الأحد، 26 سبتمبر 2010

فاتورة الفوات التاريخي

فاتورة الفوات التاريخي
عبد العزيز الخاطر
2007 / 11 / 30
فاتورة " الفوات التاريخي "
الدولة : شركة خاصة والشعوب : زبائن
نتعجب كيف تُورث الجمهوريات في عالمنا العربي وكيف ينحاز الاقتصاد لطبقة على حساب الطبقات الأخرى وكيف يزداد عدد الجامعات والمدارس في عالمنا العربي أيضاً ويزداد معدل الأمية فيه كسراً للقاعدة العكسية بين الطرفين والأعجب من ذلك أنه كلما ازددنا استهلاكاً للتكنولوجيا ارتفعت بالتالي كمية التعصب والتطرف داخل أطرافنا . ثمة مرحلة من عدم التوازن وعدم التجانس وكأن الأمــر خليط من الأزمان والمراحــل داخل بوتقة الحاضر المعاش . انه " الفوات التاريخي " فالانسداد التاريخي ضمن مرحلة واحدة من التطور وعدم قيام التغيرات المطلوبة داخل بنى الدولة العربية واكتفاؤها أو وقوفها فقط ضمن مرحلة النشوء الأولى في الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي أي مرحلة " ما قبل الحداثة " أدى بالتالي الى ظهورها بالمظهر المشوه الذى نراه ونلمسه بأيدينا وأحاسيسنا لقد كان من المنتظر أن تحدث تغيرات داخل هذه البنى إذا لم تكن في ساعتها فلابد أن تكون في مراحل متأخرة ولكن ضمن الدائرة الواحدة للتطور العالمي ، لقد استغرقت مرحلة الحداثة فترة طويلة وارتكزت على معايير وقيم طالت جميع أبنية هذه المجتمعات وربما ليس آخرها إسقاطات وتأثيرات ما يسمى بالعولمة التي تحولت معها القيم الى رموز والأنظمة الى تحالفات للقوى الاقتصادية في المجتمع في مرحلة ما بعد الحداثة كما يسميها البعض ، لقد كان واضحاً أن هذه الإفرازات ما كانت لتتم لو لم تحقق هذه المجتمعات الحداثة أولاً وهي كما تجلت سياسياً في مجتمعات التعدد والليبرالية واقتصادياً في قيام الدولة الضريبية والاقتصاد الحر واجتماعياً في الفصل بين الماضي والحاضر أي المعاصرة ، لذلك كان من السهل عليها وبهذه البنية التحتية القوية أن تتعامل مع فوضى ما بعد الحداثة بأقل الخسائر والتكلفة حيث تغيرت بنية الأحزاب الحاكمة هناك ولم تعد تحكمها الأيديولوجيات السياسية فقط حتى مع احتفاظها باسمائها التاريخية ولا يخفى على أحد أثر كارتلات الشركات العملاقة العابرة للقارات في صياغة الفعل السياسي تبعاً لمقتضيات مصالحها في شتى الأحزاب ولكن دور قيم الحداثة لا يزال قائماً وملموساً على أية الحال وهو ما يشكل هيكل الدولة هناك في حين يشكل الامتداد الاقتصادي ودور الشركات العملاقة المتزايد في العملية السياسية مرحلة ما بعد الحداثة .
فثمه ارتكاز وتراكم تاريخي لـه القدرة في التحكم بإفرازاته والتعامل معها ولكن ما هو الحال لدينا ؟ قفزة كبيرة وعبور مخيف لمرحلة الحداثة دون المرور بها وبتأثيراتها واضطرار حقيقي لمواكبة إسقاطات ما بعد الحداثة التي يمر بها عالم اليوم. هنا حصل تشوه حقيقي حيث الانتقال من مرحلة سابقة للحداثة الى مرحلة ما بعد الحداثة فتحولت الدولة مضطرة للتعامل مع هذه الكارتلات الاقتصادية الضخمة الى شركة خاصة لتسويق منتجات تلك الكارتلات يديرها النظام وتحولت الشعوب الى زبائن لدى الدولة ( الشركة ) بحكم دورها الاستهلاكي نظراً لعدم قيام الأسس الحديثة للمجتمع المدني الحقيقي في عالمنا العربي فالأمر يبدو أشد مأساوية نظراً لعدم وجود مرجعية حقيقية تاريخية يمكن لهذه الشعوب أن تلجأ إليها عند شعورها بالضيم والإجحاف فالمرجعيات أما قبلية أو دينية أو طائفية في حين أن مرحلة ما بعد الحداثة خاصة في أبعادها الاقتصادية تواجه مقاومة ضارية لدى نقابات العالم المتقدم الحريصة على بقاء البعد الإنساني في جميع الحالات واضحاً ومؤثراً وهو كما أشرت في ثمرات تحقيق مرحلة الحداثة السابقــة . فمرجعيات تلك الشعوب الحديثة لا تزال قائمة وإفرازاتها منجزات لا تستطيع أن تتخلى عنها أما الدولة في عالمنا العربي فهي في مأزق حقيقي بين فترة قيامها وانقطاعها عن التطور وانتقالها بالتالي الى مواجهة تلك المرحلة المتقدمة جداً من الحداثة دونما وجود للأسس الحقيقية اللازمة لاستمرارها بشكل طبيعي وانتقالها من مرحلة أخرى بشكل أكثر انسيابية دون أن يلحق ذلك بالمجتمع أي أذى أو كارثة . ولنا أن نتصور عمق المشكلة حينما ندرك إن سقوط الدولة ( النظام ) في عالمنا العربي يعني سقوط المجتمع وسقوط المجتمع يعني بالتالي الرجوع الى الحالة الطبيعية الأولى أي مرحلة الاقتتال من أجل البقاء وفي الوقت الذى يعبر فيه العالم الى مرحلة متقدمة من الفكر السياسي تقوم على تأسيس حقيقي للقطاع الثالث من المجتمع وهو القطاع الأهلي ومؤسساته ونقاباته للموازنة مع القطاعين الحكومي والخاص نجد إعادة إنتاج " الملك العضوض " وتجميل صورته مستمرة تحت دعاوى كثيرة ليس أقلها التمسح بالديمقراطية وقيام المجتمع المدني بينما الواقع عبارة عن إعادة إنتاج لصفحة مظلمة من تاريخنا كأمة.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق