السبت، 25 سبتمبر 2010

البنية الثقافية ودورها فى التحول الديمقراطي

البنية الثقافية ودورها فى التحول الديمقراطي
عبد العزيز الخاطر
2006 / 5 / 19
قوة الدولة تختلف من منطقة الى أخرى داخل عالمنا العربي الكبير وذلك الاختلاف له مدلولاته السياسية والاجتماعية وتأثيراته على تطور المجتمع وسهولة ولوجه الى مرحلة التحول الديمقراطي المنشود ففي البلدان التي لا تزال البنى الثقافية والاجتماعية فيها فاعلة نرى دوراً للدولة يختلف عن تلك البلدان التي لم يعد يوجد فيها بنى تقليدية فاعلة أو استطاعت الدولة أن تقضي عليها و إذا افترضنا وجودها فأنها على الأغلب شكلية .
أستطيع أن أسوق أمثلة لتوضيح ما أقصده فالمثال على وجود قوى أو بنى ثقافية فاعلية يمكن رؤيته في كل من لبنان حيث الطوائف أو اليمن حيث القبيلة تلعب دوراً حاسماً في إدارة المجتمع وتحولاته في تلك البلدان. نجد الدولة تتعامل بشكل سياسي يميل الى توزيع المقدرات بين هذه البنى أو تلك القوى على نحو توافقي لتتمكن من السيطرة على زمام الأمور وهي هنا أقل بطشاً وعنفاً . في حين أن المثال على قيام الدولة بإزالة البنى الثقافية داخل المجتمع يتمثل في تونس ( راشد الغنوشي في إحدى حواراته ) والنتيجة لذلك امتلاك الدولة للمجتمع بشكل كلي وقضاؤها على أي إمكانية للتطور في اتجاه المنحنى الديمقراطي الذى يفترض إيجاد بدائل لتلك البنى التقليدية بشكل تدريجي يمكن المجتمع من التقليل من سيطرة الدولة وبطشها .
أما المثال على شكلية تلك البنى التقليدية وعدم فاعليتها بشكل يجبر الدولة على توزيع الأنصبة فهي بلدان الخليج العربي فالقبيلة فيها برغم وجودها إلا انه وجود شكلي لا يستطيع الوقوف أمام الدولة وجبروتها أو إجبارها على التعامل معها أو مع مؤسسات المجتمع الأخرى بشكل أكثر حيادية لأسباب كثيرة منها الندرة السكانية واعتماد الاقتصاد على الريع المستخرج بواسطة فعاليات أجنبية لا تشارك فيها القوى الوطنية إلا بالنزر اليسير والجميع يعلم لما لهذه البنى الثقافية والاجتماعية بجميع أشكالها ، القبلية والطائفية من دور كبير أثناء مرحلة مقاومة الاستعمار ومعارك التحرير الوطني في جميع بقاع أمتنا العربية ، ولكن التحول السلبي حصل بعد الاستقلال حيث امتلكت الدولة سواءً كانت على شكل الحزب الواحد أو القبيلة أو الطائفة زمام الأمور وتنكرت لتلك القوى التقليدية وماضيها وتاريخها وعملت بالتالي على تهشيمها أو ازالتها أو إبقائها كديكور لا أكثر ولا أقل فأصبح الأمر وكأننا في حاجة الى استقلال ثان ، ليس من المستعمر هذه المرة ولكنه من الدولة بشكلها الشمولي الذى يدوس على بنى المجتمع التي يمكن تطويرها بحيث تصبح نواةً للتحول الديمقراطي المنشود . ان الديمقراطية في نهاية المطاف صيغه توافقية بين العديد من الأطراف ذات المصلحة المشتركة من هذا التعايش  لذلك يتطلب الأمر تحويل تلك البنى وتطويرها الى صيغ أكثر ملائمة للعصر وعدم العمل على تهميشها أو القضاء عليها إذا كانت هناك رؤية مستقبلية تتعدى أبعاد المنفعة الشخصية الآنية ، لذلك لا نعجب حين نقرر أن اقرب الدول العربية الى التحول الديمقراطي الحقيقي هي تلك التي لا تزال فيها البنى الثقافية مؤثرة كما أشرت سابقاً وأبعدها عنها هي تلك التي همشت تلك القوى أو قضت عليها وان بدت الصورة غير منطقية عند المقارنة بين بلد كتونس أشد البلدان العربية قرباً من أوربا ولكن بسيطرة تامة للدولة حيث لا وجود لقوى ثقافية مؤثرة وبين بلد كاليمن تحتاج فيها الدولة الى تعامل خاص مع البنى الثقافية الموجودة لكي يستمر التعايش بين الطرفين وهو شرط الديمقراطية ولكن الإشكالية تبقى عندما تكون تلك البنى الثقافية والاجتماعية أقوى من الدولة بحيث تصبح هي الدولة لتعود الأمور الى نقطة الصفر من جديد. فالامر يحتاج الى حالة من اللاحسم تستدعى التوافق كحل لا بديل عنه لكل الأطراف .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق