السبت، 25 سبتمبر 2010

انزعوا رداء الدين عن الاستبداد

انزعوا رداء الدين عن الاستبداد
عبد العزيز الخاطر
2005 / 10 / 3
الوعي بأن أي تغيير منشود لا يمكن أن يحدث إلا بعد شل فعالية السلطة الاستبدادية داخل نسق المجتمع، تلك السلطة التي من صالحها إبقاء الوضع على ما هو عليه ، نقطة جوهرية في طريق التحول الى النهج الديمقراطي بأي صيغة كان . والسلطة الاستبدادية هي في مجملها فساد سياسي؛ والفساد السياسي هو في باطنـه فساد تربوي ، ففساد السياسة أصلاً من فساد التربية . لذلك عدّ كثير من الإصلاحيين إن إصلاح التربية هي الطريق الموصلة الى الإصلاح السياسي ورأى بعضهم أن تكوين الرأي العام المستنير هو القاعدة الضرورية لتغيير الأيديولوجيات السياسية . ولعل ذلك يبرر لنا فشل الثورات الحادة برغم شعاراتها الرنانة في احداث التغيير المنشود وانطوائها على نفسها بحيث تكرس في النهاية الأسباب التي قامت من أجلها أصلاً وهي مجملها تخليص الشعوب من براثن الاستبداد والطغيان فإذا بها تمارسه . يتعرض ( الكواكبي ) الى نقطة بالغة الحساسية في معالجاته للاستبداد وطبائعه ؛ وهي ضرورة إصلاح الدين لأنه يعتقد أن الاستبداد يبدأ دينياً ويمتد سياسياً فلابد من إصلاح الدين أولاً لكي تصلح السياسة لأن السياسة الحقة هي تلك التي تقوم على الشورى وهي بالتالي شكل لإجماع الأمة ، ويلاحظ الكواكبي أن حجة الاستبداد تكمن أساســاً في الشـرع وعن طـريق الدين وسيلـة الاسـتبداد الأولى – يريــــد ( الكواكبي ) أن يهدم الاستبداد ، فيحاربه بسلاحه نفسه الذى يضفي عليه الشرعية الزائفة وهذا ما يدعوه الى إعادة الاجتهاد الديني خاصة وأن الدين يتضمن مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والشورى ، والشرع يحتوي على أنواع التنظيم كدستور عام أو كإطار دستوري شامل . أراد ( الكواكبي ) تأسيس الحقيقة الإسلامية وتقويتها انطلاقاً من نقدها من الداخل وشدد على أن الانحراف ليس في الإسلام نفسه وإنما من مسلمي العصر وظل مفرقاً طول حياته بين ما هو عقيدة دينية وبين ما هو تراث تناقلته الأجيال والتصق بالدين وهو ليس من مكوناته وجزئياته . ما أود الإشارة إليه هنا هو ما يراه بعض المثقفين العرب من ضرورة إحداث القطيعة مع الماضي كشرط مسبق لنهوض الأمة وتقدمها متأسين بذلك بالتجربة الأوروبية التي استطاعت الانطلاق بعد إحداث القطيعة مع الماضي الذي كانت تمثله الكنيسة الدينية وسلطانها وجبروتها . فكان لابد من تجاوز تلك الإشكالية بفصل الدين عن السياسة . ولكن العقيـدة الدينيـة لدى المسلمين كما يشـير ( الكواكبي ) تشتمل على المبادئ العامة التي ادعى الغرب تملكها للانطلاق من براثن الكنيسة وهي العدل والمساواة والحرية وحق تقرير المصير والشورى فهل نحن بحاجـة الى قطيعة أم الى عملية إصـلاح للدين ؟ كما أشار ( الكواكبي ) بحيث تكون مبادؤه هي العامة وتتبناها السلطة السياسية ولا تحورها كما تشاء وبما يحقق رغباتها وهو ما يسميه البعض (( التدين السياسي )) ويصبح رأي الأمة ملزماً وبالتالي يصبح الشعب مصدر السلطات لكي تتحقق المواطنة وهي نقطة ربما تبدو إشكالية حين يقصرها البعض على البعض ، ضمن نظرة دينية ضيقة يمكن كذلك تجاوزها إذا ما اعتبرت السلطة عقداً إدارياً بين الشعب وأفرادها فليست هناك بالتالي ( ولاية ) لأحد على أحد كل ذلك يستوعبه الدين الإسلامي بشمولية فهمه واتساع أفقه . أعتقد بأن هناك كثيراً من الجوانب التي يجب بحثها وإعمال الفكر فيها في هذا المجال قبل الحكم بضرورة إحداث القطيعة مع الماضي كشرط لابد منه للنهوض . لقد كانت طروحات القرن المنصرم النهضوية في معظمها خاصة تلك التي خرجت من بعض المشائخ تندرج تحت شعار امكانية تصالح الدين الإسلامي مع النهضة العلمية المعاصرة أو مع العصر بشكل أشمل بشرط أن يسود فهم جديد لمحتوى الدين وإمكانية التخلص من التقليد قدر الإمكان ، لكن أزمان الاستبداد السياسي والاجتماعي التي عاشها العالم العربي لم تساعد على تكاثر ونمو العقلانية بشكل طبيعي فأصبح الأفق ضيقاً إلا من لحظات انشطارية ارتدادية تصيب المجتمع في داخله وذلك من طبيعة الأشياء والأفكار عندما لا تجد متنفساً يترجمها عملاً أو وعاءً صالحاً لاختبارها والبرهنة على صدقها من زيفها . ان الاستبداد هو داء الأمة المتأصل الذى أبكى ماضيها وأدمى حاضرها ولن يعود إليها الرشد والعقلانية إلا حين تنزع رداءه الديني المتدثر به في حين أن الدين منه براء  براءة الذئب من دم ابن يعقوب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق