمين ومن هنا تبدو الأمور متشابكة الى درجة تسئ الى الإسلام نفسه وهو ما نشهده عياناً يوماً بعد آخر .

السلطة العربية استعصاء تاريخي على الفهم

السلطة العربية استعصاء تاريخي على الفهم
عبد العزيز الخاطر
 2006 / 12 / 25
في الوقت الذى تفقد فيه السلطة في العالم آليات الشراسة التي عرفت عنها وتصبح أكثر قبولاً وتجاوباً ، تزداد السلطة العربية بطشاً وتنكيلاً ومراوغة وخداعاً للتاريخ حتى في أضعف أوقاتها وهوانها على الناس وفقدانها لنقطة الحياء الأخيرة في وجهها الذي زالت مع الزمن آدميته وانسانيته . انها حالة من الشذوذ التاريخي لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل ، حتى أن الإنسان العربي بدأ يتلمس أطرافه وينظر الى نفسه في مرآة الزمن ليتأكد من كونه بشراً سوياً مثل غيره ، تبدأ السلطة العربية بالمغازلة في حالات وبالاحتواء في حالات أخرى لتنتهي بعد ذلك بالانقضاض على فريستها فرداً كان أم مجتمعاً وتلتهمه ومن يشذ فهو مطاردُ حتى أطراف الدنيا ومطلوب لنشوزه حتى آخر العمر .
كانت السلطة العربية صماء بكماء لا تعرف للحوار سبيلاً لها رجال مخلصون ينفذون أوامرها وكأنها من لدن عزيز حكيم . حتى مع تغير الظروف وانكشاف القناع عن صورتها البشعة لا تلجأ الى الحوار إلا على استحياء وسرعان ما يدفـــع من أجبرها على ذلك الثمن غالياً . كم هو مسكين الإنسان العربي عندما يُتهم في تركيبته النفسية كونها سبب إفراز مثل ذلك النمط من السلطة ، ثمة تناقض يسحب أطرافه في كل اتجاه وصوب فهو من ماضٍ لـه ثقافة في بعض أبعادها تدعوه الى الانصياع والخضوع استجابة لفهم تاريخي للنصوص " كما تكونوا يولى عليكم " وسلطان جائر خير من فتنة تدوم ، وبأنها اختيار الهي لابد من الأيمان به والرضوخ لــــه . وفي أبعاد ثقافية أخرى تؤكد لـه على حرية الإنسان في اختياره لقدره ومصيره ومن يتولى أمره ، لعل اللحظة الفارقة في تاريخنا العربي فشلت في إدراج العقل منهجاً للقياس وحسمت الأمور لغير ذلك . ففي الوقت الذى يعتمد فيه عالم اليوم على قوة أخرى معرفية غير البطش والتنكيل تقوم على استيعاب الآخر المعارض بل والعمل على إيجاده لتكتمل الصورة حيث بأضدادها تتمايز الأشياء ، تعيث السلطة العربية في الأرض فساداً بدءاً بالمناهج التربوية وانتهاءً بنواحي الحياة الأخرى المتعددة لتجني بعد ذلك مجتمعاً مروضاً تسجنه في خطاب معين مموج مضمونه التسبيح بحمدها آلاء الليل وأطراف النهار ليخرج بعده جسداً مستعبداً . إن هوية الإنسان في قدرته على الاختيار فيما يهم أمور حياته من مهده الى لحده ولكن السلطة العربية سلبت منه عبر حياته نعمة الاختيار إلا فيما يتعلق بمكان لحده وكيفية الانضواء داخله جسداً دون روح . إن حرية الفضاء الذى نمارس فيه صيحاتنا وشتائمنا لنأوي بعد ذلك الى مخادعنا راضين بما قدمناه لمجتمعنا ولأجيالنا صورة أخرى من صور تنكيل السلطة العربية بوعي إنسانها المقهور حيث يظن أن الوضع قبل صراخه شيء وبعده أصبح شيئاً آخر ، ولم يدرك بأن للتاريخ عبئاً يتطلب أكثر من ذلك وغاب عن باله أننا أكثر شعوب العالم صراخاً وفخراً وبكاء على الأطلال .
لقد بلغ بالسلطة الأمر أنها تستدعي المجتمع لإصلاحه حين علت صرخات ودعاوى الإصلاح من أطراف العالم المختلفة بدلاً من أن تعود هي أدراجها لتستلهم المشروعية من داخلـــــه ، عجزت عن استخلاص الاحترام لها فزرعت الخوف بدلاً عنه فهو صناعة سلطوية عربية بكل اقتدار ، فالعربي خائف في جوعه وفي شبعه في صدقه وفي كذبه حتى في انتصاره خائف ، كيف نعجب حين يتحول النصر عندنا الى هزيمة والهزيمة الى نصر حسب رغبة السلطة طالما هي من يملك حق التفسير وكتابة التاريخ وعلى الشعوب تحمل فاتورة ذلك نصراً كان أم هزيمة ، والأدهى حين تغضب وتزمجر عندما يتدخل الغير للعلاج كيف لا وهي أدرى بالعلاج وبمواطن الألم والمرض ولم تدرك لحظة أنها بيت الداء والخبث أو لعلها تدرك ولكنها في أتساق مع الانتقاء الثقافي لتراثنا الذي لا يجعل مكاناً آخر يمكن القبول به بين صدر العالمين أو القبر .

ثنائية الخطيب والمتلقي

ثنائية الخطيب والمتلقي
عبد العزيز الخاطر
2006 / 11 / 28
ثنائية الخطيب والمتلقي التي أفرزت عقلية من يمتلك الحقيقة وعقلية من يتقبلها دون نقاش يجب أن تتبدل اذا أردنا لهذه الأمة أن تتحرك من سكونها القاتل وإزمانها الراهن . عقلية مالك الحقيقة وعقلية هاضمها دون تمحيص أو نقاش ، هاتان العقليتان كلتاهما كانتا سبباً رئيسياً في إشكالية تقدم الأمة وخروجها من نفق التقليد وعزوفها عن منحنى الإبداع والخلق ‘ علمياً يثبت التقدم من خلال تطور النموذج العلمي Paradigm حيث يعتبر صحيحاً حتى يظهر نموذجاً آخر يثبت بطلانه أو تطويره . جميع النظريات العملية قامت على ذلك كان النموذج العلمي السابق مثلا يعتبر الأرض مركز الكون حتى ثبت أن الشمس هي مركز الكون وكان النموذج الطبي يعتبر قرحة المعدة مثلا لأسباب أخرى نفسية وجسمانية غير تلك التي أثبتها النموذج العلمي الجديد من انها بفعل جرثومة وتحتاج الى مضادات حيوية ، وهكذا فالعلم في تقدمه عملية نفي بالأساس ومن هنا يتقدم المجتمع وتتطور الحياة . الآن فيما يتعلق بالجانب الثقافي أيضاً يحتاج الأمر الى منحنى من الابتكار فيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية ، والاجتماعية والسياسية فالنظرية الكنزية في الاقتصاد مثلا تراجعت أمام النظرية النقدية لفريد مان ومدرسة شيكاغو وهلم جرا
أما فيما يخص الجانب الديني فالتحرك فيه صعب لأن النموذج الديني يحظى بوضع خاص داخل النفوس والعقول ومن الصعوبة بمكان تطوير العقائد والأديان بنفس الصيغة التي يتطور ويتقدم فيها الفهم العلمي أو النظرية العلمية وهنا يجب التفريق بين أنواع النماذج الدينية ومصادرها المعروفة فالنموذج القرآني يختلف عن غيره من النماذج الأخرى فيما يتعلق بفهمه وتفسيره بما يتناسب مع العصر المعاش وعموما يمكن الخروج من مأزق النموذج الديني بأشكاله المختلفة
 من خلال تطوير الفهم والإدراك لغاية وهدف النموذج الديني مع ثبات صيغته التاريخية . وبالتالي من ازدواجية عقلية الخطيب والمتلقي بحيث يدرك الخطيب أن ما يقوله يقبل النقاش أو التأويل وعلى هذا تقوم حركية الفهم ويدرك المتلقي كذلك بأن دوره ليس فقط في عملية التلقي وانما  في عرض ما يتلقاه على عقله كونه مناط التكليف وبالتالي يصبح ذا قدرة على الحوار والمناقشة لكسر مثل تلك الحلقة المقفلة وليصبح الفهم المتجدد هو سبيل الأمة للتقدم والتطور أمتثالاً لسنن الله في الكون والتي عليها تقوم الدنيا وعلى إدراكها يستقيم الأمر كله . على كل حال الخطابة بجميع أنواعها وفنونها فن تجيده الأمة ولكن ما لا تجيده هذه الأمة هو أدب الحوار والاختلاف وهنا يكمن الفرق بين التقدم الايجابي أو الانتحار الذاتي .

انسان البعد الواحد

انسان البعد الواحد
عبد العزيز الخاطر
2006 / 9 / 13
المال يتغول فيما تنتحر القيم
عندما ذكر هربرت ماركوز " أحد أعلام مدرسة فرانكفورت النقدية " أن المجتمع الصناعي الرأسمالي خلق للإنسان حاجات وهمية جعلته يصبح جزءاً من نظام الإنتاج والاستهلاك الرأسمالي وبالتالي أبعده عن حاجاته الحقيقية ليصبح بامتياز إنسان البعد الواحد " فلو نظرنا الى ما نحتاجه اليوم لوجدنا أنه لم يكن كذلك في السابق وما كان لا يمثل ضرورة في السابق أصبح اليوم حاجة ضرورية برغم عدم تبدل الظروف فالهاتف النقال على سبيل المثال لم يشعر أحد بالحاجة إليه إلا بعد اختراعه بمعنى أن وجوده خلق الطلب عليه فهو اليوم حاجة ضرورية للجميع دون شك وغيره كثير من الماديات التي تظهر في الأسواق فالعولمة تخلق الحاجة أولاً ثم تخلق الطلب عليها ثانياً وهكذا .
ولكن تغول رأس المال يجد مقاومة عنيفة في بلدانه فاليسار التقليدي بأطروحاته الاجتماعية بدأ يعود الى الواجهة وقوى المجتمع المدني في أوروبا وأمريكا الآخذة في التعاظم والتي تقوم بالتصدي لذلك التغول الذى صرف الإنسان عن حاجته الحقيقية في مجتمع تسوده قيم روحية ليرمي به في أتون وهم الثراء الفاحش وهي ظاهرة بدأت واضحة في أطراف ذلك التمدد الرأسمالي حيث آليات التحكم عن بعد في أيدي المراكز الرئيسية . علينا أن نتذكر أن ما يسمى بالرأسمالية المتوحشة التي تتصدى لها قوى المجتمع المدني والأهلي في الدول الغربية قامت على أعتاب ديمقراطيات صلبة ومع ذلك لا تزال في جنوحها وتغولها واغتيالها للبعد الإنساني ، أما ما يحدث في مجتمعات المصب الرأسمالي التي لا توجد فيها أصلاً ديمقراطيات لاجمة لمثل ذلك التغول فهي أبعدت الإنسان وحولته ليصبح ترساً في آلية الإنتاج والاستهلاك وذلك فقط ما يحدد وجوده وكينونته . لقد عانت دول الغرب من هذا من قبل فلذلك نجد الوعي الجديد الآخذ في الانتشار اليوم في تلك المجتمعات ربما يعود بنا الى مراحل سابقة كان فيها النظام الاشتراكي نداً قوياً للنظام الرأسمالي المسيطر أو قادراً على تحييده من خلال برامج الأحزاب الأخرى التي قد يجدها الشعب طريقاً لإعادة مكتسباته . المشكلة التي تواجه المجتمعات اليوم هي في قدرة الأموال على الحراك بشكل كبير يشبه المد العارم الذى يأتي على الأرض ثم ينسحب عنها ويتركها يباباً كأن لم تغن بالأمس . ما حدث مؤخراً في الأسواق المالية في بلدان الخليج من قوة اجتذاب للموطنين بحيث جعل الكثيرين يتركوا أعمالهم التي يقتاتون منها ويلتحقوا بالبورصات المالية أملاً في ربح سريع يختصر العمر والعمل دليل على ولادة إنسان البعد الواحد في المنطقة الذى أشرت إليه في بداية المقال . فالحاجات الحقيقية للإنسان بشكل عام من حرية ومساواة وعدالة اختفت أو تراجعت الى مرحلة اللا شعور فطبيعة ارتباط هذه الدول الصغيرة بالمركزية الرأسمالية جعلت منها في حالة لهاث دائم للمواكبة فحالة التراكم الكمي طغت على حالة التراكم الكيفي التي مرت بها أساسا تلك الأسواق وتلك والمجتمعات ولذلك فعملية التأزيم مستمرة وستستمر في هذه المجتمعات حتى تتحقق حاجيات إنسانها الحقيقية ليشعر بإنسانيته أولاً لأن الاستهلاك وحده لا يكفي لتحقيق ذلك .

الدولة المدنية ليست تجاوزاً على الدين

الدولة المدنية ليست تجاوزاً على الدين
عبد العزيز الخاطر
2006 / 8 / 28
ظهور الدولة المدنية في أوروبا كان تعالياً على التمذهب الديني وليس على الدين نفسه . أي انه خروج الى دائرة أوسع من الفهم الديني ، فالصراعات التاريخية الدينية بين البروتستانت والكاثوليك كانت تمثل صراعاً بين التمذهب داخل الدين الواحد والانتصار الحقيقي الذي حققته أوروبا كان في الخروج من ذلك النطاق الضيق ذي الحدود الدموية الى نطاق أوسع وأشمل يتمثل في أبعاد الثقافة الدينية الشاملة مهما كان مسماها. خروج المواطنة كأساس للدولة الحديثة في أوروبا بُعد ديني ، وبروز دولة الحقوق والمساواة بُعد ديني كذلك ، وظهور دولة العدل والقانون بُعد ديني أيضاً .
لا أعتقد بأن أوروبا تركت الدين خلفها ببروز دولة المواطنة ولكنها انتشلت الدين من حدوده الضيقة الى أبعاده الإنسانية . نحن في عالمنا الإسلامي بحاجه فعلية الى الوصول الى نفس النتائج ولكن ليس بالضرورة بنفس الأساليب أو الطريقة الموصلة لذلك التي اتبعتها أوروبا ومع ذلك يصعب القول بأنه لا يبدو أن هناك خطراً واضحاً من الانجراف نحو الاقتتال المذهبي داخل الإسلام نفسـه . لابد من التأكد بأن تخفيف حدة التمذهب نحو تعميق فهم الثقافة الشمولية للدين هو الأساس وهو المطلوب وليس العكس ، لابد من الإصرار والاعتراف بأن الدين جاء أصلاً لخدمة الإنسان ومصلحته وليس العكس .
الخوف من انجرار عالمنا الإسلامي نحو آتون الحرب المذهبية الطائفية لم يعد خوفاً مرضياً بعد ما شهدناه من أحداث في غير موقع من مواقعه . ان الثقافة الدينية الحقيقية لا يخرج منها إنسان طالما أصر واعترف بإنسانيته وهو إن أذنب عاد وإن ارتكب معصية استغفر ولا يقتل شخص آخر لشعوره بإنسانيته قبل كل شئ ولكن التمذهب ضيق الأفق والخروج منه اذا ما اعتمد كمنهج للحياة قادم لا محالة والتصادم مع الغير قائم كذلك لأنه يلغي الفروق الفردية والخصائص الشخصية والاختلاف المشروع .
عندما كان الإسلام قوياً كثقافة استوعب داخلة التمذهب بأنواعه المختلفة فالبعد الإنساني مهم هنا أيما أهمية بمعنى أن هناك ارتباطاً خطياً لشعور الإنسان بمكانته وقيمته وبين نظرته لمذهبه ودينه وكلما قل الشعور بذلك ضاقت نظرته وتشرنقت داخل هذا المذهب أو ذلك .
فإذا كانت أوروبا استطاعت أن تبني دولة مدنية بتجاوز التمذهب نحو الثقافة الدينية الأوسع ولو بثمن غال ، فأن أمتنا العربية والإسلامية كذلك في حاجة الى مثل ذلك التجاوز ولكن العصر لم يعٌد يستوعب أو يتحمل الثمن الذى دفعته أوروبا مقابل ذلك حيث كانت في ذلك الحين هي العالم . أما نحن فاننا اليوم جزء من العالم فقط ولسنا الجزء الأثمن الذى يصعب على العالم أن يعيش بدونه كبشر على الأقل لا كجغرافيا وهنا تكمن المفارقة .

الاجندة العربية ..ذلك المفقود

الاجندة العربية ..ذلك المفقود
عبد العزيز الخاطر
2006 / 7 / 19
عندما كان للعرب أجندة خاصة بهم كأمة لها مصالحها وثوابتها وكرامتها أمكن التغلب على الكثير من الصعاب والكوارث ووقفت الأمة برغم جميع النكبات ثابتة واستطاعت أن تغير من الواقع مهما كانت درجة مأساويته الى طريق جديد للأمل وجعلت من نكسة 67 طريقاً لحرب الاستنزاف العظيمة ومن ثم حرب أكتوبر المجيدة . لما كان للعرب أجندة لم تقف الطائفية أو القبلية أو المذهبية رادعاً ومفرقاً للجماعات ومصدراً لقتل الأخ لأخيه والابن لأبيه .
ولكن حين سقطت الأجندة العربية سقط العرب وأصبحوا مثل قطيع الأغنام كل في طريقه سائر الى مجهول ينتظره ويترقب مصيره والأجندة ببساطة هي توليفة من الوسائل تحفظ للأمة كرامتها في حاضرها وقدرتها على مواجهة مستقبلها ضمن ظروف الواقع ومتغيراته ، تحفظ كرامتها برفضها للظلم الواقع عليها وتحدي ذلك الواقع من خلال الإرادة الصلبة ومواجهة المستقل بأخذ متطلباته المادية والسياسية والمعنوية .
لكل أمة أجندة خاصة بها فكوريا مثلاً تحمل أجندة واضحة من خلال دخولها العصر النووي والتكنولوجي الصاروخي والهند والصين وأوروبا جميع تلك التكتلات تحمل أجندات واضحة عسكرية واقتصادية وإيران اليوم تحمل أجندة واضحة تجتمع عليها الأمة من خلال محاولة دخولها ميدان القوة النووية .
فمأساة الأمة التي لا تحمل أجندة واضحة بها كأمة تتمثل في ضعفها في مقاومة عملية الاستقطاب فما تلبث حتى تتحول الى فرق وشيع يحمل كل منها أجندة مختلفة .
ما نشاهده اليوم دليل على ذلك بلاشك ، يتهم البعض حزب الله بأنه يعمل لصالح أجندة خارجية وفي حين لم تكن لأي دولة عربية أو تيار عروبي في السابق أجندة خاصة بها أو به دون غيره. ان الغشاء الضام لأي أجندة يحتمل عنصرين هامين لا ثالث لهما هما القومية والدين بشموليتهما وقد نصل الى مرحلة متقدمة في حال إيجاد أجندة إنسانية ضمن الدولة الواحدة في حال قيام الدولة الديمقراطية . ما نشهده اليوم  هو انتحار ذاتي للأمة حيث تخلى بعضها عن بعضها تحت دعوى أن هناك أجندة أو أجندات لقوى خارجة عن الأمة ولم نتساءل لحظة لماذا لا تكون لنا أجندتنا الخاصة كأمة ! ومن المسؤول عن ذلك حتى نلوم غيرنا ممن وعى حركة التاريخ والمستقبل ونجح من تصدير أجندته الى الغير . لماذا تحمل الأنظمة العربية أجندة مختلفة عن طموحات وتصورات وأمال شعوبها ؟ أليس ذلك هو أُس الداء العضال ؟ انني على يقين بأننا نقترب من مصير الثور الأبيض الذى اختلفت أجندته عن أجندة قرينه الثور الأسود فضحى به وبأجندته أملاً في النجاة ولم يوقن أن المصير المشترك لهما وما يجمعهما من خصال وصفات ووحدة هو ما تقوم عليه أيه أجندة بل ومصيرها مرتبط أبداً ودائماً به فمن جعل خلاصه الفردي ثمناً في التفريط أو سبباً في اعاقة قيام أجندة خاصة بالأمة لا بالافراد أو الانظمة فقط كمن يحفر قبره بيديه من حيث لا يدرى فالعصر لا يحتمل الأقزام ولا الأجندات الخاصة وان بدا الامر مختلفا لدى البعض .

سارة وأسئلة الوجود

سارة وأسئلة الوجود
عبد العزيز الخاطر
2006 / 6 / 16
النعمة القاتلة
"
هل يمكن أن تتحول نعمة من أعظم نعم الله الى سبب مباشر للوفاة ؟ كيف يمكن تصور ذلك إذا لم يقترن الأمر بحكمـــة يريدها الخالق عز وجل .
لقد أحل الله الطيبات من الرزق وحرم الخبائث وأمرنا باجتنابها وجعلها مصدراً لهلاكنا في حين أن استمتاعنا وبقاءنا في أخذ الطيبات .
هل ثمه أعظم من نعمة الحليب الذى يتناوله الطفل من ثدي أمه ساعة نزوله ؟ وهل يمكن تصور أن ذلك الحليب وهو أكسير الحياة للطفل وللإنسان عموماً بعد ذلك يصبح هو مصدر تهديده المباشر وخوفه المستمر على حياته .... ياسبحان الله .
" سارة " كانت أكثر ما تخشاه تناول الحليب او مشتقاته لان في ذلك تهديداً لحياتها إذا لم تتخذ وبسرعة الإجراءات الطبية اللازمة . عرفت حالتها وتعاملت معها بكل الرضا والقبول . كانت تشارك زميلاتها وشقيقاتها كل مناسباتهم التي يطرح فيها ما لذ وطاب ولنا أن نتصور أهمية تكوين الحليب ومشتقاته ودورهما في جودة الطعام ولذته وإغراءاته ومع ذلك تكتفي " سارة " بأقل القليل من الطعام والشراب لمثل عمرها ، كانت مقبلة على الحياة تجمع أخواتها وصديقاتها دوماً دونما إشعار أحد بأنها محرومة من أعز ما يمكن تناوله لمن هم في مثل عمرها . قدمت " سارة " امتحان الثانوية العامة هذا العام وأبلت بلاءً حسناً وسيذاع اسمها اليوم ، نجحت " سارة " بالرغم من حالتها لقد كانت تملك الإرادة وتملك الأمل ووجها يشع به برغم الحرمان الكبير . لقد كانت حالتها تأتيها بين حين وآخر عندما تتناول خطأ بعض مشتقات الحليب وفي يوم مناسبة اجتماعية مميزة شعرت سارة وبعد أن تناولت عفوياً مادة تحتوى على مشتقات من الحليب بتغير داخل جسمها الصغير ولكن المناسبة كبيرة ولا تريد أن تزعج أحداً بحالتها انه يوم الفرح لقريبتها الحبيبة فكيف لها أن تعكر مزاج الحاضرين بحالتها المعروفة والتي تتطلب بعضاً من الوقت والزمن . رأت أن تأخذها احدى قريباتها الى المستشفى بعيداً عن أنظار الجميع ولكن الأمر كان خطيراً هذه المرة والوقت كان عاملاً حاسماً فتوقف قلب " سارة " الصغير وهي في طريقها الى المستشفى ووضعت على آلة التنفس الصناعي بعد أن عاد القلب الى العمل ولكن الوقت كان متأخراً . اكتمل الفرح وهو ما أرادته " سارة " وعملت من أجله وبعد كل ذلك توقف القلب الصغير مرة أخرى عن العمل وكأنها تقول ليس فقط الكبار قادرين على التضحية الصغار أيضاً قادرون عليها لقد طرحت " سارة " أسئلة عديدة عن معنى الوجود / فالوجود لم يكن يوماً ذاتياً بمعنى الخلاص الشخصي / الوجود لم يكن يوماً أنانياً بمعنى تجاهل الغير / الوجود لم يكن يوماً مادياً بمعنى أن تطغى المادة على النوازع الإنسانية / الوجود لم يكن يوماً ليستقيم دون تضحية / الوجود لا يمكن تصوره دون محبه خالصة / الوجود لا يعني الكمال ولكنه يعنى الإرادة والأمل والرضا بما قسم الله / الوجود قيمته تتجلى بالصبر والصلاة بمعنى ضرورة وجود المعتقد.
نجحت " سارة " وسيذاع اسمها اليوم وسوف تسمع وهي في قبرها اسمها حتماً لأنها بين يدي عزيز مقتدر يخلق النواميس وبيده وحده ابطالها . أنها في رحاب العدل الذى سيعوضها عن حرمانها برغم قصر حياتها ألا أنها أدت الأمانة كما لم يؤدها القادرون على أدائها. رحم الله " سارة " وأورثها داراً خير من دارها الذاهبة . دروس ومعان كثيره يمكن لمن عرف " سارة " أو عرف ما تعانيه أن يتعلمها من قصتها خاصة من يعتقد بأن الوجود حمل ثقيل برغم ما أوتي من نعم .
علمتنا " سارة " معنى التضحية ومعنى الحب ومعنى التفاني ومعنى الصبر اللهم ارحم " سارة " واجعلها في ميزان والديها الكريمين يوم لا ينفع مال ولا بنون .




البنية الثقافية ودورها فى التحول الديمقراطي

البنية الثقافية ودورها فى التحول الديمقراطي
عبد العزيز الخاطر
2006 / 5 / 19
قوة الدولة تختلف من منطقة الى أخرى داخل عالمنا العربي الكبير وذلك الاختلاف له مدلولاته السياسية والاجتماعية وتأثيراته على تطور المجتمع وسهولة ولوجه الى مرحلة التحول الديمقراطي المنشود ففي البلدان التي لا تزال البنى الثقافية والاجتماعية فيها فاعلة نرى دوراً للدولة يختلف عن تلك البلدان التي لم يعد يوجد فيها بنى تقليدية فاعلة أو استطاعت الدولة أن تقضي عليها و إذا افترضنا وجودها فأنها على الأغلب شكلية .
أستطيع أن أسوق أمثلة لتوضيح ما أقصده فالمثال على وجود قوى أو بنى ثقافية فاعلية يمكن رؤيته في كل من لبنان حيث الطوائف أو اليمن حيث القبيلة تلعب دوراً حاسماً في إدارة المجتمع وتحولاته في تلك البلدان. نجد الدولة تتعامل بشكل سياسي يميل الى توزيع المقدرات بين هذه البنى أو تلك القوى على نحو توافقي لتتمكن من السيطرة على زمام الأمور وهي هنا أقل بطشاً وعنفاً . في حين أن المثال على قيام الدولة بإزالة البنى الثقافية داخل المجتمع يتمثل في تونس ( راشد الغنوشي في إحدى حواراته ) والنتيجة لذلك امتلاك الدولة للمجتمع بشكل كلي وقضاؤها على أي إمكانية للتطور في اتجاه المنحنى الديمقراطي الذى يفترض إيجاد بدائل لتلك البنى التقليدية بشكل تدريجي يمكن المجتمع من التقليل من سيطرة الدولة وبطشها .
أما المثال على شكلية تلك البنى التقليدية وعدم فاعليتها بشكل يجبر الدولة على توزيع الأنصبة فهي بلدان الخليج العربي فالقبيلة فيها برغم وجودها إلا انه وجود شكلي لا يستطيع الوقوف أمام الدولة وجبروتها أو إجبارها على التعامل معها أو مع مؤسسات المجتمع الأخرى بشكل أكثر حيادية لأسباب كثيرة منها الندرة السكانية واعتماد الاقتصاد على الريع المستخرج بواسطة فعاليات أجنبية لا تشارك فيها القوى الوطنية إلا بالنزر اليسير والجميع يعلم لما لهذه البنى الثقافية والاجتماعية بجميع أشكالها ، القبلية والطائفية من دور كبير أثناء مرحلة مقاومة الاستعمار ومعارك التحرير الوطني في جميع بقاع أمتنا العربية ، ولكن التحول السلبي حصل بعد الاستقلال حيث امتلكت الدولة سواءً كانت على شكل الحزب الواحد أو القبيلة أو الطائفة زمام الأمور وتنكرت لتلك القوى التقليدية وماضيها وتاريخها وعملت بالتالي على تهشيمها أو ازالتها أو إبقائها كديكور لا أكثر ولا أقل فأصبح الأمر وكأننا في حاجة الى استقلال ثان ، ليس من المستعمر هذه المرة ولكنه من الدولة بشكلها الشمولي الذى يدوس على بنى المجتمع التي يمكن تطويرها بحيث تصبح نواةً للتحول الديمقراطي المنشود . ان الديمقراطية في نهاية المطاف صيغه توافقية بين العديد من الأطراف ذات المصلحة المشتركة من هذا التعايش  لذلك يتطلب الأمر تحويل تلك البنى وتطويرها الى صيغ أكثر ملائمة للعصر وعدم العمل على تهميشها أو القضاء عليها إذا كانت هناك رؤية مستقبلية تتعدى أبعاد المنفعة الشخصية الآنية ، لذلك لا نعجب حين نقرر أن اقرب الدول العربية الى التحول الديمقراطي الحقيقي هي تلك التي لا تزال فيها البنى الثقافية مؤثرة كما أشرت سابقاً وأبعدها عنها هي تلك التي همشت تلك القوى أو قضت عليها وان بدت الصورة غير منطقية عند المقارنة بين بلد كتونس أشد البلدان العربية قرباً من أوربا ولكن بسيطرة تامة للدولة حيث لا وجود لقوى ثقافية مؤثرة وبين بلد كاليمن تحتاج فيها الدولة الى تعامل خاص مع البنى الثقافية الموجودة لكي يستمر التعايش بين الطرفين وهو شرط الديمقراطية ولكن الإشكالية تبقى عندما تكون تلك البنى الثقافية والاجتماعية أقوى من الدولة بحيث تصبح هي الدولة لتعود الأمور الى نقطة الصفر من جديد. فالامر يحتاج الى حالة من اللاحسم تستدعى التوافق كحل لا بديل عنه لكل الأطراف .

أزمة المعارضة فى الديمقراطية المنقوصة

أزمة المعارضة فى الديمقراطية المنقوصة
عبد العزيز الخاطر
2006 / 5 / 18
الديمقراطية المنقوصة أخطر في اعتقادي من غياب الديمقراطية نفسها ، في الوضع الديمقراطي السليم ليست هناك معارضة دائمة ولا توجد هناك أكثرية دائمة بمعنى أن إمكانية تسلم المعارضة شئون الإدارة أو السلطة محتملة وعلى المدى الطويل قائمة بلاشك وكذلك إمكانية تحول الأكثرية الى أقلية والأقلية الى أكثرية مسلم بها وقائمة بل هي معيار لتوازن القوى وعامل ضبط للقرار السياسي وتصويبه من أجل مراعاة الصالح العام للمجتمع والأمة .
أما في حالة الديمقراطية المنقوصة حيث لا يوجد تداول محتمل للسلطة يلوح في الأفق فيمكن توقع ما يلي :-
1 – تحول المعارضة الى عقبة في حد ذاتها ويرتبط وجودها بكونها كذلك ولو تخلت عن معارضتها فقدت جوهرها وعامل الربط بين أفرادها .
2 – فقدان الأمل لدى المعارضة في المشاركة في الإدارة والحكم يجعل من أفرادها ضحية سهلة للمغريات ووسائل الجذب لدى الحكومات ويصبح الانتقال الى الجهة الأخرى بديلاً محتملاً وقائماً .
3 – تفقد المعارضة بعدها الأيديولوجي مع الوقت إذا لم تتح لها فرصة ممارستها لدورها وتصبح بالتالي معارضة بالفطرة بعيداً عن فكرة المعارضة الحقيقية التي تقوم أصلا على البرنامج السياسي الأيديولوجي ومحاولة تطويره بالممارسة ، أو التراجع عنه واستبداله .
4 – عندما يكون الخيار بين البقاء على ما هو قائم دون تحرك الى الأمام أو الانتقال الى جهة الأخرى جهة الموالاة . كلا الخيارين يصبح فساداً للسياسة التي تقوم أصلاً على الاحتمال وفن الممكن تحقيقه وهذا في حد ذاته خسارة للمجتمع .
طبعاً مثل تلك المقدمة تتطلب برلماناً أو مجلساً منتخباً من الأساس لكن عدم اكتمال الحلقة الديمقراطية المتمثلة في إمكانية التداول السلمي للسلطة جعل حتى من الأبعاد الأخرى اللازمة للعملية الديمقراطية كالانتخابات ووجود الدستور وقيام الأحزاب لا تؤدى دورها بالشكل المطلوب والفعال ولذلك يصبح التكور حول الذات لحماية المصلحة الشخصية بعداً حاسماً لدى الأفراد في حين أن اكتمال العملية الديمقراطية بشكلها الطبيعي يجعل من المصلحة العامة مرتكزاً لا يمكن الحياد عنه أو تجاوزه .

عولمة الجسد وعري الثقافة

عولمة الجسد وعري الثقافة
عبد العزيز الخاطر
2006 / 5 / 8
ارتبط الجسد عبر الثقافات بالمعتقد أياً كان ذلك المعتقد ونوعه فثقافة تُمجده وثقافة تعبده وأخرى تحتقره وترى فيه ملاذاً للخطايا والآثام فهو بحاجة الى عملية تطهير دائمة الى أن يفنى ويزول ، وهناك ثقافة تجعل منه خط دفاعها الأخير الذى تنتحر ذوداً عنه إذا ما رأت أن هناك من يدنس قدسيته ويهين كرامته . فالجسد كان في السابق أجساداً مختلفة باختلاف المعتقدات والثقافات ، أما عري الثقافة فتاريخه تاريخ البشر والناس عبر العصور ، فهو لا يبدو هاماً أو خطيراً إلا حين يصطدم بالجسد فيصبح عري الجسد فاصلاً هاماً عدا غيره من أنواع العري المعنوي على الرغم من أن هذا الأخير أكثر خطورة أحياناً إلا أنه لا يحقق ما يحققه عري الجسد من منافع تسويقية مادية . وعبر التاريخ كان التقاء الجسد بثقافة العري يواجه صعوبات في التحقق والانتشار فكان بطيئاً في انتشاره مُتثاقلاً في انتقاله ولا يشهده إلا من يقع ضمن أحزمة جغرافية معينة في هذا العالم أما اليوم فإن العولمة جعلت من ذلك الالتقاء حتمياً وآنياً وضرورياً ، لقد ضمت العولمة الجسد الإنساني وبخاصة جسد المرأة ضمن محتوياتها الأخرى من الماديات ونجحت في تسليع الإنسان وتنميطه ، فأصبح العري ارتقاءً كما كانت تحكي بعض الفلسفات القديمة من أن التخلص من مما يستر الجسد هو نفسه التخلص من الدنيا وبراثينها وزينتها الممقوتة فالعري كان أولاً طريق الخلاص . فبلاغة الصورة في عصر العولمة تحكي قصتين قصة عري الجسد وعري الثقافة .
ان أبلغ ما يمكن أن تشاهده على قناة أي فضائية تلفزيونية عربية بالذات هو الأجساد عارية أو مستورة بما يعريها أمام المشاهد ويجعلها أكثر عرياً مما لو كانت عارية تماماً . نجحت العولمة في جعل العري نسبياً ولم يعد مطلقاً يتفق الجميع حوله وربطته بالهدف فمن أجل الهدف قد لا يبدو العري عرياً كما تتشدق بعض الفنانات من أن المشاهد الساخنة العارية لا تبدو كذلك عندما تكون في سياق السيناريو . وكذلك فعلوا مع عري الثقافة الذى لم يعد يخدش الحياء أو يثير الغرائز وكل يوم نحن على موعد مع جانب من جوانب ذلك العري النسبي الذى يُربط دائماً بهدف أسمى أو ضمن سيناريو أو سياق عام هدفه فيما يبدو جميلاً ونافعاً ، فالدعايات عن المنشطات الجنسية للزوجين على مدار الساعة في وسائل الإعلام والوصفات الطبية والنفسية لها برامجها ومحاضراتها حتى شيوخ الدين أدلوا بدلوهم في هذا المجال محاولة منهم لتحقيق السعادة الزوجية ولكن عن طريق ثقافة أخرى أكثر مقدرة على التفاصيل مما عهدنا منهم سابقاً وكأن التقاء الرجل بالمرأة اكتشاف جديد أتى فقط مع العولمة وعصرها المجيد . فالفيديو كليبات التي تزحم قنواتنا الفضائية تمثل ثقافة عارية من كل شئ سوى جسد جميل يتمايل يمنة ويسرة وطولاً وعرضاً فبالتالي يجري تسويق العري بشكل غير مسبوق حتى الرياضة تم ربطها بعري الجسد وتحركاته وتمايلاته فأصبحت احدى مغريات المشاهدة التلفزيونية بعد أن كانت عناءً وتحتاج الى صبر وتحمل .
ولأن العري منتج مُستهلك قصير الأمد والمدة فيكفي المرء منه نظرة واحدة قد لا يكررها ولأن الكثير منه لا يتفق وآدمية الإنسان ، فلا نعجب من ارتداد الكثير من أصحاب العري وثقافته الى التحجب والاستتار مرة أخرى ، فالعورة سوءة وخطيئة كما ذكرها القران الكريم في قصة آدم وحواء وخروجهما من الجنة ( فبدت لهما سوآتهما ) .
لكن الطريف أن الجسد المعولم مصحوباً بعري الثقافة في برامجنا التلفزيونية على أنواعها غير مدرك ولا يجعلنا ندرك كذلك حين نشاهده ! اننا نعيش في تناقض كبير يتمثل في قشور العولمة التي في مقدمتها الجسد المعولم العاري وبين واقع نعايشه هو أقرب الى القرون الوسطى في مناطقنا العربية حيث يفتك الجسد بنفسه منتحراً قاتلاً كان أم مقتولاً .
على كل حال فأن مصادرة الخصوصيات بجميع أنواعها الثقافية أو الاجتماعية من سمات العولمة ولكن الثقافة العربية والإسلامية لا تزال تملك الكثير من أساليب المقاومة الايجابية لحيوتها إذا ما استثمر ذلك الجانب استثمارا ًحسناً .
وعلى مر التاريخ كان الجسد والجنس سلاحاً هدم وخلخلة للثقافات وقد أصبحا ثقافة لا تنتمي الى شعب معين أو وطن معين وكل همها البحث عن الفائدة والربح السريع ويستخدمها من يعجز عن اتيان البيوت من أبوابها سواء أكان نظاماً معتدياً أم فرداً تسوقه ماديته وأغراضه الدنيئة .

لكيلا تتحول الى صنم يعبد

لكيلا تتحول الى صنم يعبد
عبد العزيز الخاطر
2006 / 4 / 14
اصطفافنا وراء مصطلح الديمقراطية حولها الى أيقونة أو صنم يعبد وهو ما كنت أخشاه ، كنت أتمنى أن تعالج مشكلات مجتمعاتنا على اختلافها في ندواتنا ومحاضراتنا بعيداً عن مصطلح الديمقراطية . فإيجاد حلول لمشاكل البطالة والعمالة الأجنبية ودور المرأة وخلق الوظائف وغير ذلك من مشاكل يمكن طرحها ومعالجتها ليس بالضرورة بربطها بمصطلح الديمقراطية الاختزالي . اختزال مرض المجتمع العربي في غياب الديمقراطية فقط اختزال مُخل ولا يساعد على الرؤية الحقيقية لتضاريس الواقع العربي ان كثرة تداول اسم الديمقراطية وقيام الاجتماعات والندوات والمنتديات التي تحمل اسم الديمقراطية كما هي مقترنة في وعينا العربي جعلنا نبحث عن الدواء في صيدلية أخرى غير صيدلية الواقع المعاش لان الديمقراطية بالصورة التي نتداولها إفراز لمجتمعات وواقع مختلف فنحن نقفز الى العنوان دون قراءة ما يحتويه الكتاب ثم أن المتكلمين في معظم تلك الندوات والمحاضرات إما أنهم من الغرب فينطلقون من تجربة مجتمعاتهم وإما أنهم عرب فهم نتاج مجتمعات غير ديمقراطية أصلاً خاصة من يصور منهم أن هناك حالة من الخصام بين الديمقراطية والواقع العربي فهو يكرس مفهوم العقيدة التي تعبد ويطلب منها أو من خلالها تدارك الأمر عن طريق تدخل الغيب .
كنت أتمنى ألا نبحث كثيراً في ذلك المفهوم أكثر مما بحثنا فنقطة الانطلاق يجب أن تكون من الواقع حيث لكل مجتمع مكوناته الخاصة ، وحيث تفاعل تلك المكونات بصورة معينة وعبر حركة التاريخ يمكن أن ينتج عنها تصور لإمكانية تعايش أفراد هذا المجتمع انطلاقاً من رضاهم وهنا يكمن مفهوم التداول المجتمعي الفعال .
ثم أن العملية الديمقراطية نفسها ناشرة للوعي الديمقراطي أي أن الممارسـة هي الأساس . اعتقد أن هناك عدة نقاط يجب مراعاتها في هذا الخصوص .
أولاً :- ضرورة الاتفاق حول إمكانية تعايش المجتمع بصورة تحفظ للجميع حقوقهم .
ثانياً : - الابتعاد عن المماثلة مع الغير من المجتمعات لأن مكونات مجتمعاتنا تختلف تماماً عن غيرها فلدينا العائلة والقبيلة والطائفة الخ ... فهي بالتالي مكونات الاتفاق المرجو والمطلوب .
ثالثاً :- إخراج الديمقراطية من بؤرة الوعي العربي بصورتها الحالية وإدخال مصطلح التعايش أو بمعنى آخر ( تبيئة) هذا المصطلح لإخراجه من مثاليته وما يحمله من تجارب لآخرين عجزنا عن تحقيق أدنى منتج مادي لديهم . لقد أصبحت الديمقراطية لدينا مقترنة بجو مخملي فاخر وبمحاضرين يحملونها في حقائبهم من منتدى الى آخر وبالتالي تكوّن وعي جديد لدى العامة بأن هؤلاء هم كهنة العقيدة الجديدة وهذا شرك جديد تفرزه العولمة .
رابعاً :- اعتبارها كذلك ( مثالاً أو عقيدة ) لا يخدم الشعوب بقدر ما يخدم الأنظمة لأن عدم تحقق المثال في هذا الحياة وهو أمر طبيعي يعني معايشة الواقع بشكله وصورته الراهنة وهو ما أورثنا المصائب والمحن .

الفتنة وعي الأمة الزائف أم قدرها

الفتنة وعي الأمة الزائف أم قدرها
عبد العزيز الخاطر
2006 / 3 / 14
مفهوم يجب تفكيكه
" الفتنة " وعي الأمة الزائف أم قدرها ؟
مفهوم الفتنة سياسياً نتاج العقلية العربية الإسلامية بامتياز وهو مفهوم يدل على قصور سياسي تاريخي عن بلوغ مرحلة الرشد والنضج التي مرت بها مجتمعات أخرى في عالم اليوم . لماذا نحن فقط دائماً في خوف من اشتعال الفتنة ؟
لماذا مجتمعاتنا العربية والإسلامية هي فقط مسرح لمثل ذلك الاشتعال ؟
أولاً وقبل كل شئ ما هي الفتنة أصلاً ؟ وما هي مكوناتها ؟ لا أجد تفسيراً لها ! انها منطقة محظورة عجزنا أو عجزت أطراف الأمة عن مقاربتها بشكل يدخلها ضمن أحد مستويات العقل الجمعي للأمة ، فمكثت تلك الأطراف على حدود هذه المنطقة خوفاً من السقوط فيها لأنها لا تزال في مرحلة اللامعقول واللامتفاهم حوله وتظل الأمور هكذا حتى يحصل حدث مأساوي معين يدفع أحد الأطراف في السقوط في المنطقة لتشتعل الفتنة وتأتي على الأخضر واليابس . أما مكونات " الفتنة " فهي تتراوح بين الأبعاد الدينية أو الطائفية أو القبلية .
وهذه في اعتقادي مكونات ما قبل المجتمع المدني وهذا يفسر عدم وجود مثل هذا المفهوم في البلدان المتمدنة والمتطورة ، هل يمكن الحديث عن " فتنة " بهذا المفهوم في دول أوروبا الغربية المتقدمة ؟ أو في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاُ عرف تاريخنا عبر عقوده الطويلة منذ فجر الإسلام فتناً عديدة بسبب غياب السياسية باعتبارها عاملاً يتوسط بين الخلاف وكذلك صلابة الفهم الديني وبروز العامل العرقي الاثني فلا تلبث الأمة أن تجد نفسها في أتون حرب شعواء جُرّت إليها جراً دونما استعداد أو تهيب . من هنا حتى تاريخنا الحديث جداً مر ولا يزال يمر بمثل تلك الفتن التي يجب اخراجها من إطارها الملتبس بالدين وادخالها ضمن عملية القصور السياسي والمؤسساتي للمجتمع . فاجتياح صدام للكويت أقام فتنة والحرب اللبنانية الأهلية أيضاً فتنة لسقوط البعض في تلك الفجوة أو المنطقة المحظورة بمعنى أن مثل تلك الأحداث فجرت مكونات الأمة وجعلتها في مواجهة مع نفسها وهي التي حاولت طويلاً نسيانها أو تناسيها وليس حلها . هذا هو القصور التاريخي . للخروج الآن من ذلك المأزق الذي تكرر وسيتكرر عبر التاريخ لابد من الإشارة الى بعض المنافذ المحتملة .
أولاً :- الاعتراف بنسبية المعرفة لدى جميع الأطراف لان ادعاء الحقيقة والمعرفة التامة تعنى الصدام مع الآخر لا محالة مهما طالت المدة وامتد الدهر .
ثانياً :- اقامة الدساتير المدنية القائمة على المساواة والمواطنة لانعاش المجتمع من سباته التاريخي ومرجعياته بجميع أشكالها
ثالثاً :- إخراج مفهوم الفتنة من الوعي العربي ومن النسق الديني لان استمرار هذا الوعي يعني توقع وجودها وقيامها لا شعورياً طال الزمن أو قصر ففتنة
 " الرجل في دينه " مثلاُ أو " فتنة المسيح الدجال " مختلفة تماماً عن ما يقع ضمن ذلك المفهوم حالياً .
رابعاً :- تفكيك مفهوم الفتنة واعادته الى جزئياته وهي في الحقيقة خلافات طائفية كانت أم دينية أم قبلية يمكن التفاهم حولها ووضع الآليات الدستورية والقوانين المدنية للتعامل معها .
خامساً :- دمقرطة السلطة العربية والإسلامية وتعقيد اتخاذ القرارات المصيرية لكيلا تتكرر " فتن " بمستوى غزو دولة لدولة أخرى .
أعتقد أن مثل تلك الإجراءات سوف تخرج هذا المفهوم " الفتنة " من مكانته الرهيبة في زوايا الوعي العربي وتعيده الى مكانته الحقيقة والملموسة كأن يفتن الشاب الوسيم قلوب النساء أو أن تفتن المرأة الجميلة الرجال وهما أمران لا يلامس خطرهما أطراف الأمة بل ويمكن التحصن منهما بالأخلاق والتدين أو حتى بالزواج . الوعي بأن الفتنة قدر للأمة حمّلها, أي الامة, ما لا تحتمل وجعلها تنقل داءها فى ردائها .

عندما تصادر الديمقراطية ذاتها

عندما تصادر الديمقراطية ذاتها
عبد العزيز الخاطر
2006 / 2 / 13
لا أدري هل تبقى الديمقراطية اسماً على مسمى عندما يطلب من الفائز سواء أكان حزباً أم كتلة أم تجمعاً أن يغير من برنامجه أو أجندته التي بموجبها وعلى اثرها تم انتخابه من قبل الجماهير والشعوب ؟ عندما يحدث مثل ذلك تتحول الديمقراطية الى عقيده صلبة لها شكل واحد ومحدد وهو ما لم يشهده التاريخ للديمقراطية في بلدان المنشأ . اليوم يطلب من حماس أن تتغير لتدخل ضمن جلد ديمقراطية محددة لها شروطها وإملاءاتها حتى يسمح لها بممارسة السلطة بدعوى أنه على الحركة  في المرحلة القادمة أن تلعب دوراً سياسياً بعيداً عن مشروعها النضالي السابق وعليها بالتالي أن تغير أهدافها وتوجهاتها وهنا يطرح سؤال ! قد تتغير حماس كما يريدون ولكن هل ستتغير نفسية واتجاهات من صوّت لها واختارها من قطاعات الشعب الفلسطيني الواسعة وكيف يمكن أن تكون معبرة عن تلك القطاعات بعد ذلك ؟ الإشكالية تتمثل في أن الديمقراطية بشكلها الحالي منتج غربي في النهاية وعلى من يستعملها أن ينتج ما يتفق ويتصالح مع بلد النشأة لتلك العملية في حين أن الشعوب البائسة واليائسة من أنظمتها القائمـة تتطلـع الى من يحقق إرادتها وطموحها ، نحن أمام عملية " نفي " مزدوج أما أن تنفي الديمقراطية نفسها بانقلابها على مشروعها الذى اوصلها وأما أن تستمر على صـورة من انتخبها ليأتيها " النفي " حينئذ من الخارج كما حدث في الجزائر في أوائل التسعينيات المنصرمة . البعد الفلسفي بين الديمقراطية ونتائجها هو فى الحقيقة تجلٍ لواقع معين وليس اسقاطاً فوقياً وهو ما يرفضه الغرب هنا . القصد أنه حتى الديمقراطية تحتاج الى قوة أما ديمقراطية الضعفاء فأنها لا تلبث أن تنفي نفسها أو ينفيها الآخرون .

العلاج بالعاهات لكي يكون سلاح المقاطعة أكثر فاعلية

العلاج بالعاهات لكي يكون سلاح المقاطعة أكثر فاعلية
عبد العزيز الخاطر
2006 / 2 / 1
الاحتجاج والغضب الإسلامي الذى يجتاح الأرض له ما يبرره فلم يعد يملك المسلم غير دينه فالجسد الإسلامي كله عاهات وعلل الداخلية منها أكثر من الخارجية ولم يعد سالماً منه إلا دفعته المعنوية وهويته الدينية " لا اله الا الله محمد رسول الله " فالمساس بهذه الهوية وتلك الدفعة مساس بآخر خطوط النفس الإسلامية ! هنا تكمن خطورة الموضوع التي قد لا يدركها الفرد الغربي بشكل واضح لكي يبعدها عن ما يسمي بحرية الرأي ضمن مشروعه الحضاري . هناك محوران أود الإشارة إليهما في هذا المقال المحور الأول : كيف استطاع الغرب التغلب على مثل هذه المشكلة لديه ؟ والمحور الآخر : لماذا لا يشكل سلاح المقاطعة عاملاً حاسماً بيد الأمة العربية أو الإسلامية ؟
فيما يتعلق بالمحور الأول استطاع الغرب أن يُنسي العالم ماضيه الأسود وحروبه الطائفية والدينية من خلال تطوره في جميع المجالات وبناء حاضر يقوم على ذلك التطور ليصبح بالتالي ركيزة التقدم ومثالاً يحتذي لجميع الأمم الأخرى في حين أن حاضرنا المتخلف وعدم تطورنا جعل من ماضينا متحملاً للمسؤولية ومرمى لحجارة الغير من الداخل والخارج رغم إشراقه (بعض أطراف ذلك الماضي أنما الغث منه أكثر من السليم ).
ثانياً : استطاع الغرب أن يفرق بين مثالية الدين وصورة حامله أو صاحبه (( من خلال مشروع المواطنة )) فالخطأ ملتحق بالصورة لا بالمثال فعندما يخطئ الفرد أو يرتكب اثماً فإنه ينعت باسمه أو بجنسيته لا بدينه ، نحن كأمة لم ننجح في إرساء مشروع مواطنة حقيقي فارتد الأمر الى الهوية وهي اسلامية بلاشك .
المحور الآخر : فيما يتعلق بسلاح المقاطعة وهو في ظني فعال ولكنه مؤقت التأثير . وكم كنت اتساءل عن عدم استمرار المقاطعة الإسرائيلية ومن بعدها المقاطعة للبضائع الأمريكية ولماذا لم يعد سلاح البترول فعالاً ؟ وغيرها واعتقد جازماً بأن ذلك مرده الى كوننا نستعمل عاهاتنا في الدفاع عن أنفسنا والجسد ذو العاهة لا يستطيع أن يجعلها خط دفاعه الأول فما بالنا إذا كان الجسد كله عاهات .
فالاقتصادات العربية والإسلامية اقتصادات هزيلة غير متكاملة ريعية الطابع في معظمها تفتقر الى أبسط مقومات التكامل أتت عليها رياح العولمة فألحقتها بها كوكلاء لا أكثر فإذا كان الناتج الإجمالي لدولة متوسطة كايطاليا أكثر من مجموعة النواتج الإجمالية لجميع الدول العربية فكم نتوقع مقدار التأثير التي ستحدثه أي مقاطعة عربية أو حتى إسلامية والسؤال الأهم كم ستستمر إذا كانت العاهة أصلاً موجودة ولم يجر تصحيحها أو علاجها .
كما أن العاهة السياسية واضحة كل الوضوح فالأنظمة الشمولية والديكتاتورية ممتدة من أطراف آسيا حتى شواطئ المغرب وهي في حقيقتها ذات مشاريع فئوية ومقاطعاتها شكلية وقد جربنا ذلك مع إسرائيل ولا تشكل رديفاً حقيقياً لشعوبها والعكس صحيح فكم نتوقع أن تستمر مثل هذه المقاطعة السياسية والحال كما أشرت .
أما العاهة الاجتماعية فتتمثل في استبعاد العديد من الطبقات الاجتماعية والعرقية وعدم الإيمان بدور المرأة وأهميته وما الى ذلك .
في اعتقادي أن العمل على إصلاح العاهات هو الطريق الى مقاطعة حقيقة تعيد للأمة هيبتها ودورها التاريخي أما الدفاع عن ذلك بالعاهات كما هي فهو دفاع ضعيف ضعف العاهة نفسها ولا يستمر طويلاً . نحمد الله أن الأمر لا يتعدى سوى دولة صغيرة محدودة هي الدنمارك ولكننا نسمع كذلك عن تهديد سيصدره الاتحاد الأوروبي وهنا ستظهر محدودية العاهة التي سنستعملها للدفاع عن حقوقنا ومقدساتنا بشكل مأساوي على كل حال : منذ الأمس بدأت شخصياً " كمعوق أعاني من عاهة هي جزء من عاهة أكبر " مطبقاً لتلك المقاطعة عندما اخترت زبدة نيوزيلندية بدلاً من أخرى دنماركية مفضلة لدي وفي جيبي هاتفي النقال " نوكيا " الفنلندي ( الجار الحميم للدنمارك ) وتنتظرني سيارتي اليابانية في الخارج وكلي تصميم على الدفع بعاهات أمتي والامتثال لأوامرها للدفاع عن هذه الممتلكات في حالة الضرورة ولكن الى متى وقد أصبحنا مجرد أشياء تجاور أشياء وأصبح الفرد منا يُعَرف بما يملك من متاع الحضارة الغربية أي بما تجلبه العاهة نفسها لا بمواطنته أو دوره أو حقوقه .





بعد أن زالت الشكوك شجرة الديمقراطية لها أن تزرع فى أرض الخليج

بعد أن زالت الشكوك شجرة الديمقراطية لها أن تزرع فى أرض الخليج
عبد العزيز الخاطر
2006 / 1 / 27
إذا كان ثمة ما يمكن الاستفادة منه نتيجة لما سمي بأزمة " الحكم في الكويت " اثر وفاة الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت يرحمه الله فإنه يمكن الإشارة وباطمئنان كبير حول أهلية أهل هذه المنطقة وبشكلها الحالي وتركيبتها السكانية الموجودة في مواجهة ما يمكن أن تسفر عنه الأحداث عندما يتعلق الأمر بالمصير المشترك وبأن الجميع في قارب واحد في مواجهة هذا المصير وذلك القدر وثمة اشارات يجب التوقف عندها واستخلاص العبر والدروس منها برغم قصر " عمر الأزمة " التي لم تشهد لها الكويت ولا المنطقة مثيلاً من هذه الإشارات .
أولاً " إمكانية التحول الديمقراطي السلس مع وجود التكوينات التاريخية الأساسية في المجتمع مع حفظ المكانة والكرامة لجميع الأطراف .
ثانياً : بروز مفهوم جديد للعقد الاجتماعي طرفاه الأسر الحاكمة والشعوب ارتكازاً على القبــول بدستور ديمقراطي والتمسك بأحكامه باعتباره ميزاناً وحكماً بين الطرفين .
ثالثاً : إمكانية استنبات جذور الديمقراطية من الداخل وأهلية هذه الأرض لذلك تفنيداً لدعاوى كثيرة ترى أن هذه الأرض قد عقمت ولا يمكن لها إلا أن تستورد ذلك من الخارج ولو كان ذلك من خلال التدخل الخارجي .
رابعاً : حب هذه الشعوب لقياداتها التاريخية يزداد كلما كانت هذه القيادات قادرة على تحمل مسؤولياتها بما فى ذلك اشراك هذه الشعوب معها في إدارتها لأزماتها .
خامسا:الايمان بأن الديقراطية ليست عقيدة والعبرة بالنتائج اما المضمون فانه فى الأساس ارادة توافقية ثقافية ومحلية المنشأ بالضرورة . هذه باختصار أهم ما يمكن ملاحظته واستعارته باستفادة مما جرى مؤخراً في دولة الكويت الشقيقة منوهاً بأهمية استشعار المصير المشترك لجميع أفراد وفئات المجتمع وأني على يقين تام بأن قيادات هذه المنطقة وشعوبها لا يمكن لها أن تفرط فيما تحقق وفي نفس الوقت على ادراك تام بأن المستقبل يتطلب مزيداً من العمل من أجل راحة وكرامة الإنسان في هذه المنطقة .
أن ما سمى " بأزمة الحكم في الكويت " قد تبدو طبيعية ضمن سياقها التاريخي الذي يشير الى أن التطور ميزه إنسانية وشرط حياتي لا غنى عنه فهي في ظاهرها وباطنها نقطة تحول لاشك في ذلك ومرجعية تقوى من أساس وجذور الديمقراطية الكويتية بالذات والخليجية بشكل عام .

انشقاق خدام وحركة التاريخ

انشقاق خدام وحركة التاريخ
عبد العزيز الخاطر
2006 / 1 / 4
" انشقاق خدام وحركة التاريخ "
أضع قضية " انشقاق " السيد عبدالحليم خدام كما تسمى ضمن صيرورة حركة التاريخ حيث لا يعرف التاريخ السكون بالشكل التي تريده وتحافظ عليه الأنظمة العربية على أشكالها . فالعوامل الخارجية والداخلية هي أبداً ودائماً المؤثر الحقيقي والدافع الذاتي لحركة التاريخ وبما أن العوامل الخارجية قد فقدت والى حد كبير تأثيرها في دفع تلك الأنظمة الى التحرك والتقدم والتجاوز إلا بالشكل المدمر الذى رأيناه في العراق وهو شكل لا أعتقد أنه سيتكرر لفداحته على جميع الأصعدة ولجميع الإطراف وبما أن الداخل كذلك قد حُيد الى حد كبير ونزعت منه أنيابه حيث تشرنقت الأنظمة وتدثرت بغطاء ربما دولي وبشعارات منها إجراء الانتخابات وزرع بذور الديمقراطية ، في ظل كل تلك الظروف أصبح الانفجار من داخل النظام هو البديل الوحيد لحدوث الصيرورة التاريخية واستمرار التدفق والحراك حدث ذلك مرات عديدة في التاريخ العربي الحديث خلال القرن المنصرم حيث خرجت شخصيات لها مكانتها من داخل العديد من الأنظمة لتنضم الى جهات عربية ودولية ضاغطة لإحداث التغيير وآخرها قبل قضية السيد خدام هروب صهري الرئيس العراقي صدام الى الأردن وكشف العديد من أسرار النظام العراقي في حينه مع الفارق طبعاً في الظروف وفي الشخصيات نفسها والآن تأتي قضية السيد خدام تتويجاً لصفحة مأساوية للجمود السياسي التي تعاني منه منطقتنا العربية بشكل عام - أن السنة الكونية دائماً تدعو الى التغيير والانسياب مع حركة العصر . فالملاحظ أن منطقتنا العربية بالذات هي من يعاني حقيقة من ثبات مذموم لا تفيد معه لافتات العصر التي يسوق لها من لا يريدها أصلاً . والواضح أن أي نظام أو حتى فكرة عندما تعمل على إذابة الآخر المعارض أو المخالف الذى وجوده يساعد بل يعمل على استمرار النظام أو الفكرة وبقائها طالما أن ثمة تحدياً يظهر في الأفق وعندما يفقد أو يغيب مثل ذلك التحدي أو نقيض الفكرة يصبح انفجار الفكرة في حد ذاتها هو البديل الوحيد . لذلك يقال بأن المعارضة ضرورية لبقاء النظام ولقد لاحظنا وقرأنا كثيراً بعد سقوط المعسكر السوفياتي بأن الغرب يبحث عن بديل لكي يواجهه ويضمن بالتالي بقاءه وهناك من وضع الإسلام في تلك الخانة ، حركة التاريخ تتطلب بقاء الشئ ونقيضه وتداول الأيام سنة يؤكدها الدين والتاريخ فلذلك اذا غاب الخارج وافتقد وانمحى الداخل يصبح الشئ نفسه قابل للتجزئة ! انها طبيعة الأشياء خاصة عندما تبلغ مراحلها الأخيرة من الامتداد والتمدد والاستشراء . قرأت مرة أن أحد رجالات حزب المحافظين في بريطانيا صوّت لخصومة في حزب العمال المنافس فلما سئل لماذا فعلت ذلك ؟  قال: لكيلا ننسى نحن في حزب المحافظين كيف نعارض ولكيلا ينسوا هم ( أي حزب العمال ) كيـف يمارسون السلطة ، أي وعي بعد هذا وأي إدراك لعواقب الأمور لا تدركه بصائرنا حتى وان اقتربت أرجلنا من الهاوية أو كادت .

أمة على صفيح ساخن

أمة على صفيح ساخن
لماذا يعجز الطرح الإيديولوجي عن إنقاذ الأمة ؟
عبد العزيز الخاطر
2005 / 12 / 28
تعج المكتبات والصحف العربية بالمئات من الحلول النظرية لمشاكل العالم العربي على اختلاف مصادر واتجاهات هذه الحلول . ومن الملاحظ نشاط هذه الظاهرة المتمثلة في تنوع الطرح الإيديولوجي في مراحل الأزمات والنكسات وينخفض أداؤها بعد ذلك . أما على أرض الواقع فهناك نوع من الثبات النسبي لحال الأمة العربية المتردي والذى يزداد تردياً ، فلا تصل تلك الحلول الى هذا الواقع ولا يرتفع ذلك الواقع ليلاقي أطراف تلك الحلول ، وهنا نطرح سؤالاً هل يمكن للايديولوجيا بمفهومها العام أن تصنع أو تغير الواقع ، أم أن الواقع المادي هو صانع الايديولوجيا الفوقية ؟ من وجهة النظر الماركسية المعروفة فالواقع المادي هو أساس الايديولوجيا المكونة من النظام السياسي والاجتماعي وهو ما أطلق عليه اسم المادية التاريخية . ولكن ما حدث في الاتحاد السوفيتي ابان نهضته هو العكس تماماً حيث قادت الايديولوجيا اللينينية والستالينية مواقع التغيير فيه وكذلك غيرت الايديولوجيا القومية خلال فترة الخمسينيات والستينيات في عالمنا العربي أجزاء كثيرة من أرض الواقع . ولكن كيف حدث ذلك ؟ لو تطرقنا قليلا الى العالم الغربي أو حتى بعض دول العالم الثالث لوجدنا أن معظم الأطروحات الإيديولوجية تصل الى أرض الواقع من خلال قنوات رسمية متمثلة في الأحزاب ولكل حزب إيديولوجية يسعى من خلالها الى الوصول للحكم وهذا غير متأت في عالمنا العربي بالرغم وجود الأحزاب في بعض الدول العربية إلا أنها شكلية الى حد كبير ويبقى الحزب الحاكم أو حزب الرئيس هو الايديولوجيا المسموعة وغير القابلة للتغيير إلا بتغيير الحكم نفسه وتظل الأحزاب الأخرى تدور في فلك ذلك الحزب ، وان كان لهذه الايديولوجيا وجود حقيقي كبعض التكتلات في مجلس الأمة الكويتي ومجلس الشعب المصري إلا أن وصولها الى الحكم بعيد المنال ، اذن هناك عناصر لابد من توافرها لتجعل من الايديولوجيا قابلة للتطبيق ومحققة لذاتها .
أولا : يجب أن ينطلق الطرح الإيديولوجي من معنى إنساني مشترك للجميع ويهدف كذلك الى إيجاد إطار مشترك إنساني يقوم على كرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم مصون الجانب والكرامة له حريته الشخصية في إطار القانون بالإضافة الى وجود الأجندة الخاصة به لتحقيق ذلك .
ثانيا : أن يرتكز على قيم بمثابة الرافعة والمثبتة له ولأطروحاته وتأخذ في اعتبارها الصالح العام والمصير المشترك لجميع أفراد المجتمع رغم خصوصية أطروحاته إلا أن هدفه الأساسي الصالح العام ومن هذه القيم قيمة التسامح .
تسعى جميع الدول العربية لزيادة الرقعـة الخضراء في عالمنا العربي ، إلا أن هناك عنصراً آخر أعتقد بأنه يجب أن يحظى بالأولوية وهو زيادة مساحة التسامح داخل العقل العربي فبالرغم من أنها من أعظم القيم التي نادت بها الديانات السماوية إلا أنها لا تحتل إلا اليسير في عقلنا العربي المعاصر في حين يحتل الجزء الأكبر منه ضيق الأفق والتعصب بأدواته من تكفير وزندقة وخيانة .... الخ فالتسامح هو أساس الحضارة الغربية الديمقراطية بالرغم من أنه ولد إسلاميا إلا أننا تنكرنا له في حين تبناه الغرب .
قيمة التضحية : قيمة أخرى عظيمة غائبة تجعل من الطرح الأيديولوجي غير ذي معنى فالتضحيات هي أداة التعبير انظر كيف استطاعت هذه القيمة من أن تغير من واقع كثير من الشعوب المضطهدة وقلبت بالتالي جميع الموازين ولنا في تاريخنا القديم عبره وكيف استطاع المسلمون بتضحياتهم أن ينشروا الدعوة وأن يصلوا بها الى أطراف أوروبا الشمالية بل تمثل هذا أيضاً بين المسلمين أنفسهم من أنصار ومهاجرين . فانسحاب هذا المفهوم من حياتنا وهروبنا منه جعلنا أمة متلقية للضربات ذليلة من أجل " حياة " كما وصفها القرآن لا تتمكن من الوقوف حتى تسقط مرة أخرى .
ثالثاُ : مفهوم المصير المشترك :-
هذا مفهوم جلل يدفع الأمم الى الكفاح والتضحية لا نستشعره البته ، فمفهوم الأمة الواحدة غائب كلياً عن أذهاننا ومن هنا تبدأ المشكلة ، فلكل أدواته للخلاص ويسعى إليه بمنأى عن الآخرين ، فيجب أن نعى بأننا نعامل كشعب واحد عربي مسلم من قبل شعوب وأمم العالم وليس على حسب النوايا الفردية فبيننا من هو أشد تعلقاً بالغرب من أبناء الغرب نفسه ولكنه في وعي تلك الشعوب عربي شرقي مسلم حتى ولو أنكر أسلامه فإنه لا يستطيع أن يخلع جلباب العروبة بسهولة داخل تلك العقول فكم توسلنا وحاولنا التقرب من غيرنا وبشتى السبل ولكن ذلك لم يغير من واقعنا شيئاً فليس أمامنا الا قبول التحدي الذى تواجهه الحضارات في مراحل تدهورها كما أشار " توينبي " فإن هي قبلت بهذا التحدي وواجهته مؤمنة بقوتها ومصيرها المشترك نهضت من جديد وان لم تستطع ذلك فهي أمة مهزومة ما تلبث أن تندثر ويتشتت تراثها .
رابعاًً : أن يتحقق للطرح الأيديولوجي الأداة والآلية القانونية للمساهمة بصورة فعالة داخل المجتمع من خلال قنوات رسمية لكي يكشف عن محتواه وذلك كما قلنا ضمن ثقافة المجتمع الواسعة ولا بأس من تعدد الآراء ضمن الدائرة العربية الإسلامية المحيطة بالمجتمع ككل مع إتاحة الفرصة لهذه التيارات للوصول للحكم وطرح برامجها السياسية . هذه باختصار أهم الركائز الضرورية لجعل الطرح الفكري الإيديولوجي عملاً نافعاً وليس مجرد إثراءً مكتبياً يفقد قيمته خارج إطار المكتبة أو بعد الفراغ من قراءة الجريدة فبدون امتزاج هذه القيم والمفاهيم بالطرح الأيديولوجي بحيث يصبح المصير المشترك هدفه والتضحية أداة لتحقيقه وقبول الفكر الآخر منهجه وبدون كذلك وجود قنوات مشروعة لممارسة هذا الفكر ضمن ثقافة المجتمع يبقى الطرح الإيديولوجي عملاً فوقياً طوباوياً لا طائل وراءه . تبقى نقطة أخيرة وهي ضرورة تجسير الهوة بين المثقف والسلطة وهي نقطة أثارها بعض المفكرين وتلك تتطلب معادلة دقيقة تتمثل في سلطنة المثقف أم تثقيف السلطة والمسافة بينهما وتلك معادلة لم نتمكن من إيجادها في صورتها المثلى حتى الآن.