الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

المواطن بين الفرقة الناجية واليتم الاجتماعي

المواطن بين الفرقة الناجية واليتم الاجتماعي
عبد العزيز الخاطر
2008 / 4 / 13
هاجسان يسيطران على المواطن اليوم لم يستشعرهما من قبل ولم يحسب حسابهما ؛ الهاجس الاول هو هل سيكون من الناجين أصحاب الحظوة الذين ستحملهم سفينة نوح وتعلو بهم على يم العرم السكاني المتزايد يومياً وستحميهم مادياً أيضا مظلة الامتيازات الأرضية من توحش حمى الأسعار وارتفاعها. والهاجس الآخر خوفه الكبير من السقوط فى ملجأ اليتم الاجتماعى لمن لا تصيبه تلك الحظوة وتلك الامتيازات . المجتمع عندنا ابن شرعي للدولي. طبيعة الدولة , ونمط قيامها, وعقدها الاجتماعي, ونمط اقتصادها يقول ذلك. على كل حال فإن لهذين الهاجسين بعدهما التاريخي داخل العقلية العربية , فحديث الفرقة الناجية المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم أسس لركيزة استئصالية ضمن الذهنية العربية والاسلامية لا تقل خطورة عن خطورة ادعاء الجميع بأنهم- دون غيرهم - من يعنيهم ذلك الحديث وبالتالي يؤسس لعقلية الغنيمة التى أشار اليها الجابري فى تحليله لبنية العقل السياسي العربي ؛ تلك العقلية الفئوية ذات طابع الخلاص الفردي . أما اليتم الاجتماعي فبعده التاريخي يتمثل فى تسلط النخب على الأوطان فينزاح الاقتصاد بالتالي الى الجزء على حساب الكل فى حين تبدو المعركة معركة الكل, ونظراً لما للاقتصاد الريعي من أثر حاسم فى عدم تبلور تحول ديمقراطي حقيقي , تصبح تلك النخب هي من يشكل طبقات المجتمع وهى من يتخذ القرار نيابة عنه وهي من ينجو على حسابه. الآن ما يجعل هذان البعدان أشد أهمية وأكثر استفزازاً عنهما فى السابق هو تحول المنطقة من دول وطنية الى أقرب الى الأسواق شكلاً والسكان من مواطنين أو مشروع مواطنة الى مستهلكين أو أعداد من المستهلكين, والحلقة الأضعف والحال هذه هي تلك المجتمعات التي تغيب أو تختفي فيها قوى المجتمع المدني وأطيافه وتكتلاته وتتضاءل فيها المشاركة الشعبية فهي بالتالي موطن خصب للتفكير بمنطق الفرقة الناجية وأرض معطاء للشعور باليتم الاجتماعي. لا أقول بأن الامور قد وصلت الى مراحلها القصوى فى هذا الشأن, بل ان النظام الاجتماعي فى قطر على مر العصور هو الأفضل خليجيا لأسباب عديدة لا تخفى على أحد ولكن مجرد التوجس والاحساس يدل على حالة من التبدل والتغير قادمة أرجو ألا يدفع ثمنها المواطن البسيط, خاصة مع تحسن الدخل القومي وارتفاع سعر برميل النفط وظهور موازنات تاريخية لن تستغل بأفضل مايكون اذا لم تعمل على توسيع حجم الطبقة الوسطى فى المجتمع وبالتالي يتسع مفهوم الفرقة الناجية وتتضاءل مساحة اليتم الاجتماعي . ان التفكير بمنطق الدولة يتطلب اقامة نظام تعليمي جيد ومتيسر للجميع ونظام صحي متطور مجاني ومتاح لجميع أبناء الوطن وكذلك سياسة ضمان اجتماعي تحمي المواطن من غوائل الزمن, فالمواطن لايمكن أن يبدع وهو يخاف غوائل الزمن , نعجب كثيراً من حجم تبرعات الغربيين الأثرياء منهم فى جميع المجالات حتى لايكاد أحدهم يبقي لنفسه شيئا لسبب بسيط وواضح هو أنهم آمنوا ووثقوا بأنظمتهم ومكتسباتهم التاريخية والاجتماعية فلا تراجع عنها , فى حين أن أثرياءنا يكنزون الذهب والفضه خوفاً من نكران الوطن لهم أو ربما خوفاً من اختفائه من على الخريطة فالخسارة هنا مركبة عليهم وعلى أوطانهم برغم الوازع الديني الذى قد يفتقده غيرهم. ان العالم اليوم بأكمله وفى مقدمته الولايات المتحدة الامريكية يتجه الى الرأسمالية الاجتماعية التى تقوم أساسا على الدعائم التى ذكرت من نظام صحي وتعليمي وضمان اجتماعي تملك فيه الدولة هذه الانظمة وتطورها بشكل أفقي وتترك للقطاع الخاص مجالاته الأخرى دون تدخل. ان وجود الدولة أية دولة يتطلب وجود مواطن فليس هناك خيار غير ذلك يمكن أن تتطلع اليه ، وتلاشيه بداية واضحة لانقراضها وتلاشيها بالتالي. على كل حال أشعر بأننا أبناء هذا الوطن فى أيدٍ أمينة ان شاء الله , وأطرد مثل غيري هواجس تلوح بي كلما رأيت برجاً جديداً يرتفع يذكرني بهاجس الفرقة الناجية أو وجدت نفسي بين كتل تموج من البشر بلكناتهم الغريبة على أذني فى أحياءنا وبين دورنا تذكرني بهاجس اليتم الاجتماعي الذى لم نشعر به من قبل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق