السبت، 25 سبتمبر 2010

الانتصار يبدأ من الداخل

الانتصار يبدأ من الداخل
عبد العزيز الخاطر
2005 / 12 / 19

عندما ضربت مصر عام 1967 وهُزم العرب عسكرياً أمام إسرائيل ، ادعى الكثير أن النظام القومي الناصري هو سبب الكارثة وإنحاز الكثيرون ضد الفكر القومي بمجمله ولم يروا فيه أي إيجابية برغم ما له من أبعاد أقلها وأبسطها التأكيد على الكرامة وشرف الأمة . وحين تنازعت الأمة تيارات الإسلام السياسي على أشكالها ، حتى بدأ أعدى أعداء الأمة على مقربة من بعضها لارتباط المصالح وعلى نقيض من الطرف الآخر من بعضها الآخر الاستئصالي ، أدركت الأمة أنها في مهب الريح إلا أن هناك شبه إجماع لدى السواد الأعظم من أبناء تلك الأمة أن المشكلة الحقيقية تكمن في السلطة العربية أياً كان فكرها ولونها ورائحتها بل أن رائحة الصراع العرقي والأيديولوجي والطبقي تفوح أينما اتجهت داخل محيطها العربي لم يكن ترمومتر تقدم الأمة واضحاً كما يجب فكانت القياسات بما فيها المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية دَجَلاً كبيراً ما يلبث بعد سقوط سُلطة وقيام أخرى حتى يتهاوى وكأنه لم يكن فالإنجازات مرحلية لأنها تنحصر فقط في دورة حياة السُلطة القائمة ومكاسبها الراهنة ولا تمتد أبعد من ذلك والآن بعد كل ما وصلت إليه الأمة في تهاون وتخاذل وما يواجهها من تحديات مصيرية لا تزال هناك أصوات تنادي بمخارج وبوسائل انقاد مختلفة بما فيها من التحاق بركب العولمة الجارف برغم تشوه هياكلنا كأمة الاقتصادية منها والسياسية ولم يوضع الترمومتر الحقيقي لإعادة بناء الذات العربية والإسلامية وضع الإنسان داخل مجتمعه العربي والمسلم ، كيف يمكن لأمة أن تنتصر في أي من معاركها وقرار تلك المعركة يتخذه فردٌ واحد بل كيف لها أن تتقدم والمواطنون فيها درجات منها ما هو فوق السحاب ومنها من هو تحت الصفر .
لقد آن الأوان لإقامة دولة المواطنة الحقيقية داخل أرجاء هذه الأمة التاريخية وهي وحدها القادرة على صنع السلطة ذات القرار المستقل وهي وحدها القادرة كذلك بأن تدفع بالأمة إلى مجالات أرحب وأوسع . أن الملايين من أبناء الأمة العربية على اختلاف أعراقهم مبعدون ومهمشون من المشاركة في قضايا الأمة وكفاحها نتيجة لانشغالهم بقضية وجودهم والاعتراف بهم كأفراد ومواطنين لهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات وأستطيع أن أجزم أن طريق الخلاص يبدأ باختزال الجميع تحت مفهوم المواطنة وجمع ارادات الأمة ما أمكن نحو أهداف محددة وهو ما تم فعلاً داخل الولايات المتحدة وجعلها تسود العالم . ان الاستمرارية والقوة والمنعة لدول المواطنة حتى وإن بدا حيناً أن الأيديولوجيا يمكنها أن تحقق ذلك كما رأينا في ألمانيا النازية أو إيطاليا الفاشية أو ربما كما يبدو للبعض من خلال تبنيه للإسلام السياسي أياً كانت درجة حدته وقوته .
يبدو أن الأمر يتطلب من الأمة أن تقاتل في أكثر من موقع في الداخل والخارج لتحقيق أهدافها ولكن ضرورة الاقتناع بدولة المواطنة أولاً أمر في غاية الأهمية بعد أن جربنا مرحلة الأيديولوجيات . انني على يقين أن أكبر إنجاز للحضارة الغربية والتي مكنها من السيادة والتسيد والانتشار هو تحقيقها الفعلي والواقعي وتطبيقها كذلك لمفهوم المواطنة. لم تحقق تلك الحضارة شيئاً يذكر حينما كان المجتمع طبقات من نبلاء وعبيد ورجال كنيسة ولم تحقق شيئاً عندما ساد الفكر القومي المتعالي في أرجائها ( مع تقديري للاعتزاز بالهوية والتاريخ والثقافة ) على كل حال تبدو الأمور وكأن معركتنا مع إسرائيل هي الخاتمة ولكن الحقيقة إن معركتنا مع الذات والتي تجد من المقاومة الشيء الكثير داخل جيوب الأمة والتي تريد أن تمسك بعقارب الساعة من المضي قدماً هي البداية الحقيقية لانتصار الأمة على نفسها قبل أن تتمكن من الانتصار على الغير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق