الأحد، 26 سبتمبر 2010

العقيدة وغلبة الاجتماعي على الديني

العقيدة وغلبة الاجتماعي على الديني
عبد العزيز الخاطر
2007 / 3 / 9
من يعتقد أن العقيدة الإسلامية صالحة لكل عصر وزمان لابد وأن ينفي عنها صفة الانغلاق العقائدي الذى يؤمن به ويمارسه البعض طوعاً أو كرهاً وربما بحسن نية ودون إدراك ، من يفعل ذلك قد لا يعلم أنه بذلك يُعلن محدوديتها وتاريخية نصوصها ويخرجها من إطار العالمية الذى يسعى إليه عقلاء وفقهاء الأمة الثقاة استجابة لمضمون رسالتها الخالدة .
لو أدرك أولئك أن هذه العقيدة ثابتة النصوص ولكنها تتطلب تطوراً في الفهم لكي تجاري به العصر لاختلف الوضع واتسعت الرؤى . عندما كانت العقيدة المسيحية تمارس الانغلاق العقائدي وترفض حتى ما يخرج من مضمونها اضطر أصحابها الى عزلها عن الحياة الاجتماعية بعد حروب دينية وطائفية طاحنة . لابد إذاً من فهم متجدد يخرج الواقع من الإسقاطات الكلية التي لا تحتمل سوى القبول أو الرفض . ان مشكلة عدم الفهم المشترك بين الغرب " المسيحي " والشرق " الإسلامي " فيما يتعلق بتجاوز التصادم المحتوم كما يتصوره البعض تكمن في الخلفية الاجتماعية والسياسية لكلا الجانبين ، فالمسلمون يمتلكون عقيدة من خصائصها التطور ولكنهم اجتماعياً عاجزين عن إدراك ذلك والإجماع عليه وتحقيقه فعلياً ، في حين أن الغرب يعتمد فلسفة برجماتية نفعية بعد أن عجزت عقيدته المسيحية ذاتياً عن التطور فالعجز هنا في المنهج لعدم شموليته ولكنه هناك عند المسلمين في فهم المنهج ومقاصده . مع أن اتساق المرء أو حتى المجتمعات مع سنن الله في الكون من أخذ للأسباب يكفل له أولها التقدم والتطور مهما كانت عقيدته أو عقيدتها وللنظر الآن لردود الفعل العالمية لعدم إدراكنا أو إجماعنا أو قدرتنا على إبراز صورة العقيدة الإسلامية الحقيقية لغيرنا من مجتمعات العالم ، الأمر الذى جعل أصابع الاتهام تتجه إليها لا إلينا كما ينبغي . يشير فوكوياما في مقال له نشر سابقاً في مجلــــــة " نيوز ويك " الأمريكية الى " أن الإسلام هو الحضارة الوحيدة في العالم التي يمكن الجدال بأن لديها بعض المشاكل الأساسية مع الحداثة " مع إقراره بأن الحضارة الإسلامية كانت تتعايش فيها المذاهب المختلفة في ظل النظام  العثماني  في الوقت الذى كانت الحروب الدينية تمزق أوروبا ولكنه تطور بصورة معقدة أدت الى توليد أشكال أخرى منه ترفض حتى مبدأ الحداثة الأول المتمثل في قيمة التسامح . وفي نفس العدد من المجلة ذاتها مقال آخر لصامويل هانيتغتون صاحب مقالة صدام الحضارات الذائعة الصيت يشير الى أن الزمن الذى نعيشه هو زمن الحروب الإسلامية سواء البينية أي بين المسلمين مع بعضهم البعض أو بينهم وبين غيرهم من الحضارات والأديان وهناك عقدان عاشهما العالم تحت رحمة العنف والإرهاب الإسلاميين من عام 1980 – 2001 . ولنا أن نتصور مدى مساهمتنا في صدق هذه المقولة داخليا عندما ننظر لما يحدث في العراق اليوم .
من المسؤول عن هذه النظرة لدى دوائر الرأي والدراسات في الغرب عن عقيدة يُجمع الكل لدى دراسته لها بتمعن وإدراك بأنها تجمع خير الدارين فمن الذي قرن الفقر والجهل بالإسلام داخل الذهنية الغربيــة إذاً ؟ من الذى ربط بين التعصب والتطرف وبين العقيدة الإسلامية ؟ ألم يكن ذلك نتيجة للتراكم الاجتماعي " بما فيه الفهم القاصر والخاطئ " عبر مسيرة هذا الدين العظيم وإسباغ صفة الديني على الاجتماعي مع مرور الأيام . الناظر يدرك أن التطور السلبي كان يجري على الجانب الاجتماعي هذا بصورة متسارعة أوصلتنا الى ما نحن عليه من مأزق حضاري في حين أن الفهم المتحرك الذى تتطلبه الشريعة يبدو وكأنه استبعد حتى يبلغ الجانب الاجتماعي مأربه ومقصده تحت عباءة ورداء الدين ، فالعالم الإسلامي جُبلٌ من التراكمات الاجتماعية منذ القرون الأولى وما نشهده يومياً ليس سوى هزات تعلو وتنخفض لإذابة هذه التراكمات حتى يظهر معدن العقيدة الحقيقي وبالرغم من ذلك لا تجد أن أشد المقاومة هي تلك التي تأتيك من الخارج المنافس بل من تلك الانشطارات التي ولدّتها هذه التراكمات الاجتماعية كما أن الفتاوى التي تأتيك من كل حدب وصوب بما فيها من تضارب جعلت من المسلم المعاصر مريضاً ليس بسبب ما يعانيه من مرض ظاهر وانما بسبب كثرة الأدعياء من الأطباء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق