السبت، 25 سبتمبر 2010

العقل المطلق

العقل المطلق
عبد العزيز الخاطر
2005 / 12 / 20
اختزال الزمن والظروف في كبسولات علاجية
العقل المطلق عقل متخلف لا يرى التضاريس الحقيقية ولا يفرق بين بعضها البعض والفكر الشمولي الذى يضع الجميع في سلة واحدة فكر متخلف أيضاً فالعقل المطلق يصدر أحكامه غير عابئ بالتاريخ أو الجغرافيا فهو عقل لا زمني فهذه النمطية من التفكير اختزالية لكل شئ " وأنا اقصد بالعقل هنا ليس العقل بيولوجياً ولكن طريقة تفكيره أي " العقلية " . لننظر الآن الى عدة صور يتجلى فيها العقل المطلق وأحكامه بصورة لا تدع شكاً لدى أحد بأن إحدى مشاكلنا الكبرى هي غياب العقلية النقدية والتفكيكية التي تستطيع أن تعالج الأمور موضعاً موضعا دون شمولية تكتسح التفاصيل ولا ترى جزئيات الحقيقة إلا بعد فوات الأوان . من يرى أن الغرب كله شر " عقل مطلق " لا يرى حضارته المشعة ومن يرى أن أمريكا كلها شر " عقل مطلق " لا يعاين قدرة ذلك المجتمع المختلف الأعراق على التعايش وقبول الآخر ومن يعتقد أن المسلمين كلهم خـير ( عقل مطلق ) لا يفرق بين الإسلام والمسلمين اليوم ومن يسمي سقوط برجي نيويورك بغزوة نيويورك ( عقل مطلق ) اختزل الزمن في كبسولة ومسح قروناً وأزمانا من التراكم الحضاري والإنساني ومن يعتقد أن ما قام به " الزرقاوي " مؤخراً من قتل الرهينة الأمريكي رداً على تجاوزات الجنـود الأمريكان والبريطانيين الفجـة في معاملتهم للأسـرى في ســجن أبو غريب ، " عقل مطلق " ولا يستطيع التمييز بين فرصة كشف الجريمة للرأي العام العالمي واستغلالها لصالحه وبين ما يمكن أن تحدثه مثل ذلك الأمر من تبرير لتلك الجرائم السابقة .
لا شك أن مثل تلك العقلية تتحمل اثماً كبيراً في ما حصل لهذه الأمة على مر تاريخها القديم والحديث ، ان روشتات العلاج الشمولي دون السماح للرأي الأخر بالظهور كانت روشتات تدمير وليست علاجاً ، بأشكالها وعقائدها المختلفة ؛ فنقطة التحول التاريخية في حياة الأمم تضع المستقبل في بؤرتها وأمامها إلا أمتنا التي تستخلص علاجاتها من ماضيها امتهانا للتطور وتصغيراً للعقول وتجميداً للأحداث في قوالبها التاريخية .عندما تخلصت أوروبا من ربقة الكنيسة والإقطاع ورجالاتهما لم تعد ترى في ماضيها حلولاً . نحن عندما أردنا التقدم التفتنا الى ماضينا وأخذنا منه عقده المستحكمة " في كبسولات مثل كبسولات الدواء التي لا تصلح احداها آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " أي جمود بعد هذا وأي استحضار " للعقل المطلق " بعد ذلك الاستحضار . نعم لقد صلح أول هذه الأمة ضمن شروطه وظروفه التاريخية وبنفس القدر يمكن إصلاح آخر الأمة ولكن ضمن الشروط والظروف الموضوعية المعاشة والمختلفة عن تلك الأولى وهنا تكمن قدرة وقوة العقل التفكيكي والنقدي .
ما يزيد الطين بله ويزيد العقل المطلق بريقاً تحول اللا ممكن الى ممكن في حياتنا العربية ! كيف تتحول الجمهوريات الى نمط توريثي تخجل منه حتى أبعد القبائل مسافة عن التحضر ؟ وكيف يتحول الفرد الى زعيم أوحد واله يعبد . فلا غرابة إذن أن يُسرق الإسلام تحت فهم معين ويسوق وكأنه الفهم الحقيقي والوحيد الذى جاء به ، ولا غرابة أن تتحول أنظمة الحكم الى مافيات تجارية واقتصادية تقتات من دم الشعوب الى آخر هذا المنوال من الخروج عن أسس المنطق السليم .
أن الحل الأنسب والوحيد هو في المراجعة الفكرية والعقلانية ومراجعة المطلقات الماضوية التي تحولت بعد أزمان الى نصوص أضيفت وجعلت على نفس المقدار من القداسة من نص الأمة الخالد الذى " يحتمل النظرة التفكيكية ويحتمل المعاصرة كذلك " وصحيح السيرة . نحن بحاجة ماسة كأمة الى مراجعة ذاتية تضع الأمور في نصابها وتعيد للأمة اتزانها وتخفف من صدى الماضي وتزيد من أهمية المستقبل حيث يكمن المصير وتتكىء العاقبة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق