السبت، 25 سبتمبر 2010

عولمة الجسد وعري الثقافة

عولمة الجسد وعري الثقافة
عبد العزيز الخاطر
2006 / 5 / 8
ارتبط الجسد عبر الثقافات بالمعتقد أياً كان ذلك المعتقد ونوعه فثقافة تُمجده وثقافة تعبده وأخرى تحتقره وترى فيه ملاذاً للخطايا والآثام فهو بحاجة الى عملية تطهير دائمة الى أن يفنى ويزول ، وهناك ثقافة تجعل منه خط دفاعها الأخير الذى تنتحر ذوداً عنه إذا ما رأت أن هناك من يدنس قدسيته ويهين كرامته . فالجسد كان في السابق أجساداً مختلفة باختلاف المعتقدات والثقافات ، أما عري الثقافة فتاريخه تاريخ البشر والناس عبر العصور ، فهو لا يبدو هاماً أو خطيراً إلا حين يصطدم بالجسد فيصبح عري الجسد فاصلاً هاماً عدا غيره من أنواع العري المعنوي على الرغم من أن هذا الأخير أكثر خطورة أحياناً إلا أنه لا يحقق ما يحققه عري الجسد من منافع تسويقية مادية . وعبر التاريخ كان التقاء الجسد بثقافة العري يواجه صعوبات في التحقق والانتشار فكان بطيئاً في انتشاره مُتثاقلاً في انتقاله ولا يشهده إلا من يقع ضمن أحزمة جغرافية معينة في هذا العالم أما اليوم فإن العولمة جعلت من ذلك الالتقاء حتمياً وآنياً وضرورياً ، لقد ضمت العولمة الجسد الإنساني وبخاصة جسد المرأة ضمن محتوياتها الأخرى من الماديات ونجحت في تسليع الإنسان وتنميطه ، فأصبح العري ارتقاءً كما كانت تحكي بعض الفلسفات القديمة من أن التخلص من مما يستر الجسد هو نفسه التخلص من الدنيا وبراثينها وزينتها الممقوتة فالعري كان أولاً طريق الخلاص . فبلاغة الصورة في عصر العولمة تحكي قصتين قصة عري الجسد وعري الثقافة .
ان أبلغ ما يمكن أن تشاهده على قناة أي فضائية تلفزيونية عربية بالذات هو الأجساد عارية أو مستورة بما يعريها أمام المشاهد ويجعلها أكثر عرياً مما لو كانت عارية تماماً . نجحت العولمة في جعل العري نسبياً ولم يعد مطلقاً يتفق الجميع حوله وربطته بالهدف فمن أجل الهدف قد لا يبدو العري عرياً كما تتشدق بعض الفنانات من أن المشاهد الساخنة العارية لا تبدو كذلك عندما تكون في سياق السيناريو . وكذلك فعلوا مع عري الثقافة الذى لم يعد يخدش الحياء أو يثير الغرائز وكل يوم نحن على موعد مع جانب من جوانب ذلك العري النسبي الذى يُربط دائماً بهدف أسمى أو ضمن سيناريو أو سياق عام هدفه فيما يبدو جميلاً ونافعاً ، فالدعايات عن المنشطات الجنسية للزوجين على مدار الساعة في وسائل الإعلام والوصفات الطبية والنفسية لها برامجها ومحاضراتها حتى شيوخ الدين أدلوا بدلوهم في هذا المجال محاولة منهم لتحقيق السعادة الزوجية ولكن عن طريق ثقافة أخرى أكثر مقدرة على التفاصيل مما عهدنا منهم سابقاً وكأن التقاء الرجل بالمرأة اكتشاف جديد أتى فقط مع العولمة وعصرها المجيد . فالفيديو كليبات التي تزحم قنواتنا الفضائية تمثل ثقافة عارية من كل شئ سوى جسد جميل يتمايل يمنة ويسرة وطولاً وعرضاً فبالتالي يجري تسويق العري بشكل غير مسبوق حتى الرياضة تم ربطها بعري الجسد وتحركاته وتمايلاته فأصبحت احدى مغريات المشاهدة التلفزيونية بعد أن كانت عناءً وتحتاج الى صبر وتحمل .
ولأن العري منتج مُستهلك قصير الأمد والمدة فيكفي المرء منه نظرة واحدة قد لا يكررها ولأن الكثير منه لا يتفق وآدمية الإنسان ، فلا نعجب من ارتداد الكثير من أصحاب العري وثقافته الى التحجب والاستتار مرة أخرى ، فالعورة سوءة وخطيئة كما ذكرها القران الكريم في قصة آدم وحواء وخروجهما من الجنة ( فبدت لهما سوآتهما ) .
لكن الطريف أن الجسد المعولم مصحوباً بعري الثقافة في برامجنا التلفزيونية على أنواعها غير مدرك ولا يجعلنا ندرك كذلك حين نشاهده ! اننا نعيش في تناقض كبير يتمثل في قشور العولمة التي في مقدمتها الجسد المعولم العاري وبين واقع نعايشه هو أقرب الى القرون الوسطى في مناطقنا العربية حيث يفتك الجسد بنفسه منتحراً قاتلاً كان أم مقتولاً .
على كل حال فأن مصادرة الخصوصيات بجميع أنواعها الثقافية أو الاجتماعية من سمات العولمة ولكن الثقافة العربية والإسلامية لا تزال تملك الكثير من أساليب المقاومة الايجابية لحيوتها إذا ما استثمر ذلك الجانب استثمارا ًحسناً .
وعلى مر التاريخ كان الجسد والجنس سلاحاً هدم وخلخلة للثقافات وقد أصبحا ثقافة لا تنتمي الى شعب معين أو وطن معين وكل همها البحث عن الفائدة والربح السريع ويستخدمها من يعجز عن اتيان البيوت من أبوابها سواء أكان نظاماً معتدياً أم فرداً تسوقه ماديته وأغراضه الدنيئة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق