السبت، 25 سبتمبر 2010

سارة وأسئلة الوجود

سارة وأسئلة الوجود
عبد العزيز الخاطر
2006 / 6 / 16
النعمة القاتلة
"
هل يمكن أن تتحول نعمة من أعظم نعم الله الى سبب مباشر للوفاة ؟ كيف يمكن تصور ذلك إذا لم يقترن الأمر بحكمـــة يريدها الخالق عز وجل .
لقد أحل الله الطيبات من الرزق وحرم الخبائث وأمرنا باجتنابها وجعلها مصدراً لهلاكنا في حين أن استمتاعنا وبقاءنا في أخذ الطيبات .
هل ثمه أعظم من نعمة الحليب الذى يتناوله الطفل من ثدي أمه ساعة نزوله ؟ وهل يمكن تصور أن ذلك الحليب وهو أكسير الحياة للطفل وللإنسان عموماً بعد ذلك يصبح هو مصدر تهديده المباشر وخوفه المستمر على حياته .... ياسبحان الله .
" سارة " كانت أكثر ما تخشاه تناول الحليب او مشتقاته لان في ذلك تهديداً لحياتها إذا لم تتخذ وبسرعة الإجراءات الطبية اللازمة . عرفت حالتها وتعاملت معها بكل الرضا والقبول . كانت تشارك زميلاتها وشقيقاتها كل مناسباتهم التي يطرح فيها ما لذ وطاب ولنا أن نتصور أهمية تكوين الحليب ومشتقاته ودورهما في جودة الطعام ولذته وإغراءاته ومع ذلك تكتفي " سارة " بأقل القليل من الطعام والشراب لمثل عمرها ، كانت مقبلة على الحياة تجمع أخواتها وصديقاتها دوماً دونما إشعار أحد بأنها محرومة من أعز ما يمكن تناوله لمن هم في مثل عمرها . قدمت " سارة " امتحان الثانوية العامة هذا العام وأبلت بلاءً حسناً وسيذاع اسمها اليوم ، نجحت " سارة " بالرغم من حالتها لقد كانت تملك الإرادة وتملك الأمل ووجها يشع به برغم الحرمان الكبير . لقد كانت حالتها تأتيها بين حين وآخر عندما تتناول خطأ بعض مشتقات الحليب وفي يوم مناسبة اجتماعية مميزة شعرت سارة وبعد أن تناولت عفوياً مادة تحتوى على مشتقات من الحليب بتغير داخل جسمها الصغير ولكن المناسبة كبيرة ولا تريد أن تزعج أحداً بحالتها انه يوم الفرح لقريبتها الحبيبة فكيف لها أن تعكر مزاج الحاضرين بحالتها المعروفة والتي تتطلب بعضاً من الوقت والزمن . رأت أن تأخذها احدى قريباتها الى المستشفى بعيداً عن أنظار الجميع ولكن الأمر كان خطيراً هذه المرة والوقت كان عاملاً حاسماً فتوقف قلب " سارة " الصغير وهي في طريقها الى المستشفى ووضعت على آلة التنفس الصناعي بعد أن عاد القلب الى العمل ولكن الوقت كان متأخراً . اكتمل الفرح وهو ما أرادته " سارة " وعملت من أجله وبعد كل ذلك توقف القلب الصغير مرة أخرى عن العمل وكأنها تقول ليس فقط الكبار قادرين على التضحية الصغار أيضاً قادرون عليها لقد طرحت " سارة " أسئلة عديدة عن معنى الوجود / فالوجود لم يكن يوماً ذاتياً بمعنى الخلاص الشخصي / الوجود لم يكن يوماً أنانياً بمعنى تجاهل الغير / الوجود لم يكن يوماً مادياً بمعنى أن تطغى المادة على النوازع الإنسانية / الوجود لم يكن يوماً ليستقيم دون تضحية / الوجود لا يمكن تصوره دون محبه خالصة / الوجود لا يعني الكمال ولكنه يعنى الإرادة والأمل والرضا بما قسم الله / الوجود قيمته تتجلى بالصبر والصلاة بمعنى ضرورة وجود المعتقد.
نجحت " سارة " وسيذاع اسمها اليوم وسوف تسمع وهي في قبرها اسمها حتماً لأنها بين يدي عزيز مقتدر يخلق النواميس وبيده وحده ابطالها . أنها في رحاب العدل الذى سيعوضها عن حرمانها برغم قصر حياتها ألا أنها أدت الأمانة كما لم يؤدها القادرون على أدائها. رحم الله " سارة " وأورثها داراً خير من دارها الذاهبة . دروس ومعان كثيره يمكن لمن عرف " سارة " أو عرف ما تعانيه أن يتعلمها من قصتها خاصة من يعتقد بأن الوجود حمل ثقيل برغم ما أوتي من نعم .
علمتنا " سارة " معنى التضحية ومعنى الحب ومعنى التفاني ومعنى الصبر اللهم ارحم " سارة " واجعلها في ميزان والديها الكريمين يوم لا ينفع مال ولا بنون .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق