الأحد، 26 سبتمبر 2010

لماذا يعجز الطرح الايديولوجي عن انقاذ الأمة؟

لماذا يعجز الطرح الايديولوجي عن انقاذ الأمة؟
عبد العزيز الخاطر
2007 / 11 / 16
تعج المكتبات والصحف العربية بالمئات من الحلول النظرية لمشاكل العالم العربي على اختلاف اتجاهات هذه الحلول . ومن الملاحظ نشاط أيضاً هذه الظاهرة المتمثلة في تنوع الطرح الإيديولوجي في مراحل الأزمات والنكسات وانخفاض أدائها بعد ذلك . أما على أرض الواقع فهناك نوع من الثبات النسبي لحال الأمة العربية المتردي الذي يزداد تردياً . فلا تصل تلك الحلول الى هذا الواقع ولا يرتفع ذلك الواقع ليلاقي أطراف تلك الحلول . وهنا نطرح سؤالاً : هل يمكن للايديولوجيا بمفهومها العام أن تصنع أو تغير الواقع أم أن الواقع المادي هو صانع الايديولوجيا ؟ من وجهة نظر الماركسية المعروفة فالواقع المادي هو أساس الايديولوجيا الفوقية المكونة من النظام السياسي والاجتماعي وهو ما أطلقت عليه اسم المادية التاريخية . قد يكون ذلك صحيحاً الى حد ما في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة حيث التقدم المادي الصناعي السريع يخلق له وسطاً ثقافياً وعلاقات مرتبطة به أما ما حدث في الاتحاد السوفييتي إبان نهضته فهو العكس تماماً حيث قادت الايديولوجيا اللينينية والستالينية مواقع التغيير فيه وكذلك غيرت الايديولوجيا القومية خلال فترة الخمسينيات والستينيات في عالمنا العربي أجزاء كثيرة من أرض الواقع ولو تطرقنا قليلاً الى العالم الغربي أو حتى بعض دول العالم الثالث لوجدنا أن معظم الأطروحات الإيديولوجية تصل الى أرض الواقع من خلال قنوات رسمية متمثلة في الأحزاب ولكل حزب إيديولوجية يسعى من خلالها الى الوصول للحكم وهذا غير متوافر في عالمنا العربي بالرغم من وجود الأحزاب في بعض الدول العربية إلا أنها شكلية الى حد كبير ، ويبقى الحزب الحاكم أو حزب الرئيس هو الايديولوجيا المسموعة وغير القابلة للتغيير ألا بتغيير الحكم نفسه وتظل الأحزاب الأخرى تدور في فلك ذلك الحزب . وإن كان لهذه الإيديولوجيات وجود حقيقي معترف به كبعض التكتلات في مجلس الأمة الكويتي ومجلس الشعب المصري إلا أن وصولها إلى الحكم بعيد المنال . إذن هناك عناصر لابد من توافرها لتجعل الايديولوجيا قادرة على إحداث التغيير ومتسقة مع بيئة المجتمع وتراثه الى حد كبير . ودعونا نسلم مسبقاً بإمكانية انضواء الطرح الإيديولوجي في عالمنا العربي أياً كان مصدره ضمن دائرة المفهوم الإسلامي والمبادئ العامة للإسلام وتحت شعار (كلنا مسلمون) ؛ كونه الهوية الأشمل لمعظم أفراد هذه الأمة وكونه استطاع إحداث ثورة في المفاهيم والقيم في البيئة العربية الجاهلية حيث أوجد التسامح كقيمة ضمت بين جناحيها المسلمين بالرغم من اختلاف أعراقهم وارتفع بقيمة التضحية فجعلها من أجل أهداف أسمى ودفع بنظر المسلمين الى مصيرهم المشترك بعد أن كانت أنظارهم لا تتعدى مصيرهم كأفراد وقبائل . هذه المفاهيم والقيم هي أداة التغيير المادي وعالمنا العربي يعاني حالياً غياباً مشهوداً لهذه القيم والمفاهيم فنحن في حالة ردة عن هذه القيم العظيمة نطرح الفكرة ونطلب منها أن تحقق نفسها بنفسها في أرض الواقع . فثقوب غياب هذه القيم والمفاهيم واضحة في قميص الإسلام الذى نرتديه . ويجدر بنا أن نتعرض لهذه القيم والمفاهيم التي هي أساس تحقق الطرح الإيديولوجي في الواقع المعاش . بل انها الأرضية التى لابد من التوافق معها لا نفيها أو اغفالها.
قيمة التسامح :
ففي حين تسعى جميع الدول العربية لزيادة الرقعة الخضراء في عالمنا العربي . إلا أن هناك عنصراً آخر أعتقد بأنه يجب أن يحظى بالأولوية وهو زيادة مساحة التسامح داخل العقلية العربية والإسلامية ، فبالرغم من أنه من أعظم القيم التي نادت بها الديانات السماوية إلا أنه لا يحتل إلا اليسير في عقلنا العربي المعاصر في حين يحتل الجزء الأكبر منه ضيق الأفق والتعصب بأدواته من تكفير وزندقة وخيانة الخ فالتسامح هو أساس الحضارة الغربية الديمقراطية بالرغم من أنه وُلد إسلامياً إلا أننا تنكرنا له في حين تبناه الغرب ، وحيث أن الإيديولوجية القهرية التي كانت سائدة في بعض البلدان وخاصة العالم الشيوعي سابقاً لم تعد في سياق مع العصر بل ورفضتها الشعوب فإن الحياة النيابية هي ما تستلزم وجود مثل هذه القيمة كوسيلة للتعايش السلمي بين الإيديولوجيات المختلفة .
قيمة التضحية :
قيمة أخرى عظيمة غائبة تجعل من الطرح الإيديولوجي غير ذي معنى فالتضحيات هي أداة التغيير انظر كيف استطاعت هذه القيمة أن تغير واقع الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب العالمية الثانية بعد أن تبنتها الإيديولوجية الستالينية فكانت النتيجة ظهور الاتحاد السوفييتي كدولة عظمى على أنقاض ما يقارب العشرين مليون قتيل ذهبوا ثمناً لذلك ، وفي تاريخنا القديم كيف استطاع المسلمون بتضحياتهم أن ينشروا الدعوة وأن يصلوا بها الى أطراف اوروبا الشمالية بل تمثل هذا أيضاً بين المسلمين أنفسهم من أنصار ومهاجرين . فانسحاب هذه المفهوم من حياتنا وهروبنا منه جعلنا أمة متلقية للضربات ذليلة من أجل " حياة " كما وصفها القرآن لا تتمكن من الوقوف حتى تسقط مرة أخرى .
المصير المشترك :
هذا مفهوم جلل يدفع الأمم الى الكفاح والتضحية لا نستشعره ألبته ، فمفهوم الأمة الواحدة غائب كلياً عن أذهاننا ومن هنا تبدأ المشكلة . فلكل أدواته للخلاص ويسعى إليه بمنأى عن الآخرين . يجب أن نعي أننا نُعامل كشعب واحد عربي مسلم من قبل شعوب وأمم العالم وليس على حسب نوايانا الفردية فبيننا من هو أشد تعلقاً بالغرب من أبناء الغرب نفسه ، ولكنه في وعي تلك الشعوب عربي شرقي مسلم حتى لو أنكر إسلامه فأنه لا يستطيع أن يخلع جلباب العروبة بسهولة داخل تلك العقول فكم توسلنا وحاولنا التقرب من غيرنا وبشتى السبل ولكن ذلك لم يغير من واقعنا شيئاً . فليس أمامنا إلا قبول التحدي الذى تواجهه الحضارات في مراحل تدهورها كما أشار " توينبي " فإن هي قبلت هذا التحدي وواجهته مؤمنة بقوتها ومصيرها المشترك نهضت من جديد وإن انهزمت ولم تستطع ذلك فهي أمة مهزومة ما تلبث أن تندثر ويتشتت تراثها فالحقيقة أن الايديولوجيا لم تفشل كما يتصور البعض ولكن لابد لها من وعاء لكي يمكن ممارستها على أرض الواقع وهو ما يثبته العصر المعاش حينما أصبح السوق هو ذلك الوعاء وأكبر مثال على بقائها برغم تغير لونها وطعمها هي إيديولوجيا السوق وخدمة الأطراف للمركز وانصياع السياسة والأخلاق كذلك لها .
يبقى أن نشير الى أنه لكي يتمكن الطرح الفكري الإيديولوجي من المساهمة بصورة فعالة داخل المجتمع لابد له أولاً من أن ينطلق من خصوصية المجتمع وعليها يبنى تطوره لا أن يستورد المفاهيم من بيئات أخرى ويحاول غرسها غرساً في غير تربتها وهو ما دأبنا على عمله طيلة عقودنا السابقة فلم يستقم مفهوم القومية لأننا استوردنا نسخة الغربية الشمولية ولم يتجذر مفهوم الديمقراطية الغربي أيضاً في أرضنا برغم جميع المحاولات والمساعي والمؤتمرات وغيرها لأننا أردناه محاكاة لإفرازات مجتمعات أخرى . ومن الأهمية بمكان التثبت بأن مكونات المجتمع الأصلية هي مادة البناء الوحيدة لقيام مفاهيمه وقيمة وتطلعاته ، كيف نحول القبيلة الى مؤسسة والدين الى حركة والولاء الأولي الى مواطنة هذه بعض اللبنات التى يجب تطويرها لا تدميرها أو هدمها ثم لابد من قنوات رسمية يستطيع من خلالها الطرح الايديولوجى أن يكشف عن محتواه وذلك كما قلنا ضمن المفهوم الإسلامي الواسع الذى ينص على حرية الرأي والمشاركة ولا بأس من تعدد الآراء ضمن الدائرة العربية الإسلامية المحيطة بالمجتمع ككل مع إتاحة الفرصة لهذه التيارات للوصول الى الحكم وطرح برامجها السياسية . ثم ان هناك نقطه أخرى هامة تتمثل فى تسييس الطرح الايديولوجي أيا كان نوعه بمعنى أن لا ينطلق من مفاهيم مطلقة لا تحتمل الخطأ  وعلينا أن ندرك كذلك أن خطورة سد الطريق أمامه للتعبير عن محتواه سلمياً ليس حلاً حكيماً لأن البدائل الأخرى حتمية وقاتلة كذلك . هذه باختصار أهم الرؤى والتطلعات الضرورية لجعل الطرح الفكري الإيديولوجي عملاً نافعاً وليس مجرد إثراءً مكتبياً يفقد قيمته خارج إطار المكتبة أو بعد الفراغ من قراءة الجريدة ، فبدون امتزاج هذه القيم والمفاهيم بالطرح الإيديولوجي بحيث يصبح المصير المشرك هدفه والتضحية أداة لتحققه وقبول الفكر الآخر منهجه ، وبدون وجود قنوات مشروعة لممارسة هذا الفكر ضمن هوية المجتمع يبقى الطرح الإيديولوجي عملاً فوقياً طوباوياً لا طائل منه . تبقى نقطة أثارها بعض المفكرين وتتطلب معادلة دقيقة تتمثل في سلطنة المثقف أو تثقيف السلطة ، والمسافة بينهما لم نتمكن من إيجادها في صورته المثلى حتى الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق