السبت، 25 سبتمبر 2010

انسان البعد الواحد

انسان البعد الواحد
عبد العزيز الخاطر
2006 / 9 / 13
المال يتغول فيما تنتحر القيم
عندما ذكر هربرت ماركوز " أحد أعلام مدرسة فرانكفورت النقدية " أن المجتمع الصناعي الرأسمالي خلق للإنسان حاجات وهمية جعلته يصبح جزءاً من نظام الإنتاج والاستهلاك الرأسمالي وبالتالي أبعده عن حاجاته الحقيقية ليصبح بامتياز إنسان البعد الواحد " فلو نظرنا الى ما نحتاجه اليوم لوجدنا أنه لم يكن كذلك في السابق وما كان لا يمثل ضرورة في السابق أصبح اليوم حاجة ضرورية برغم عدم تبدل الظروف فالهاتف النقال على سبيل المثال لم يشعر أحد بالحاجة إليه إلا بعد اختراعه بمعنى أن وجوده خلق الطلب عليه فهو اليوم حاجة ضرورية للجميع دون شك وغيره كثير من الماديات التي تظهر في الأسواق فالعولمة تخلق الحاجة أولاً ثم تخلق الطلب عليها ثانياً وهكذا .
ولكن تغول رأس المال يجد مقاومة عنيفة في بلدانه فاليسار التقليدي بأطروحاته الاجتماعية بدأ يعود الى الواجهة وقوى المجتمع المدني في أوروبا وأمريكا الآخذة في التعاظم والتي تقوم بالتصدي لذلك التغول الذى صرف الإنسان عن حاجته الحقيقية في مجتمع تسوده قيم روحية ليرمي به في أتون وهم الثراء الفاحش وهي ظاهرة بدأت واضحة في أطراف ذلك التمدد الرأسمالي حيث آليات التحكم عن بعد في أيدي المراكز الرئيسية . علينا أن نتذكر أن ما يسمى بالرأسمالية المتوحشة التي تتصدى لها قوى المجتمع المدني والأهلي في الدول الغربية قامت على أعتاب ديمقراطيات صلبة ومع ذلك لا تزال في جنوحها وتغولها واغتيالها للبعد الإنساني ، أما ما يحدث في مجتمعات المصب الرأسمالي التي لا توجد فيها أصلاً ديمقراطيات لاجمة لمثل ذلك التغول فهي أبعدت الإنسان وحولته ليصبح ترساً في آلية الإنتاج والاستهلاك وذلك فقط ما يحدد وجوده وكينونته . لقد عانت دول الغرب من هذا من قبل فلذلك نجد الوعي الجديد الآخذ في الانتشار اليوم في تلك المجتمعات ربما يعود بنا الى مراحل سابقة كان فيها النظام الاشتراكي نداً قوياً للنظام الرأسمالي المسيطر أو قادراً على تحييده من خلال برامج الأحزاب الأخرى التي قد يجدها الشعب طريقاً لإعادة مكتسباته . المشكلة التي تواجه المجتمعات اليوم هي في قدرة الأموال على الحراك بشكل كبير يشبه المد العارم الذى يأتي على الأرض ثم ينسحب عنها ويتركها يباباً كأن لم تغن بالأمس . ما حدث مؤخراً في الأسواق المالية في بلدان الخليج من قوة اجتذاب للموطنين بحيث جعل الكثيرين يتركوا أعمالهم التي يقتاتون منها ويلتحقوا بالبورصات المالية أملاً في ربح سريع يختصر العمر والعمل دليل على ولادة إنسان البعد الواحد في المنطقة الذى أشرت إليه في بداية المقال . فالحاجات الحقيقية للإنسان بشكل عام من حرية ومساواة وعدالة اختفت أو تراجعت الى مرحلة اللا شعور فطبيعة ارتباط هذه الدول الصغيرة بالمركزية الرأسمالية جعلت منها في حالة لهاث دائم للمواكبة فحالة التراكم الكمي طغت على حالة التراكم الكيفي التي مرت بها أساسا تلك الأسواق وتلك والمجتمعات ولذلك فعملية التأزيم مستمرة وستستمر في هذه المجتمعات حتى تتحقق حاجيات إنسانها الحقيقية ليشعر بإنسانيته أولاً لأن الاستهلاك وحده لا يكفي لتحقيق ذلك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق