الأحد، 26 سبتمبر 2010

أبعاد الهوية واشكالاتها

أبعاد الهوية واشكالاتها
عبد العزيز الخاطر
2007 / 12 / 25
(1)
الهوية طبقات وليست طبقة واحدة ، وحدها الظروف التي تفرض أولوية طبقة على أخرى . قد تكون الهوية الاثنية هي الأولى في ظروف تنازع الاثنيات وتقاتلها . وقد تطفح الهوية الدينية لتحتل الصدارة مع بداية تشكل الدولة الدينية وغياب المواطنة وقد تأتي الهوية القومية مع ظهور الدولة - الأمة لتعتمد البعد الثقافي لتتجاوز بذلك الهوية الاثنيه والدينية ولكنها لا تتجاوز سلبيات ذلك إلا فيما ندر .
تلك الطبقات في أحسن حالاتها تكون ثنائية بمعنى أما اثنية تقابل اثنيات أو دينية مقابل أديان أخرى أو قومية في مقابل قوميات أخرى . لكنها قد تحمل بذور صدامها مع أجزائها بدرجة أكبر من صدامها مع الآخر المقابل أو المضاد . فيصبح واقع التجزئة الصغرى هو الفتنة الكبرى التي منها يفر الجميع. في أثناء الحروب والأزمات الأهلية يجرى البحث عن أجزاء الهوية وتتصدر تلك الأجزاء الأولوية على غيرها ، وينقلب بالتالي الجزء على الكل فلا يجري البحث عن المسلم مثلاً ولكن من أي طائفة هو ولا عن الاثنيه ولكن الى أي قبيلة ينتمي ولا عن المواطن ولكن من أي منطقـــــــــــة ( جهوية ) يتحدر . وحدها الدولة المتخلفة التي تجزأ إنسانها بحيث يمكن اعادته الى صلصاله الأول ولا تعترف بنموه ولا بمدنية القوانين ، فالإنسان فيها محكوم بتراتبية سابقة عليه لا يملك معها حولاً ولا قوة فعليه فقط أن يجاريها فالأمير أمير والخفير خفير .

(2)
الخوف من غياب الهوية ليس خوفاً مدنيا وانما خوف أولي يشترك فيه الإنسان مع غيره من المخلوقات ، الانقراض خوفاً يهدد الجميع ، ذهاب الهوية في أبعاده انقراض بلا موت . لماذا تحافظ المدن القديمة على شكلها وطابعها منذ قرون ؟ لماذا يتوافد أهل المدن الحديثة لزيارة المتاحف والقصور والمدن والأزقة القديمة بأعدادهم الهائلة ؟ للتاريخ عبقه ورائحته والإنسان كائن تاريخي يستمد بقاءه أولاً من حكايات التاريخ السابق عليه . المواطن الامريكي أو الاسترالي عندما تسأله يذكرك بأصله ومن أين جاء ولا يكتفي بكونه امريكياً أو استرالي الهوية دائماً في الذاكرة . ولكن هناك فرق بين الهوية كمعول للقتل وبين الهوية كمرتكز للحياة . والهوية في عالمنا المتخلف أحياناً قاتلة والجميع قد يعمل على إخفائها وإن لم يكن  كل الوقت ولكن لا يضمن أحد أن يأتي وقت لا يتحتم ذلك . انتشار النفاق اذاً في عالمنا ليس عملاً اعتباطياً ولكنه عمل براجماتي ونوع من أنواع تلون الحرباء وتغير لونها لكي تتأقلم مع الطبيعة التي تسكنها .
عندما ترتبط الهوية بإبعاد دينية تصبح بالتالي هذه الأبعاد هي المحرك لها عبر  التاريخ و تصبح درجة ما وصل إليه الدين من فهم حقيقي في نفوس أصحابه المؤمل الوحيد للتعامل معها . فإذا كان ذلك الفهم إقصائياً كشعب الله المختار والفرقة الناجية أصبحت الهوية تتطلع الى بؤر محرقية في الماضي تعمل على اعادتها فيصبح بالتالي المجتمع في أبعد حالاته عن الاتجاه نحو النضج والديمقراطية . بذور الشك تنتشر في جميع أرجاء مجتمع الهويات المجزأة وخطوط كثيرة وهمية قد تؤطر علاقات أصحابه وتفصلهم عن بعضهم البعض وتجعل من مفهوم الفتنة مرتعاً تحوم على أطرافه الأمة توشك أن تقع فيه مع أنه ليس قدراً مكتوباً عليها .
(3)
عندما نتناول هوياتنا الجزئية ونقاتل من أجلها ، ننسى أن الهوية الإنسانية هي المخاطبة إلهياً حتى عبر هويات أصحاب كل دين على حدة . فلا يذكر كتاب ديني هوية أصحابه إلا من خلال ربطها بالأبعاد الإنسانية مثل الخيرية وشروط تحققها فيهم . التكنولوجيا وحدها بصفتها الصماء اليوم تسعى لخلق هوية الإنسان العالمي الذى يتعامل مع معطياتها دون شروط مسبقة فلا تجعل للدين وزناً ولا للطائفة مقاماً ولكن أصحابها وملاكها في نفس الوقت منحازون للهوية بشكل طاغ فيما يتعلق باكتمال نمو وعقلانية من يستحق حيازتها . الذين تتصدر الهويات الدينية والطائفية والقومية أو الاثنيه جداول أعمالهم ، لا يستحقون حيازتها حتى يكتمل نموهم ويرتفع عن ذلك . أعينهم اليوم على باكستان وسلاحها النووي فالهويات الناقصة تقترب من اقتناصها وتهديد العالم بها وأعينهم كذلك على إيران في محاولة لاقصائها عن التمكن من الحصول على التكنولوجيا النووية وإلباسها الثوب الديني الطائفي لتحملها صواريخ الحسين وفجر وغيرهما .
 عالمنا بحر من الهويات المتلاطمة ولكل حقبة زمنية هويتها الخاصة بها . المهزوم دائماً مهزوز الهوية ينزع بالتالي الى الهويات الأولى ليختفي بين جنباتها . لحظات القوة في تاريخنا قليلة لكنها خصبة يانعة سمت بالهوية بعيداً عن أزقتها الضيقة الى رحاب أوسع ففي لحظة تاريخية مليئة بالقوة أصبح عنترة بين شداد " العبد " رمز القوة والتضحية وفي مراحل لاحقة أصبح سلمان" الفارسي" من آل البيت وصهيب" الرومي" صحابياً جليلاً وقبلهم السموأل "اليهودي" شاعر الحكمة . ثمة علاقة وارتباط بين الهوية والقوة فالهوية في تجلياتها الإنسانية الكبرى قوة ، والقوة عند امتلاكها تصبح هوية تفرض نفسها وإن كان بها خصاصة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق